الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاخلاق

سعدون محسن ضمد

2009 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


إن هواجس وجود الجماعة البشرية في جذرها هواجس أخلاقية، بمعنى أن الحاجة لوجود الجماعة وتضامنها تقتضي البحث عن ضوابط أخلاقية تديم هذا الوجود وتدعمه. وإذا كانت الأخلاق ترتبط وجوداً وبقاء بالجماعة البشرية فإنها ولا بد ان تتطور مع تطور هذه الجماعة؛ ما يعني بأن الأخلاق التي (ابتُكرت) لضبط سلوك أفراد العوائل البدائية الصغيرة والمعزولة لا تناسب الجماعات الأكثر تعقيداً كالعشيرة أو القبيلة. لأن الأس الأولي في الأخلاق التي تناسب العائلة هو التضامن داخل إطار مجموعة العائلة، ما يعني أن هذا التضامن لا يشمل مصالح العوائل الأخرى، إذن تكون تلك العوائل بمثابة مجاميع منافسة أو عدوة، وهذا بخلاف ما عليه الحال بالنسبة للأس الأولي في أخلاق جماعة العشيرة الذي هو تجمع عوائل، فهذا الأس ينطوي على مساحة تضامن تشمل عوائل متعددة، ما يعني بأن عوائل العشيرة الواحدة لن تتعادى فيما بينها.
ولا يمكن بناء دولة حديثة بمعزل عن مجتمع متحضر ومتماسك قادر على حماية وجودها ودعم بقائها، ولا يمكن أن يوجد مثل هذا المجتمع من دون أن تتوفر له قاعدة حضارية ثقافية تتضمن ضوابط وأخلاقا وأعرافا وقيما تناسب كيان الدولة الكبير والمعقد. ولا توجد مثل هذه القاعدة في العراق، لا توجد في العراق أخلاق وقيم مدنية، وحتى في مدينة بغداد لا توجد هذه الأخلاق والقيم إلا في أماكن محدودة وقليلة.
الأنساق الأخلاقية التي يقف المجتمع العراقي تحقق حاجات مجتمع قرية أو مدينة بسيطة أو ربما دولة على الطراز (القديم)، لكنها بأي حال لا تحقق حاجات بناء دولة مدنية حديثة. فكرة التضامن في العراق لا تلبي حاجات الدولة المعقدة، فهي مقتصرة على حدود العشيرة أو الطائفة، ما ينعكس سلباً على كامل منظومته الأخلاقية، وهو لذلك مستعد لهدم هذه المنظومة عندما تتعارض مع حاجاته للتضامن داخل إطار الطائفة (مثلاً). والمشكلة أن هذا الخلل لا يقتصر على الطبقات (الدنيا) أو الهامشية من الناس، بل يرقى لطبقة النخب، لذلك نجد بأن الوظائف توزع في مكاتب هذه النخب والدوائر المرتبطة بها مباشرة ـ والتي هي مؤسسات عامة ـ وفق الانتماء لا الكفاءة تحقيقاً لاشتراطات التضامن العشائري أو الطائفي.
من هنا تكون الحاجة لدراسة البنية الأخلاقية/ السلوكية للفرد العراقي حاجة مصيرية، وأن بناء المجتمع العراقي المعاصر يتوقف على رصد جميع التشوهات التي طالت أخلاق وأعراف وتقاليد العراقيين ونزلت بها لمستويات خطيرة. لكن هذه الحاجة كانت ولم تزل بمواجهة عقبتين كبيرتين: الأولى تتمثل بعجز مراكز البحوث عن تغطية نفقات الدراسات الميدانية التي يفترض بها أن تنزل إلى مدن وحارات وضواحي وقرى هذا الشعب لترسم ـ وبالاستناد إلى رؤية واضحة ـ خارطة التشوهات الأخلاقية التي يعاني منها. أما العقبة الثانية، وهي الأهم، فتتعلق بقلة الباحثين المؤهلين لخوض غمار مثل هذا التحد الخطير. فغالبية الباحثين في العلوم الإنسانية من العراقيين، لم يجدوا بيئة علمية أكاديمية تعزز فيهم الميول البحثية، ما دفع بهم تجاه الكسل والتواكل.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟