الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العولمــة : نهايـــة أسطورة

إبراهيم إستنبولي

2004 / 5 / 30
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إعداد و ترجمة د . إبراهيم استنبولي

الكل تقريبا يستخدمون اليوم مصطلح " العولمة " . والطريقة ، التي وفقها يجري استخدام هذا المصطلح ، تبين انه ليس هناك فهم كاف لجوهره الاقتصادي الحقيقي . فماذا يعني مفهوم " العولمة " ؟
ليس هناك أدنى شك في أن المصطلح ابتدعه منظّرو البرجوازية الكبرى . و من ثم تم تلقفه والتسلح به من قبل ممثلي الأرستقراطية النقابية والعمالية ، التي تعمل في خدمة البرجوازية الكبيرة . و هم الذين قاموا بتسويقه بين الجماهير .
إن المفكرين البرجوازيين يدّعون أن العولمة ـ هي عبارة عن تكامل الاقتصاديات الوطنية و تحويل السوق العالمية إلى " سوق أممية " ، و أنها تعبّر عن تقدم و من إنجازات الرأسمالية . يجب الاعتراف انهم محقون حسب رؤيتهم للأمور . إذ أنه ما المقصود بالتقدم من وجهة نظر المصالح الطبقية للبرجوازية الكبيرة ؟
في عصر الإنتاج السلعي ـ فقط قانون التنافس القسري بالضبط هو الذي يجبر المنتجين على تطوير عملية الإنتاج الرأسمالي . فعل ذلك القانون يؤدي إلى " التهام " والى إخضاع بعض الرساميل لبعضها الآخر . فمن وجهة نظر المصالح الطبقية للبرجوازية الكبيرة إن ذلك " الالتهام " للمنافس ، أي إخضاعه اقتصادياً وضمه إلى الرأسمال الخاص هو التقدم و الإنجاز الرأسمالي بعينه . وكنتيجة لمثل هكذا تقدم ـ الانتصار في الصراع التنافسي ـ ينمو رأس المال ، تحدث عملية استغلال عدد اكبر من العمال ، يتوسع سوق التصريف . كل ذلك يؤدي إلى زيادة الأرباح الرأسمالية .
إذن ، التقدم على الطريقة الرأسمالية ، من وجهة نظر البرجوازية الكبرى ـ هو عبارة عن ازدياد في أرباح رأس المال . بالنسبة للطبقة العاملة ولجميع الشغيلة والمُسَتغلين هكذا تقدم في زمن الإنتاج السلعي يمكن أن يعني شيئاً واحداً فقط ـ زيادة مضاعفة في الاستغلال . واضح أن أي إنجاز للرأسمالية هو مكسب فقط لطبقة البرجوازية .
من ناحية ثانية ، يمكن القول أن عملية " التهام " أحد الرساميل من قبل آخر ، عملية اتحادهم و إخضاعهم لصالح الرأسمال الأقوى من زاوية اقتصادية ـ عبارة عن عملية إدماج الرأسمال الضعيف في آخر أكثر قوة ، مع فارق واحد هو أن مثل هكذا اندماج وتكافل في عصر الإنتاج السلعي يتم بطريقة قسرية ، تحت تأثير قانون التنافس ( قانون الغاب ـ المترجم ) .
يصبح مشروعاً السؤال التالي : ألم تكن هناك في الحقب التاريخية الماضية ظاهرة أو ظواهر مشابهة للعولمة ؟ ألم يكن على أبواب كل حرب عالمية يحدث ما هو شبيه بظاهرة العولمة ؟
إن المنظرين الإيديولوجيين للبرجوازية الكبيرة يؤكدون أن عملية " التدويل أو التأميم " ـ مُشتقة هنا من Internationalization ـ المترجم ) " المشابهة كانت تتم في السابق عن طريق سياسة الاستعمار الإمبريالي ، والتني كانت بدورها تنفذ بواسطة العدوان العسكري وحرمان الدول الضعيفة اقتصاديا من استقلالها السياسي . أما اليوم ، كما يزعمون هم ، إن " عملية التكافل الاقتصادي تتسم بالطابع السلمي " . في هذا هم يرون الفرق بين الاستعمار الذي كان يحصل خلال مرحلة ما يسمى بالرأسمالية الصناعية ، وبين ما يسمونه " العولمة التقدمية " التي يجري تطبيقها في زمن الرأسمالية ما بعد الصناعية . يجب أن لا ننسى أن هكذا مناقشات ما هي سوى تحليلات من موقع المصالح الطبقية للبرجوازية الكبرى ، والتي بكل الوسائل الممكنة تحاول إبعاد العمال من مواقع النضال الطبقي وجذبهم إلى التعاون الطبقي .
تجدر الإشارة إلى أن منظّري البرجوازية الكبرى يقومون بالضبط عن طريق هكذا مناقشات بتضليل شرائح واسعة من العمال و الشِّغيلة ، مع إيهامهم كما لو أن الرأسمالية قد أصبحت متحضرة ، وأن المجتمع الرأسمالي لم يعد جوهره الصراع الطبقي أو تناقض المصالح الطبقية . وأن ، كذا ، الوضع الاقتصادي للعمال المسَتغلين يسوء بشكل يومي ليس بسبب وجود النظام الرأسمالي بحد ذاته ، بل نتيجة الشهية الغير منضبطة للشركات العابرة للقارات .
إن " الآباء الروحيين " للبرجوازية الكبرى يدعون العمال و الشغيلة عموماً إلى مناهضة الشركات العابرة للقارات ، عن طريق فرض ، كذا ، " رقابة ديموقراطية " على أنشطتها و على نشاط الحكومات الوطنية . أليست هذه هي الدعوة إلى التعاون الطبقي ؟ .
فما هو إذن تعريف مصطلح " العولمة " ؟ من اجل الإجابة على هذا السؤال ، لا بد لنا من أن نتذكر ما هي الإمبريالية .
الإمبريالية ـ هي الرأسمالية في أعلى مراحل تطورها . فما هي العمليات الاقتصادية التي سبقت انتقال الرأسمالية إلى إمبريالية ؟ . لقد سبق ذلك التحول اندماج الرأسمال الصناعي مع الرأسمال المصرفي في الدول الرأسمالية المتطورة ، و من ثم نشوء الرأسمال المالي والاحتكارات القومية و الطغم المالية (الاوليغارشيا المالية ) . أما عملية تحول الرأسمالية إلى إمبريالية بحد ذاتها هي عملية خروج الرأسمال المالي الاحتكاري للدول الرأسمالية المتطورة إلى الأسواق العالمية ، بهدف " التهام " الرساميل الوطنية وإخضاع اقتصاديات البلدان الأقل تطوراً في المجال الصناعي . هكذا " التهام " للرساميل الوطنية و إخضاع اقتصاديات الدول النامية ، يمكن أن يتم بوسائل سلمية وغير سلمية ، أي عسكرية .
لذلك سوف يكون من الصواب لو أننا قلنا أن : السياسة الإمبريالية للرأسمالية ـ هي عبارة عن السياسة الاقتصادية للطغمة المالية الحاكمة في البلدان الرأسمالية المتطورة والتي تهدف إلى " التهام " الرساميل الوطنية والإخضاع الاقتصادي لاقتصاديات البلدان النامية . هذا بدوره يؤدي إلى تدمير الصناعة الوطنية والقطاع الزراعي لتلك البلدان ، إلى نهب ثرواتها الطبيعية ، الاستغلال المزدوج ، وبالتالي إلى الانحطاط الاجتماعي والموات الجماعي للشغيلة الفقراء .
من تلك الزاوية ، أي من وجهة نظر الاقتصاد السياسي ، إن مفهومي الإمبريالية و العولمة يتطابقان بالكامل ـ إنهما مفهومان بالمطلق متساويان . أما ما يسمى بالطابع السلمي للإمبريالية المعاصرة فيمكن تفسيره ليس بسبب مدنية وتحضر الرأسمالية الحالية ، بل بعدم مقدرة البرجوازية الوطنية للبلدان الأقل تطوراً من الناحية الاقتصادية على الوقوف في وجه الاحتكارات المالية الضخمة في صراعها التنافسي على الأسواق العالمية . وهذا بدوره يعود إلى التفوق التكنولوجي الهائل للدول الرأسمالية المتطورة والذي تم تحقيقه في تلك البلدان بسبب مجموعة من الاختراقات العلمية ـ التقنية في النصف الثاني من القرن العشرين . واكثر من ذلك ، نحن نرى كيف أن البرجوازية الوطنية في البلدان الأقل تطوراً ، ومن اجل أن تحافظ على السلطة السياسية في البلد الأم ، هي مستعدة لان ترتمي في أحضان التجمعات المالية العالمية .
وحتى في حال حاولت الحكومات الوطنية عرقلة عملية إخضاع اقتصاديات بلدانها لهيمنة الرأسمال الغربي ، فإن البرجوازية الإمبريالية تلجأ ، ومن دون أي تردد وفي أية بقعة من العالم ، إلى استخدام القوة العسكرية الهائلة لدولها من اجل إسقاط الأنظمة التي لا تروق لها ، و تقوم باحتلال مباشر للبلاد بهدف ضمان اعظمي لمصالحها . وكبرهان على ذلك نورد العدوان الامريكي على يوغوسلافيا و أفغانستان والعراق .
من كل ما تم ذكره أعلاه نستنتج أن العملية الحالية للعولمة ـ ما هي سوى عملية استعمار البلدان الأقل تطوراً ، وذلك عن طريق فرض تبعيتهم الاقتصادية للبلدان الرأسمالية المتطورة . وعندها فإن الاستقلال السياسي للبلدان المُسَتعمرة تتحول إلى مجرد وهم و أكذوبة ، بالرغم من انه تلك البلدان تبقى مستقلة سياسياً من حيث الشكل .
أما الأساس الذي تقوم عليه عملية العولمة فهو الصراع التنافسي بين الاحتكارات المالية للبلدان الرأسمالية المتطورة ، والتي تحاول في هذا الصراع ـ عن طريق استعمار البلدان الأقل تطوراً ـ أن تضاعف من قوة و بأس رأسمالها الخاص .


المصدر : معهد قضايا العولمة . موسكو

عبر الانترنيت

الكاتب : ف . فوروبيوف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عواقب كبيرة.. ست مواقع بحرية عبر العالم يهددها خطر الاختناق


.. تعيش فيه لبؤة وأشبالها.. ملعب غولف -صحراوي- بإطلالات خلابة و




.. بالتزامن مع زيارة هوكشتاين.. إسرائيل تهيّئ واشنطن للحرب وحزب


.. بعد حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. كيف سيتعامل نتنياهو مع ملف ال




.. خطر بدء حرب عالمية ثالثة.. بوتين في زيارة تاريخية إلى كوريا