الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملاك

نضال الصالح

2009 / 10 / 11
الادب والفن


رن جرس الهاتف. رفعت السماعة وقلت نعم فجاءني صوت الممرضة بيجي يقول:" هل يمكنني أن أزورك وأشرب فنجانا من القهوة العربية عندك؟" قلت: أهلا وسهلا، أنا في إنتظارك فاجابت سأكون عندك خلال دقائق.
فتحت لها الباب ودعوتها للدخول. هالني منظرها فلقد كانت في حالة مزرية، شاحبة الوجه كأنما الدم قد سحب منه، عيناها حمراوتان، متعبتان من أثر البكاء. لقد كبرت سنين منذ رأيتها الأسبوع الماضي. عنما جلست قلت لها: "إنك في حالة مزرية فما الذي حصل لك؟" قالت:" شكرا على صراحتك، إحضر لي القهوة أولا وبعد ذلك يمكننا أن نتحدث."
مسكت فنجان القهوة بكلتا يديها وهي ترتجف حتى خلت أنها ستدلق القهوة على نفسها ثم قربته من أنفها واخذت نفسا عميقا وقالت: ما اطيب هذه الرائحة، إنها تنعش الروح ثم بدأت تحتسي القهوة وهي تنظر إلى الفنجان كأنما تقرأ طالعها.
وضعت الفنجان على الطاولة وقالت: " اليوم، في الصباح الباكر مات بين يدي الطفل بتر." قلت لها ومن هو بتر؟ قالت: إنه طفل في السادسة من عمره، كان يشكو من سرطان الدم." قلت: ولكن ليس هذا الطفل الوحيد الذي مات بين يديك فمنذ أن عرفتك وأنت تعملين في قسم الأطفال التابع لمستشفى السرطان وعشرات الأطفال ماتوا بين يديك، ولقد قرأت قصصهم في كتابك فما الجديد؟
نظرت إلي طويلا ثم قالت:" يا صديقي أنا أموت مع كل طفل يموت بين يدي، لم أعد أحتمل، في كل مرة يموت واحد منهم يأخذ قطعة مني وأنا أخاف أن لا يبقى عندي ما أعطيه لهم."
أردت أن أغير الموضوع فسألتها متى سيكون عرسك؟ نظرت إلي وضحكت ثم قالت: لن يكون هناك أي عرس فلقد تركني خطيبي وأنا لا ألومه، فمن يريد امرأة تعيش يوميا مع الموت وتأتي إلى بيتها وزوجها بقصة طفل جديد مات بين يديها.
بيجي تعمل في قسم الأطفال التابع لمستشفى السرطان منذ سنين طويلة ولقد كتبت كتابا بعنوان " أطفال قلبي" وصفت فيه القصص المحزنة للأطفال الذين ماتوا بين يديها وهم يعتقدون أن الملائكة ستحملهم إلى جنة في السماء، مليئة بالألعاب والحلويات وكل ما يشتهيه الأطفال. لقد رأيتها بنفسي كيف تتعامل مع كل طفل كأنما هو طفلها.
قلت لها: لم أكن أدري، أنا آسف. ثم خيم الصمت على الغرفة وتهنا كل مع أفكارة حتى شقته بسؤالي: أخبرني يا صديقي ما الحكمة في موت هؤلاء الأطفال؟ هل يوجد في ديانتكم تفسير لذلك؟ قلت لها: ديانتنا مثل ديانتكم تقول بأنها حكمة الخالق وهو أعلم بحكمته."
لم تقتنع. قالت: شكرا على القهوة، وشكرا على مواساتي، لقد كنت في أمس الحاجة للإثنتين ثم قامت وتوجهت نحو باب الخروج، فتحته وأدارت وجهها إلي وقالت:" هل تؤمن حقا بالملائكة؟" قلت لها:" نعم، إنني الآن أنظر إلى واحد منهم." فهمت قصدي فضحكت وقالت لي " شكرا" وأغلقت الباب خلفها.

د. نضال الصالح / فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموزع الموسيقى أسامة الهندى: فخور بتعاونى مع الهضبة في 60 أ


.. الفنان محمد التاجى يتعرض لأزمة صحية ما القصة؟




.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل