الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئاسة الاميركية/صدمة جائزة نوبل وقوة اوباما الناعمة

علي حسن الفواز

2009 / 10 / 12
السياسة والعلاقات الدولية


لا أعرف ما هو وقع فوز الرئيس الاميركي باراك اوباما بجائزة نوبل للسلام، وكيف تم استقباله لاعلان الخبر الذي ادخله قائمة الرؤساء المسالمين، بالضد من التاريخ الرئاسي الامريكي الحافل بالرؤساء المحاربين؟ وهل يعني هذا الفوز انزياحا في توصيف الجائزة، أم تغايرا في طبيعة المواصفات الرئاسية التي اعتدنا ظاهرتها الصوتية الحادة، وخصالها المحاربة، وفهمها الامبريالي النقي للسلام والحرية والديمقراطية؟
ما احسبه في قراءة هذا الفوز هو محاولة في طرح اقتراح لتجاوز عقدة(قبول)اميركا في العالم بعد سلسلة طويلة من الحروب والازمات والرئاسات الخشنة، خاصة مابعد احداث ايلول 2001 والتي تركت العالم تحت مخالب السطة الاميركية بشكل فاضح، فضلا عن الرغبة في تغيير زاوية النظر الى اميركا الدولة والامبراطورية والقيمة، ومحاولة دولية لطي ازمات معقدة استغورت مفاهيم الحوار والدبلومسية، وحولت العالم الى قرية صغيرة على وفق القياسات العولمية، لكنها بالمقابل قرية محكومة بالمراقبة والضغط والحروب الطارئة والجاهزة والعنف الايديولوجي.
ازاء كل هذا ثمة من يتسائل ايضا، هل كان الفوز المفاجىء للرئيس الاميركي اوباما بجائزة نوبل للسلام مقبولا عند الكثير من الاوساط السياسية والثقافية، او مرفوضا عند بعضها من اصحاب المرجعيات التي تضررت من هيمنة النموذج التقليدي للرئاسة الاميركية صاحب الذراع الطويلة في الحروب الصغيرة والكبيرة، والدعوة لقبول نمط السياسات الناعمة للرئيس الاميركي الجديد اوباما، اذ ان المثير في موضوع الجائزة انها تمنح لرئيس جديد في دولة عظمى ولم تمض على خدمته الرئاسية اكثر من تسعة أشهر اكلت نصفها الازمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على الاقتصاد الاميركي، ناهيك عن ازمة الحرب في افغانستان والعراق، وتداعيات الصراعات المجاورة حول الملف النووي الايراني والملف الكوري الشمالي، وازمة الشرق الاوسط، وعقدة الارهاب وغيرها، اذ لم تختبر بعد افاق مشاريعه السياسية الاخرى خاصة في المجالات الستراتيجية، ولم تكتشف احلامه بعد، خاصة تلك التي تتعلق باقامة العدل الدولي ونزع فتيل تلك الحروب والصراعات والملاحقات النووية بين الدول وكبح جماح اسرائيل الرافضة لكل شيء، بدءا من الحقوق التاريخية للفلسطينيين وحقهم في العودة وانتهاك بايقاف الاستيطان والنبش في القدس والحروب المفتوحة في المسجد الاقصى.
بيان اللجنة المسؤولة عن الجائزة التي فاز بها الرئيس الامريكي والتي اعلنها القيمون عليها تقول أنها هناك العديد من الرؤساء والشخصيات الدولية قد ترشحت للفوز بهذه الجائزة ومنهم من يملكون اجندات(شرف) وامتيازات تؤهلهم للفوز على وفق القياس النرويجي، لكن هذه اللجنة «أولت أهمية خاصة لرؤياه(أي رؤية اوباما) وجهوده من اجل عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وأضاف البيان: «وبوصفه رئيساً، أوجد اوباما مناخاً جديداً في السياسة الدولية. واستعادت الديبلوماسية المتعددة الطرف موقعاً مركزياً، مشددة على أهمية الدور الذي يمكن ان تتولاه الأمم المتحدة وباقي المؤسسات الدولية. وأُعطيت الأفضلية للحوار والمفاوضات بصفتها وسيلة لحل النزاعات الدولية وضمنها الأشد صعوبة». وزادت في تصريحها: «نادراً ما شدّ شخص كما فعل اوباما، انتباه العالم ومنح البشرية الأمل بغد افضل».
هذه الجائزة(الاوبامية) فيها من الصدمة اكثر من القبول، اذ ان تاريخ الرؤساء الاميركان هو تاريخ محارب دائما، وان اكثرهم لايتمتعون بالرومانسية الخالصة من اغلب شعوب الدنيا، خاصة تلك الشعوب الفقيرة او التي مازال اليسار القديم معشعشا فيها، او مازالت قطارات الثورة الدائمة تعبر بالجوار منها، فضلا عن ادوار هؤلاء الرؤساء الارستقراطيين الحادّي الطباع في صناعة النموذج الغرائبي ل(الرئيس) والتعمد في صناعة مضخمة للازمات الكونية بدءا من الازمات المخابراتية التي تثيرها عادة وكالة سي، آي، أي، مرورا بالازمات المالية وانتهاء بانقلابات(التبغ والكاكاو والموز والقطارات والرقيق الابيض) والاحتلالات السريعة بقوة المارينز والتي تحدث هنا او هناك وبقرارات رئاسية خالصة..
هذا التوصيف والمرجعيات هو ما يجعل التفكير بمنح رئيس امريكي جائزة للسلام وهو على رأس السلطة أمرا فيه الكثير من الفنطا زيا والغرابة والاثارة، مثلما فيه من الجاذبية والتساؤل..فما الذي اثاره الرئيس باراك اوباما حقا بالنسبة لاجندة(لجنة جائزة نوبل)ليكون صاحب الحظوة في الحصول على امتياز هذه الجائزة؟ وهل ان مجيئه وهو(الاسود) الى البيت(الابيض)السبب الصادم لتجاوز عقدة الجائزة التي لاتخلو من عنصرية، أم في الطريقة الدراماتيكية في خطبه الرنانة التي هيجت جيلا جديدا من الثوار للاحتجاج على مهيمنات اللون والطبقة والجيب، ام انه اعادة انتاج ظواهر فيها الكثير من الرومانسية الثورية مثل رومانسيات مارتن لوثر كينج وباتريس لو مابا وفرانز فانون، وايميه سيزار، أم ان اعلانه عن الالتزام العلني بالتعاون الدولي والسعي الى تحقيق السلام في الشرق الاوسط ومكافحة الانتشار النووي كاف كشعارات براقة لتحريض شيوخ اوسلو على منحه الجائزة؟ وهل ان حميميته المعلنة في الالتزام بالمسار التغييري الذي يطبع رئاسته واعتماده الدبلوماسية والحوار في التعاطي مع تحديات دولية واقليمية بينها الملف النووي الايراني وفي التواصل مع العالم الاسلامي دليل على جديته في ان يصنع من اميركا دولة شعبية لاتحارب ولا تطاردا أحدا؟
اعتقد ان هناك الكثير من هذه الاسئلة المثيرة جدا ازاء تاريخ الرئاسات الامريكية، تلك التي تتعلق بهويتها وطبيعتها ونمطية القوة التي ارتهنت اليها دائما في التعاطي مع الملفات الدولة، ومع قضايا الثورات الاجتماعية والثقافية، وبالمقابل فان بعض هذه الاسئلة فيه الكثير من التحريض على طبيعة هذا التاريخ الذي لم ينزع خوذته المحاربة، ولم يتخل عن صفة الرجل المخابراتي الدائم، وان ينزع لان يكون مواطنا كونيا، تستقبله الجماهير دون احتجاج او هتافات مضادة، وان يكون للرئيس الامريكي الدور الاخلاقس في قلع اضراس الديكتاتوريات والطغاة ولكن بشكل اكثر تهذيبا دون اثارة المزيد من الاوجاع والازمات والحروب الثانوية الاشد مضاضة..
اوباما قد يبدو رئيسا خارقا للعادة الامريكية، ونافرا عن تاريخ الوانها وانماطها وعاداتها وحتى نظامها الطبقي، وهذا التغاير هو الصائع الاستثاني للصدمة الرئاسية اولا، والصدمة الاخلاقية ثانيا، فضلا عن الصدمة اللونية ثالثا، واحسب ان التصريحات التي استقبلت فوز اوبام بجائزة نوبل للسلام تعكس طبائع هذه التغايرات والكيفيات المختلفة في التعاطي معها، فضلا عن انها تؤكد في عمقها عن الرغبة في ان تنزع امريكا ثياب الجنرالات وترتدي ثياب الشعراء، وان نقرأ عن والت ويتمان والن غيسنبرغ، اكثر ما نقرأ عن هنري كيسنجر وعن الجنرال كولن باول، وان نقرأ عن وتني هويسن اكثر ما نقرأ عن كونليزا رايس...
هذه الرغبة العميقة في ان تكون اميركا دولة للسلام وليست للحرب، كشفت عن نوايا الكثير من زعماء العالم، والكثير من سياسييه، مثلما كشفت عن رغائب الكثير من الناس ممن خضعوا للمهيمنات والحروب الامريكية باستثناء مؤسسة طالبان المحاربة خارج المعنى وخارج السياق والتي اضرت الاسلام اكثر مما رفعت له شعارات النقاء والصفاء، وقد يقول البعض منهم كفى للحروب التي لاتنتهي، والمجاعات والازمات والصراعات التي تأكل من جرف الفقراء، وحان الوقت لان يعيش العالم بسلام، وامان، وان تكون الحريات مصانة، والتعليم متاح للجميع، والسفر مباح دونما هوامش قاتلة عند المطارات والحدود.
ان حساب اعادة امريكا الى ثقافة السلام، وتجاوز ما كرسته من نمطية تقليدية للمواجهة، اظنه من الاكثر الحسابات التي تحتاج مسؤولية ووعي استثنائيين، لان امريكا ليست الصومال وليست جزر البهاما، وانما هي صاحبة المطبخ الكوني المسؤ ول عن عسر هضم الكثيرين، وان تحولها ولو المحدود من سياسة القوة الخشنة الى سياسة القوة الناعمة يعدّ من الامور التي تحتاج الى وقفات لانه يعني تفكيكا للايديولوجيا القديمة، ولنمط مفهوم الرئاسة القائمة على التبشير بهذه الايديولوجيا.وهذا ما يجعل النظر الى تغيير العناوين من الحرب الى السلام، واعادة انتاج المسؤوليات وتوزيع الادوار والوظائف من الامور التي تحتاج الى قراءة مغايرة بعيدا عن الانفعالات الجاهزة والكراهيات الجاهزة، والمواقف التي لاتصنع سوى الهزائم والازمات.. لذا اجد ان جائزة السلام لاوباما هي صدمة لانتاج سلسلة من(السلامات) التي نطمح ان تكون حقيقية، لان السلام الحقيقي سيكشف الكثير من الطغاة والظلاميين الذي يمارسون حروبهم السوداء وسط العتمة دائما، ووسط نزعة الحروب والخرابات التي تسكن نفوسهم قبل ان تسكن الارض والثقافة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية