الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في الورقة المصرية ...

رشيد قويدر

2009 / 10 / 15
القضية الفلسطينية


"وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني- القاهرة 2009"

رشيد قويدر – كاتب فلسطيني

بعد ست جولات ثنائية للبحث في المحاصصة بين حركتي فتح وحماس بالقاهرة؛ أطلقت مصر ورقتها في ثمانية وعشرين صفحة، التي تحمل الآن عنواناً جديداً "اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني ـ القاهرة 2009"، وأسدلت بذلك الستار على الحوار الوطني الشامل، الذي كان من المفترض أن ينطلق في توقيته الأخير في اليوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري (تشرين أول/ أكتوبر)، وقامت بإرسالها إلى جميع الفصائل الفلسطينية والشخصيات الوطنية التي شاركت في الحوار الشامل بالقاهرة في جولتيّ شباط/ فبراير وآذار/ مارس الماضي.
جاءت الورقة تفصيلية خلافاً للمقترحات المصرية السابقة، والتي اتسمت بالمبادئ العامة، وجاء في ديباجة مقدمتها: "تتولى لجنة عليا برئاسة مصرية، وبمشاركة عربية الإشراف والمتابعة لتنفيذ هذه الاتفاقية"، والمقصود اللجنة السباعية العربية، كما تنص على تشكيل اللجنة المشتركة لتنفيذ "اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني"، وذلك من (16 عضواً) من حركتيّ فتح وحماس والمستقلين من الشخصيات الوطنية، على أن تسمي كلاً من فتح وحماس (8 أعضاء)، ويصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس؛ مرسوماً رئاسياً بتشكيلها بعد التوافق على أعضائها، على أن يكون رئيس السلطة هو مرجعية هذه اللجنة بصفته رئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الفلسطينية.
في تعريفها لهذه اللجنة؛ أن "تكون اللجنة إطاراً تنسيقياً ليست لديها التزامات أو استحقاقات سياسية، وتبدأ عملها فور توقيع (اتفاقية الوفاق الوطني) وينتهي عملها في أعقاب إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني وتشكيل حكومة فلسطينية جديدة" (...) "تتولى اللجنة المشتركة تنفيذ اتفاقية الوفاق الوطني المقرر تطبيقها في الوطن من خلال التعامل مع الجهات المعنية المختلفة بما في ذلك تهيئة الأجواء ومتابعة عمليات إعادة إعمار قطاع غزة".
في التفاصيل بشأن الانتخابات فإنها تتحدث عن انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات مجلس وطني فلسطيني يوم الثامن والعشرين من حزيران المقبل؛ "تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني متزامنة يوم الاثنين الموافق في 28/6/2010، ويلتزم الجميع بذلك. تجري انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني على أساس التمثيل النسبي الكامل في الوطن والخارج حيثما أمكن، بينما تجري الانتخابات التشريعية على أساس النظام المختلط"، "تتم الانتخابات التشريعية بالنظام المختلط على النحو التالي: (75% قوائم)، (25% دوائر) ونسبة الحسم 2%.
وتنصّ الورقة أيضاً على تسوية أوضاع الجمعيات والمؤسسات الأهلية، عبر "إعادة أوضاع الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي أغلقت أو صودرت لما كانت عليه قبل 14/6/2007 في الضفة الغربية وقطاع غزة فور توقيع اتفاقية الوفاق الوطني، والعمل على إعادة ممتلكاتها وتعويضها عن خسائرها نتيجة لذلك"، و"تسوية أوضاع الجمعيات والمؤسسات الأهلية وفقاً للقوانين المعمول بها قبل 14/6/2007، ومعالجة وتسوية أوضاع الموظفين المنتدبين للعمل بالجمعيات والمؤسسات الأهلية حسب القانون، ولا يجوز مصادرة أموال الجمعيات أو المؤسسات الأهلية إلا بقرار قضائي".
وتنص الورقة أيضاً على "عودة جميع المدنيين بالضفة الغربية وقطاع غزة الذين كانوا على رأس عملهم قبل 14/6/2007 إلى وظائفهم، بما في ذلك المفصولين والمتغيبين على خلفية الانقسام، مع الحفاظ على كامل حقوقهم وسحب وإلغاء قرارات الآلية التي ستوصي بها اللجنة الإدارية والقانونية المشكلة وخلال المدة المقرة لعملها".
أما بشأن المعتقلين فتنص الورقة على التالي:
أولاً: تقوم كلاً من حركتيّ فتح وحماس بتحديد قوائم المعتقلين طبقاً لآخر موقف، ويتم تسليم مصر ومؤسسة حقوقية (يتفق عليها) نسخة منها بعد التحقق منها (تثبيت الأعداد والأسماء) قبل التوقيع على الاتفاقية".
ثانياً: يقوم كل طرف بالإفراج عن المعتقلين الموجودين لديه من كافة الفصائل.
ثالثاً: في أعقاب عملية الإفراج عن المعتقلين يقوم كل طرف بتسليم مصر قائمة تتضمن أسماء أولئك المعتقلين المتعذر الإفراج عنهم وحيثيات عدم الإفراج، ورفع تقرير بالموقف لقيادتيّ فتح وحماس.
رابعاً: بعد توقيع الاتفاقية تستمر الجهود المبذولة بمشاركة مصرية لإغلاق ملف الاعتقالات نهائياً.

لقد تناولت الورقة الخطوط التفصيلية، لكن هناك خطوطاً ينبغي التوقف عند دروسها خاصةً في الجانب الديمقراطي المتعلق بإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، وقد أخذت الورقة الحالة الانقسامية بجناحيّها (رأسين)، ولم تأخذ بالحال الوطني الفلسطيني وخلاصات الحوار الوطني الشامل الذي رعته القاهرة(26 شباط/فبراير، 10-19 آذار/مارس 2009)، فضلاً عن كون "الشيطان يكمن بالتفاصيل"، أي عند التطبيق؛ خاصة عندما يجري التشديد على وحدة الأراضي الفلسطينية جغرافياً وسياسياً وعدم القبول بتجزئتها تحت أي اعتبار وظروف، فالمحاصصة والرأسين هما حربتيّ مزيد من الاستحواذ والاقتتال الداخلي ووصفة للحرب الأهلية بينهما، هكذا تقول الدروس الفلسطينية التي ما زالت ساخنة.
ولأن المسألة في عمقها ليست مجرد اختلاف بوجهات النظر حول طريقة الحكم السلطوي أو بين تنافس سياسي ديمقراطي ما، بين الفرقاء للوصول إلى قمة الهرم السياسي فحسب، بل لا بد من تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، وقد أخذت الورقة المصرية "حساسية" كل طرف من الطرفين بالعبارات المستخدمة، ومطالب طرف تجاه ما أجمع عليه الحوار الوطني الفلسطيني بالقاهر بشأن الانتخابات ونسبة الحسم، من أجل بناء نظام سياسي فلسطيني وطني ديمقراطي جامع، وفرض رؤية جماعية لإنهاء حالة الاحتكار والتقاسم الوظيفي ما بين فتح وحماس، والتي أدت إلى الانقسام الجغرافي بين جناحيّ الوطن.
لقد أسقطت الورقة الصيغ الكاملة لحالة التوافق والمشاركة من خلال نظام انتخابي مختلط، ومن خلال نسبة الحسم المئوية، وهو ما يعني أن الفصائل الفلسطينية، والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، أي الكل الفلسطيني غير مشارك بصياغة القرار والرؤية المشتركة، كما أن إنجاز الاتفاق (الورقة) ما زال في مربعه الأول، فالعبرة بالتنفيذ وفق مصالح الانقسام وفي الارتباطات من خلال الانقسام العربي والإقليمي الذي يمثل.
الأبرز هو أن مسألة بناء نظام سياسي فلسطيني ديمقراطي، هي المسألة الأهم بامتياز؛ وبأن يجمع الكل جميع القوى والمؤسسات والشخصيات الوطنية، خاصةً أولئك الآتون من كينونة الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها وكينونة مقاومة الاحتلال.
إن نسبة الحسم المذكورة بالورقة المصرية، ونظام الانتخاب المختلط، تبشر من الآن بتواصل نظام المحاصصة الحزبية بين كتلتين سياسيتين سلطويتين في الضفة وقطاع غزة، وبتمويل نفطي عربي وغير عربي(بمليارات الدولارات)، فضلاً عن اموال الدول المانحة لتعميق وادامة الانقسام العبثي المدمِّر، بما ينتج عنها لاحقاً من تنامي نزعات إقصاء وإلغاء، وهذا ما استهدفته حوارات القاهرة الجامعة وما أجمعت عليه، نحو بناء نظام سياسي فلسطيني ديمقراطي غير متسم بهذه السمات، فالجميع تحت الاحتلال في قطاع غزة والضفة الفلسطينية، بل إن النظام السياسي الفلسطيني بكامل قوامه، وبما تمثله منظمة التحرير من كيانية وضرورات تطوير أبنيتها التنظيمية والسياسية، ودمقرطة هذه الكيانية عنواناً للنظام السياسي الديمقراطي الفلسطيني الجامع.
كما بات ملحاً التفريق بين "الشرعيتين" الانتخابية "الشكلية"؛ تلك التي تتسم بها الأنظمة السلطوية وصندوق اقتراعها وبين الشرعية الديمقراطية، واختلاف مضامين كلاً منها؛ حين تتركز الشرعية الديمقراطية على أُسس قانونية ودستورية سليمة، وعلى التداول السلمي للسلطة السياسية، عبر فصل السلطات الثلاث، وفصل الدين السياسي عن "الدولة" ـ السلطة، فضلاً عن مبدأ المواطنة، بينما تواصل الشرعية الانتخابية الشكلية في إضفاء "شرعية وطنية"بهدف مواصلة احتكار السلطة، حين لا يمكن تلخيص الديمقراطية بصندوق انتخاب يتحكم به مليارات المال السياسي؛ واستبعاد الجسم الاجتماعي الكبير عن الحياة الاقتصادية، وما نتج عنها من تنامي بناء "اقتصاد زبائني" للصالح المتنفذ، الذي يعيق بناء اللحمة والوحدة الوطنية الحقيقية؛ المتمثلة بنسبة حسم صفرية وبالتمثيل النسبي الكامل، أسوةً بجنوب إفريقيا تحت الحكم العنصري والأبارتيد، وبعد الاستقلال. وفي تبني الشرعية الديمقراطية للحكم بالتداول السلمي للسلطة السياسية، والعمل على تسلمها وتسليمها من خلال الشرعية الديمقراطية.
في هذا الجانب الورقة المصرية "وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني ـ القاهرة 2009"؛ حملت معها دخاناً رمادياً، ولم تستفد ذاتها من خبرة الحوار الوطني الفلسطيني الشامل في القاهرة، ومن خبرة مآل الاحتكار والمحاصصة الثنائية، والأيام ستحكم على مسارها ومآلها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيك سوليفان: -قرار تجميد شحنة الأسلحة، لا يعني أننا سنتخلى ع


.. اتساع رقعة العمليات العسكرية في غزة رغم الدعوات الدولية لوقف




.. معارك ضارية في الفاشر والجيش يشن قصفا جويا على مواقع في الخر


.. -منذ شهور وأنا أبحث عن أخي-.. وسيم سالم من غزة يروي قصة بحثه




.. بلينكن: إذا قررت إسرائيل الذهاب لعملية واسعة في رفح فلن نكون