الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امرأة من غبار

مروان العلان

2009 / 10 / 13
الادب والفن



أعتلي صَهوةَ الذكرياتِ
أسابقُ الريحَ والشموسَ والغبارْ
تناديني دموعُ الأمس والآهاتُ
والجرحُ الذي ما كادَ يبرأ
أسابقُ ريحَ من سبقوا
وأوشِكُ أن أراهم في فيافي الروح
أعشاباً وأوراقاً
وجذعاً ينحرُ الأيامَ منتظرا تباشير القيامة

أعتلي هوج الأعاصير التي انحطت
على كتفي.. وأعصابي
أعضُّ على خشبي
وأمسكُ بالصخورِ المستكنّةِ في الضلوع

يا نارُ كوني كالسديم
وأطفئي لهبَ الجنون
ذئبٌ تمطى في الجوانح.. في الخلايا
أقعى، وأطلقَ عينَه في الروح
وافترش الفريسة
ذئبٌ بلون البحر في الأعماق
وأراكَ تكتب للغيوم قصيدةً
ودماً فنيقيّ المدار على شطآن صور

يا نارُ كوني ما أحبّ
وأحرقي لغةَ التوافق
لم يبقَ إلا أن يطلّ الصيفُ
تحترقُ الوريقاتُ الصفرُ
ينتشر الضياءْ
ما بين آفلة الشموسِ وومضةِ الإحراق برهةْ
بين التفاصيل المليئة بالشجونِ
سنرتدي ثوبَ الشجنْ..

هل يا ترى سيظلُّ سيفي مشرعاً
ليلْعَقَهُ الغبار؟
والخيل تبقى كالطيوفِ؟
ونرتدي من بعدُ ثوبَ الشائحين عن المدى
نعرى على صخرِ التذكر
ننزفُ الأشواق إيذاناً ببدءِ الخلق
أم ندنو من الشطآن تكوينا الرمال؟

يا نار كوني ما أحبّ
وأيقظيني من سباتِ الذكريات المشرئبةِ
في فراش المعرفة..

هل أعتلي جرحي وأنفثُ ما ألاقي في الرمادِ
لأستثيرَ الأرض
وامرأةً تجسّدُ في رؤاها الموت.. أو لونَ الغبار؟
صخرٌ كما تبدو.. وبقيةٌ من زوبعة
هو ذا الغبار
وأنتِ روحُكِ من غبار..

حرفٌ على حرفِ السكاكين
ولمعةٌ من كبرياء
صيفٌ على صيف العيون
ولمحةٌ من ذكريات

يا قارئَ التوراةِ لا تعجل
فهذا الكونُ غادر للبعيدِ
ولم يزل فيك الغبار
أتُراك تعرفُ أن فيك من المدى لعنة
وتكادُ تشبهها
سوى أن التواصلَ في عيونكَ
يسكبُ التاريخ في حبر المدافن..
وأراهُ يسكنُ في مآقيها الغبار
يا قارئ الإنجيلِ غادركَ المسيحُ
وأصبح البحرُ المدجّج بالعواصف هادئاً
أتراكَ تعرفُها
وتعرف أنها جذعٌ رمته الريحُ
فوق الذكرياتِ وأعلنت نبأَ النهاية؟
يا قارئ القرآنِ منذ الوحي
أو بعد انقطاع الوحيْ
هيّء أكفّك للوداع.. وللسلامْ
فعلى رمال الواحتين تترجمُ النخلات حرفاً
والريحُ تمحو ما تراكم من كلام..
أتراكَ تعرفُها..
وتعرفُ وجههَا المشبوحَ محتقناً
بآفات الغبار..

قولوا لجذع النخلِ أن يغفو
إن الزمانَ الآن طلّق روحَه أيضاُ
فأدركه الفناء

هيا اعتلي ظهرَ التوحّد
إخلطْ رياحكَ بالرياح
وأيقِظِ الموتى
هي لمسةٌ كفّ المسيح بها
وإرادةٌ الروح العنيدةْ
كن مثلما خلق الإلهُ النورَ،
تعرفُ ما تريد
إخلط رياحك بالرياحِ
وزَوّج الشطآن للأمواج.. وانهض
أترك غبارَ الذكريات
لمن يمرّ مع الغبار
أتراك تعرفُ أنها وُلدتْ هناك من الغبار؟

هيا اعتلي ظهرَ التوحّد
إشربْ رياحك في كؤوسِ الروح
تأتيك القياماتُ الوئيدةْ

جمحتْ بنا فرس الغبار
وأورثتنا الجرحَ والخفق المهيّجَ للرمادِ
تناوبَتْنا عندها لغةُ الحروف الوافدة
لغةُ الرماد الهامدة
هي ذي إذنْ لغةُ الغبار
جمحت بنا فرس اشتهاءاتِ الملل
واستقطعت أرواحنا قطعاً
وهامتْ بعدها الأشياء
في غرف الغبار
نزفٌ هناك
وبعض نزفٍ من هنا
والأرض تشرب من سيولاتِ التجرّح
لكننا لم ندرك الأيام في ذاك التسابق
حين انتبهنا
كان وجهُك من غبار
عيناك أُغمِدتا بآفاق الغبار
والروح تؤلمها جروحُ الروح
لله ما أقسى الغبار
لله ما أقسى الغبار..

جمحت بنا فرسُ الغبار
لكنها في لحظة الإغلاق
أيقظتِ الخلايا الصّمّ
فانتفضَ النهار..

ومض من الذكرى على كفِّ الفجاءةْ
يتشربُ الينبوعَ
يترك كل شيء كالصحارى
ينفضّ لونُك عن جذوع العمر
يتركُ فسحةً للأرض
ويسيل منكَ الأخضر القاني
فيندلعُ الخريفُ
وحين تهبطُ للزوايا
ويعود وجهُك للتراب تغادرُ الذكرى
ويعود كل الفائضين إلى التوحد

يا حامل النار في غصنِ المتاهة
أشعلْ بمعبدك المصابيح العتيمةَ
واسكبْ عليها ما تلملم من ورقْ
هي ذي الحروفُ إذن
وقودُ النار في غصن المتاهة

لم يبقَ غيرُك يا غبار
لأننا من يومنا نهوى الغبار
لم يبقَ غيرك
نلثم القدمين والعتبات
والحطبَ الذي يحوي سكاكينَ الغموضْ
لم يبق غيرُكَ
نغمضُ العينينْ
ونستميحك يا غبارُ العذر
نبتلعُ الغبار..
حتى متى يا أنت تبتلعُ الغبار؟
لم يبق غيرُكَ
ما تمادى العمرُ منكفئاً على شفة الغبار..

في هجعةٍ
حين استطال الموج فوق الموج
وافتعلَ التواصل
واكتوى القلبُ المجرّح بالرماد
حين افتدى كبشَ التذكر
أنبياءُ العشق
جاؤا.. كالريح ضاق بها المدى
وتمايل النخلُ الذي ما اعتاد تقبيلَ الترابْ
حتى تجرّحَ وجهُ هذي الأرض
بالسَّعَفِ المدبّب والحراب

في هجعةِ النجْمات في غيم المجرّةْ
حين استفاق الظلّ وانتشر الضبابُ
صَهَلَ التذكرُ
وانتشى النسيانُ
حتى توهجت الحروفْ
ها قد انسكب اللقاء على اللقاء

يا وردة النسيان
فلتنسيْ مع الأَرَج المعتَّق
ما تمادى من غبار
وإليك معطفَ ما سيأتي
فتدثّري
إني أحبك برعماً.. نفضَ الغبار

انفضْ غبارك عن غبار الأمس
وامتشقْ لغة المجيءْ
إن الذهاب إلى الذهاب
يطيشُ من لبّ الغياب
هل يا ترى سيمرّ من نفق التذكر
ما قد تفاداهُ الغبارْ؟
لا تحسبيني حين يعوي الذئب
في صحراء روحي
يطلب الإيغالَ في لحمِ التذكرِ أستجيب..
أنتِ التي فتحتْ لنار الروح نافذةً
فأطلقتِ الحمائم للسراب..

لن يُبعثَ الموتى جزافاً
ونوابضُ الأيام تهمي كالمطر..
هو ذا إذن صوتُ المطر
سيفُ المطر
يحتزُّ أعناقَ الغباراتِ السفيهةْ
ويُقيمُ عرساً للدم المنثور
كالحنّونِ في حقل الغبار
عودي إلى النار التي فتحتْ عيوناً
في الحطبْ..
ولتمسحي الأعشاب عن عينيك
وانتعلي الخريفَ
فلونُ روحك في خريف..

ركبتْ على كتفي السنونُ الأربعة
وأوغلت الشواطئ ُ في رمال الروح
وانتشرَ الغبار
حين ادلهمّ الأفْقُ
وانتصبتْ لغةُ المطر
أدركتُ أنك للغياب..

طينٌ يلوّثُ قطعةَ الروح القماشيةْ
هذي بقيةُ ما قد أحدثتهُ السنونُ الأربعة
لم يبق منكِ سوى القليلِ من الغبار
هي نفخةٌ حرّى
وتزولُ صفحتُنا

ركبتْ على روحي السنونُ المشرعة
أَلَمٌ بِقعْرِ الكأس
أو قطراتُ دم..
وعلى الجدارِ الجَهْمِ آثارُ الغبار
سأراكِ أكثر حين يمسحُ كفُّها لونَ الضباب
وينزُّ من كأسي دمي
ونزيفُ عمري
واحتقاناتُ التجارب
ركبت على كتفي السنونُ المشرعة
ثم التوتْ كل الجذوع
وحلّ في الحبِ الخريفْ
هل يا ترى تمتصُّ الرياحُ الخضرُ
أوراقَ الخريفِ الأربعة؟؟

هل قد مضى عهدُ السباق الوارفُ الظلماتِ نحو الأوبئة؟
قالتْ بأن الغيمَ أسقطَ حمْلَهُ فينا
فتناثرتْ كل الجراثيم البليدةْ
قلتُ الغبارُ يلملم الأفقَ المبعثرْ
تغادرُ ما تشاء متى تشاء
قلتُ استمرّي في التفتّتِ
فالغبارُ يظلُّ في العينين
يستسقي الغبار

قالتْ جعلتَ الروحَ كالكهف المدشّن بالدم المخضرِّ
أوغلتِ الرماحُ السمُّ في تلك الشرايين البعيدة
وتركتَني تحت السيوف المشبعاتِ من الغبار
قلت استعدي لاقتلاع الجندِ من كُتَل الذخيرة
إن الحروبَ قد استقرّتْ في الأنوف
والقلبُ مأوىً للسنين المثقِلَة

قالتْ.. ترى.. لم يبق إلا أن أكونَ
فقلتُ ويحك لن تكوني
عودي إلى ذاك الرصيف
فليس فيك سوى الغبار
إن الغبارَ من السماء إلى السماء
والأرضُ في فصل التواصل
تطردالأشياء والسنوات
والرحمَ الملفَعَ بالوفاءْ
ها قد مضى عهد السباقِ
وأنتِ من ألغى السباقْ

ها قد انشقّ القمرْ
وتأوّدت أعطافُ نجمات الغيابْ
قد أشرقتْ أكثر
وتبسّمتْ أكثر
حين انجلى نصفُ القمر..
واشتطَّ نصفٌ في الغياب هناكَ
وابتلعَ الظلامْ
ماذا عن النصف الذي ما زال
ملتصقاً بأغلفةِ السماء؟
وعلى حوافِ النجمِ أُسرجُ ما تناثر من غبار
إن الغبارَ هو الغبارُ
وأنتِ روحكِ من غبار
ها قد انشقَّ القمر
مادتْ أكف القابضين الجمرَ
واحترقَ النخاع
إصهلْ بجوف الجمر
يا صبحَ الغضب
يكفيكَ من روح التواصل
أن مثلكَ من غبار
ذرّاته تترى تروحُ وتستقرّ على الفراغْ
ها قد انشق القمر
أبقيتَ نصفَكَ للغبار

تشرين أقبلَ خلف طيّات الغبارِ
اللونُ أصفرُ
قد مشّحتْهُ الأرضُ والغيماتُ
والريحُ الوئيدة
حتى صدى الخَطَواتِ
أوغلَ في التكسّرِ.. في انكساراتِ الورق
تشرين بين الموجتين
قتامةِ الأولى
وتغريبِ العيون إلى الفضاءْ
اللونُ كالماء المعكّر
من ميازيبِ السوادْ
حتى سهول المُقلتين تكثفتْ
مدهامّتان على غيابِ الرؤيةِ الأولى
مستعجلاً يا عُمرُ كنتَ
تريدُ النار والمعبودَ والمعبد
تشرين مثلُك آدهُ اللونُ السماويُّ الفسيحُ
قد استقاءَ
فكان شيئاً من غبار
تشرين أقبلَ خلف طياتِ الغبار
هيا اذهبي
فالشاعرُ المهجورُ بالَ على الأثافي
قد غادرَ الأطلال
والشفقَ الموازيَ للهبوط..
قد تزرعي.. قد تحصدي
قد تقطفي.. قد تخبزي
لكنّ خبزكِ للقوارضْ
ما زال يحرثُكِ الحديثُ عن النماذج
وتبعثرين القمحَ والعشب الملفَع بالثمر
شكتِ السماء من الشتاءِ
من الحصادِ
من القطافْ
وجميعُ خبزكِ للقوارض
ثقبٌ هنا.. وهناك آلافُ الثقوب
يسيل منها العمر
والمجدُ المكرّسُ للخلود
ويظل صوتُك للغبار
قد تزرعي
لكن زرعكِ كالغبار
قد تثمري
لكنما خلفَ الفصولِ
فإذا حثوتِ من العيون
اسّاقطتْ كل النجوم
وكنتِ وحدكِ كالغبار
فلترجعي كالمهمَلاتِ إلى تلافيفِ الغبار

أغلقتُ نافذتي
لأبصرَ خلفها ما سوف يحدثُ للغبار
ورأيتُه
من قمقم النسيانُ نحو الريحِ
وانسكبَ الرحيقْ
لملمْ رحيقَك والسنينَ الأربعة
إخلق من الصلصالِ واجهةً تسدّ الريحَ
يزلقُ فوق مفرقها الغبار
أغلقتُ نافذةَ السقوطِ
فتحتُ واجهةَ البداياتِ العنيدةْ
وتركتُ خلفي
تحت خَطوي.. دُبْرَ أذني
خفقةَ الذكرى
وكذا ترجّلتِ السنونُ الأربعة
ثم انطوتْ.. ثم انطوتْ
لن أعتلي بعد انفضاضِ العرسِ
صهْواتِ التذكر


هي دمعةٌ
غسلت على قدمِ المسيحِ الإثمَ
وانسابتْ
ثم غارتْ في الأفق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟