الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلاح الدين و صدام

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2004 / 5 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


عظمة الإنسان تنبع من أعماله العظيمة ، و ما يقدمه في خدمة الإنسانية و التقدم ، لا بدرجات ما يرتكبه من جرائم ، و عدد من يقتل من البشر . و حين التقى الكندي وهو يرأس وفدا علميا إلى الصين لإستيراد أجهزة و وسائل تفيد في أبحاثه ، الثوري المناضل بابك الخرمي ليحصل منه الأمن و الأمان في الطريق من أنصار الأخير . وقد أعجبني من بابك الثائر عند الحديث عن العظماء في التاريخ أنه أكد للكندي أنه ليس يعجبه اسكندر المقدوني و فتوحاته و طغيانه ، بل أنه يحب سبارتاكوس قائد ثورة العبيد. و قياسا على فكر بابك أقول إن قائد ثورة الزنج لأشرف من صلاح الدين و صدام وأشباههما.
فرغم الفروق الثانوية بين صدام وصلاح الدين الأيوبي ، هناك تشابهات و التقاءات كثيرة بين الحاكمين . و من أوجه التشابه الكثيرة تلك ، أنهما فَحْلان يبدأ إسماهما بحرف الصاد ، حسب أنشودة شعراء النفاق و الخسّة في العراق و العروبة ، وأن مسقط رأسيهما المشؤومين يقع في تكريت ، و هما أيضا سنّيا المذهب ، متعصبان له. و كلاهما إغتصبا السلطان و وسائل الطغيان عن طريق الغدر و النفاق. فقد غدر صلاح الدين بالفاطميين الذين آووه و أكرموه و نصبوه قائدا عسكريا كبيرا لمواجهة الصليبيين ، و مثله فعل صدام مع أسياده و قيادات حزبه المقبور وكل من أحسن إليه . و هنا من الإنصاف الأخذ بنظر الإعتبار الفوارق الكبيرة بين الذين غدرا بهم الإثنان. كان صلاح الدين الأيوبي قبل الوصول إلى مصر يحمل في قلبه هاجسا كبيرا يعذبه كثيرا ، هاجس تغيير مذهب أهل مصر الشيعي إلى السني . و قد حقق هذا الهدف فور أخذه الزمام ، و من حسن حظ المصريين أنه جرت هذه العملية بدون إراقة دماء ، بفضل روح الطيبة و السماح التي تميزهم. وقد عمل صدام الكثير لإجتثاث جذور الشيعة في العراق ، و كانت قادسية العروبة التي أشعلها ضد إيران فرصة ذهبية له ليرمي مئات الآلاف من الشباب الشيعي في أتونها ، و كذلك قتل الكثيرين منهم في السجون و إذابتهم في الأسيد ، و إجراء تجارب كيمياوية و بيولوجية عليهم ، بحجج الولاء لإيران ، أو بسبب النقص في عروبتهم . و قد عبر خال الطاغية الشوفيني الطائفي عن حقيقة فرسان العروبة بقوله ، واصفا ضحايا قادسيتهم : " هدّينا جلابنا على جلابهم" أي " كلابنا على كلابهم " .
و بينما جعل صدام من العراق ملكا مباحا لأولاده و عائلته و عشيرته ، و أطلق أ يديهم النجسة لتعيث في الأرض فسادا وإفسادا ، تذبح من يشاؤون ، و يرحمون من يشاؤون ، فقد وزّع صلاح الدين مناطق نفوذه إقطاعيات ٍ على إخوانه و أهله . و كلاهما كانا لا يثفان بأحد ، و يحسبان " للأيام السوداء " ألف حساب ، و يعملان أقصى ما يمكن لإطالة فترة حكمهم . على سبيل المثال أرسل صلاح الدين قوات إلى اليمن حين رأى فراغا سياسيا هناك من السهولة عليه ملؤه ، و جعل تلك البلاد إحتياطيا في حالة إنحسار حمكه و حكم أهله في مصر و الشام. و يمكن للمرء أن يقارن غزو صدام للكويت مع إحتلال صلاح الدين لليمن.
لقد ارتكب صلاح الدين جرائم فظيعة بحق العلماء و المتصوفة ، تّوجها بقتل شيخ الإشراق العظيم السهروردي. و إن جرائم صدام بحق المفكرين و العلماء أراها صدى لجرائم ابن بلدته. إن القوميين العرب لهم الحق في أن ينبهروا بقائدهم صلاح الدين ، فلولاه ربما لم تكن ثمة من أمجاد ، و عفلق و تحرير فلسطين و عمليات انتحارية و تفجير باصات بركابها من طالبات مدارس . لهم كل الحق حين يمدحون أكرادا يعجبهم أن يخاطبوهم بأنهم عظماء مثل صلاح الدين ولو بدرجة أقل. و رغم كل ما يكنونه من إحترام لصلاح الدين و إطراء ، فإنهم يعانون من غصة ، كونه كرديا ، و فشل كل مساعيهم لإثبات العكس. وإن القوميين الأكراد أيضا لا يحبونه ، بسبب عدم إنشائه كردستان لهم ، متناسين أن تلك الفنرة لم تكن عصر قوميات ، بل كانت في هذه الفترات الزمنية ، تشكل دول بنواتات عائلية و قبائلية.
لهذا أقول أن صلاح الدين لا يبعث عند الكردي أي فخر ، وأنه لإهانة كبيرة أن يُشبَّه الكردي به وخاصة إن كان من كتاب تركوا في الأرض أثرا للخلود . و إن ابتغى المرء ذكر عظماء الكرد فهم كثيرون . فالذي يبحث عن عظماء في الأمة الكردية ، يلقى من أمثال الزهاوي و قاسم أمين و عبدالله كوران و قبلهم الجزيري و الحريري و الفقي طيران و عشرات سواهم ، خدموا الإنسانية و قدموا لشعوبهم و في مقدمتها العرب الكثير وأمسوا نجوما في سماء العلم و الأدب و نشر بذور الحب والسلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يؤيد قصف منشآت إيران النووية: أليس هذا ما يفترض أن يُض


.. عاجل | المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: هذا ما سنفعله مع إيران




.. عاجل | نتنياهو: لم نستكمل تدمير حزب الله وهذا ما سنقوم به ضد


.. قصف مدفعي إسرائيلي وإطلاق للصواريخ أثناء مداخلة مراسلة الجزي




.. نائب عن حزب الله للجزيرة: الأولوية لدينا حاليا هي لوقف إطلاق