الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة إلى المشهد الثقافي بالمغرب

رشيد برقان

2009 / 10 / 10
الادب والفن



لابد من الإشارة إلى أن الغاية وراء العودة المتكررة إلى الموضوع نفسه تعني تجديد أطروحات الانطلاق أو مزيد من تأكيدها لأن الحقل الثقافي متغير ولا يفتأ يقدم أشياء جديدة تساهم بشكل أو بآخر في رسم خطوط عامة قارة لهذا المشهد.
و لا نظن بأننا بحاجة إلى إعادة التذكير بالأهمية التي يحتلها المشهد الثقافي في حياتنا اليومية خصوصا عندما تصبح الرؤية ضبابية وتتدخل أطراف متعددة فيه.
غالبا ما كنا، ولا نزال، نقارب المشهد الثقافي بمنظار سلفي يضع دائما أمامه المقارنة بين مشهد اليوم و الأمس؛ فهناك تراجع ثقافي حاليا لأن الإقبال كان كثيفا على الأعمال الثقافية أمس، وهذه ملاحظة عامة تحتاج للكثير من التدقيق؛ فالمشهد الثقافي كان دائما نخبويا يقتصر على الفئات المتنورة و المتعلمة، ولم يصل إلا في لحظات نادرة إلى عموم الجماهير.
هذا من جهة، و من جهة أخرى كان المشهد الثقافي من قبل خصوصا خلال الستينات و السبعينات من القرن الفارط يعرف هيمنة توجه ديمقراطي حداثي دي أفق اشتراكي، شعاره التغيير وأساسه الانتباه للواقع، وقد اعتلى موجة الدعاية للمثقف العضوي الذي يرتبط بهموم الناس ويدافع عن مصالحهم، ولمراوغة المخزن يتم اللجوء دائما إلى القضية الفلسطينية، لأن أطراف الصراع فيها كانت بارزة للعيان، كما أنها كانت تتضمن شحنة رمزية قوية ونفاذة، استطاعت توصيل كل المضامين المراد توصيلها.
ولم تكن هذه الثقافة المروج لها بنائية أو تأسيسية، ولكنها كانت تحريضية تسعى إلى إزعاج البنية المطمئنة لدى الفئات المتنورة، و تسييد فكرة الوعي بالرعب و القهر الذي يعيشه الإنسان المغربي، وقد عد الهدم و النقض مدخلا ضروريا للوعي والسعي نحو التغيير، ولعل هذا ما سوف يعطي فيما بعد نزعة عند المغاربة ترفض المدح كثيرا، و لا تستكين إلى الإطراء، وتبالغ في النقد و التجريح، إن لم نقل أنها تصل إلى الرفض المطلق، وبهذا أيضا سوف يقترن الحب لهذا الوطن بالعذاب و بتعرية جروحه وتعريضها لمبضع النقد.
لم يجد هذا النمط من الثقافة أية منافسة من المكونات الأخرى، لأنها كانت ضعيفة، وهذا ما يفسر لجوء الدولة خلال هذه المرحلة لمواجهة هذا المد الثقافي بالعصا الغليظة؛ فكلنا يتذكر أن ثقافة المخزن كانت هشة وضعيفة جدا وبدون أي أفق إبداعي، فهي تعتمد على "الشيخات" في المجال التنشيطي، وعلى منظور تقليدي لدور الثقافة لا يتجاوز كونها دعاية للدولة و لما تقوم به على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي عبر ما سمي خلال هذه المرحلة بالأغاني الوطنية، والملاحم المسرحية التي تصر على توقيف الزمن في سنة 1956، وتنشد وحدة مطلقة وطوباوية بين القمة و القاعدة، كما كانت تصر على إشاعة نزعة تفاؤلية بلهاء بدون أي سند واقعي، ولعل من نتائج هذا تحول مثقفي المخزن إلى مجموعة من المنفذين بدون وعي ولا حتى تبرير، فلا نذكر أية مناظرات أو نقاشات مهمة بين البنية الثقافية للمخزن و المشروع الحداثي الديمقراطي، وحتى الآن، وما لم يقم حزب الأصالة و المعاصرة، بذلك تبقى الواجهة الثقافية للمخزن شبه فارغة نظريا، ودقيقة جدا عمليا، وبدون حاجة إلى تبرير نظري لما تقوم به، ولا بحاجة إلى إقناع أي أحد بما تقوم به، بل المؤسف في هذا الصدد هو تحول مجموعة من المثقفين الذين كانوا محسوبين على الصف الديمقراطي إلى سدنة للعهد الجديد و مدافعين عن مشروعيات تناقض منطلقاتهم الفكرية و النظرية.

وقد استمر هذا التفوق لصالح ثقافة التغيير و التنوير حتى دخول متغير جديد إلى المشهد الثقافي، و يتعلق بالمد الأصولي الذي بدأ يسحب البساط حينما بدأ المد الثقافي الديمقراطي يستعد للنوم عليه، وهكذا أصبح في العراء بدون امتداد جماهيري. وأصبحت الحركة الثقافية ذات الأفق الحداثي الديمقراطي حبلى بالفاعلين المنتجين، و لكنهم بدوا كالمنقطعين عن أصولهم أو السابحين في عوالم خيالية لا علاقة لها بالواقع.

إن التراجع الذي سوف يطال المشروع الثقافي الحداثي ناتج بالضرورة عن الشرخ الذي حدث بين المثقفين المبدعين وموجة العمق التي كان من المفروض أن تكون امتدادا لأفكارهم ولمشروعهم التنويري، إن الإحباط الذي أصاب الفئات المتوسطة على إثر تراجع وضعها الاجتماعي، وعلى إثر الضربات المتوالية التي كالها لها المخزن لنخبها و مثقفيها المتنورين دفعت فئات عريضة منها إلى الابتعاد عن هذا المشروع "القاتل"، وإلى نشدان الخلاص من قبضة المخزن وذلك إما بالتوجه على الانقطاع عن العالم، وهنا تتوحد الخمرة مع الصلاة في الهروب من واقع ضاغط. أو البحث عن تصور سياسي يضمن عدم تكرار الضربات الموجعة ، وهذا ما سوف يطلق موجة المراجعات السياسية، وكره كل القيم الثقافية النقدية أو التغييرية. و السعي نحو نوع جديد من النفعية والواقعية المتواضعة الطموح.
وقد واكب هذه المرحلة وصول أصداء الثورة الإيرانية و الابتهاج بها كمنجز بدون معرفة التفاصيل، وفي الآن نفسه بدأت تصل أنباء التوتاليتارية التي يشهدها المعسكر الشرقي و الفضاعات التي ترتكب في حق الإنسانية باسم الاشتراكية، والتي سوف تفضي إلى انهيار المعسكر الشرقي، وأفول نجمه.
كل هذه المعطيات ، ومعطيات غيرها سوف تخلق نزعة هروبية نكوصية، تتصرف بشكل نفعي، وتضخم هامش الرقابة الذاتية، وتنزع نحو منظومة أخلاقية ترد العيب إلى الذات وتقصر مشروعها بأكمله على إصلاح الذات وإرجاعها إلى جوهر طوباوي متخيل، وتنظر إلى كل نزعة نقدية تحررية عقلانية ديمقراطية على أنها مجرد تقليعات غربية غايتها اغتصاب خصوصيتنا وإزالة هويتنا.
وأصبح المطلوب هو إعلاء قيمة العقل و العلم و التشاور والحوار بدل الجهل والتقليد و تقديس الذات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??


.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي




.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط