الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قشرة البرتقال/ 9 الإقبال على الحياة

حامد مرساوي

2009 / 10 / 19
الادب والفن



لا يظهر لها أنه يسترق النظر للمرايا والواجهات الزجاجية، وهما يمران في الشوارع الشاسعة من إرث الاستعمار الفرنسي. لا تتكلف إمعان النظر للتأكد من درجة جمالها رفقته. فيما بعد تبادلا الملاحظات بهذا الصدد،من خلال "الإيمايلات" الخفيفة السريعة، عبر تمثل المارة. في الحقيقة، لا يمكن لأثر الغياب أن يمحى على وجه العاشقين الذين مسحا دموع 34 سنة من الوله الشقي عن صفحة نفسيهما الكئيبة، إلا بصعوبة بالغة. مما يعني تدفق الفرح فوق ملامح وجهيهما وهما يتجولان، تتخلل أصابع يديهما بخفة ومرح. من المحطة إلى المطعم إلى المقهى إلى الحديقة إلى السينما إلى المقهى إلى الطاكسي. فالوداع.
في الشارع العام، في قلب العاصمة، هناك نوافذ تطل على الممر. قد تتلصص منها عيون لتتأكد منه. ومنهم من يربط بين الشخص وبين ارتباطه العائلي الحميم. مما قد يطلق سيل تساؤلات أولية فردية متناثرة لتتحول بعد تراكمها إلى رأي عام. أما الصداقات المشتركة بين الزوجين عن قرب فلسوف تصعق عند رؤية الكيفية اللصيقة الجميلة التي يمر بها الحبيبان متشابكي الأصابع فوق الخطوط البيضاء قبل مرور السيارات. إلى الآن لم يحصل هذا الشرف البئيس لمفاجأتهما في حالة تلبس بالحب. المعنيون المفترضون بالمعاينة المفاجئة، سيسجلون خروجه غير المألوف لمدة تصل 30 سنة عن ملازمة زوجته في مثل السفر إلى الرباط. لكن التحول هكذا بانعطاف 180° في علاقته الحميمة سيطلق ذاك الحديث الذي لا ينتهي سوى بالتحقق من مستجدات وضعه الجديد. كل هذا مجرد هلوسة. أما خيلاء الحب فلا يعلى عليها. تسأله أين نتجه؟ بلاص بيتري، يقترح عليها.
يستقران على مقاعد مطعم. ينتظران الأكلة، يستهلكان الأكلة، يتبقى منها ما يتبقى. لكن المختصر المفيد هو غياب أي تلذذ بالطعام. لأن الوله ببعضهما هو المتنفس المحتكر لكل حواسهما، ولم يمر على لقاءهما المباشر أكثر من نصف ساعة. بعد هواتف واتنظارات وتصويبات واحتراق طاقات في البعد. ثم يتردد التساؤل الأبدي: هل نحن سعاد وأحمد اللذان ظلا يحلمان ببعضهما ويتذكران بلا أمل لحظات حبهما الطفولي الحالم العذب سنين طويلة!؟ كان الحب قد أصبح مجرد ذكرى بعيدة عزيزة وسعيدة. وها هو اليوم الحقيقة الوحيدة الحميمة في حياتهما. كل واحد للآخر فقط وفقط. تبخرت حياتهما الاجتماعية إلى الأبد ليحيى حبهما الذي خرج من الكهف. قصة أهل الكهف لم تشغل عبثا توفيق الحكيم لينقلها من القرآن إلى المسرح! لكن هذه العودة المحمومة لهذا الغرام الصلد مرفوقة بومضات من الغيرة الخاطفة. تتلصص على نظراته. ويتابع دخولها إلى حمام المطعم. بل يكشفان لبعضهما اشتعال ثقاب الغيرة. ثم يطفئانه بابتسامات ساخرة. بعدما يترسخ الدرس المتبادل في الذهن.
يتجهان نحو السينما، يجدان فجوة وقت بين اللحظة وبدء العرض. يتجهان نحو الحديقة المجاورة. أزمة كراسي. ثم ينهض زوج مماثل انتهى من خلوة مفتوحة على عيون البشر وأوراق الشجر. يجلسان. يقترح أن يمتد قربها واضعا رأسه على جذر فخدها لينام، تقبل مع إضافة أن تكون الحقيبة هي الفاصل بينهما لتخفيف صدمة أية مفاجأة تعيسة. ثم لتقليل حظوظ التسخين السابق للأوان وغير الملائم للمكان. المهم أن يغفو كي يسترجع القليل من اليقظة المريحة، وليتخلص من تعب السفر والسهر خلاله وبعده لما يزيد عن 30 ساعة مجند الأرجل بالحذاء. دون أي تمرين على الجندية. برهة ثم يستعيد وضع الجلوس. فمن فرط التعب تمكن من الغوص في غيبوبة نوم حقيقي ولو لبضع دقائق. اقترحت أن يتجها نحو السينما لاقتراب موعد العرض. أفق آخر للسباحة في لحظات الحب المستعاد. هذا الوطن الذي لا يتسع لأكثر من مضغة القلب بمسافة قد تبعد ما بين الدنمارك وجزيرة غرينلاند. لكن سيادة الحب قوية فوق كلا الأقليمين. اقليم سعاد واقليم احمد.
على ارداد أشعة الشاشة، في لعبة الضوء والظلام، يخطف في لمحة خفية بنظر منحرف نحوها، ليجدها متمايلة الجلسة نحوه في وله جميل. يغالب نفسه كي لا تتماهى و شكلية التعطش الجنسوي المقرونة بفكرة اللجوء الشبقي إلى ظلام القاعات السينمائية. لكن جمالية انعطافها الشجي نحوه بحب غامر يحرك أصابعه نحو حاجبيها وأشفارها التي ما زالت تحتفظ باستدارها وسوداويتها "الهندية، التركية، الإيرانية"....تستجيب أكثر بمد شفتيها نحو شفتيه لتنتهي مقاومته تحت سخونة ما بين حركات الشفاه واللسان وما يخفف من جفافهما ما بين الريق والرضاب. يتأسف في مخيلته للسيدة الهرمة المكلفة بمراقبة تحول القاعة إلى موطئ جنسوي. ويطيل نفسه الوله بالقدر الذي يبيح للقبل أن تكتمل. بدورها ترسل ضوء "البريكي" بين الفينة والأخرى في اتجاه وفي آخر لتذكر الكل أنها موجودة. سعاد، لا تنسى من جهتها أن ترسل تعاليق حول مشاهد الفيلم من الناحية التقنية. "فيلم أكسيون" جيد من حيث كونه شريطا مغربيا.
في مطعم ثان، يجلسان لاحتساء حريرة المساء، نافذة أخرى، مرور الناس، دخول آخرين. اقتراحها أن يغيران المكان لتتمكن من شرب سيجارة. ينتقلان نحو المقهى حيث الفنان الجندي الأصغر مستغرقا في كتابة نص مطول. لقرب المقاعد، تبادر بتحية الجندي.
في الشارع، بعدما تشربا بجرع من الحب. عبر البوح المتبادل. وارتشاف النظر. والاغتسال بالقرب والحرية في اللقاء، انطلقا. تمر المقهي. وكالشجر يتوالى الراجلون من حولهما. وبأنانية ناعمة يسلكان الطرق والممرات. لا يكادان يتذكران متى اشتعل الضوء الأحمر والأخضر. فقط ما يتوالى ثم يتوارى من مناظر الواجهات وكراسي المقاهي، كل شيء أمامهما يمر ليذكرهما أنهما يقتسمان اللحظة معا وسويا بعد 34 سنة من الغياب الاضطراري عن بعضهما. ها هما معا










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي