الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهرجان المبدعين الشباب من أوروبا ودول البحر المتوسط

عبدالوهاب عزاوي

2009 / 10 / 14
الادب والفن


عندما يصبح الفن أرضاً مشتركة للحلم
مهرجان المبدعين الشباب من أوروبا ودول البحر المتوسط

شاركت منذ فترة في مهرجان المبدعين الشباب من أوروبا ودول المتوسط المُقام هذا العام في مقدونيا، والذي ضمَّ سبعمئة فنانٍ في حقول الموسيقى، والمسرح، والرقص، والأدب، والرسم، والتصوير الضوئي، والفن المعاصر، والسينما، وقد استمر المهرجان عشرة أيام حافلةٍ بحشد مدهش من الفعاليات تتوزع على ساحات ومتاحف العاصمة سكوبيا.
على متن الطائرة بين تركيا ومقدونيا كانت هواجسُ عدة تثقل كاهلي حول المهرجان وتمويله الذي يأتي من الاتحاد الأوروبي، وحول الشروط التي يمكن أن تُفرض على المشاركين، وترددي في قبول المشاركة، ورفضي السابق لدعوات مشابهة، وكان عزائي أمرين، الأول قبول المنظمين نصوصي التي تتحدث عن جرائم الاحتلال الأمريكي في العراق والصهيوني في فلسطين دون أي اعتراض، والثاني هو السماء، الغيوم ظهراً من الأعلى أمرٌ مدهش فعلاً، إنها أرض واسعة وعرة، بياضها باهر، إنها كتلة خفيفة من الحرية، سهل لا رعاة فيه ولا ملائكة تحرسه، أرض خالية إلا من الضوء والحركة الهادئة لكتل بيضاء في صفاء شاسع.
وصلت المطار الصغير والبسيط إلى حد الدهشة، الموظفون فيه يتكلمون الإنكليزية بصعوبة مع جلافة يبدو أنها من بقايا النظام الشمولي، بعد وصولي إلى السكن تعرفت على جيراني الإيطالين في الغرفة المقابلة، وقد بدا للوهلة الأولى لباسهم غريباً ومُنفراً، لكن بعد فترة قصيرة دُهشت لثقافتهم ومدى اهتمامهم بالقضايا العربية، بل ومتابعتهم للقضايا الإشكالية في مقدونيا وبشكل خاص الخلافات بين الأرثوذكس والألبان، فالمدينة تنقسم جغرافياً بنهر الفاردر إلى شمال مسلم ألباني يعيش في المدينة القديمة ووسط وجنوب مسيحي أرثوذكسي، بعد فترة قصيرة بدأت بالتعرف على العديد من الأصدقاء، وأخص بالذكر منهم الشاعر المصري العذب عمر حاذق الذي فاجأني بحساسيته الشعرية وتمكنه اللغوي، بالإضافة إلى صديقة قديمة هي القاصة المصرية شيماء حامد، والتي جاءت إلى المهرجان كممثلة مسرحية في عرض عن نص لغة الجبل لهارولد بنتر. عرفني عمر على عدد من المشاركين الإيطاليين الذين تصادق معهم مسبقاً باعتبار أنه قدم إلى مقدونيا من إيطاليا بعد مشاركته في فعالية تخص الأدب العربي هناك، وكانت دهشتي هائلة بحميميتهم وكرمهم اللذين يفوقان ما نسبغه على أنفسنا نحن العرب من فضائل، فسلوكهم أكثر عفوية وصدقاً، وازداد إعجابي بعد أن تعرفت على الموسيقي Giovanni Sileno ، وهو المؤلف الموسيقي لفرقة leitmotiv الشهيرة نسبياً، حيث اكتشفت أن الأحلام والمشاريع تصلح أن تكون أرضاً ينتمي إليها البشر، فقد فاجأني هذا اليساري الذي يتجذر من عائلة شيوعية بمتابعته للحركات التحررية في العالم وبدفاعه عن القضية الفلسطينية في إيطاليا، وبأغاني الفرقة ذات الجرعة السياسية العالية، والأهم هو غناه الإنساني العميق. بدأ المشروع بحوارات شتى في السياسة والفن والموسيقى والدين والإرث الحسي فيه، حتى قرأ نصوصي المترجمة التي سأشارك بها، فاتفقنا على أن يؤلف لنص يوميات على جدار الحرب موسيقى خاصة استمر العمل عليها عدة أيام مع بحث عميق في النص حيث تأتي الموسيقى كجزء حيوي من النص ولها طاقة تعبيرية تقول ما يصمت عنه النص، وليست انفعالاً انطباعياً، إنها تشكيل جديد للنص تتفاعل معه بشكل أدى إلى تعديل بعض المقاطع بعيداً عن الترجمة الدقيقة عن العربية، وتطورت التجربة بعد طلب عدد من الشعراء المشاركة في النص المقسم إلى عدة مقاطع حيث شاركت الشاعرة الفرنسية Olivia Pierrugues، والقاصة المصرية شيماء حامد، والشاعر البرتغالي Tiago Patricio، والشاعر الإيطالي Niky Aoma ليتحول النص إلى مشروع جماعي ضد الظلم وجرائم أمريكا والكيان الصهيوني بحق الإنسانية، والملفت أن النص تعدّلت صياغته عبر العمل الجماعي ليمسي مشروعاً مفتوحاً تتشارك فيه الأرواح، ولم يكن مشروعنا الوحيد من نوعه إذ قدم الفنان الإسباني Gonzalo Rafael Saenz مشروعاً بعنوان mute walls ، والذي يقوم على مناهضة جدار الفصل العنصري في فلسطين وبغداد والأحداث الوحشية في التيبت والصحراء الغربية، والعمل يقوم على جمع صور وعبارات على شكل جدار مفتوح لكل من يريد الكتابة الرسم أو الشتم أيضاً، وعندما سألته إن كان قد زار فلسطين أجابني بالنفي لكنه معنيّ ٌ بأيِّ مكانٍ تُسحق فيه الإنسانية، فمن المعيب الصمت أمام هذه الجرائم. وبالإضافة إلى ما سبق، هناك العديد من العروض التي تتحدث عن تدمير الإنسان وقولبته وعن العنف المنظم الذي تمارسه السلطات بأنواعها من الدينية إلى السياسية والاجتماعية، وأخص بالذكر العرض الراقص الفرنسي Post Partum Conflict والعرض الدينماركي Im an everyday hero ، المدهش في هذه العروض أنها تحمل طاقة عالية من التجريب ومهارة مدهشة في توظيف الأدوات المسرحية مع تمكن الممثل من الرقص والغناء والأداء المسرحي، وبعضها أقيم في الشارع.
أجمل ما في هذا المهرجان أنه يجمع العديد من الفنانين اليساريين الموهوبين فعلاً والقادرين على خلق الجمال من الألم، حيث يتحول رفض الظلم إلى انتماء يجمعهم بعيداً عن الحدود والدول، هناك تأكدت أنه من الخطأ الكبير رفض المشاركة في مثل هذه الفعاليات ما دمنا قادرين على تقديم مشروع يعبر عنا أمام العالم، بل إن هذه المهرجانات نافذة على الآخر وسط عماء الظلم والحصار داخل أوطاننا وخارجها.
شاعر من سورية

القدس العربي
07/10/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل