الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قشرة البرتقال/ 5 تسميم الحلم

حامد مرساوي

2009 / 10 / 11
الادب والفن


لا يمكن تصور حكاية استيناف حكم الزمن في أمر الحب. ولم يتمكن كائن من كان من فرض قوة الحب على شرعية الزمن.
يكرر عادل إمام بسخرية الفتوة في قلب الحجرة الدراسية في وجه أستاذته "بعد أربعطاشر سنة خدمة ثانوي، بتقوللي أوقف!",أما حالتنا، فتعني أنه بعد أربع وثلاثين سنة فراق العاشقين، يقول الحب مرة أخرى للزمن: أوقف". من غير سخرية. لكن رفقة حكايات مأساوية:
()من جانب العاشق:
ــ فقدان سعاد بصيغة الدراما الهندية، بعدها المرارة غير المنتهية، في الأكل وفي الدراسة وحيث يظهر ظلها المتبقي من جسدها المختفي.
ــ فقدان الأم بصيغة السينما السوفيياتية، بعد أقل من سنتين على مغادرة سعاد. حصد الكوليرا "أمي رحمة" ( كما تناديها سعاد) خلسة، ولم تتجاوز ساعتها 44 سنة من العمر، تاركة لمياء (أقل من خمس سنوات) ورشيد (10 سنوات ونصف).
ــ بعد سنة ونصف فقدان الحرية، عبر اعتقال على طريقة سنوات الرصاص، بل ضمنها، 13 مارس 1975. كأن الزمن لم يترك شكلا من أشكال التنكيل بروح أحمد إلا وطوّح بنفسه، ليصلب الجسد ولتؤمن الروح بقضاياها المصيرية.
()من جانب العاشقة:
ــ ذات صباح ممطر، كانت الملابس تجمع،دون حمل "لابوبي" (عروسة اللعب)، من جيل ما قبل نونورس وباربي. بل لم تلبس بما يكفي لمواجهة البرد في حافلة السفر الأخير من وزان الجميلة، رفقة أمها بالتبني، "الحاجة"، شبه مطرودة من منزل، أشرفت هي على إعماره بتزويج زوجها ليتمكن من الإنجاب مع العروس الصغيرة السن. تم ترحيل سعاد كما لو كنا نسمع اليوم بالرحلات التي تفرض على "منعدمي أوراق الإقامة" (ليسان بابيي)، قسرا نحو البلد الأصلي. إنه قهر المجتمع قبل اليوم، قبل انتشار قسوة السلطات على الحدود الأوربية. كما كانت شكلا آخر سبق ما قامت به الجزائر من تهجير مغاربة فاقتلعت أبناءهم من مدارسهم، ونساءهم من مطابخهم، وشبابهم من رأس الدرب. باسم زوجة جديدة اسمها البوليساريو.
()ظروف العشق:
ــ وجدت سعاد نفسها في حي هامشي بالتقدم، المعاضيد، بلا تصميم التهيئة، تتداخل فيه الأزقة. وقد تكشف قنوات الواد الحار عن نفسها. ثم تأتي حافلة الركاب لتنقل السكان نحو مركز العاصمة، ليتبين الفارق بين موظفي الوزارات المكربطين، وبين سكان الدواوير الذين لا يضمنون القوت اليومي ولا الشغل الكريم. كيف يمكن لروح طفلة أن تتبيأ عبر هذا السقوط الاجتماعي من وضع إلى آخر. من يضمن لنفسيتها القدرة على التمسك بالبوصلة في الدراسة وفي الطموح وفي النظر إلى الزمن غير المنظور من مستقبلها، وجسدها يتحول من مجرد عينين وحاجبين فوق الجبين اللجين كما غنت فيروز، إلى نهدين فوق الصدر وانتفاخ في كل مقوم من مقومات الأنوثة المجنسة، مغتسلة باللون الذي يخطف النظر كما يقول المغاربة. نعم، هناك الطيبوبة والتلقائية والبساطة في الوسط الاجتماعي الجديد.لكن العوز المادي يحطم كل المشاريع بالدراسة والاستقرار. فالعائلات تحت ضغط الفقر، تسلم بناتها لكل احتمال قد ينقص فردا من بين مجموعة تلجأ لنفس المنزل، أوقات التغذية، فلا يتوفر الأكل...فحالات التبني واللجوء والهجرة الاضطرارية المفاجئة، وما يتخللها من علاقات وانتهاكات ملحة، جسدية أو نفسية، ودية كانت أو عدوانية، فالأمر سيان. بحيث يتعذر التوفر على الأمن الاجتماعي لطفلة/يافعة تلمس نفسها منتقلة نحو المراهقة بلا أية ضمانات أمنية من حولها.
ــ بعد سنة ونصف، وجد نفسه في نفس الرباط. يدرس بكلية الحقوق. التحق بحي بوقرون ليسأل في العنوان المحتفظ به من قبل عبر التراسل ما بين وزان والرواشد في زعير من خلال عنوان منزلي مستعار. أحاله صاحب المحل على عنوان سكن الحاجة في حي المعاضيد الهامشي بالتقدم. لما وصل وجد الحاجة. ثم رجعت سعاد من المدرسة. كانت هديته لها ساعة يدوية. ثم اتخذ لنفسه تقليد الزيارة الأسبوعية مساء السبت. كان ذلك حلا للتخفيف من حساسية الإخوة الذكور. فقد توصل برسالة تهديدية، اضطر للتبليغ عنها بتخوفه إلى الحاجة التي أكدت له احتضانها لزيارته لهم دون خوف. مر موسم 1973-1974، على هذا الإيقاع. لكن بداية 1975، كان الحدث المفاجئ. شملت حملة الاعتقالات أحمد في التاريخ المشار إليه أعلاه. فانقطع خبره، دون أن تعلم سعاد السبب ولا العائلة ولا أحد غير عائلته. خصوصا وقد كان الاعتقال في صيغة الاختطاف الذي أصبح سريا، في ظل إهمال العائلة بمصيره. بحيث، تمكن من إرسال رسالة سرية إلى أحد أصدقائه من داخل الكوميسارية بجامع الفنا بمراكش قبل الالتحاق بالمعتقل السري درب الشريف بالدارالبيضاء.
ــ ما هو المصير الذي سيلف مستقبل سعاد الجميلة، بعد الاختفاء المفاجئ لأحمد؟ إنه بالنسبة لها وللعائلة، ما دام أمر الاشتغال بالسياسة لم يكن ظاهرا عليه. كان الأمر يتعلق بانتمائه لليسار السبعيني، المنعوت كونه "متطرفا"، يسار جمهوري ولو بلا عمل مسلح ولا يزيد عن كونه حركة طلابية تطمح للتحول إلى حركة اجتماعية احتجاجية بعيدة عن التحول إلى حركة ثورية وازنة في الساحة السياسية. الاغتصاب تحت الظلال الرمادية للمجتمع أولى النتائج التي ضربت كيان سعاد بعد غياب أحمد. هل كان ودودا؟ هل سلك معها سلوكا متعففا أم هو الذي افتض حياءها وعذريتها الأخلاقية؟ ستشهد من بعد أنه الذكر الوحيد الذي أتبث العلاقة الإيجابية بين الحب وبين العفة. كانت بالنسبة إليه ذاة إنسانية تجسد له الرابط الذي يوجب تفعيل القيم الثورية التي كان ينذر نفسه لها. فمن أجلها هي بالذات انعكست درجة صدقه مع أفكاره ومبادئه. كانت رفيقة دربه وهي لا تعلم. كانت مشروع شريكة حياته وهي تسجل إصراره بالهدايا البسيطة، دفتر أو تغذية...لكن الغياب الثاني، ترك فيها صفحة الحبيب بعد غصة الأب. أب التبني. أما الأب البيولوجي، فكما كنا نسمع عن مجاوري مواقع الاحتلال البرتغالي في الجديدة وما جاورها، كان العوز يدفع الأسر إلى بيع الأبناء للمحتلين، كذلك نسمع اليوم والأمس القريب عن توزيع الأبناء لتخفيف العبء الديمغرافي الذي سبق عصر تنظيم الأسرة وتحديد النسل.
أي ذنب لهذا الثنائي (أحمد/سعاد) ليتمزق شمله ويشتت للمرة الثانية سنة 1975؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي