الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالحة المستحيلة

جهاد الرنتيسي

2009 / 10 / 18
القضية الفلسطينية


هامش اخر لتضخيم علامات الاستفهام ، وتفريخ الاسئلة المبعثرة في فضاءات الكوكب ، فتحه تطور السجال السياسي بين الهيئات التمثيلية الفلسطينية وحركة حماس ، بعد ارجاء مناقشة تقرير غولدستون ، الذي تحول قسريا الى محطة جديدة من محطات تاريخ فلسطيني انهكته الهزائم والنكبات منذ مطلع القرن الماضي .

والاسئلة في مثل هذه الاحوال طرف معادلة يبقى طرفها الاخر غائبا مع تعثر محاولات الوصول الى اجوبة استشرافية لمرحلة ما بعد تراكم الجفاء الذي اعقب عواصف الجدل حول تقرير غولدستون .

ففي تعددية المؤثرات ، وحساسية القضايا ، وخضوعها للمتغيرات ، والتحولات الزمنية ، بكل ما تنطوي عليه من ابعاد وطنية واقليمية وكونية ما يقلل من جدوى القياس على احداث سابقة ، لقراءة المراحل المقبلة .

كما تلعب التفاصيل الصغيرة دورا في بلورة المؤشرات التي يمكن الاستناد اليها لتحديد اتجاه الاحداث .

لكن غياب ادوات القياس وطغيان التفاصيل على المشهد الفلسطيني الراهن لا يعني بالضرورة القطع مع تاريخ حافل بالانشقاقات .

فالمحاولات الجارية لاعادة انتاج ادوار لمخلفات الانقسامات السابقة تكفي لاستحضار المحطات القاتمة في النصف الثاني من القرن الفائت .

وبتلازم قوة حضور المتغيرات الراهنة واشباح الماضي يأخذ البحث عن اجوبة لاسئلة الانقسام الفلسطيني ،وبشكل تلقائي ، منحى قراءة الممكن والمستحيل في الحالة الفلسطينية .

اول ما يتبادر للذهن لدى معاينة توقعات نجاح وفشل محاولات المصالحة التي ترعاها القاهرة اندفاعة رئيس ورموز السلطة الوطنية للتوقيع على اتفاق ينهي الانقسام مع حركة حماس .

فلم تخرج هذه الاندفاعة عن سياقات نهج الرئيس محمود عباس صاحب رؤية ادخال حماس الى عمق العملية السياسية ، الامر الذي استنزف منه جهودا كبيرة ، قابلتها حركة الاسلام السياسي الفلسطيني الاولى بمنحه ثقة لم تمنحها للرئيس الراحل ياسر عرفات .

وبلغت هذه الثقة ذروة التجسيد بمشاركة حماس في الانتخابات العامة ، وفوزها باغلبية مقاعد المجلس التشريعي ، وتشكيلها للحكومة ، وسعي الرئيس عباس لتسويق حكومة اسماعيل هنية عربيا ودوليا ، باعتبارها افرازا لصناديق الاقتراع ، وتعبيرا عن خيارات الشعب الفلسطيني .

لكن مياه كثيرة جرت في نهر الحياة السياسية الفلسطينية خلال الـسنوات الاربع التي اعقبت الانتخابات ، حولت الاستحقاق الديمقراطي الى منعطف حاد لم يخرج منه الوضع الفلسطيني بعد ، ويهدد بالاجهاز على ما تبقى من المنجز الوطني .

فقد تبخرت الخطوة التي كان الهدف من ورائها توحيد وتصليب الموقف التفاوضي الفلسطيني مع فشل المشروع الوطني ومشروع الاسلام السياسي في التعايش تحت سقف واحد .

واظهرت حالة الفرز التي يشهدها الوضع الداخلي الفلسطيني منذ ذلك الحين هشاشة الفهم الحمساوي لفكرة الديمقراطية والتعددية والتنوع السياسي والمجتمعي .

فالانقلاب الذي جرى على السلطة في قطاع غزة بمجرد الخلاف مع حركة فتح لم يكن معزولا عن سياقات وجذور تفكير حركة حماس .

واختارت حركة الاسلام السياسي الفلسطيني الاولى المنهج الطالباني في ادارتها لعلاقاتها مع القوى السياسية والحياة اليومية في قطاع غزة الخاضع لانقلابها رغم انه كان بامكانها الانحياز الى التجربة الاردوغانية الاكثر رقيا في التعاطي مع الاوضاع الداخلية والخارجية .

كما يعبر التهرب من المصالحة الوطنية عن نزوع اصيل لاقصاء الاخر والغائه وتهميشه ورفض منطق الشراكة السياسية معه والاستهتار بصناديق الاقتراع .

وامام هذه المعطيات تبدو خطوات السلطة لانجاح مصالحة وطنية ترفضها حماس اقرب لمحاولة زوج مخدوع جلب الزوجة الناشز الى بيت الطاعة .

فالمصالحة تبدا من الرغبة في انهاء خصام ما ولا تفرض على طرف لا يريد التصالح .

وجود البنية الفكرية والسياسية الحمساوية الرافضة للمصالحة لا يعني باي حال من الاحوال تبرئة اطراف عربية واقليمية ودولية من تبعات ادامة الانقسام الفلسطيني .

فهناك ما يكفي من مؤشرات التورط في العبث بهذا الملف ـ صاحب الدور المحوري في تحديد ملامح المستقبل السياسي الفلسطيني ـ وابقائه ساحة لتصفية حسابات بين اقطاب متناحرة .

وحين يجري الحديث عن اقطاب ، ومشاريع الاقطاب ، واوهام قطبية تعيشها كيانات مجهرية ، تتعيش في حضورها السياسي والدبلوماسي على آلام وكوارث شعوب المنطقة ، تطفو على السطح العواصم الحليفة لحركة حماس .

فقد عملت هذه الاطراف على وضع العصي في دواليب المساعي المصرية لانجاح الحوار الفلسطيني .

وكما هي العادة تختلف حسابات هذه العواصم رغم لقاء مصالحها عند تأزيم الموقف .

فمن ناحيتها تحرص طهران على ابقاء حالة الانقسام لاضعاف القيادة الفلسطينية وابقائها عاجزة عن التعاطي مع الخطوات البطيئة والخجولة التي تقوم بها الادارة الاميركية لتحريك عملية السلام .

ومن خلال اعاقة المصالحة الفلسطينية تحاول طهران استعراض قوتها امام الرئيس باراك اوباما وطاقمه لاظهار قدرتها على تفجير الازمات وابقاء الفتائل مشتعلة في حال تعثر مفاوضات الملف النووي وتعرضها لعقوبات جديدة .

الا ان طهران بدت خلال حملة تقرير غولدستون ـ التي ادارتها حماس ببراعة لافشال المصالحة ـ حذرة من الظهور بصورة المخرب بحرصها على اللعب من تحت الطاولة بعكس دمشق المهددة بمحاكم دولية بسبب شبهات تورطها في الدم العراقي واللبناني.

فقد تجاوز الدور السوري ما تقوم به ادوات دمشق التقليدية في الساحة الفلسطينية ، وتحولت سوريا الى لاعب مكشوف في معادلة الخلاف الداخلي الفلسطيني بمشاركتها في الحملة الاعلامية التي شنتها حماس .

وتجلت المشاركة السورية في الحملة الحمساوية بتاجيل زيارة الرئيس محمود عباس الى دمشق بحجة الاعتراض على تاجيل مناقشة تقرير غولدستون .

لكن الموقفين الايراني والسوري يفتقدان لعنصر المفاجاة الذي لا يخلو منه الموقف الاميركي بانضمام واشنطن لمساعي اعاقة الجهود المصرية .

فالواضح من التسريبات التي يجري تداولها ان ادارة الرئيس باراك اوباما ترى في انضمام وزراء لا يوافقون على شروط اللجنة الرباعية الى حكومة فلسطينية مقبلة ما يعيق المحاولات البائسة لتحريك عملية السلام .

وتتجاهل واشنطن وهي تضغط على القاهرة لوقف جهود المصالحة خطورة اللقاء التكتيكي مع قوى العدم السياسي في المنطقة .

فالوصول الى تسويات حول قضايا الحل النهائي مع الفلسطينيين يتطلب توحيد صفوفهم لضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه .

ولذلك ظهر الضغط الاميركي على القاهرة تعبيرا عن فهم استشراقي بعض الشئ ، وغامض الى حد ما ، واقرب الى التجريب والعبث في حال النظر اليه من زوايا اخرى .

غير ان الموقف الاسرائيلي تجاه المصالحة الفلسطينية لا يفتقر الى الوضوح رغم انسجامه مع مواقف اطراف اقليمية مدرجة نظريا على قوائم الخصوم والاعداء .

فقد حددت تل ابيب مسبقا ذريعتها للتهرب من عملية السلام على المسار الفلسطيني بعدم وجود الشريك القادر على ابرام اتفاق .

وفي حال عدم كفاية هذه الذريعة يستل الحاوي الاسرائيلي من جرابه ذرائع مكملة مثل انعدام جاهزية السلطة الوطنية الفلسطينية لمصارحة شعبها وتقديم تنازلات حقيقية يتطلبها التوصل الى اتفاق .

ولابقاء هذه الذرائع يحرص الجانب الاسرائيلي على ادامة الانقسام الفلسطيني وتوظيفه في ابعاد الانظار عن الاستيطان ومصادرة الاراضي وتهويد مدينة القدس.

فالابقاء على انسداد الافق السياسي لعملية السلام يقوي الطرح الحمساوي ، والحفاظ على نموذج حماس في الحكم يعريها امام الشارع الفلسطيني ، وفي الوقت الذي تقدم السلطة في رام الله نموذجا افضل للادارة ومستوى الوضع المعيشي يحرص الجانب الاسرائيلي على اعاقة نمو هذا النموذج ، والحيلولة دون تحوله الى دولة بمؤسسات تمارس سلطات حقيقية على الارض .

وبقدر اتساع حضور العقبات التي تعيق المصالحة ، وتعثر جهود احياء عملية السلام ، تتراجع خيارات الحد الادنى الفلسطيني، ويتجه المشهد نحو المجهول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار