الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ناجي العلي ’على هذه الأرض ما يستحق الممات’

علي شكشك

2009 / 10 / 9
القضية الفلسطينية


ناجي العلي
لابد أنه كان صامتاً وذاهلاً لما يجري في ذلك اليوم من ذلك الشهر من ذلك العام, حين - منذ ذلك الحين – أصبح ذلك اليوم هو كل ما تبقى من عمره, فلم يكبر من يومها, كأنّ المشهدَ الكونيّ قد أصبح يتبع قانوناً مختلفاً, فلا زمان في المكان, أو كأنه انفلت من الوقت وبقي عالقاً في الحيّز, يطلّ علينا من بُعده الخاص وإحداثيّات الفنّ, يلتقط { من حيث هو } المشهدَ, ويمسك به, كمن يثبّت ومضةَ البرق, يسجّلها خربشاتٍ عبقريةً, ليقول ما نريد ولا نجرؤ.

ذلك أن الكاريكاتير هو ربما هذه الإمساكة بتلك الومضة, ولذا فهي { في ومضتها تلك } تضيء كسنا البرق تلك المساحات الشاسعة من بصيرتنا, بعمق يكاد يذهب بنا, وبفجاءة تكاد تفتننا.

في ذلك اليوم من عام النكبة كان ابن عشر سنين, وما زال, ناجي العلي, قلقاً كالورد, مرفرفاً كالقلب حول حدود القلب, ما يكاد يبتعد عن حدوده حتى يعود مشدوداً إليه برائحة الوجد.

من عين الحلوة وُلدت ومضاته الأولى, التي التقطها آخرُ مثله, فهِم الوميضَ الكامن فيها, والذي سكنه هو أيضا, غسان كنفاني, وبدأت رحلة التبلور والوجد والتجلي تتشكل وترتسم كروحه التي بدأت منذ ذلك اليوم من ذلك الشهر من تلك السنة تعيد تشكيل روحها وتتبرعم على الورق مرارةً وسخريةً وأملاً.

كان حنظلة قد تحرّر من كلّ شيء إلا ذلك الوميض الذي يلسع قلبه ويصهره في ما قبل هذا التاريخ, ولم يأبه بشيء بعده إلى درجة أنه نسي أن يكبر, فبقي منذ تلك اللحظة ابن تلك السنوات العشر التي أنضجها قبل أن يغادر الشجرة. تحرّر من كل شيء حين نذرَ نفسه لمرارته ووضع نفسه على أهبة الحياة, فتحولت المحظورات إلى آلية تحدّي, هي نفسُها تحرّضه عليها, وتمنح التشكلاتِ الداخليةَ فيه حريةَ التكوين والولادة.
يَشبك يديه وراء ظهره, بلامبالاة, مطلِقاً لنفسه فضيلة التأمل, يطل على المشهد من حيّزه, يرى كلّ شيء, يدير ظهره لنا, لأنه منا ويتقدمنا,ويواجههم معنا, ويتكلم باسمنا, لا نرى وجهه لأنه وجهنا, ونسمعه وهو يفكر لأنه متواطئ معنا, لا يكبر لأنه ناجي العلي نفسه, الذي قرر أن يتوقف الوقت في ذلك الوقت الذي اكتشف فيه أن على هذه الأرض ما يستحق الممات, ولا يستأنف العمر حتى يعود القلب للوقت والأغنيات.

وحتى ذلك الحين سيبقى حنظلةً في الضمير, وسيبقى حافياً صافياً لاجئاً, وسيُطلق للسانه العنان ولجنانه الأحلام, هويته هو فقط, بلا زيادة أو نقصان, تماماً كالوطن, ممتلئاً بها حد الرضا, ومزاجه من علقم, يفيض به حد الفضيحة, وهو الذي ليس له ما يخسر وقد كسب نفسه, وهو الذي اكتشف أن ما يحول دون استئناف عمره هو الحرص عليه, فغادره واستقرّ في حنظلة, وورّثه ذاتَه وحلمَه ووصيّته, ألّا يكبر وألّا يموت,... وأوصاه بالكبرياء.

حنظلة هو الوريث, وهو الوصيّة والبقيّة, الطفل الوافي, الفكرة المتحررة المتحركة, التي نذرَ لها المستقبلَ ونذرَها له, شرطاً لاستفزازه وتحقّقِه, حتى يجيء, وهذا يستحق أن يموت مصرّاً عليها وهي الجديرة بالحياة, { فإن لم يكن هناك ما يستحق الممات من أجله, فليس هناك ما يستحق الحياة من أجله }, فلنستوفِ شروطَ أيامنا على أُهبة الشبق بثمالة الخطوط والإيغال في النَّصّ, مسرفين في الترفّع على الصمت والبياض, فحنظلة هنا, باقٍ, يحرس الحلم والعمر والشجرة والوطن والأمل والأغنيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو تعزيزات أمنية مكثفة في كاليدونيا الجديدة • MCD


.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR




.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما


.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟




.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح