الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير كولدستون : المخاض العسير

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 10 / 11
السياسة والعلاقات الدولية



صدر تقرير كولدستون أخيرا ؛ بعد مرور عقود طويلة من الإرهاب الصهيوني على الشعب الفلسطيني الأعزل . و لا ندري لحد الآن هل صدر هذا التقرير بمبادرة دولية قصد التكفير عن عن الجرائم المتواطإ حولها دوليا لعقود من الزمن ؛ أم هو فقط مبادرة شجاعة من رجل شجاع يحمل التقرير اسمه ؛ هذا الاسم الذي سيسجله تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني .
المهم هو أن التقرير صدر؛ لكن النقاش الحقيقي الذي يمكن أن نثيره ؛ هو حول ما بعد صدور هذا التقرير ؛ الذي صدم أصحاب القضية قبل أن يصدم الأعداء .
فقد شن الكيان الصهيوني حربا إعلامية و سياسية شرسة على هذا التقرير ؛ متهما إياه تارة بالتقصير ؛ و تارة بانعدام الحيادية و الموضوعية ؛ لأن إسرائيل في رأي قادة الإجرام الصهيوني لم تفعل شيئا يمكن للتقرير أن يسجله للتحقيق فيه ؛ ما عدا مواجهة (الإرهاب) الفلسطيني الذي يهدد وجودها !!
لكن الزلة الكبرى؛ و التي تخفي أكثر مما تعلن هو قرار السلطة الفلسطينية ؛ بزعامة الرئيس محمود عباس ؛ و التي دعت إلى تأجيل البث في هذا التقرير ؛ لا ندري لماذا ؟
هل هناك فيتو أمريكي ؛ مر تحت الطاولة ؛ يهدد السلطة الفلسطينية في الأجل القريب قبل المتوسط و البعيد بهيجان حمساوي ؛ سيأتي على الأخضر و اليابس ؟ و لذلك يجب عليها أن تحمي الفتى المدلل للأمريكيين في المنطقة ؛ حماية لنفسها ؟
و حتى في هذه الحالة ؛ ما هي الخطوة التي ستقدم عليها الولايات المتحدة ؛ بعد اختلاط أوراقها في المنطقة قبل إسرائيل ؟ هل ستقدم كمقابل لهذا التأجيل تأجيلا مماتثلا للانتخابات؟ و بالتالي ستفتح المجال بشكل أوسع أمام السيد محمود عباس ؛ ليقود المفاوضات مع حكومة يمينية متطرفة ؛ لا تعترف بأية حقوق للفلسطينيين على أرضهم ؛ بل و على أنفسهم حتى ؟
و حتى إذا تحقق تأجيل الانتخابات ؛ في مقابل تحقق تأجيل التقرير –طبعا- إلى أجل غير مسمى ؛ هل هذا القرار يخدم السلطة الفلسطينية ؛ التي ستصبح سلطة غير شرعية في هذه الحالة ؛ و بالتالي ليس من حقها قيادة المفاوصات مع الحكومة الصهيونية ؟
إن السلطة الفلسطينية بإقدامها على الدعوة إلى تأجيل تقرير كولدستون أتت على ما تبقى من هيبتها أمام الشعب الفلسطيني ؛ و أمام الرأي العام العربي عامة ؛ ما يهددها في وجودها مستقبلا .
لكن ماذا بعد تراجع السلطة الفلسطينية عن دعمها لتأجيل تقرير كولدستون على لسان ممثلها في الأمم المتحدة ؛ و ماذا بعد تنويه الاتحاد الأوربي بالتقرير و بصاحبه ؟
هناك خطوتان مفاجئتان الآن ؛ صدرتا بشكل متزامن ؛ لا ندري ماهي الخطوة التي ولدت الـأخرى ؟! لكن الأكيد هو أن السلطة الفلسطينية في تراجعها عن التأجيل تكون قد أنقدت الموقف في آخر لحظة ؛ رغم إنها فقدت الكثير من مشروعيتها في الأيام السابقة ؛ و هذا التراجع نفسه يؤكد الورطة الكبرى التي سقطت فيها السلطة الفلسطينية ؛ و على الخصوص زعيمها محمود عباس ؛ الذي يبدو أنه أصبح مهددا في مستقبله السيتاسي ؛ خدمة لأجندة خارجية ؛ لا تخدم لا السلطة و لا القضية الفلسطينية بشكل عام ؛ بقدر ما تخدم القرار الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة .
و يمكن لأي ملاحظ أن يشم رائحة الضغط الذي يمكن أن يشكله قرار الاتحاد الأوربي الأخير القاصي بدعم التقرير ؛ على قرار السلطة الداعي للتأجيل ؛ الشيء الذي ظهرت نتائجه بشكل متسارع ؛ إلى درجة أن القرارين معا جاءا متزامنين .
فقد تعرصت السلطة الفلسطينية في الأيام الأخيرة لضغوط كبيرة جدا ؛ من محيطها العربي و الإسلامي ؛ الذي نفى أي تدخل له في التأجيل ؛ سواء على لسان مصر أو قطر أو الجامعة العربية ؛ أو منظمة المؤتمر الإسلامي ؛ و في هذا السياق كان الموقف السوري أكثر وضوحا و قوة ؛ حين دعا الرئيس بشار الأسد نظيره الفلسطيني إلى تأجيل زياته إلى سوريا
كلها ضغوطات كبيرة لا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تتحملها ؛ خصوصا و قد جاء الدعم الأوربي للتقرير ليضيف ضغطا جديدا من العيار الثقيل هذه المرة .
هكذا نجد السلطة الفلسطينية أخيرا ؛ تعيد حساباتها على ضوء الربح و الخسارة ؛ و تقرر التراجع عن دعم تأجيل التقرير؛ داعية إلى عرضه على لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة .
إن الأسئلة الحقيقة هي التي ستلي هذا القرار الفلسطيني ؛ الذي يتزامن مع القرار الأوربي ؛ هل سيكون له أثر مباشر على تسريع عرض التقرير على لجنة حقوق الإنسان ؛ للبث في الجرائم الصهيونية على غزة ؛ أم إننا ننتظر فيتو أمريكي في الطريق ؛ يدعو إلى حل وسط بعدما فشل الحل الجذري .
و هنا يمكن للضغط العربي –الإسلامي أن يبدأ في اتجاهات مختلفة ؛ أولا الضغط على السلطة الفلسطينية ؛ كطرف معني بدعم هذا التقرير ؛ و ثانيا الضغط على الولايات المتحدة ؛ التي تسعى إلى حماية إسرائيل ؛ و الهدف الذي يجب أن يطرح على الطاولة هو جرجرة مجرمي الكيان الصهيوني سياسيين و عسكريين أمام المحاكم الدولية .
و ذلك قصد الحد من تكرار هذه الجرائم البشعة ؛ التي مارسها الكيان الصهيوني العنصري في حق شعب أعزل ؛ يدافع عن حقه في الحياة و الكرامة الإنسانية .
و لعل هذا هو أول اختبار يواجهه الرئيس الأمريكي (باراك أوبا ما) في تنزيل خطابه على أرض الواقع ؛ فقد دعا في خطابات كثيرة ؛ آخرها خطابه الأخير في الأمم المتحدة إلى طي صفحة الماضي ؛ و تحقيق العدالة ؛ و تطبيق القانون الدولي ؛ و هذه كلها مبادئ نبيلة ؛ إن قرنت بالتطبيق و الممارسة .
سنرى هل يمتلك الرئيس الأمريكي وضوح الرؤية و الشجاعة السياسية الكافية ؛ أم إن خطاباته لن تتجاوز أحلام نائم ؛ سرعان ما سيستفيق على كوابيس اللوبي الصهيوني ؛ الذي يضغط بكل ثقله ؛ بخصوص جميع القضايا التي تخص إسرائيل .
إن لباراك أوبا ما شعبية ؛ سواء في الداخل أو في الخارج ؛ ليس لها مثيل في التاريخ الأمريكي ؛ و لذلك وجب عليه حماية صورته ؛ ومعها حماية صورة أمريكا في العالم ؛ من التسلط الصهيوني ؛ الذي نهش بما فيه الكفاية الجسد الأمريكي لعقود طويلة و ما يزال ؛ خدمة ليوتوبيات لا علاقة لها بالواقع .
و لذلك وجب عليه أن يبرهن عن مغايرته للسياسات الأمريكية السابقة ؛ و ذلك عبر الانتصار للعدالة و القانون و منطق حقوق الإنسان . و إذا كان يريد فتح صفحة جديدة مع العالم العربي و الإسلامي ؛ فهذه هي الفرصة الملائمة لذلك ؛ خصوصا و إن هناك توجه عالمي يقوده الاتحاد الأوربي لمعاقبة إسرائيل على الجرائم التي اقترفتها في قطاع غزة ؛ حتى تعود للقرار الدولي هيبته المفقودة .
أخيرا هناك تقرير كولدستون ؛ و هناك لاعبون دوليون يجب أن يحترموا قوانين اللعب ؛ و هناك نتيجة يجب أن ندافع بكل قوة لتحقيقها ؛ و هي معاقبة المجرمين الصهاينة سياسيين و عسكريين على الجرائم البشعة التي اقترفوها في قطاع غزة ؛ في حق أطفال و شيوخ و نساء ؛ و هذا اختبار جديد للشرعية الدولية ؛ يجب أن تنجح فيه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يترأس اجتماعا بمشاركة غالانت ومسؤولين آخرين


.. متحدث باسم حماس لـ-سكاي نيوز عربية-: إسرائيل ما زالت ترفض ال




.. بعد فشل الوساطات.. استمرار التصعيد بين حزب الله وإسرائيل| #غ


.. المراكب تصبح وسيلة تنقل السكان في مناطق واسعة بالهند جراء ال




.. الشرطة الهولندية تعتدي على نساء ورجال أثناء دعمهم غزة في لاه