الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صوت الضمير

علي شكشك

2009 / 10 / 10
القضية الفلسطينية


كان الشيخُ "يوسف سلامة" صوتَ الضمير الجميل الشفاف أينما حلَّ في الجزائر, ووجهَ فلسطين القدسيَّ, وقلبَها الظمآن, وواقعَ تاريخِها القديم الزاخر, والجديد المتوهج, ومرآةَ العهد الآتي الواعد, والذي من أجله يطوف الشيخُ مع إخوته, والمجاهدون من أمثاله, ليؤدّوا الأمانةَ, ويبلغوا العالمَ صوتَ أهلهم في فلسطين, ففلسطين تئنُّ وتُنتَهكُ حرماتُها, وتُدَنَّسُ مقدساتُها وتُمحى معالمُها العربيّةُ الإسلامية والمسيحية, ويتمُّ التسترُ على جرائم العدوّ المحتلّ والحاقد التاريخيّ على أمّتِنا وحضارتنا وأسمائنا ومسمياتنا, وعلى أبجديتنا, وآياتِنا, وقبابِنا, والذي يحسدُنا على أنْ أرسل الله خاتمَ رسلِه منّا, وأنزله بلسانٍ عربيٍّ مبين.
ومن هنا أطلق الشيخُ نداءه الجادَّ بتشكيل لوبيٍّ عربيٍّ إسلاميٍّ للضغط على القوى المتنفِّذة في العالم من أجل فلسطين, وجدَّد الأملَ في خطبة الجمعة من المسجد الذي حَرِصَت الإشارةُ الجزائريةُ أنْ يكونَ اسمُه مسجدَ القدس, والذي تكتنفُه أيضاً ساحةُ القدس, من أبرز ساحات العاصمة وأجملها, وقد عُدْتُ إلى مناخات الجزائر في نهاية الأربعينات التي طالما حاولت استذكارها وأنا أقرأ عن خطب العلماء وقصائد الشعراء الذين أنسَوا الجزائريين همَّهم ومعاناتِهم في ذلك الوقت, لصالح فلسطين, فهذا باكٍ وذاك رافعٌ يديه إلى السماء, وآخرُ مكبّرٌ, ولكنَّ الجميعَ كان ينزِفُ لهفةً وغيرةً وغضباً, ولم يَفُت الشيخَ أنْ يُذَكِّرَ أهلَه في الجزائر بأمجادهم السالفات في فلسطين, عهدَ صلاح الدين, وأمجادِهم الراهنات التي قهرت الاستعمار الفرنسيّ, الدرسَ الذي لن تجرؤ بعده لا هي ولا غيرُها مِن الاقتراب من الحِمى, وذكَّرَها بمجدِها البحريّ الذي حدا بأمريكا إلى توسُّلِ العهدِ إليها بحماية أسطولها في البحر الأبيض,
وقد قالها عبد الناصر بعد نكبة الخامس من حزيران لعام سبعة وستين: " ليتني كنت من رجال الدين", - مع التحفظ حيث لا يوجد لدينا رجال دين بمعنى المصطلح الكنسي ولا واسطة أو وصاية على العلاقة مع الله - إشارةً إلى العلماء, الأقربَ إلى روح الوجود وجدار الروح الأكيد, بمقتضى العروة الوثقى التي بها يستمسكون ويذكرون,
كيف لا وقد كانت روحُه تشعُّ نصراً رغم اختلال المشهد, وطغيان الظاهر من جبل الجليد على الأبصارِ التي لا تُدرِك ما خفِيَ مِن أخبار, وهنا فإنَّ في تاريخ الجزائر عبرة, وقد ظنَّ المستعمرُ أنه قد طاب له المقامُ, واستقرَّ مكانُه في الأوطان, ذلك دأبُ الطغاة, الذين تُعميهم أنفسُهم ذاتُها عمّا في الكينونة من آياتٍ وأسرار, وسُنَنِ تقلُّبِ الليل والنهار, والغفلة عمَّنْ يُخرج الحيَّ من الميّتِ, والميتَ من الحيّ, ويجعلُ ذاتَ الظلم والفساد والطغيان شرطاً لانقلاب الميزان, والألمَ وسيلَ الدّم ضرورةً لالتئامِ الجروح, والتهابَ شمسِ السماء سبباً لتكاثفِ المُزْنِ وريِّ السفوح, وفي البرهة التي يَطغى فيها على المجرمين الزهوُ وتتعطّلُ أرواحُهم, تتبرعمُ آلياتُ البناء الداخلي لدى المضطهدين, وتتفتّقُ بصائرُهم وأبصارُهم وتتنامى قوى تماسكهم الداخلية, إلى أنْ تتجاوز أوزانَ الأسلحة, التي مهما ثقُلتْ تَظلُّ أخفَّ من ثقلِ الحقّ واليقين, "وكلمةٌ طيبة كشجرةٍ طيبة أصلُها ثابت وفرعها في السماء",
لو استطاعوا أنْ يحتضنوه بأكثرَ مِن قلوبهم لفعلوا, وأنكروا ذواتَهم وأوصَوه بالوحدة شرطاً للانتصار, هكذا ألحَّ وزيرُ الشؤون الدينية بوعبدالله غلام الله, وهكذا السيد عبد العزيز بلخادم الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية والأمين العام لجبهة التحرير الوطنيِّ الجزائري, وهكذا كان المضمَرُ من الذين تحلَّقوا حولَه في المسجد بعد الصلاة, وفي ندوةِ جريدة الشّعب, الذين منحوه ثقتَهم, وإيمانَهم, وأعطَوه عهدَ القلب على الفداء والعطاء.
وهو الذي يصون ولا يبدِّد, ويجمع ولا يفرق, فقد كان خطابُه مستعلياً على الخلافات, وابتسامتُه منارةَ أملٍ آت, وروحُه تفيضُ بيقين النّصر الذي قد يتأخر, لكنه يستحثنا لِنحقّقَ شرطَه, وتكونَ الطريقُ إليه نفسُها آليةَ النهوضِ والترقّي والإعداد, من هنا ضرورةُ الدّعم, فهو واجبُ الأمّة, بما لِفلسطين من معانٍ, في التاريخِ والروحِ والكتاب, وهي إنْ كانت سيدةً فذاك دلالةُ صحةِ الروح والجسد, حتى ولو اعترى أطرافَها بعضُ العِلل, وإنْ كانت أسيرةً فالأمةُ كلُّها أسيرةٌ, حتى ولو بدا في الظاهر صحةُ باقي الجسد, رُبَّما لهذا السرّ العبقري كان الجزائريون يذهبون تبادلاً للرباط, ويَسعَون إلى فلسطين لردِّ الهجمات, بينما الجزائرُ تتعذّبُ في جحيمِ الظلم والقهر والويلات, وربما لهذا السبب أعلنَ أحرارُ الجزائر بعد الاستقلال "أنَّ استقلالَ الجزائر يبقى ناقصاً إلى أنْ تتحررَ فلسطين",
وربّما لهذا السبب, - وهذا مدعاةٌ للتأمّلِ – فإنَّ صوتَ الضميرِ, الأميرَ عبد القادر قد اختارَ أنْ يذهبَ إلى عكّا, " وقد خيَّروه ", ..... ثُمَّ - وهو الذي ما خذلَ أحداً - خذلوه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-