الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حب ثم ذوبان

وصفي السامرائي

2009 / 10 / 11
الادب والفن



لم أتفاجأ بالعلاقات السائدة في داخل الحرم الجامعي بين الطلاب و الطالبات بحكم نشأتي في وسط اجتماعي منفتح بحكم أننا نسكن في أحد الأحياء الراقية من بغداد . كذلك الحال بالنسبة للعائلتي التي تربيت في كنفها , فالوالد رغم غيابه الطويل عن البيت حيث يقضي معظمه بين المستشفى و العيادة . لكنه ما ان يعود إلى المنزل مساء حتى يظل يقضي ساعات طويلة معنا يسامرنا و يسأل عن أحوالنا و يسامرنا حتى ولد لدينا هذا الحنان بأنه صديق أكثر منه والد .
أما الوالدة فما أن ترجع من عملها حتى تدخل إلى المطبخ لتقوم بإعداد أشهى الأكلات , و عندما نجلس حول المائدة تبدأ بانتقاء أحلى العبارات كما تحثنا كي ننمي قدراتنا الثقافية العامة خصوصا تلك الكتب التي كانت تجلبها من مكتبة الكلية أو أخرى تقوم باقتنائها من المكتبات الخاصة أكثرها تختص بعلمي الاجتماع و التاريخ دون أن تنسى مناقشتنا بما تحويه هذه الكتب .
غالبا ما كنا نخرج في المساء إلى النوادي الاجتماعية أو إلى إحدى الحفلات التي تقام في بيوت أصدقاء العائلة و غالبا ما كنا نتركهما و نذهب للتنزه أو لمسامرة بعض الاصدقاء و الصديقات دون أن يعترضا على ذلك . و لما حاول رياض أخي الأكبر ممارسة سلطته الذكورة علي لكن رغبته هذه غاليا ما كانت تصطدم بممانعة شديدة خصوصا من الوالد جعلته ييأس و يرضى بالأمر الواقع.
كانت المفاجئة أني لاحظت أن أحد الزملاء يصوب نظراته نحوي مع ابتسامة عذبة يرسمها على محياه . في الحقيقة فان جملة أمور جعلتني استعذب نظراته تلك كمظهره الأنيق و تسريحته التي توحي لمن ينظر إليها يحس أنه يبذل جهدا متمييزا كي يرتبها . لقد كان عمليا جدا فما أن إنتهت أول محاضرة حتى تقدم نحوي مادا يده :
أقدم لك نفسي علي .
_ هيام
_ اسم راقي يوحي للسامع معاني رائعة.
لكن القاء لم يستمر طويلا كوني اعتذرت منه كي أذهب لأقف مع بعض الزميلات اللواتي تجمعن قرب القاعة .
وفي نهاية المحاضرات تقدم مني ثانية ليدعوني كي نذهب إلى الكافتيريا لشرب قدحا من الشاي, لكني إعتذرت منه بلطف :
_ والله أنا لا أحب شرب الشاي كي أحافظ على صحة أسناني
_ ليكن قدحا من العصير إذا
_ آسفة
_ فليكن قدحا من الماء البارد فهذا ليس له أي مضار , أرجوك لا تشمتي بي الأعداء .
فما كان مني إلا أن استسلمت لتوسلاته . و ما أن جاسنا إلى الطاولة حتى طفق يتحدث بأحاديث متنوعة من طرف إلى أبيات من شعر الغزل الفصيح و العامي ثم ينتقل إلى أحاديث عامة بحيث جعلني أنسى الوقت . لكنني انتبهت أخيرا لأستأذنه كي أرجع للبيت .
و بمرور الأيام بدأت مواهبه تتكشف ليس لي فقط بل لكل الزملاء و الزميلات , ليست ثقافته العامة فحسب , فهو كان يفيض بالإنسانية فقد كان لا يمل من تقديم المساعدة لأي زميل طلب ذلك أم لم يطلب . و لم تقتصر علاقاته الحميمة مع الطلبة بل تعدتها إلى الأساتذة حيث تمكن من كسب ود معظمهم عن طريق إنتقاء الجمل بدقة وهو يتحدث معهم , بالأضافة إلى جرأته على المواجهة فقد حصلت مشادة كلامية بينه و بين الآنسة نجاةالتي ينعتها الزملاء و الزميلات بالمعقدة حتى الأساتذة كانوا يتجنبونها لحدتها في الكلام و عدم قدرتها على التفاهم و يرجع البعض ان سبب سلوكياتها هذه ترجع إلى فشلها في علاقة حب استمرت لسنوات لكنها انتهت بان تركها الخطيب و ذهب إلى الخارج. كان سبب الخلاف لاعتراضه على طريقتها بإلقاء المحاضرة فقد كانت تلقيها كمن يسابق الزمن مع صوت اقرب إلى الهمس فلما طلب منها التريث في عرض المادة و رفع صوتها ثارت ثائرتها و قالت له : هذه هي طريقتي سواء أعجبتكم أم لم تعجبكم .
_ سيدتي المسألة ليست لها علاقة بالإعجاب من عدمه , و لكنني لم افهم من كل الذي قلتيه إلا النزر اليسير و أظن ان الكل يشاطرني الرأي و لكنهم لا يجرئون على البوح لك بذلك لخوفهم من ردة فعلك .
_ و لماذا يخافون هل أنا بعبع ؟
_ لا يا سيدتي ليس الأمر كذلك و لكنك تتمتعين بشخصية قوية تجبر الآخرين على الاعتراض عليك أما أنا فقد تجرأت لأنني سبرت غررك ووجدت فيك تلك الأم الحنون التي لا تقبل على نفسها أن تكون السبب في رسوب بناتهاا و أبناءها. هنا صمتت لبرهة من الزمن ثم ابتسمت و قالت :
_ لك ماتريد. و شرعت تعيد الدرس بروية .
و مع مرور الأيام أخذت مواعيدنا تكرر بشكل سبه يومي حتى أني لم أعد أستطيع الإستغناء عنها رغم أن بعض الزملاء أخذوا يلسنون علينا و لكننا لم نكترث لما يقولون لا بل أصبحت العلاقة بيننا اكثر حميمية و لم يعد علي يتورع عن اطلاق عبارات الغزل و الود التي بدأت تدغدغ أحاسيسي .
وفي أحد الأيام طلب مني ان نذهب سوية بعد انتهاء الدوام إلى حديقة الزوراء وما أن ركبنا في الحافلة حتى بدت على وجهه علامات الصرامة كأنه يضمر شيئا داخله لم أدر ما هو . وعندما أصبحنا لوحدنا بادرني بكلام لم أعهده من قبل :
_ ترى إلى متى يظل حالنا هكذا ؟
اي عن أي حال تتحدث ؟
_ حال العراقيين طبعا
_ و ما بالهم ؟
_ هل يعجبك هذا الحال ؟ كل من يحاول التفوه بأي كلمة فانه يذهب وراء الشمس ناهيك عما يحصل له هناك عند التحقيق معه ؟
_ و ماذا بأيدينا ؟
_ كل شيء راجع لنا لو كانت لدينا النية الصادقة للتغيير . ...... ما ذنب هؤلاء الشباب و هم يساقون إلأى الموت في حرب لا ناقة لهم فيها و لا جمل ؟
_ ما لكم لهذا الكلام الذي لا يؤدي إلا إلى التهلكة ؟
_ حقك فأنت لم تشاهدي حال أهل البصرة الذين تتساقط عليهم القنابل كالمطر لقد اضطرت العديد من العوائل على ترك منازلها بحثا عن ملاذ آمن ليسكنوا في أحياء لا تتوفر فيها أبسط الخدمات الإنسانية لمجرد أنهم يبحثون عن الأمان .
_ أرجوك كف عن هذا الحديث الذي لا يجلب سوى وجع الرأس........ بصراحة لو ظل كلامك على حاله أرجوا أن لا تغضب فأنا مضطرة إلى قطع علاقاتنا لخوفي على نفسي و عليك أيضا أرجوك خذني للبيت .
_ آسف إذا أغضبتك ...... أرجوك لا تتركيني فأنا لم أعد أطيق العيش من دونك ..... هذه المرة الأولى و الأخيرة التي أفتح معك مثل هذه المواضيع.
و بعد هذا اللقاء ظلت علاقتنا على حالها ..... إلا انه في أحد الأيام لم يحضر على إلى الدوام و قد استمر غيابه لايام عديدة حتى بدأت الوساوس تتحرك داخلي ترى هل تبخر علي كما تبخر قبله عدد آخر من الزميلات و الزملاء بدون سبب مقنع ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة