الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأصيل بهجة التلقي في المسرح المدرسي ، إطلالة على مسرحية درس خصوصي

جبار وناس

2009 / 10 / 17
الادب والفن


العرض المسرحي عبارة عن لعبة يشيدها الفكر والجمال بواسطة اللعب الحيوي وقبل ذلك تسلية ومتعة تتسلل إلينا عبر ذلك اللعب لمناقشة الحياة ومحاولة تجاوز ما هو بائد لتحقيق المتعة الروحية المنسجمة مع حيوية الفكر الخلاق المتواشج بالصوت والحركة لإنتاج فهم فني مسرحي يمس الواقع ويعيد تشكيله برؤية جمالية وفكرية تهدف إلى حماية أذواقنا وبمختلف الأعمار . والمسرح المدرسي وبما يشكله من مجموعة النشاطات المسرحية التي يقوم بها الطلبة في ( الابتدائية – المتوسطة – الإعدادية ) هو الأقرب في استيعاب وتجسيد ما هو متصور سلفا ، فتلك النشاطات تعتمد على إشباع هوايات الطلبة في التمثيل والرسم والموسيقى والهدف منها تنمية ثقافتهم وتطوير قدراتهم على التعبير ورفع مستوى ملكات التذوق الفني لديهم وإعطائهم الفرصة في ممارسة خبراتهم التخيلية وخلق جيل منهم يكون نواة لمسرحيين قادمين في مستقبل المسرح العراقي . ولذا تعد هذه الفعاليات كجزء مكمل للعملية التربوية داخل المدرسة وليس خارجها كما درجت الكثير من المحاولات التي تريد إقامة واستمرار فعاليات المسرح المدرسي في أماكن بعيدة عن المدرسة وكما تعزز ذلك بإقامة المهرجان السنوي للمسرح المدرسي من قبل وزارة التربية في المحافظات الجنوبية( البصرة – ذي قار – ميسان – واسط – المثنى ) وقد اضطلعت تربية ذي قار باحتضانه على قاعة النشاط المدرسي في الناصرية ابتداء من 1 – 5 / 3 / 2009 . وفي تصورنا إن إقامة المهرجان جاءت لتؤكد لنا الإيمان الحقيقي بفن المسرح وعلى إن هذا الفن يجب ان ينتجه أصحاب الذوق الجمالي الرفيع والذي يدعونا بدوره لأن نبحث عن هؤلاء المبدعين الذين يرغبون في التصدي لمن يبتذلون الحياة بالخوف والإرهاب والفساد والتفرقة الطائفية وما تشكله من علامة على انحطاط الحياة وموتها . ومن بين خمسة عروض مسرحية شهدها المهرجان ينهض عرض مسرحية ( درس خصوصي ) كواحد من العروض التي توافرت على ممكنات الحضور الفاعل والمطلوب للتميز والظهور المقبول لدى الجمهور والعرض من إعداد الفنان أحمد طه الاسدي وإخراج الفنانة المثابرة ساجدة مهدي الركابي ومن تقديم تربية واسط . والقائمون على هذا العرض أرادوا ان يجدوا فضاءً مسرحيا جديدا للبوح باعتماد المعد على نص مسرحي ذي متن حكائي جديد ينطلق من المزاوجة في لغة الحوار المسرحي اذ تم الجمع ما بين اللغة الواقعية البسيطة وما بين لغة التراث المستلة من الحكايات السردية القديمة . وقد انسالت لنا عبر حوارات الممثلين ( الطلبة ) وهم في فئات عمرية متباينة من الابتدائية والمتوسطة والإعدادية والمتأمل في هذه اللغة كأداة للمسرح سيجد ان المعد قد أبدى لنا هذا الحسن وهذا الجمال الذي يمكن ان تتحلى به لغة المسرح المدرسي بالرصانة والفصاحة وبقوة التعبير وبالقدرة على الوضوح في طرح أدق المعاني وأعمقها فكانت انتباهة المعد والمخرجة وحتى الممثلين بلغة المسرحية قد أعطى لها الجلاء الواضح والبلاغة في الأداء ، فقدمت المسرحية بمحورين الأول تمثل باللغة العادية وأثناء حديث البستاني في مستهل العرض مع التلاميذ وهم يبحثون عن الفراشة البيضاء وكل يطرح أمنية حيث يقول الأول : أتمنى أن أصبح طبيبا ، والثاني : أتمنى أن أصبح مهندسا ، والثالث : يتمنى أن تكون أمه معلمة كي تبعدهم عن شبح الدروس الخصوصية التي استفحلت في زماننا حتى ابتعدت عن خيارها التربوي في حين تمثل المحور الثاني بلغة مستلة من التراث القديم قوامها الصياد والوزير وحسنا فعل المعد حينما اتجه الى التراث بعد أن شبع صغارنا وأولادنا بحكايات الغابة وحيواناتها المفترسة والتي كانت تدور في أغلب نصوص الكتاب الذين يكتبون بهذا الاتجاه لأن التراث وبكل مصادر تنوعه وأشكاله ( المقامات – الحكايات – الخرافات – الأساطير – السير ) وغيرها تشكل منهلا في الكتابة لهؤلاء الطلبة وبمختلف أعمارهم ( مسرح طفل – مدرسي – طلابي ) . فالتراث تعبير عن طفولة الشعوب في التفكير والتبصر بحياتها ، ولهذا عد التراث من الينابيع التي ترفد الأدب المسرحي بمادة ثرية وغنية تدعو للتأمل والتأويل لتكون مادة طازجة في مناقشة ومحاكمة ما يدور في حاضرنا الراهن وقد يفلح المسرح المدرسي باعتباره احد الطرق في التربية الحديثة اذا ما استعان بالتراث وتم توظيفه بالوسائل السمعية والبصرية لمخاطبة عقول الطلبة وعواطفهم . لقد أضحت حكاية الصياد والوزير كمدنة تحاكم واقعنا وما ظهر على سطحه من ظواهر وأمراض فاسدة كظهور المفسدين ما بين الحكام حيث ترن في آذاننا صرخة مدوية من الصياد وهو يتألم من سلوك الوزير فيقول ( آه من المفسدين انهم سبب بلائنا ) وغيرها من الأمراض الاجتماعية الأخرى . ولعل جهد المخرجة ساجدة الركابي يبدو واضحا حينما اعتمدت طريقة المسرح داخل المسرح في إخراجها فحصل تداخل مرن وانتقال في حركة البستاني ومعه التلاميذ الورود إلى مستوى جديد في الأداء حيث حكاية الصياد والوزير والمخرجة بهذا الفعل جعلت من الجمهور يستشعر انه يعيش في مكانين مختلفين في وقت واحد فتجتاحه النشوة أثناء عملية التلقي انه وعي ثنائي مزدوج في نفس الوقت يشاهد ويرى نفسه ، فالقضية المطروحة داخل نص العرض لا تفارقه من كثر قربها منه ومن وسطه الاجتماعي الذي يعيش فيه فثمة تشابك مثمر حصل بتداخل المستوى الأدبي لمتمثل بخطاب النص دراميا مع الجهد الإخراجي والذي لذا يظهر بفعل السينوغرافيا مما أدى إلى تصعيد مستويات الجمال والحساسية الفنية من جراء الإنشاء الصوري الباعث بجمالية التلقي وبعد أن عولت المخرجة على السينوغرافيا المتوازنة لأهميتها في خلق مناخات لإنضاج الرؤية ومدها في فضاء أوسع جماليا يعطي المشروعية المقبولة لنجاح العرض فما تخلل هذه السينوغرافيا هو التجاوز المدروس لكل ما يشكل عبئا ثقيلا على خشبة المسرح من دون فاعلية تذكر . ولعل توجه المخرجة بتلك الطريقة جعل من سينوغرافيا العرض أكثر تواصلا في تحقيق بهجة التلقي لدى الجمهور بتناغمه وإحساسه بجمال الموجودات المتواشجة في استفزاز مخيلته وشحذها وهو يتوحد مع بيئة العرض مكانيا لكونها مستقاة مما يدور حوله حياتيا . ولقد ساعدت الأزياء والموسيقى والإضاءة على خلق تكاملية لعرض شفاف وجميل تأصل أثره من خلال حضور ممكنات أخرى أسهمت بإنتاجه كعرض واضح الخطوط والشخصيات أبعدته عن التعبير الفج والمباشر والمبالغة التي لا تحمد بالمقارنة مع مفاهيم المسرح المدرسي . ويأتي الأداء التمثيلي ليعضد هذا الشكل وتواتر صيرورة العرض وتأشيره في مسك الاستجابة المتواترة من قبل الجمهور لكون ( الأداء ) توفر له ممثلون هواة وبانضباط ذكي وأنيق يتقدمهم الفنان الموهبة ( جعفر محمد علي ) بدور الصياد والتلميذ فاستطاع مع بقية الممثلين ( عباس خضير – إستبرق سلمان – محمد عبد المهدي – ضرغام نجم – احمد عقيل – سجاد عبد الأمير – زينب علاء مهدي ) أن يجسدوا التوازن الايجابي في الأداء وانه ( لشيء رائع في المسرح ان نشاهد ممثلا يؤدي اداءاً واقعيا فلا تقول ما أقربه الى الواقع بل تقول ياله من ممثل وأنا أشد الاستجابة الثانية فهي تعني إننا ندرك الأمر مجرد تمثيل لكنه رغم ذلك حقيقي وصادق للغاية ) كما يقول المخرج مايكل كيربي . إن هذه المسرحية أشعرتنا بأهمية المدرسة كمحراب لتدريس القيم الاجتماعية والفكرية وإرسائها على الشكل الصحيح يكون معاونا إضافيا لدور الأسرة العراقية فكما نعرف مدى المأزق الذي وضعت فيه تلك الأسر أيام الحروب المتتالية والحصارات وما خلفته من دمار اجتماعي واقتصادي جعل من تلك الأسر تتنازل عن جانب من الاهتمام اللازم بأولادها وانشغالها في مدارات وتخفيف وطأة الحروب المجنونة من انعكاسات سلبية عليها وهنا تضطلع المدرسة كحاضن يسهم في التأهيل والبناء الصحيح منطلقة من الضرورة الملحة بإعادة النظر بإمعان وتفان لمنظومة الحرف والكلمة الصادرة من المعلم رسول الحرف والكلمة وفاتح مغاليق الوعي والمعرفة أمام طلبته وعندها تعود الهيبة للمعلم وتعود المدرسة بكيانها المهيب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض