الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكريم يُكرّمُ الكريم -وسام في الجزائر-

علي شكشك

2009 / 10 / 9
الصحافة والاعلام


الكريم يُكرّمُ الكريم
"وسام في الجزائر"
علي شكشك
في أتون الوجد الشعبي الجزائري الذي يزدادُ ألقُه تصاعداً منذ بدايات الأطماع الصهيونية في فلسطين, والذي عبّر عن نفسه دوماً بلا تحفّظٍ ولا حسابات, ولم يدّخر وسيلة متاحةً أو غيرَ متاحة إلا وسلكها, وقد سار الكثير من المجاهدين الجزائريين على أقدامهم صوب فلسطين مغامرين بأغلى ما لديهم ليفتدوها, كان ذلك مع تناهي أخبار اندلاع الهجمة الصهيونية عام ثمانية وأربعين, وهم يعرفون طولَ الطريق ووعورة الشعاب ومشقّة السفر, غيرَ مبالين, بل ربما مستمتعين بما يتعبّدون به ويتقرّبون, وهم يَعُون أنّهم ذاهبون إلى حربٍ أعدَّ لها المستعمر جيداً, ولكنّهم واثقون من قرارهم غيرُ وجلين, ومدركون أنّهم سيكونون مضطرين للمرور على مناطقَ وحكوماتٍ استعمارية لن تتوانى عن اعتقالهم أو إعادتهم من حيث هاجروا, وقد كانوا يلجأون إلى كل ما تجودُ به القريحةُ الجزائرية المتمرّسة من أساليبَ للتحايل على السلطات التي كانت تحرسُ آنذاك الحدود التونسية والليبية والمصرية, لإقناعها ببراءةِ رحلتهم, تلك الأساليب التي تشكلت في جحيم الاستعمار الفرنسي البغيض الطويل القاسي الهمجي,والذي لا يعرف بشاعتَه مثلُهم, والذي بدوره أنتج ثقافةً متكاملة فذةً ومعقدةً لَحَمَتْ الشخصيةَ الجزائرية وماسكتْها, وبَرْعَمَتْ فيها جيناتٍ فريدةً لا أظنُّ أنّها توفرت لشعبٍ آخر على مدارِ التاريخ, بما أنه لم يماثِلْ الظلمَ الذي تعرض له هذا الشعبُ ظلمٌ آخر في التاريخ, ولقد أبدع المفكر المناضل فرانز فانون في إضاءة مساحاتٍ مدهشةٍ في تحليله للشخصية الجزائرية التي تناغمتْ وعزفتْ سيمفونيتَها بإتقانٍ في تحدٍّ حليمٍ وغضبٍ ذكيٍّ, تراكَمَ ونَضَجَ في محرقة الاستخراب الفرنسي, هذا النضج الذي وَصْفُه ليس كمكابدته, وعندما يتنافسُ الضباطُ الفرنسيون على مَن يقتلُ أكثرَ, وعندما يعود أحدُهم وقد مَلَأَ برميلاً بآذان الشهداء الجزائريين الذين قتَلَهم, متفاخراً بذلك, نقترب قليلاً من وصف المشهد, والانتباه إلى جدِّيَّةِ الحالة التي أردتُ أنْ أضعَ خطاَ تحتها,
ولربما كانت هذه الروح وهذه الشخصيةُ سبباً مِن بين أسبابٍ أخرى جعلت الجزائريَّ متميزاً في انفعاله واستجاباته للسؤال الفلسطيني, ليس أوّلَها العِرْقُ والمَحْتَدُ, وليس آخرَها طبيعةُ وجِبِلّةُ الشخصية اليهودية التي عانى منها الجزائري في كيمياء تعامله مع الفرنسيين منذ بداية الاحتلال, متنكّرةً للجميل الجزائري في استقبالهم هاربين من محاكم التفتيش, وللطيبة التي عاملهم بها مما يطول شرحُه وتفصيله كما وصفه الكاتب الجزائري سعد الله بإسهاب في بحثٍ من جزأين سماه يهود الجزائر, والذين - مدركين مدى الدرك الذي هبطت فيه أرواحُهم - رفضوا الاستجابة للنداءات الرسمية والموثقة التي ناشدتهم فيها جبهةُ التحرير الجزائرية أن يبقَوا في الجزائر آمنين لا يُضارُّون وأن لا يغادروا مع الكولون الفرنسي, ولكنهم يبدوا وقد تحسسوا ملامحهم غادروا مع الفرنسيين مقدِّمين الدليلَ السيكولوجي علي الجهة التي انتموا إليها في الاصطفاف مع المستعمر, وقد كاد المريبُ أن يقولَ خذوني,
دون أن نتحدث عن التعلق الروحي بالأرض المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين, والتي تعود الجزائري أن يكمل حجه إلى بيت الله الحرام بالتقديس بها, ذلك لكي يصح ويكتمل الحج, ويقيم فيها ما شاء له الله أن يقيم وأن يستقر هناك إن طاب له المقام, كيف لا وله أوقاف وأهل من أهل فلسطين ومن الجزائريين الذين يحرسون قبلة الله الأولى من أيام صلاح الدين, هم ونسلهم مذ أبلوا البلاء الحسن الذي أدهش البطل الكردي المسلم فلم يأتمن غيرهم على أسوار القدس, فأوقف لهم ما أوقف من عقار من بينها المنطقة الملاصقة لحائط البراق, وقد أضاف إليها بعد صلاح الدين ابنُه الأفضلُ علي نور الدين بوقف منطقة عين كارم والمدرسة الأفضلية التي اقتصرت على تدريس المذهب المالكي, مذهب أبناء الجزائر, حرصاً منه على تواصل سياقهم,
كما أنَّ إخوانَ الأمير عبد القادر الجزائري هناك, وأحفادَه, وقد أسّسوا قراهم وعجنوا خبزَهم وزيتَهم وزيتونَهم, وروى عرقُهم ودمُهم ترابَ مقدساتهم,
ثم كيف يمرُّ علينا الأميرُ بلا تأمل, وهو الشخصية الفذّةُ في التاريخ, ليس بطولةً فقط وفداءً, بل زعامةً وإدارةً وعلوَّ همَّةٍ وشموخاَ ووعياً ونفاذَ بصيرةٍ وعلماً وزهداً وتصوفاً وحكمةً, عندما اختار أن يذهب إلى فلسطين,
هناك سرٌّ, رغم كل ما قلت وما لم أقل, ورغم كل ما اختصرت وما فصَّل الآخرون,
ففي الوقت الذي يَعِزُّ فيه على الدول الاستعمارية أن تخرجَ مغلوبةً مدحورةً من البلدان التي نَهَبَتْها, وبقيتْ محسورةً لا تعرفُ ماذا تفعل, وهي المجبولةُ على الظلم والسلب والنهب, كأنَّ الإفسادَ جزءٌ من صميم تكوينها, مُوَرَّثٌ في جيناتها, ولذا سارعَتْ بكل مخزونها في الدهاء ترفِدُ الاستعمارَ الجديد في فلسطين بأمصال البقاء وأدوات القتل والإفناء, وكأنها تجدِّدُ ذاتَها وتتوسَّلُ الامتدادَ في ورَثَةٍ لنهجها, وكأنّها تتلمسُ مبرراتٍ بأثرٍ رجعيٍّ لجرائمها, وكأنّها تريدُ لِملفّ الاستعمار أن يبقى مفتوحاً في الأرض, وكأنّها تستنسخُ ذاتَها وتحيى فيها,
فكذلك الشعوبُ الحُرّةُ, يَعِزُّ عليها أنْ تظلَّ رقعةٌ للظلمِ على ظهر الأرض, أو شعبٌ ما زال مقهورا, وهي في هذا تصدرُ عن ذات تلقائيتها التي أبَتْ الاستعبادَ لذاتها, ولا تستطيعُ أنْ تتجرَّعَه يُمارَسُ ضِدَّ غيرِها, وهي التي مَرَدَتْ على الحرّيّة والحقّ, وورِثتْ رسالتَه, وتُجدِّدُ دماءها في بوتقة الانعتاق والحرية والحياة التي تخلّقتْ في أتونها, وتعيدُ إنتاجَ كلِّ هذه القيم بإكبارِها ودعمها نضالَ الشعوب المظلومة في سبيل التخلص من ربقة الاستعمار والقهر والاستعباد, كيف لا وهي - في المقابل من الحالة الأولى – وريثةُ رسالة الحق والعدل والتحرّر.
من هنا " مع أسباب أخرى " يكرِّمُ الكريمُ كريمَه, ويُمنَحُ وسامُ أبو زيد وسامَ "الشهيد إسماعيل يفصح" باسم رئيس الجمهورية,
وسام أبو زيد, مراسلُ التليفزيون الجزائري في فلسطين, حيث استشهد مصورُها في اليوم الأول من الفصل السابق للمحرقة التي تَمتَّعَ بها في غزة ممثلو الاستعمار في العصور الحديثة,
وسامٌ على صدر وسام,
ووسامٌ على صدرِ من علَّقَ وساماً على صدرِ وسام,
وستظلُّ يا وسام تُغَطّي أخبارَ بلدِك الأوّل فلسطين لبلدِك الأوّل الجزائر, حتى يتحققَ لفلسطين ما تحقق للجزائر . . . . الوسامُ الأخير . . .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟