الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤلف وكتاب

صادق جعفر الروازق

2009 / 10 / 19
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



يعكف الناقد والأديب" ثامر الحاج أمين" على اصدار كتابه ( نهارات مشمسة ) الذي يضم مجموعة من قراءاته عن بعض التجارب الابداعية والتي كان قد نشرها في الصحافة عبر مسيرته الادبية التي تمتد الى مايقارب الاربعة عقود ، حيث وجد في هذه التجارب ـ التي تناولها الكتاب ـ محطات ثقافية مؤثرة ومهمة ، البعض منها نالها الاهمال والتغييب في مرحلة الظلام الثقافي ، فوجد المؤلف في هذه المرحلة الفرصة سانحة للتعريف بها من خلال قراءاته المضيئة والتي هي مساهمة أكيدة لاعادة الذاكرة العراقية لمنجز اسهم في صياغة المشهد الثقافي العراقي على وجه الخصوص .
و " ثامر الحاج أمين " اديباً ، ناقداً ، ناشطاً ، دفعت به اصالته الى محاولة ومحاولات عدّة معاكسا ذاكرة النسيان وقساوة الزمن ، مسترجعاً اصالة القيم ولفتات الابداع وأصالة الفن الملتزم ، والادب الانساني الخير المغرق بالحب والسلام والوجدان ، وهذا مايتضح جليا ًللقارىء مستنبطاًابعاد شخصية هذا الناقد بكل سهولة ووضوح وهو يتصفح اوراق كتابه الجديد ، كما عرف عنه انساناً معرفياً واعياً ، تواقاً الى الحرية والتحرر ، ثابتاً على ماشب عليه من قيم الاصالة والاخلاص والوفاء لمدينته ومبدعيها ، فقد اخذ على عاتقه وبعد جهد شاق اعانه الاستاذين " كامل داود " و" عبدالكريم السلس " من جمع اغلب تراث الشاعر المرحوم صاحب الضويري وصدرّه تحت عنوان ( كتابات على جدار الزمن ) ، وكذا فعل مع تراث الشاعر الراحل كزار حنتوش ، وكان لي شرف المساهمة في متابعة مراحل الطباعة لهذين المنجزين ، فضلاً عمااقام من امسيات ادبية في قراءة تجارب هذين الشاعرين وشعراء آخرين امثال " ايفتوشينكو" و" محمد الماغوط " وتجارب شعراء عراقيين يكتبون بالفصحى والعامية .
وربما سيجد القارىء الكريم في هذا الكتاب ان " الامين" مارس اسلوبا استعراضياً بما فيه الكشف والمصارحة لوقائع ساخنة تخللت هذه التجارب ، فكان له اسهامة صادقة في تدوين الحدث ، وهذا مايؤكده عمق معرفته وصلته بالشعراء انفسهم سيما انه عاصر اغلبهم وامّد علاقات اجتماعية وحتى السياسية مع بعضهم ، هكذا حاله فقد كتب عن الكثير ولم يكتب عنه ، احتفى بالكثير ولم يحتفى به ، قاطعه البعض وصاحبه آخرون لغايات شتى ، وربما لكونه وجه ديواني محبب يفوح منه عطر الانسانية ومكامن نبل وعفة ، وعقل كبير توجتّه روح كبيرة غاية في السماحة وتقبل الآخر ، غاية في الاتزان ، مماجعل الكثير من معارفه واصدقائه يلجأون اليه في محنهم الاجتماعية فيجدون فيه عقلانية الحل وسبل مواساة ذكية .. فضلا عن شهامة نادرة وهو يتفقد كبار السن من ابناء مدينته المتعففين اثر الانعكاسات والانتكاسات لزمن قصم ظهر الشرفاء منهم ، اضافة الى ما عرف عنه من سخاء وكرم وهو يفتتح ديوانية بيته لاضفاء جواً فكرياً ثقافياً يفوح بطعم المعرفة والعلم والتراث واحداث الساعة ، وقد ترجم من سخائه مواقف وفية لمدينته ورجالاتها وهو يسترجع ذكريات عمرها اكثر من خمسين عاماً ضمن كتاب الاستاذ " زهير كاظم عبود" ( اوراق من ذاكرة مدينة الديوانية ) .
لقد طبع على الناقد " ثامر الحاج امين" في كتابه ومنجزه النقدي عموما صفة ناقدا وقائعياً دون ان يغور في عمق الاساليب الاكاديمية للنقد وهذا مايميز قراءاته بلغة معرفية واقعية ليس فيها مايرقى الى نقد النص ومحاكاته في اطار التعديل وايجاد البدائل !! وربما قد نجد له العذر ، كون القراءات النقدية غالبا ماتكون غير مستساغة في المحيط العام ، وتكاد تنحسر في الوسط النخبوي الاكاديمي اكثر منه في وسط الجمهور الذي يبتعد عن لغة التعقيد وعن اكاديمية النص ، بيد ان " الأمين" لم يتوانى او يتغافل عن ربط النص بمسبباته آخذا بتفاصيله بلغة ادبية محببة تستميح المتلقي او القارىء اذناً للاستحسان والاعجاب ، وهذا مايفصح بالتأكيد عن شفافية و سلامة طيبة شخصية الناقد البعيدة عن الغموض والانطواء، وحتى عن الادعاءات الفضفاضة الفارغة.
" الامين " روح ترفة ، تطرب لكل ماهو انساني جميل ، تتحرك ايقاعات قلبه مع اول صوت لوتر موسيقى ، وتغفو مع انغام قصيدة الشعر ، مع عذوبة ترسم تقاسيم وجهه توحيها ابعاد ابداعية من صور الجمال ، فهو لون فيروزي يتعشقه الصباح ، ويتعذب مع عذابات موجعة لصاحب الضويري ويمسي مع تسكعات خمرية ساخرة من خيال كزار حنتوش ثم يفضي خيالاً رحبا مع آهات حب وانين السيدة ام كلثوم ، فهو بين قهر واوجاع وبين حب وخيال ، وبين وجدانية عشق لتاريخ من نضال سياسي يعتز به رغم كل ماصاحبه من صراع وصراخ في اطار مشروعية القبول والرفض ، تاريخ يسار ، صيرورة لبناء المنظومة القيمية الوجدانية التي نشدت وتنشد حب الانسان بما هو انسان معياره المنجز الاخلاقي والابداعي والخدمي ، وليست معاييراً مؤدلجة تحد من شمولية التطلع الانساني وفق جاهزية مشاريع التباين والتمايز للاصطفافات الفئوية والطائفية وضيق الافق، فكان " الامين " بحق وليد لنتاج صيرورة صراع طويل ، وكفاح مديد لمنظومة ثقافية وجدانية ، خليّ قاموسها من رهانات عصر السفسطة وآليات التحايل والخداع ، فبات ضميراً للثقافة الملتزمة ومثابة للحضور الانساني ، ووجدان يفيض عذوبة بالغة في التحسس مع ارادة حديدية في رفض كل مالاينسجم وطبيعة المثل العليا ، وربما قد اضفت هذه الارادة طوال حياته ان يعتصم امام مغريات الخمرة وهو الجليس والنديم في كل منتدياتها الليلية .!!!
فلمثل هذه الشخصية المعطاء ، وفي اول اشارة منه لقراءة مسودة كتابه ( نهارات .... ) وجدت لزاماً اخلاقياً ان احتفي به من خلال ما أعرفه وأعتقد به ، سيما وقد لازمته قرابة اربعين عاماً ، يوم كان محررا ثقافيا في صحيفة( طريق الشعب) في منتصف سبعينيات القرن الماضي ، كان يعتلينا الشغف لمتابعة ماينشر له ولايخفى حينها بصيص الاعجاب والتشدق بمعرفته يوم كان اكبر منا سناً واكثر منا التزاما ووعياً وتنظيماً ، فكان لزاما علينا ان نقرأ شخصية الناقد اكثر مما نقرأ منجزه الابداعي الذي هو الآخر اضاف الينا وحفز فينا مايمكن ان تكون قراءة متواضعة وصادقة لرجل قدم جهدا متميزاً في خدمة المسار الثقافي لمدينة الديوانية .
يبقى ( نهارات مشمسة ) كتاب الاديب ثامر الحاج امين منجزا ثقافياً متنوعا وهاماً ، ترك فيه بصمات رائعة من الثقافة الانسانية التي لاتشوبها لغة التخندق والفئوية ، فضلاً عما ترك فيها مجدا تاريخياً لأعلام متميزين في عالم الثقافة .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث