الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورةٌ بشعةٌ جدا

فاطمة الشيدي

2009 / 10 / 12
الادب والفن


قررتْْ فجأةً أن تهدِيه صورةً جديدةً، لأنها كانت تعرفُ جيدا أن الصورةَ التي يضعها على حافةِ قلبهِ مشوهة وقاتمة جدا..
الآن 321 تك..
في الصورةِ كان كلُ شيء يبدو بعيدا جداا ، وجهُها كان مسافرا في الدخانِ المنبعثِ من مكانٍ ما، ربما من المُقَلِ الجاحظةِ بالرعبِ، أو من القلبِ المتعاظمةِ دقاته، والظاهرِ من قفصهِ، كمشهدٍ فنتازيٍّ مرعبٍ لكائنٍ تبدو كلُ أعضائهِ الداخلية للرائي، القلبُ عجوزٌ يتوكأ على عكازهِ ويهزُّ رأسَهُ في حركةٍ متكررةٍ ينتجُ عنها صوتٌ من التواءِ عظامِ رقبتهِ وهو النبضات، والكبدُ شمطاءٌ تدخن الغليونَ من عروقِها النافرة، والمعدةُ مصنعُ أعلافٍ برائحةٍ نتنةٍ، والأطرافُ طاحونةُ دقيقٍ قديمةٍ، والشعرُ مكنسةُ الساحرةِ التي سقطت منها سهوا..
صرخت: لا يا إلهي إنها صورةٌ بشعةٌ جدا جدا
قررتْ أن تأخذ صورةً أخرى..
الآن 321تك
كلُ شيءٍ لازال يبدو بعيدا جداا ، المشهدُ الخارجيُّ مريعٌ جدا، الغيومُ غرابيلُ شؤمٍ تُعْصَرُ منها دماءُ البشرية فتتساقط ملطخةُ بالحقدِ والعارِ من نواجذِ الشياطين/البشر، لا يمكنُ القبض على شيءٍ يصلحُ أن يكون خلفيةً لصورةِ بسيطةٍ لحبيب ما.
قررتْ ربما من المفيدِ أن تأخذَ صورةً له لتضَعَها على حافةِ قلبِها فصورته أيضا مشوهة.
321 تك
في الصورةِ جاءَ هو مقسَّطُ الملامحٍ على حضورهِ المباغتِ، يدهُ تحضرُ فجأةً، وتغيبُ بعد أن تغرزَ أصابعَها في عينِ الكاميرا، قدماهُ يركلان اللعبةَ الخشبيةَ القديمةَ التي ماهي إلا جسدها الوهن، يهرسانها كالعنبِ فتسيل سائلا أزرقا على عكسِ ماهو متوقع أن تسيلَ سائلا أخضرا مثلا، بحكمِ أنها كانت تظن نفسها شجرةً
الزرقةُ كانت لا تشبهُ البحرَ تشبهُ الحبرَ الكثيف برائحتهِ المضاعفةِ حتى الغثيان.
عيناه كانتا تبرقان كحد السيفِ، وهي تقطع عنقَ المسافةِ بينهما بين نظرةٍ وأخرى، حتى تصل للوجه فتحرقه بماءِ النارِ الطافرِ من بؤبؤها الزيتي.
أذناه كانتا تستطيلان تستطيلان حتى أصبحتا خيمتان كبيرتان
نظراته كانت تشطرها شطرين وتقدمها لضيوفهِ عشاءَ العيدِ الطري.
لسانُه يفرزُ مادةً صمغيةً، رائحتها حولتها فأرا رماديا جاهزا للالتصاقِ ثم البلعِ كشفرةٍ تقطع بلذة .
لاااا أف هذا بشعٌ جدا
قررت ستأخذ صورةً أخرى له 321 تك
في الصورةِ كان يجلسُ على حافةِ الوجعِ المنتفخِ كفقاعةٍ، يجلسُ متكئا على مرفقه في إحدي عينيّها، تنظر إليه بحذرٍ بالعينِ الأخرى، يبدو متجاهلاً للأمرِ بشدةٍ، وثمة مودةٌ نمت بينه وبين بؤبؤ العين الأخرى من ربيع قبل الميلاد، ويبدو أنها لم تذبلْ بعد، وإن تكورت في رحم العتبِ أو الغيابِ، وثمة تكافؤٌ في مساحةِ المرفقِ فهي في صورتِها المشوهةِ أيضا ظهرت متكئة على رئتيه اليسرى حيث جلستها المفضلة.
أخيرا قررت أن تأخذ صورة مشتركة لهما معا ..
مساحاتٌ من إدراك الكائن للآخر في زمن طويلٍ، لايمكن أن يمحوه زمنٌ أقل، خاصة أن كل أسبابه لا تزال قائمة، كوجودِ خمسة أطراف لكل منهما، لايمكن أن تبتر إلا باليد الأخرى لكائن لا يملك إلا يدا واحدة .
شيءٌ آخر كانا بوضعية لا تسمح لهما بالجلوس أبدا في مقابل بعضهما، كالخطين المستقيمين كانا لابد أن يسيرا بمحاذاة بعضهما، لذا كانا ولا يزالان يركضان لاهثين في تتبع شيء كي لا يفوتهما قطاره .
هو بلا تذكرةٍ، وهي بلا موعدٍ، وذلك الشيء الذي يلهثان خلفه مخاتل وقد لا يأتي أبدا، ذلك المطلق الذي يتتبعانه هلامي أيضا، ولا يمكن القبض عليه في صورةٍ طبيعيةٍ لذا لا يظهر في الصورةِ.
وهما لم ينتبها يوما بشكلٍ ناصعٍ وحقيقيٍ لجمالياتِ الركض، كنا يركضان فقط، ولم ينتبه أي منهما لقطرات عرق الآخر إذا تسقط وتنعشهُ، ولأكسسواراتهِ التي تسقطُ وهو يركضُ في ذات الخطِ كي يحافظَ على توازي الكائن الآخرِ المضطربِ.
انتبهتْ ربما البشاعةُ في الصورةِ نتيجةَ الركضِ !ماذا عن صورةِ واقفةِ؟! قالت:
321 تك
كانا فيما يقفان للحظات يكون ثمةَ عطشٌ كبيرٌ، فتكونُ صورة الماءِ ضروريةً، الضرورةُ نقصٌ، صورةُ العطشِ والرواءِ بحكم النقصِ تكون مشوهة.
يبدو أن الصورةَ جاءت مشوهةً بحكم اللقطةِ الخاصةِ،قالت/ ماذا عن لقطةٍ خارجيةٍ من قِبَلِ آخر!!
321 تك
صورةُ الآخرِ لهما في التوازي جاءت من زاويةٍ واحدةٍ، وكانت تلك الزاوية مظلمة جدا، ولذا ربما كانت عقيمة.
وهكذا يمر العمرُ، كلما قرر أحدهما أن يقدمَ صورةً جديدةً له للآخر، وفقَ إطارٍ أفضلَ، كانت الصورةُ تحترق،أو تأتي مشوهةً جدا، كانت كلُ الظروفِ تجعلُ تلك الصورةُ ضبابيةً وكأنها ليست هو.
لذ لا زال كل منهما لا يملك للآخر إلا صورة بشعةً جدا، خاليةً إلا من جماليات البشاعةِ والتي تحتاجُ عينا إضافيةً لكائنين بلا عينين، ويحتاج كل منهما صورةً جميلةً للآخر.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ


.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ




.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال


.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ




.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال