الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوجه أخرى في الصراع العربي الصهيوني ..

بدر الدين شنن

2009 / 10 / 9
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


ليس بإمكان عجالة في مقال الإحاطة بكل تفاصيل وملابسات أحداث القرن الفائت الحافل ، من تاريخ البلدان العربية .. ما سنتاوله في الأسطر التالية ، هو بمثابة عناوين لتك الأحداث .

عندما أنجزت بريطانيا دورها الاستعماري ، بدعم الهجرة اليهودية الدولية إلى فلسطين ، وإقامة دولة إسرائيل عام 1947 على التراب الفلسطيني ، الذي شكل خلفية الحرب العربية - الصهيونية الأولى عام 1948 ، كان الوطن العربي كله تحت الاحتلال أو النفوذ الفرنسي البريطاني من المحيط إلى الخليج . لم تكن في حينه في المغرب العربي من ليبيا إلى المغرب ( مراكش سابقاً ) أية دولة عربية . كانت ليبيا تحت الاحتلال البريطاني ، وكل من تونس والجزائر والمغرب ( مراكش ) وموريتانيا تحت الاحتلال الفرنسي ، . كما لم تكن في غضون ذلك أية دولة عربية من دول الخليج الحالية . فمن الكويت إلى ماسمي لاحقاً بالإمارات المتحدة ، كانت بريطانيا تفرض سيطرتها على كيانات قبائلية منتشرة على امتداد شرقي شبه الجزيرة العربية ، والمملكة العربية السعودية التي قامت بدعم بريطاني على أنقاض هزيمة الهاشميين في الحجاز وتشتيتهم في بلاد الشام ، وكذلك اليمن " السعيد " الذي سلخ الإنكليز جنوبه عنه قبل عقود ، لم يكن كل منهما دولة مستقلة تماماً عن النفوذ البريطاني ، وكان لكل من العراق والأردن ومصر شكلياً دولة ، إلاّ أنها فعلياً كانت تحت الاحتلال البريطاني عسكرياً تعززه معاهدات إذعانية . فقط سوريا ولبنان ا ستقلتا عام 1946 بقرار من مجلس الأمن الدولي وبدأتا تحبوان ، تحت مؤثرات غير نزيهة أنكلو - فرنسية ، على أمل تشكيل كيان دولة متواضع لكل منهما .

وإذا نظرنا بشمولية جادة في تلك المرحلة إلى مشهد الوطن العربي المجزأ المحتل من قبل الدولتين العظميين بريطانيا وفرنسا ، ندرك كم كان الوطن العربي يكابد من الذل الاستعماري ومن الضعف الوجودي ، الذي بنت عليه بريطانيا والصهيونية مشروع دولة " إسرائيل " ، وبنت عليه انتصارها في حرب 1948 على أشباه سبع دول .. عربية .. تسيطر على مقدراتها الدول الاستعمارية ، والتي لم تتمكن من تجنيد أكثر من عشرين ألف جندي بأسلحة متخلفة ، مقابل أكثر من مائة ألف جندي ومتطوع صهيوني مدعومين عسكرياً وفنياً ومالياً من بريطانيا وغيرها من دول الغرب الاستعماري ومن الصهيونية العالمية ، كما ندرك أن الصراع منذ البدايات لم يكن صراعاً عربياً صهيونياً وحسب ، وإنما كان صراعاً عربياً ضد جبهة صهيونية دولية ا ستعمارية ، جبهة تعمل وفق مخطط تشاركي تآمري إلى إعاقة تحرر ووحدة البلدان العربية ، لتبقى مصالح الشركات الاستعمارية الكبرى مستدامة الوجود والربح على حساب المصير العربي .. وفي مقدمة الضمانات لهذه الاستدامة إقامة وتعزيز الكيان الصهيوني " إسرائيل " .

وقد كان من المفروض منذ البدايات ألاّ يفرق الجانب العربي ( القيادات والنخب السياسية ) بين الصهاينة والدول الاستعمارية في الصراع العربي الصهيوني ، لاسيما الناشطة بمطامعها في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية وعلى الأخص الولايات المتحدة الأميركية ، بل أن يدمجوا الصهاينة المحتلين الجدد لفلسطين والمهددين بالهيمنة على كل الوجود العربي مع حلفائهم من المستعمرين القدامى والجدد الطامعين باستدامة مصالحهم الاستعمارية ، كما هم فعلاً ، في جبهة معادية واحدة . غير أننا نجد عبر تاريخ الصراع العربي - الصهيوني منذ قرار التقسيم عام 1947 حتى الآن ، نجد اندماجاً معاكساً قائماً بين الجانب العربي والدول الاستعمارية ذاتها التي احتلت وجزأت البلدان العربية ، ودعمت قيام الكيان الصهيوني وساندته بكل جرائمه ومذابحه ضد الشعب الفلسطيني ، ووقفت معه سياسياً وعسكرياً ومالياً بما تبلغ قيمته مئات المليارات من الدولارات والماركات ليقوى ويبقى ، وكانت إلى جانبه في حروبه التوسعية العدوانية ضد بلدان عربية عدة ، ما شكل وجهاً آخراً للعدو وللعدوان الصهيوني بامتياز .

والسؤال هنا ، بماذا يمكن تفسير هذا السلوك من الجانب العربي في معادلة الصراع العربي - الصهيوني الدولي ، هل هو مجرد نقص في الوعي السياسي ؟ وإذا ما أخذ موقف اليسار العربي الذي أيد قرار التقسيم الدولي لفلسطين بالاعتبار في هذا السياق ، هل هو أيضاً ، نقص ، في الوعي بعلم الاجتماع والتاريخ ؟ . من النتائج المجسدة لهذا السلوك الذي أضر أبلغ الضرر بمسائل المصير العربي عامة ، نصل إلى حقيقة ، أن الصهيونية كمشروع قومي بورجوازي رسمت محدداته بالشراكة مع البورجوازية الدولية في مجال الشرق الأوسط ، ووجد له شركاء بورجوازيين وغير بورجوازيين محليين في الوسط العربي . وقد تلاقت القناعات والحركات فيما بينهم جميعاً على إعاقة نهوض قومي يساري عربي مرشح أن يتقاطع مع المعسكر الاشتراكي في عصر انقسام العالم إلى معسكرين اشتراكي ورأسمالي . ووجدوا يساريين " متفهمين " للمشروع الصهيوني ، الذي يقوده " حزب العمل " .. !! . الذي أسس تعاونيات انتاجية واتحادات عمالية " الهستدروت " على مستوى معاصر في الشرق الأوسط .

ومن أسف ، أن موقف الجانب العربي هذا ، رغم الآلام التي سببتها الحروب العدوانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين خاصة وعرب الجوار عامة سيما في أعوام ( 1948 - 1956 - 1967 - 1973 - 1982 - 1988 - 2006 - 2008/2009 ) ، ورغم الدعم الاستعماري الأميركي والأوربي الدائم لإسرائيل في حروبها وعدوانيتها .. ورغم النهب الاستعماري المتواصل لثرواتنا الوطنية ، والتي تؤخذ من شعوبنا بأتفه الأسعار مما أدى إلى تخلفنا وإفقارنا ، لم يتغير هذا الموقف ، وإنما تعزز أكثر ، خاصة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ، حيث أصبح الجانب العربي أكثر اندماجاً مع القوى الغربية الاستعمارية ، وأكثر تلاقياً وتقاطعاً .. بل وتحالفاً مع الكيان الصهيوني . لايغير من واقعية شمولية ما حدث ويحدث في هذا السياق في الجانب العربي ، محاولة الناصرية لفترة محددة اختراق المشهد العربي المتردي ، وتصحيح مسار ما يجري نحو تحولات تحررية إيجابية .

بل ووصل الحال بعدد من الدول في الجانب العربي ، أن تصالحت كل من مصر " السادات " والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية مع الكيان الصهيوني برعاية أميركية دولية . فبعد حرب مجيدة قاتل فيها الجندي المصري عام 1973 ببطولة وشرف ، وقع الرئيس أنور السادات معاهدة " كامب ديفيد " مع إسرائيل التي أخضعت مصر وشعبها لشروط سلام مذل وعزلته عن شعوب البلدان العربية الأخرى في الصراع العربي - الصهيوني . وكذلك فعلها الملك حسين بتوقيعه اتفاقية وادي عربة 1993 ، التي جعلت من حدود الأردن مع إسرائيل مهد أمان وسلام للصهاينة وخط نار وموت للمقاومة . ثم لحق بهما عرفات وعباس بتوقيع اتفاقية أوسلو 1993 ، التي حولت منظمة التحرير إلى أداة لإنهاء المقاومة ، وإلى حارس لسلام وأمن إسرائيل مقابل كيان حكم ذاتي تحت السقف الإسرائيلي ..

والفقرة التالية من معاهدة " كامب ديفيد " التي تضمنتها أيضاً بشكل أو بآخر اتفاقية وادي عربة واتفاقية أسلو ، توضح مدى عمق الضرر الذي جاءت به هذه الاتفاقيات على الشعوب العربية في صراعها مع الكيان الصهيوني ، كما توضح عمق انغماس الجانب العربي في مستنقع الخيانة الوطنية والقومية :
" الملحق الثالث ..
المادة الثالثة ..
2 - يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان والمواطنين أو الممتلكات الخاصة للطرف الآخر . كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان . كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي هذه الأفعال للمحاكمة " .
وجاء في المادة ( 6 ) :
" يتعهد الطرفان بعدم الدخول بأي التزام يتعارض مع هذه المعاهدة " .

وزاد الأمر سوءاً في عهد الرئيس بوش ، الذي ابتدع " الحرب على الإرهاب " ليمرر الهيمنة الأميركية على العالم ، بادئاً بجريمته الكبرى ياحتلال العراق ، حيث هرول الجانب العربي ، المعاهد لإسرائيل بالدرجة الأولى ، والخائف على مصير أنظمته وعروشه ، للخضوع الذليل ، عبر الرضى الإسرائيلي ، للإملاءات الأميركية المتعلقة بمخططات مشروع الشرق الأوسط الجديد ، حيث تبلور مشهد شرق أوسطي يعكس تحالفاً وقحاً علنياً بين " عرب الاعتدال وإسرائيل " أكد حضوره إبان حرب إسرائيل على لبنان وعلى غزة . وإبان الصراع على لبنان وفي أزمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري .

ما يشذ عن ذلك تلك الإطلالات والبطولات المشرفة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية ، التي بشرت وتبشر بتغيير جاد في المشهد العربي والشرق أوسطي ، سيما إذا دعمت بمناخات تحررية ديمقراطية متحررة من الأنظمة الاستبدادية والمفوتة .

ما تقدم يشكل بايجاز شديد خلفية ما جرى لتقرير " غولدستون " الذي أدان جرائم الحرب وضد الإنسانية ، التي قامت بها إسرائيل في عدوانها على شعب غزة الأعزل ، ويقدم لنا الوجه أو الأوجه الأخرى المخفية عن عمد للعدو الصهيوني خارج وداخل حدودنا الوطنية . بمعنى لو كانت الخلفية المؤثرة على مجريات الأحداث الراهنة كانت قائمة على أسس مغايرة .. أي أن المقاومة تمار س دورها التحرري تحت غطاء عربي تحرري موحد ، وأن الجانب العربي لاتقيده ولاتضعفه معاهدات وارتباطات " سلام " مذل مع العدو الصهيوني لما حدث ماحدث أصلاً ، ولما كان هناك حاجة لتقرير " غولدستون " أو غيره .

والحال ، أن نجاح الجانب العربي في معركة تقرير " غولدستون " تحتاج إلى مواقف وآليات أخرى غير تلك يشمر القادة العرب عن سواعدهم لأدائها عبر مجلس الأمن أو محكمة الجنايات الدولية . إذ أنهم حتى في أحسن الأحوال لو نجحوا في مساعيهم وصدر بحق بعض ضباط وقادة إسرائيل أحكام إدانة قضائية دولية ، فما الذي سيتغير في الصراع العربي - الصهيوني الدولي ؟ إن إسرائيل بمثل هذه الأساليب في مواجهتها باقية .. وستظل " دولة " عدوانية . ممكن فقط أن تراعي في حروبها المقبلة ، التي تهدد بها دول الجوار وما بعده من الدول التي تدعم القضايا العربية عامة ، وتساند الشعب الفلسطيني خاصة ، أن لاتفرط في ا ستخدام القوة ، إن لم تكن هنالك حاجة ماسة لذلك ، ، وتصرف النظر مؤقتاً عن جعل العرب " حيوانات " تجارب لأسلحتها الجديدة . وما يسمى ب " دول الاعتدال العربي " ستظل تحاصر المقاومة سيما على حدود مصر والأردن وغزة مع إسرائيل ..

إن جريمة عباس بسحب تقرير " غولدستون " من التصويت عليه في المجلس الدولي لحقوق الإنسان ، هو أبسط بكثبر من من سحب سحب مصر والأردن ومنظمة التحرير من الصراع العربي - الصهيوني الدولي الذي يعني بمنتهى الوضوح التخلي عن المقاومة والتخلي نهائياً عن تحرير فلسطين .
وأمام ذلك .. المطلوب .. مع عدم التخلي عن تقرير " غولدستون ، المطلوب فضح أوجه المشروع الصهيوني الأخرى ، المتمثلة بالمتصهينين العرب الذين قبلوا التعايش مع الغزاة الصهاينة .. المطلوب ا ستعادة منظمة التحرير والأردن ومصر إلى الحضن العربي التحرري ، وإعادة بناء الخندق العربي التحرري المقاوم .. الذي يملك من الامكانيات والقدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية ما يعجز التحالف الصهيوني الدولي عن قهره ..

.. بكلمة العودة إلى خيار المقاومة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط