الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كرامات

سعدون محسن ضمد

2009 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


استنكر أحد البرلمانيين (البارزين) سعي أعضاء في مجلس النواب لاستجواب وزير ينتمي لكتلته؛ بمبرر أن هذا الوزير فوق الشبهات فهو صاحب تاريخ نضالي معروف للجميع، وأن الجميع يعرف مقدار المعاناة التي دفعها ثمناً لمبادئه وهو يعاني أنواع التنكيل في سجون النظام البائد. على هذا الأساس اعتبر أن تجاهل طالبي الاستجواب لهذه الحقيقة يكشف عن نواياهم (السياسية الكيدية الخبيثة.
كان الرجل يتحدث عن إيمان عميق، ولذلك عَجَزتُ عن اقناعه بفداحة الخطأ الذي يرتكبه وهو يربط بين قضيتين لا صلة بينهما، بل يستنج حكماً بالاستناد لقضية لا تنهض باثباته. فنضال الوزير (سابقاً)، لا يُثبت عصمته من الفساد (حالياً). وأزاء رفض هذا السياسي الاعتراف بالخطأ الذي وقع فيه لم أجد أمامي غير مواجهته بحقيقة أن أغلب السياسيين الذين يقودون البلد الآن ـ وبضمنهم المطالبين باستجواب الوزير ـ هم كوادر متقدمة في الأحزاب التي كانت تقارع النظام السابق، وبالتالي فما ينطبق على الوزير يجب أن ينطبق عليهم. لكن مع ذلك رفض صاحبي التنازل، مستنكراً هذه المقارنة التي اعتبرها بائسة، وهي تساوي بين نضال وصفه بالحقيقي وآخر وصفه بالمزيف.
أعتقد بأن طريقة السياسي في التفكير هي الطريقة السائدة لدى أغلب أفراد المجتمع، ونخبه السياسية. وهي طريقة معاقة لأنها تنطلق من المسلمات غير المفروغ من صحتها في الحكم على الواقع. فهذا السياسي استخدم مسلمة تقول بأن الوزير نزيه، في الحكم على بطلان الوثائق والأدلة التي تدينه بالفساد، فعل ذلك مع أن المسلمة التي انطلق منها ذاتية غير منطقية، والوثائق التي حكم عليها موضوعية خارجية.
السبب في شيوع هذه الطريقة بالتفكير هو أن منظومتنا الثقافية (الموروثة) عودتنا على أن نكيل بمكيالين ونحن نحاكم الوقائع ونحكم عليها، فنحكم بالصحة على ما يرتبط بمصالحنا، وبالخطأ على ما ليس كذلك. وهذا ما دفع السياسي لأن يحكم على تجارب نضال الآخرين بأنها مزيفة؛ فالرجل يريد للنضال أن يبقى حبيس سلة أرباحه فقط.
لا يكون العقل سليماً إلا عندما يتسلح بقدرة نقدية تعمل على (فلترة) المعلومات الداخلة إليه وحمايته بالنتيجة من المعلومات الخاطئة، والعقل غير المحمي أو غير المفلتر هو عقل مجاني مليئ بالزيف ومعرض للانتهاك. وعقولنا بالتأكيد مسلحة بهذه القدرة النقدية، لكن الموروث ـ والدين أجلى مصاديق هذا الموروث ـ حرَّم على هذه القدرة ممارسة أي نقد للذات، الأمر الذي جعل عقولنا ازدواجية لأبعد الحدود، فهي تبالغ بالتستر على أخطائنا وتبالغ بكشف أخطاء الآخرين، ولهذا السبب نحن جميعاً طائفيون ونلعن الطائفية، وفاسدون ونشتكي من الفساد، وإرهابيون ونتظلم من الإرهاب.
اسرد على الناس أي حكايات تتحدث عن كرامات أولياء طوائفهم، وسيستقبلون هذه الحكايات ـ مهما كانت بعيدة عن المنطق ـ بعقول باردة، ثم دس لهم حكاية واحدة تتحدث عن كرامة منسوبة لولي من أولياء طائفة أخرى، وستجد بأنهم يفزعون مذعورين وهم يطالبونك بالأدلة والبراهين التي تثبت هذه الفرية. وهنا يحق لك أن تعجب كيف أن القدرة النقدية التي كانت قبل قليل نائمة بسبات هنيئ انتفضت مرعوبة من أن وقع الحق والصدق والفضيلة بسلة الآخرين.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صَدقتَ
امين يونس ( 2009 / 10 / 22 - 08:55 )
أصبت كبد الحقيقة ياسيد سعدون
خالص الود


2 - امين يونس
سعدون محسن ضمد ( 2009 / 10 / 23 - 22:01 )
شكرا لمرورك وتعليق يا صديقي
تقبل فائق احترامي

اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات