الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأسيس المجتمع تخيلياً - لكورنيليوس كاستورياديس - البحث في صور أخرى للماركسية

علي سفر

2004 / 5 / 31
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


قد لا يستطيع القارئ العربي إقامة علاقة مشدودة الأواصر مع هذا الكتاب الذي حمل عنواناًُ غير مألوفٍ في سياق التفكير الفلسفي العربي و كذلك في تعداد الإرهاصات الفكرية التي حاولت الانعتاق من أسر الكتابة الماركسية الدوغمائية .., غير أن مجرد تبيان أن الفكرة التي يتم وفقها " تأسيس المجتمع تخيلياً " إنما تهم القارئ العربي كما تهم القارئ الأوروبي مثلاً لابد سوف يجعل من الكتاب ومؤلفه حاضراً ههنا كما كان حاضراً في زمن صدوره في أوروبا و في العالم فكاستورياديس الذي رحل عن عالمنا منذ ما يقرب الخمس سنوات أراد من كتابه هذا ألا يكون عابراً في فضاءات قراء الأدبيات الماركسية الحديثة ..لا بل أنه قد قرر شكل هذا الحضور في البحث و السعي الحثيث عن قراءة أخرى لهذه الفلسفة تختلف عما كان سائداً في الغرف الحزبية و الاجتماعات الثورية التي يحتدم في الصراخ حول النظرية دون التأمل فيها و النظر في مساراتها و مؤدياتها .. ومن هذه الزاوية يمكن لقراءة أخرى ومختلفة كالتي يقدمها المؤلف في هذا الكتاب أن تشكل محطة أولى في محاولة رتق العلاقة بين القارئ اللاحزبي و بين النظرية الماركسية من جهة أولى من حيث أن هذه العلاقة ستعزز حضور النظرية كجهد أنساني و كمحاولة لتفسير العالم من أجل تغييره, و من جهة ثانية يمكن لهذه القراءة أن تعيد الاعتبار للتفكير في الماركسية لدى القارئ الحزبي الذي أمست الفكرة النظرية لديه مستقرة و غير قابلة للمساءلة ..
و في كلا الجهتين السابقتين سيسجل للكتاب أنه يعيد إحياء التفكير بالماركسية أممياً في الوقت الذي يحدد جوهر هذه النظرية عبر المرحلة التاريخية الراهنة و في تمظهرها وفقاً لمنجزات الزمن الحالي و ليس وفقاً لما هو جامد و ثابت في الأفكار النظرية .. و لعل هذه النظرة المتطلبة تجاه الفكرة إنما تنبع من اقتراحها الدائم لربط الأفكار بالمجتمع و ربما يكمن ههنا السر الذي كان يدفع بهذا الفيلسوف لأن يعبر عن مغزى حياته و خلاصتها بالقول أنه مهما حصل , سيبقى أولاً و قبل كل شيئ انساناً ثورياً ...
هذا الإيمان بالماركسية لا يرتكز على تخميد الأفكار و سجنها بل عبر إطلاقها , سيما و أن جلّ عمل ماركس قد ذرته ريح التحولات الاجتماعية و الاقتصادية طيلة مئة عام . و لهذا فإن البحث في ما بقي من عمل ماركس هو أساس العمل الذي يكفل لهذه الفلسفة ديمومتها ...
و في جانب من جوانب تفكيره رأى كاستورياديس أن ثمة شيئين من الارث الفكري لماركس يبقيان صالحين : أولهما اجتماعية الكائن البشري وعدم اعتبار فرديته أساساً لوجوده.. و ثانيهما ذلك الأفق الذي يفسح عنه النشاط السياسي من حيث اعتبار السياسة محركاً و مقرباً لضرورات التحول و التبدل من نظام سياسي إلى أخر ... ومن هنا يتناقض بحث كاستورياديس مع تلك الدعوات الساذجة بالعودة إلى جوهر الماركسية بالمعنى الإيمانوي خاصةً و أن هذه العودة لن تكون شيئاً عملياً سوى كونها تمثلٌ طاهر للفكرة ..!
بينما تنطوي ممارسة الفلسفة ذاتها على مقاربة شاسعة الأبعاد للحراك الاجتماعي .. فقد كان ماركس و كما يقول المؤلف :" أول من أظهر بأن دلالة نظرية ما لا يمكن فهمها بمعزل عن الممارسة التاريخية و الاجتماعية التي تتوافق معها , و التي تتغلغل داخلها أو تشكل ستاراً لها " ص 16
و لعل البحث في معاني الماركسية في ما كتبه ماركس حصراً سيفضي في النهاية إلى " الاستعاضة عن الثورة بالرؤيا و عن التأمل بالوقائع بتأويل النصوص : وهو ما يتناقض تناقضاً مباشراً مع الأفكار الرئيسية للمذهب الماركسي " ص 17 .
ولعل النقد الذي ينبغي توجيهه للنظرية إنما يكمن في ذات الزاوية التي جعل فيها النص سرمدياً و غير قابل للمناقشة في طور تحول دراماتيكي يشمل جميع طبقات المجتمع الذي بنيت على أساسه و على حراكه ديناميكية الأفكار الماركسية و في هذا يميز المؤلف بين أن يبقى الماركسيون ماركسيون و بين أن يبقوا ثوريون , بين الوفاء لمذهب لم يعد يحرك أي فكر و أي فعل , و بين الوفاء لمشروع تحويل جذري للمجتمع يتطلب , أولاً , بأن نفهم المجتمع الذي ينبغي تحويله , و أن نحدد داخل هذا المجتمع , طبيعة الناس الذين يرفضون فعلاً شكله الحالي و يناضلون ضده " ص 22 .
يشتمل هذا الكتاب العميق في بحثه على قسمين هما " الماركسية و النظرية الثورية " و يضم ثلاثة فصول هي " الماركسية : حساب ختامي مؤقت " و " النظرية و المشروع الثوري " و " المؤسسة و المتخيل : مقاربة أولى " بينما يضم القسم الثاني المعنون ب" المتخيل الاجتماعي و التأسيس " أربعة فصول هي " الاجتماعي – التاريخي " و " التأسيس الاجتماعي – التاريخي : ليفكن و تفكن " و " التأسيس الاجتماعي – التاريخي : الفرد و الشيء " و " الدلالات المتخيلة اجتماعياً " و ربما نستطيع أن نجزم أن سلاسة الترجمة التي قام بها د. ماهر الشريف لهذا المؤلف قد خففت من قسوة لغة المصطلحات و أبعادها الخاصة الممتدة في التراث الفلسفي الحديث و لعلها قد ساهمت في تفكيك الكثير من تعقيدات الأفكار التي بسطها كاستورياديس في كتابه هذا و الذي يصنفه قراء الماركسية فلسفياً بأنه واحد من أهم المؤلفات التي قرأت ماركس عبر لغة الحاضر .
علي سفر


* تأسيس المجتمع تخيلياً
* كورنيليوس كاستورياديس
* ترجمة : د. ماهر الشريف
* ط 1 , دار المدى , دمشق 2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني




.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ


.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية




.. Socialism the podcast 131: Prepare a workers- general electi