الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عطش الندى - قصة قصيرة

غريب عسقلاني

2009 / 10 / 18
الادب والفن



بارد هذا الشتاء..
الريح جليد مسنون يعبر وجهي، يصيبني بالدوار، القشعريرة ما يعبرني ويتمدد في مساماتي, الشتاء بارد هذا العام، والفقد والكآبة مقيمان في ثيابي..أهرب إلى النافذة..
خلف النافذة شجرة التوت,الشجرة تخلت عن أوراقها، تجردت.. فروعها البنية ممصوصة تزحف إلى الجفاف!
لماذا تتعرى الشجرة؟
وهل يغزروها الصقيع مثلي؟
ملابسي الشتوية الثقيلة تزودني بجليد فوق جليد.. تتجمد دمعتي على بياض عيني, أشيح بعيداً حتى لا يضبطني مديري متلبسة، أهرب إلى العمل، التمس دفئاً في إضاءة شاشة الكمبيوتر.
مديري يعاملني مثل ابنته، يقرأني، يبتسم، دائماً يضبطني متلبسة بالفقد.
عندما التحقت بالعمل، اختار لي مكتباً يواجه النافذة المطلة على الحديقة قال: .
- من الحديقة نتعلم الكثير.
أول ما وقع عليه نظري شجرة التوت العريانة, انقبضت. لماذا تتخلى التوتة عن أوراقها الخضراء؟ وهل تبكي أوراقها التي تجف وتحترق عند قدميها؟
***
بالأمس كانت ابنتي في الفراش تنزف عرقاً، وأبوها عند حافة السرير يعالج جبينها بكمادات الماء البارد.. طفلتي تهذي تحت وطأة السخونة, أصابني الذعر وانتصبت أمامي التوتة العارية.. سكن الجفاف لساني وسقف فمي, أخذت ابنتي إلى حضني وبكيت.. ارتبك زوجي لدرجة الغضب:
- هي بخير، لماذا كل هذا الفزع؟
"قررت أن أطلب إجازة وأبقى معها".
زوجي يمسح الدموع عن وجهي.. يقبلني.. يبتسم, والطفلة تروح إلى سبات عميق، صدرها ينتظم تصعد ابتسامتها وتدخل في الحلم.. "طردت فكرة الإجازة".
في الصباح ضبطني المدير عند النافذة، أتأمل فروع التوتة، لامعة تخلقت عليها عيون تتهيأ للامتلاء.. القشعريرة تغادرني، تعجبت من أحوالي.
عند الضحى مرت على الدنيا لفحة دفء، وحط على التوتة عصفور وعصفورة تقافزا وتبادلا زقزقات رخيمة، وتشابكا بالمناقير، زغزغت العصفورة ريش عصفورها عند العنق، فرد جناحيه فأغمضت عينيها وألقمته منقارها, فافتقدت زوجي.
غادر العصفوران التوتة إلى شجيرات الحديقة, وانتظرت عودتهما أياماً، لم يعودا ولم يزقزقا على الشجرة.

بعد الظهر
كانت طفلتي تحمل عروستها وتنتظر عند باب الدار، ارتمت في حضني وزرعت رأسها الصغير في صدري..بكيت وفي الليل سألت زوجي:
- لماذا تتعرى التوتة والوقت جليد؟
***
الشتاء يتقدم، ورياح التشارين لا تتسامح، يلفحني صقيع الصباح يتربع في لحمي، أهرب إلى العمل أتدفأ على وميض شاشة الكمبيوتر.
****

اليوم قدم لي المدير فنجان قهوة ساخن، ابتسم:
- هل تفقدت التوتة؟
براعم التوتة تتفتح على الفروع، تطلق أوراقاً رقيقة شفافة لم تلّوحها الشمس، مخضرّة على اصفرار يانع, يا الهي الفروع لامعة غنية تدخل طقس الميلاد.. البراعم تتهيأ للحياة.


بشائر الربيع
الدفء ينتشر على استحياء، يتخلص من جليد دخل طقس الموت، التوتة بساط من مخمل أخضر معشق بقطرات الندى, والفراشات الملونة تشرب ماء الليل تبحث عن محطات راحة أو مهاجع استراحة.
العصفورة وحيدة تحط على الشجرة.. تطلق زقزقة فرحة وتطير.. تعود مع وليفها العصفور، يحملان قشاً أبيض, ويقيمان عشهما على الشجرة.
تضع العصفورة البيض، وترقد عليه مناوبة مع خليلها.

في عشنـا
تأملت وزوجي ووجه طفلتنا التي استغرقت في النوم، جميلة كما ابتسامتها التي نامت معها، قلت لزوجي:
- لنلعب لعبة جديدة..
- لنلعب.
وأخذنا نتوقع أحلام ابنتنا، اختلفنا وتراهنا، وفي الصباح سألناها عن أحلامها.. كركرت ضاحكة من سذاجتنا قالت:
- لم أحلم كنت طوال الليل العب مع عروستي.
ضحكنا وكان وجه الصباح قد اكتمل..

****

ذعرت لدرجة الموت
دودة تقرض أوراق التوت, الافتراس/ الموت.
دودة خضراء طويلة ممتلئة، يمتد بطولها خط فسفوري مشع تأكل بشراهة.. أسمع أنين الأوراق في فمها يقضم لحمي.
تسمرت عند النافذة., بحة سحبت لساني وصعد الجفاف إلى حلقي.. مشلولة عند النافذة أقف, صوت المدير يصلني حنوناً:
- بردت قهوتك يا ابنتي.
قلت مستغيثةً.
- إنها تفترس الشجرة.
أشرت إلى الدودة، ضحك المدير:
- هي دودة الحرير..لا تقلقي.
المدير يقرأني، قال:
- التوتة سعيدة بغذاء الدودة.
وأخبرني عن يرقة فراشة الحرير، وكيف تصنع شرنقتها من خيوط الحرير, وتعتصم داخلها حتى تخرج فراشة جميلة تطرز المشهد.
الدودة مطمئنة تلتهم حواف الأوراق الطرية, تتقلص وتفرد طولها يشع الفسفور وميضاً خاطفاً.. لكن الدودة لا تقترب من ثمار التوت الفجة الخضراء.


الربيع يبدأ مشواره

والنهار يعلن عن دفء كامل
الصباح أبيض نقي، وطفلتي نهضت مبكرة، وكعادتها أخذت تحدث عروستها عن فوائد الحليب، وتتحايل عليها حتى تفتح فمها لترى أسنانها البيضاء اللامعة...
زوجي كعادته يشاكسها ويوبخ العروس الغبية.. تنتصر طفلتي لابنتها وترد على الاتهامات باحتضان العروس وهدهدتها، وأنا أقف أمام فساتيني محتارة، عبرت إلى وجه زوجي، فاستقر خياري على فستان الحرير الزهري والزنار الليلكي.
***
على مكتبي استقبلني طبق خزفي أبيض، عليه حبة توت حمراء ناضجة..
مذاق التوت في فمي شهداً ممزوجاً بحموضة لذيذة، والمدير عند النافذة يتأمل العصفورة التي وقفت على الغصن تفرد جناحيها, ويرهف السمع لزقزقة طفله تصدر من عش بين الأوراق, قال:
- فقس بيض العصفورة.
ناولني طبق الخزف الأبيض، وأشار إلى خارج النافذة, رأيت فراشات الحرير تتقافز بين الأغصان تحط على فرع يواجه الشمس وتحيط بثمرة توت حمراء عفية، شربت من ندى الفجر.
لم تطاوعني يدي على قطفها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان