الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقال

شيار محمد صالح

2009 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



كل شيء في تركيا مباح ومستباح. بدءاً من الإنسان حتى أي شيء تتصوره أو لا يخطر على البال. في تركيا كل شيء ممكن على الاساس الميكافيلي الغاية تبرر الوسيلة. إن أرادت تركيا نظاماً شيوعياً فإن الحكومة ستجلبه وتجلعه تاجاً لرأسها وإن أرادت المصلحة التركية عمامة وجلباباً اسلاموياً فهي أيضا مستعدة للتستر تحت عباءة الاسلام، وإن أرادت أن تكون علمانية فإن تركيا ستضع القبعة الأوروبية والأمريكية على رأسها. وإن أرادت ان تجمع بين ايديولوجيتين ونظامين فلن تجد أفضل من تركيا ممن سيجمع العلمانوي والاسلاموي مع بعض مع إضافة بعض الرتوش عليها بغية خداع الشارع التركي والعالمي والشرق أوسطي على أساس أنها انموذجاً لهذا التزاوج القسري والذي نتيجته بكل تأكيد الاسلام السياسي أو كما يقال الاسلام المعتدل وهاهو الخليفة أردوغان خير ممثل لهذا النهج تبركاً بمن سبقوه من هذا التيار غير المستقر. وحتى إن طلب من تركيا أن تصبح بروتستانتية وكاثوليكية من أجل قبولها في المنتدى الأوروبي فإنها لن تتردد في ذلك البتة وتعمل لذلك آلاف المجلدات وتخرج مئات المثقفين الذين سيطبلون للدين الجديد على أن أوروبا بعيدة كل البعد عن تمثيل السيد المسيح وأنها أي تركيا هي من ستمثله خير تمثيل على أساس أن السيد المسيح من أصول شرق أوسطية ولن تتردد تركيا على إثبات أصوله التركية الطورانية إن لزم الأمر ذلك. فلتركيا باع كبير في قلب الحقائق رأساً على عقب وكذلك التاريخ. فمثلما أثبتت ولمدة ستة قرون على أنها من تمثل الخلافة الاسلامية من خلال السلاطين العثمانيين، فلن تلقَ المصاعب في إثبات مسيحيتها لعشرات السنين الأُخر.
فما الذي يغير العقلية الطورانية التركية بهذه السرعة وهي تعيش منطقة الشرق الأوسط المعروفة بتعنتها وتصلبها ومحافظتها على ميراثها القروسطي، هذه المنطقة التي تعيث فيها الدوغمائية في كافة مناحي الحياة وتفرض على حكام المنطقة التعنت ومحاربة التغيير والإصلاح. الأمر بسيط، فلمتتبع للعقلية الطورانية يعلم ويدرك جيداً مدى قابلية الترك لتغيير شكلهم من أجل مصالحهم. فإنها قبلت الاسلام ديناً من أجل السيطرة على المنطقة وليس إيماناً وعقيدة وهذا معلوم وخاصة أثناء حكم العباسيين ودورهم في ذاك الوقت ومن بعده دور المماليك في العراق. وبعد وصول الامبراطورية العثمانية على حافة الموت وإصابتها بمرض الترهل وانقضاء دورها كحارس أمين على مقبرة الشرق الأوسط كي لا يستيقظ من سباته عمل العثمانيون كل ما بوسعهم من أجل فرض سيطرتهم على المنطقة تحت اسم الاسلام والحقيقة هي أنهم ليس لهم أية علاقة بالاسلام لا من قريب ولا من بعيد. وأثناء تشكيل الجمهورية أي في عشرينيات القرن المنصرم ومن أجل مصالحها تحالفت مع شيوعيي الاتحاد السوفيتي كي تنقذ ما يمكن إنقاذه من التركة العثمانية كناية بالانكليز والفرنسيين. وبعد ذلك غيرت وجهتها نحو الغرب وأصبحت علمانية وحاربت كل ما يمت الى الاسلام من شكل ومضمون وحتى تغيير الحروف التي كانت تستخدمها وبدلتها بالأحرف اللاتينية وهذه كانت من منجزات السيد كمال أتاتورك الذي غير الثقافة التركية من الشرق نحو الغرب بزمن لا يمكن لأي دولة أو شعب تحقيقه وأن هذا الرجل يستحق جائزة نوبل على ذلك. وعلى مر تاريخ الدولة التركية كانت تركيا معروفة بعدائها لجيرانها من دون استثناء. إيران والعراق وسوريا وأرمينيا وبلغاريا واليونان وووالخ. الآن وبعد أن تغيرت الموازين والقوى بدأت هي أيضاً بتغيير شكلها من العلمانية المتطرفة نحو التزاوج مع الاسلام والمحصلة هو الاسلام المعتدل برئاسة معربه السيد أردوغان.
ولكن ماذا بخصوص الشعب الكردي الذي يعيش في الشرق الأوسط والمجزأ بين بلدانه المتناقضة تاريخياً وثقافياً وايديولوجياً وسياسياً وهدفاً، أي سوريا وتركيا والعراق وإيران. حتى هذه اللحظة لا تتوانى هذه الدول عن فعل كل شيء من أجل ضرب تطلعات الكرد في حريتهم واستقلالهم والعيش برفاه. بغض النظر عن جنوب كردستان الذي حقق بعض من أهداف الكرد ووصل إلى حالة من الفيدرالية في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين. إلا أن العقلية التي تمسك بزمام الأمور في هذا العراق لم تغير من موقفها تجاه الكرد وتعتبرهم الخطر رقم واحد على مصالحها الشوفينية أكثر من إيران التي تحاول جاهدة القضاء على هذا البلد ومقدراته وخاصة في تجفيف الجنوب وجلعه صحراء قاحلة لا يمكن للإنسان أن يعيش فيه وكذلك الجارة تركيا التي تقصف جنوب كردستان وتقطع مياه دجلة والفرات عن أهل العراق ووادي الرافدين وسوريا التي تبكي دماً وتذرف دموع التماسيح لا تتردد مطلقاً في تصدير الإرهاب إليه.
معلوم موقف الدول هذه من الكرد بشوفينيتهم وعدم تقبلهم للكرد كيفما كانوا. لأن عقليتهم لا تقبل الكرد سوى أن يكونوا عبيد يباعون ويشترون في سوق النخاسة الشوفينية. كيف يمكن للكرد أن يكونوا أصحاب دولة مدنية وحضارية ومتطورة هذا مالا تقبله عقليتهم الإقصائية التي لا تعترف بغيرها. ونحن نعيش القرن الحادي والعشرون وما زالوا يفكرون هل الكرد شعب أو أمة أم أثنية أم أنهم لا شيء وهل لهم لغة خاصة يحق لهم التحدث بها أم أنه عليهم أن يصنعوا لذاتهم لغة وهذا أيضاً غير مقبول. عقلية كهذه تعيش القرن الحادي والعشرون وتنادي بالسلام والديمقراطية والعيش المشترك لكنها لا تتقبل الشعب الكردي وتحاربه من دون هوادة وبغير كلل ضاربة عرض الحائط كافة المواثيق والمعايير الدولية. هذه هي الدول الحاكمة على الشعب الكردي وهي تمتلك نفس العقلية في تقربها من الكرد أينما كانوا. في العراق يرفضون ضم كركوك وشنكال ومخمور وغيرها إلى كردستان وفي سوريا إلى الآن لا يعترفون بالكرد البتة وهناك مئات الآلاف ممن لا يمتلكون الجنسية وكذلك العمل يسير على قدم وساق في تنفيذ مشروع الحزام العربي العنصري الشوفيني وآخر بدعات النظام السوري كان القانون 49. وإيران لا تختلف كثيراً في رفضها للوجود الكردي كشعب له مقوماته وكينونته الخاصة به. أما تركيا وهو مجال حديثنا فحدث ولا حرج. إلى الآن لا تعترف بالوجود الكردي كشعب له ثقافته الخاصة به بالرغم من الانفتاح الذي تتشدق به ليلاً نهاراً من خلال أجهزتها الاعلامية الاستخبارية التابعة للجيش.
الانفتاح الكردي مصطلح يحمل في طياته الكثير من المعاني والآلام والحزن والتراجيديا. في هذه الفترة تم الحديث عن الانفتاح الكردي وتم قبوله في تركيا كمسودة نقاش في الأوساط السياسية والثقافية ولكن لم يدم طويلا فتم تحويله إلى الإنفتاح الديمقراطي وأخيراً إلى الوحدة الوطنية. هذا التلاعب بالألفاظ يخفي في طياته الكثير. الانفتاح الكردي، يعني هذا أنه حتى هذا الوقت كان هناك انغلاق كردي ومجهول كردي ومقتول كردي ومشرد كردي ومنفي كردي ومستباح كردي ومضطهَد كردي وووالخ والمصطلحات تطول وتطول. وهذا يعني بنفس الوقت أن الحكومة التركية كانت تنكل بالكرد وتعمل بهم ما تشاء من دون رقيب وحسيب وهذه هي الحقيقة المرة التي علينا معرفتها وشرب علقمها كي لا ننخدع بما يتشدقون به من انفتاح مخادع. مخادع لأن الحكومة التركية قالت كيف لنا الاستفادة من الانفتاح من دون ان يستفيد الكرد منه. أي أنه انفتاح من نوع أخر للقضاء على الكرد وهذه المرة بالمرونة وليس بالعصا إنما بالجزرة ولكن أين سيضعون هذه الجزرة، هذا ما يفكرون به ويتناقشون حوله أي زمان ومكان وضع الجزرة وبقراءة العقلية التركية التي ترفض أن يستفيد الكرد من هذه الجزرة فإنه بكل تأكيد لن يضعوها في فم الكرد كي لا يستفيدوا منها على أساس أن للجزر فوائد جمة، أي أن كل مكان في جسد الكرد مباح ومستباح من أجل وضع الجزرة إلا منطقة واحدة فقط لا غير لا يمكن وضعه فيها ألا وهو فم الكرد، والمناطق المباحة والمستباحة معلومة طبعاً غير الفم أين تكمن.
العمال الكردستاني ومنذ سنوات ينادي بحل القضية الكردية في تركيا بالسبل السلمية والديمقراطية بعيداً عن العنف وإراقة الدماء وهذا ما طبقه على أرض الواقع بإعلانه وقفه للهجمات العسكرية من طرف واحد بغية فسح المجال وتليين الوقف للدخول في حوار ديمقراطي لحل هذه المعضلة. حوالي سبعة أشهر والعمال الكردستاني يعلن مراراً وتكراراً لوضع حد للقتال وإيقاف العمليات العسكرية من قبل الطرفين، إلا أن الحكومة التركية لا تعير أدنى اهتمام لهذه النداءات وكأن أذنها واحدة من طين والأخرى من عجين. لا تنصت سوى لنفسها وكافة نداءات الكرد باءت بالفشل في إقناع الحكومة التركية في إيقاف الحرب. السبب معروف وهو ماذا سيقول الجيش لشعبه بعد كل هذه السنوات من الحرب على أساس حماية الوطن من الإرهاب، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الضحايا، وكذلك لن يبق أي اعتبار للجيش التركي المغرور بذاته بالرغم من تعداده وعدته لم يستطع النيل من الكرد، وماذا سيقول أردوغان لشعبه وللعالم بعد أن رفضوا الكرد كل هذه السنين، الانفتاح الكردي ليس سوى بدعة وخدعة أردوغانية تركية لمزيد من المكاسب الشخصية البعيدة عن الأخلاق والوجدان. الانفتاح الكردي سيكون حسب ما يخططون هم له ولا يمكن لأحد تجاوز تلك الحدود، وضمن هذا الانفتاح يقولون بأنه هناك كرد ولكنهم ليسوا شعب وهناك فقط حقوق فردية ولا يمكن اعتبار الكرد كمجتمع بحد ذاته وهناك لغة كردية ولكن يمكن للكرد التحدث فيها فقط وفقط في دورهم ومنازلهم وخارج ذلك سيتم معاقبتهم ولا يمكن اعتبارها لغة رسمية وحتى إن تم قبولها كلغة فهي فقط في بعض المعاهد والجامعات سوف تدرس كأي لغة أجنبية يتم تدريسها. نعم هناك كرد ولكن عليهم أن يكونوا عبيد وليسوا أحرار وخنوعين وخضوعين وعديمي الإرادة. بهذه العقلية يتشرق السيد أردوغان على الانفتاح الكردي الذي حوله إلى الوحدة الوطنية.
كيف ستكون هذه الوحدة وإن لم يتم الإعتراف بالكرد على أنهم شعب لهم ثقافتهم ولغتهم الخاصة بهم، كيف سيكون هذا الانفتاح وإن أغلقت أفواه ملايين الكرد الأحرار والذين يناضلون من أجل حريتهم. كيف سيكون هذا الانفتاح وما زالت الحكومة التركية الأردوغانية مع الأحزاب المعارضة يصرون على الحرب والعنف ومن هنا ندرك أن هذه الأحزاب ليست سوى دكاكين سمسرة وتجار حرب وليس لهم أية علاقة بالفكر والعقلية الديمقراطية ولا حتى بالسلام والأخوة. خلال هذه الأيام قبلت هذه الأحزاب ماعدا حزب المجتمع الديمقراطي قبلت بتفويض الجيش لمدة عام آخر على غزو جنوب كردستان للمرة الثامنة والعشرون خلال حربه مع حزب العمال الكردستاني. أي أن نداءات السلم والأخوة والديمقراطية التي كان يطلقها العمال الكردستاني لم تلقَ صدىً سوى صدى أزيز الرصاص وقهقهات جنرالات الحرب وصرير أحذية العسكر. واليد السلمية التي مدها العمال الكردستاني لاقت الخنجر والعض. وصرح القادة السيد مراد قرة يلان في العمال الكردستاني أن أية محاولة من الحكومة التركية في تمديد التفويض معناه استمرار للحرب وليس لدى الحكومة أية نية للسلام وحل القضية الكردية بشكل ديمقراطي وعليه أنهم أي العمال الكردستاني ستصدون لأية محاولة يقوم بها الجيش التركي من الآن وصاعداً بضربات موجعة وأليمة. والنتيجة لن تكون سوى مزيد من الضحايا والقتلى والخسائر المادية والبشرية التي ستحل على كلا الطرفين والمستفيدون هم سمسارة الحرب السيد أردوغان وجنرالات الجيش ومعهم أحزاب المعارضة وغيرهم المستبيحون للشعب الكردي.
طبعاً الطرف الكردي لن يبقى مكتوف الأيدي وأن الكرد في كل مكان سيقومون بما يقع على عاتقهم من مسؤوليات تاريخية للتصدي لهذا العدوان ولهذه العقلية الطورانية الاستعلائية الاقصائية. وأن إرادة الكرد سوف تكون أقوى بكثير مما يعتقد الطورانيون الترك من أي وقت مضى.


[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|