الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوبل للسلام ، أم لخدمة الرأسمالية؟

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2009 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



أثار فوز باراك اوباما بجائزة نوبل للسلام موجات من الدهشة والسخرية وحتى الغضب في العالم ، وخصوصا في المجتمع الأمريكي . وقد اعتبر زملاء حزبه و في الطبقة الحاكمة ، خبر فوزه بالجائزة مزحة العصر.
وقد أعلن اوباما مثله مثل أيّ برجوازي مرائي ، انه سوف يتصدق بقيمة الجائزة البالغة حوالي مليون ونصف المليون دولار أمريكي على المؤسسات الخيرية لمساعدة الفقراء واليتامى ، ما فيه خير كثير ، وتجارة لا تبور ، وسوف يحشر في الآخرة مع الصالحين والصديقين.

ناخبوه ، و ناشطو الحركات المدنية الذين أوصلوه إلى البيت الأبيض ، واغلبهم على دراية تامة بماهية هذه الدمية البرجوازية ، لم يلبثوا يتساءلون عن الانجازات التي حققها اوباما، و عمليات السلام التي أداها ، خلال فترة الثمانية أشهر من حكمه ، ليكرَّم بهذه الجائزة.
فجائزة نوبل بشكل عام ، و نوبل للسلام بوجه خاص ، لم تعني مفهومها الحقيقي أبدا. وإن جائزة السلام ليست أكثر من رسالة تأييد تبثها القيادة البرجوازية العالمية، والأوروبية خصوصا، لأدوار سياسية لعبها سياسيون أو شخصيات معينة بأحسن وجه لصالح الرأسمالية.
نال تشرشل رئيس الوزراء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية جائزة نوبل للآداب لأنه كان رجل أوروبا القوي ، ولدوره المتميز في إلحاق الهزيمة بالقوات النازية .والسؤال الملح هنا هو ، لماذا الآداب؟ وهو السياسي المحنك و، رجل دولة قدير .. فكتابه الأبرز عنوانه " الحرب العالمية الثانية" ليس رواية ، وليس مجموعة شعرية. بينما بومبيدو ، الذي كان أحد رموز التنوير الأوروبي ، وأشجع مكافحي النازية ، حرم من نوبل، سواء للسلام أم للآداب. كما أن عدم منح غاندي جائزة نوبل للسلام بعنبر نقطة سوداء وعار لن بمحي في تاريخ نوبل ولجنته. والجدير بالذكر أن ستالين أيضا كان أحد المرشحين لنيل جائزة نوبل للسلام ، لا لكونه حمامة سلام ، بل لحربه على النازية والانتصار عليها.
الفائزون بهذه الجائزة ، من السادات وكيسنجر ودالايي لاما ، ومانديلا والعنصري ديكلارك ، وشامير و عرفات و غورباتشوف وأمثالهم ، كلهم اشتركوا في أمر واحد وهو أنهم في مرحلة من حياتهم ، لعبوا أفضل دور في سبيل ترسيخ السيادة السياسية والاقتصادية والثقافية للطبقة البرجوازية ، وإضفاء رونق الترويج المضلل على العلاقات الرأسمالية المتحكمة بالمجتمع البشري.
لكن لماذا هذه المرة وقعت القرعة على العندليب الأسمر، دمية مصاصي دماء البشرية ، باراك أوباما ؟
فهذه هي المرة الرابعة التي تعطى فيها الجائزة لرئيس أمريكي ، وقد كان جيمي كارتر ثالثهم ، وقد نالها وهو خارج الإدارة الأمريكية في عهد بوش، ومن منجزاته الكبيرة للرأسمالية ، إجهاضه للثورة الجماهيرية على حكم الشاه في إيران ، وتغيير مسارها التقدمي نحو الرجعية . كما نالها مساعد كلينتون بالاشتراك مع مجموعة المناخ ، رغم كل ما حدث في عهد رئيسه وهو كان نائبه، من كوارث الحروب و تجويع أطفال العراق و قتلهم تحت الحصار.
إن أوباما ليس أكثر من دمية ، كان يرتجى منها إنقاذ الطبقة الحاكمة التي أوصلها بوش والمحافظون الجدد إلى حافة الهاوية، من ثورة محتملة للجماهير الغاضبة، إذ أوصل بوش و المحافظون الجدد " النيوكون" النظام العالمي الرأسمالي إلى حافة الانهيار، كما أن العلاقات الأمريكية مع الحكومات الأوروبية غدت مزعزعة ، وإن كل ما حققوه للرأسمالية كان عبارة عن عشرات الأزمات السياسية و العسكرية والاقتصادية خلال فترة حكمهم البالغة ثماني سنوات.فقد اختل التوازن الدولي بين الأنظمة الامبريالية أثناء فترة وجود بوش الابن على رأس الإدارة الأمريكية. فإن احتلال العراق وأفغانستان عسكريا ، الذي كان الهدف الأساس من ورائه ترسيخ السلطة الامبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط ، قد ترك آثاره السلبية على نفوذ القوى الامبريالية الأوروبية والأسيوية ، في السنوات الأولى ، مما أدى إلى زعزعة استقرارالنظالم الرأسمالي عموما.
سياسة العدوان والاحتلال التي مارستها إدارة بوش والمحافظين الجدد انعكست ضد الأهداف المرجوة من ورائها تحقيقها ، إذ أنها أوقعت الحكومة الأمريكية في أزمة مزمنة ، وأضعفتها، وقد تحولت نهاية فترة حكم المحافظين الجدد ، إلى بداية ظهور أكبر أزمة رأسمالية شاملة في العالم المعاصر.
الأزمات المزمنة كانت في نهاية فترة بوش الابن خارج سياق طبيعة النظام الرأسمالي، وغير متوازنة، ومنحرفة عن القاعدة الرأسمالية وأساسها.وقد شهدت العلاقات الأمريكية الروسية والصينية والأوروبية دوامة من التعقيدات والصعوبات، فوصلت إلى طريق مأزوم ينذر بالخطر.كما وصل سباق التسلح إلى ذروته بين الدول متناقضة المصالح وكأنها عادت إلى فترة الحرب الباردة ، إذ باتت المواجهة العسكرية بين روسيا والناتو وعلى الأرض الأوروبية تقوم بها قوى ودول تابعة أخرى بالنيابة. كما إن تجهز النظام الكوري الشمالي وباكستان ومحتملا الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالسلاح النووي زعزع العلاقات بين القوى الامبريالية الكبرى ، بعدما كانت متحدة في محاربة الشيوعية و حركات التحرر لقرن من الزمان ، وخصوصا إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي.

وقد ارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات عالية جدا و وانتاب الناس اليأس من مستقبلهم ، وانعدمت الثقة بالحكومات والأنظمة القائمة ، والقوى البرجوازية و أضحت الميول اليسارية نحو الثورة على النظام الرأسمالي ملموسة في بقاع كثيرة من العالم.ولا تزال الحرب مستمرة بين قوى الإسلام السياسي و الحكومات الغربية و الأنظمة الشرقية الموالية لها . الهجوم العسكري لبوش لم يتمكن من إخماد نيران الإسلام السياسي، بل على العكس استفادت الطالبان والقاعدة والنظام الإيراني ،و المجاميع المشتقة منها والمرتبطة بها، من سياسة بوش والمحافظين الجدد . كما أن الاختفاء تحت قناع – الكفاح ضد القوى الامبريالية والاحتلال الأجنبي – أضفى على مقاتلي الإسلام السياسي صفة - المناضلين في سبيل الحرية -، والتي أفسحت لهم مكانة مهمة لدن الشرائح الاجتماعية الاكثر تخلفا في الشرق الأوسط.
في هذه الظروف ، وفي سبيل امتصاص النقمة المتزايدة للشعب الأمريكي و الشعوب الأخرى ، وإيجاد توازن نفسي بين الأجنحة الامبريالية ، قامت الرأسمالية المتنفذة بوضع أوباما وجها لوجه أمام الناس ، ليرفع شعار_ التغيير- فارغ المضمون ، واضعة كبريات وسائل الإعلام في خدمته حتى أوصلوه إلى البيت الأبيض . فدمية الامبريالية العالمية منذ 8 أشهر وهو في البيت الأبيض ، قد ساهم مساهمة فعالة جدا في إعادة الحياة إلى الشركات المالية التي كادت أن تكون مفلسفة ، وذلك بضخها بالمال الوفير ، لكنه لم يحقق أيا من وعوده التي خدع بها الكادحين و الجماهير ،إذ ظلت أزمات الصحة والتعليم والبطالة في حالة تفاقم ، كما أصبح وعده بإغلاق سجن غوانتانامو كذبة ونفاق ، و بإرساله قوات إضافية( 40 ألف جندي) إلى أفغانستان ، استأنف موجة جديدة من سفك الدماء والممارسات البربرية في الشرق الأوسط . كما أن الادعاء بالانسحاب الصوري المضحك من العراق ، وإرجاع قضية الشرق الأوسط إلى الوراء، وايقائها بدون حل ، ولا خطط ولا مشاريع لحل القضية الفلسطينية ، كله دليل على أن أوباما ليس حمامة سلام ، بل أنه مجرد ملاك رحمة للرأسمالية في حل أزماتها.
فسرعان ما خابت آمال منتخبيه من الطبقات والشرائح الفقيرة ، فباتوا اليوم غاضبين عليه ، يشعرون بالندم الكبير ، و يحسون أنهم كانوا في ضلال مبين ، ألا أن النظام الرأسمالي العالمي من واجبه أن يكافئه على خدماته الجليلة للطبقة البرجوازية المتفسخة ، بإنقاذه البنوك والشركات التي وصلت حافة الانهيار والإفلاس ، وبدعمه الحكومات الامبريالية الأخرى للتغلب على أزماتها ما اقتضته مسألة حفظ توازن الرأسمالية العالمية ، مما اقتضى على القوى البرجوازية تأييد لأوباما والأوبامية ، وأن يتحالفوا معه تحت مظلتها.
أجل ، فعلى هذه الأرضية لمعادلة السلطة البرجوازية والجماهير ، والتي رجحها أوباما والإدارة الأمريكية الجديدة لصالح الامبريالية العالمية ، قررت لجنة نوبل منح جائزة نوبل للسلام إلى شخص ، حسب تعبيرهم " يبشر بتغيير العلاقات الدولية ، وتفعيلها " وطبعا لصالح بقاء التفوق الامبريالي ، وفي سبيل مضاعفة أرباح الرأسمالية من امتصاص دماء فقراء العالم وكادحيه. هذه الجائزة لا تليق سوى بأمثال كيسنجر و سوهارتو و بينوشت و ... فما اسعد شخصيات السلام والمحبة الحقيقيين في التاريخ من أمثال لينين ، و روزا لوكسمبورج ، وجون لينون ونداء شهيدة جماهير إيران المنتفضة ، وراشيل كوري التي استشهدت تحت بلدوز اسرائيلي ارادت منعه من هدم بيوت الفلسطينيين الفقراء ، و غيرهم كثيرون ، وأمثالهم ، الذين لم يتلوثوا بهذه الجائزة!!!!!

söndag den 18 oktober 2009









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جوائز للإمبريالية!!!
بحراني ( 2009 / 10 / 18 - 20:20 )
المضحك أيضا أستاذي حول هذه الجوائز .. التي تعبر بحق عن توجهات رأسمالية .. و من أمثلتها هي التالية..
في البحرين نعتبر رئيس الوزراء خليفة بن سلمان أكبر دكتاتور حكمنا لما يقارب 40 سنة و سارق نهب ثروة البلد و أوصل الشعب لحواف الفقر المدقع و حول كل ثروة البلد لأهله ؛ و جعلها شركة مالية تدار من خلالهم و لجيوبهم.. فضحه الأمير السعودي طلال على قناة الجزيرة بزلة لسان إذ قال (( هل تعتبرون البحرين فقيرة فقط خليفة بن سلمان يملك 36 مليار))!!
البحرين تعاني من أزمة إسكانية لأكثر من 30 سنة و تصل طلبات الرغبة بالحصول على وحدة سكنية لما يزيد على الأربعين ألف طلب لشعب لا يتجاوز النصف مليون نسمة ..
هذا الدكتاتور يمنح (جائزة الشرف للانجاز المتميز في مجال التنمية الحضرية والاسكان) .. و قد إنتقدت هيومن راتس ووتش المسألة.. و كتبت المعارضة البحرانية التالي..
((معلومات خطيرة حول منح رئيس وزراء البحرين جائزة تنمية المستوطنات البشرية:
استخدام الأموال العامة في اختراق المؤسسات الدولية لتلميع صورة المسؤولين الحكوميين
المصالح الشخصية والمؤسسية لعبت دورا أساسيا في ترشح رئيس الوزراء لنيل الجائزة
حكومة البحرين تنتهك معايير الأمم المتحدة فيما يتعلق بالتخطيط الحضري ومعالجة الفقر))
مؤخرا أيضا من


2 - نعم لان الراءسماليه هي الاعقل
متنور ( 2009 / 10 / 18 - 22:27 )
الذي يقراء سي في يك في موقعك الفرعي في الحوار المتمدن
يفرح ويقول الحمد لله استاذ حميد تجاوز عهد المراهقه ومرض الطفوله لذالك من الممكن مناقشته بالحكمه
استاذ حميد نعم جائزة نوبل للراءسماليه لانها ارقى واسمى نظام توصلت اليه البشريه حتى الان دلني استاذحميد على نظام اخر مرت به البشريه كالعبودية والاقطاع واثامها وهل من الممكن
مقارنتهما بهذه الجنهالتي بنيت في عهد الراءسماليه بما في ذالك وماتنعم فيه من الامان والشبع - مع كثرة من عائلتي-في السويد
الراءسماليه وطبيعي ان الره الثمينه ابن الشعب الكادح المعترب
اوباما هو ذروة انسانية الراءسماليه وقد كان ذالك حلما قبل بضعة سنوات ان يتمكناسودا ان يدخل المطعم مثل الاخرين في حين ان اوباما الان في البيت الابيض وبناته حتى اصطحبن كلابهن معهن
انت يااستاذ حميد مبدع ولااستطيع ان اكون قاسيا معك واغفر لي اضطراري للقول بان الاعمى نفسه يرى عظمة الانجاز الخرافي الذي حققته الراءسماليه للبشريه اما انها كما تصور ماركس يمكن ان تتوقف في لحظة ما وتكون معرقلا للتطور اللاحق للبشريه فان ذالك قد يكون واردا ولكن لم يستطع احد في القرنين الماضيين 19و20 ان يتنباء بقدرات هذا النظام على تفريخ هذا القدر من الدناميكيات القادره على العلاج الذاتيوالتقد


3 - تحية للاستاذ حميد
خليل ( 2009 / 10 / 19 - 12:02 )
الى المتنور
انك سميت نفسك متنور لكن تعيش في احلك ظلام البرجوازية وان ما ذهب اليه الاستاذ المتنور حميد هي الشمعة الحقيقية للكشف ما مختفي تحت ظلام البرجوازية
تحية للاستاذ حميد

اخر الافلام

.. أمير الكويت يأمر بحل البرلمان وتعليق العمل بعدد من مواد الدس


.. كاميرا مراقبة توثق غارات للطيران الحربي الإسرائيلي على شمال




.. مراسلة الجزيرة: طلاب كامبريدج يضغطون على إدارة الجامعة لقطع


.. تشييع شهداء سقطوا في قصف إسرائيلي على رفح جنوبي قطاع غزة




.. مظاهرة حاشدة في مدينة نيويورك الأمريكية إحياء لذكرى النكبة