الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية سهرة تنكرية ( غاده السمان )

بابلو سعيده

2009 / 10 / 22
الادب والفن


قراءة نقدية
سهرة تنكرية للموتى / رواية /
غادة الســــمان
عاشـت غـادة متنقلة بين أوطان ثلاثة ، وطن الطفولة ( دمشـق) ووطن الإبداع /بيروت/ ووطن المنفى الاختياري / باريس/ وحملت معها ثلاث هويات في لحظة تاريخية واحدة .
أبطالهـا في رواياتهـا ، هـم مـن الوجوديين ، والعبثيين ، والمأساويين ، والسورياليين ، والرومانسيين ، والواقعيين .
تصنعهم من التخييل ، والمخزون الثقافي المجتمع في ذاكرتها ، ومن تجاربها الذاتية والمتعمدة مع العرّافات ، والمقامرين ، والمغامرين ، وهواة المخدرات لرصد النشاط العام للنخب الدمشقية .
أبطالها في رواية " سهرة تنكرية للموتى" هربوا من جحيم الحرب الأهلية اللبنانية إلى النعيم والاستقرار الدائمين في باريس . ولكنهم وجدوا ذواتهم في جحيم من نوع آخر لا يطاق . وهي امتداد طبيعي لرواية ( ليلة المليار ) .
إنه الاغتراب والاستلاب في الوطنين معاً : وطن الطفولة ووطن المنفى، وفي الرواية تختلط لدى أبطالها الأوراق والمفاهيم والمواقف ، بحيث يصعب على أبطال الرواية أن يميزوا بين الوهم والحقيقة ، والتجريد والتجسيد ، والواقع والحلم ، والوعي واللاوعي .
فتختلـط السـوداوية بالتفاؤلية ، والجنون بالعقلانية ، والسـيادة بالعبودية ، والانفلاش بالانتماء ، والنصر بالهزيمة ، والخرافة بالواقعية .
وتبعث " كوابيس بيروت للحياة من جديد على شكل سهرة تنكرية للموتى" بعد مرور عقدين من الزمن .
إنهّا الحرب التي تدّمر الطاقات البشرية والمادية . وتشكّل إحباطاً واكتئاباً للأنا الفردي والأنا الجماعي .
ويصبح الأنا الفردي فأراً مذعوراً وخائفاً على وجوده الشخصي ، والتي تجعل الطيبين شريرين ، والشريرين أكثر وحشية وهمجية وانفلاشية .
وانعكست آثار الحرب الأهلية على أسلبة غادة وحياتها ، بحيث جعلت أبطالها يغيرون مواقعهم وهوياتهـم وسـلوكهم بين لحظـة وأخرى . ويحاورون ذواتهم ، والأشباح والأموات ، وذلك انسجاماً مع ذاتها المبدعة والمتجددة والمتغيرة .
والعالم الغادوي على المستويين الذاتي والأسلبي ، جعل أبطالها يعيشون اللامألوف ، واللامنطق ، واللاعقلنة ، والقلق والتأزم ، لأن غادة لا تخشى أحداً.
إنّها تعيش الحرية المطلقة في أسـلبتها وحياتها. وتعيش العزلة في نفس اللحظة . وغادة هي الأقرب إلى المبدع المجنون ، وقد ألزمه أهله ووطنه وأصدقاؤه أن يكون قلقاً ومتأزماً في حياته وأسـلبته الأدبية ، وغادة مصممة على استمرار قلقها وتأزمها ، من أجل رفع وتيرة الإبـداع والتجديد ، لأن غادة لا تستطيع أن تعيش خارج الإثارة والمشاكسة والغرابة والدهشة .
في روايتها " فسيفساء دمشقية " تصنع أبطالها من مخيلتها ، وتجعلهم يقتربون من أهدافهم وأحلامهم . وفي نفس اللحظة يبتعدون أكثر عن أهدافهم وأحلامهم . ويتوهم بطلها ، أنه يحاور الآخرين ، ويتخذ موقفاً منهم ، وهو في الوقت ذاته يحاور ذاته . ويبقى عاجزاً عن اتخاذ الفعل المناسب ، لأنه مصاب بالتعددية الشـخصانية ، العاجـزة عـن اتخاذ موقف واضح من الحدث والذات والآخر .
وتقدم غادة عرضاً أدبياً للقارئ الناقد ، أن يختار عنواناً من ثلاثة لروايتها"سهرة تنكرية لموتى" وهذه هي أول محاولة إبداعية جادة وهادفة لمشاركة القارئ الناقد في تحمل مسؤولياته الأدبية – النقدية .
أبطالها بشر وجرذان ، وشياطين يزرعون الرعب والموتى والدمار والطاعون .
الرواية محورها الأساسي سبعة لبنانيين ، من شرائح اجتماعية واقتصادية متعددة ومتنوعة ، يهاجرون من بيروت إلى باريس هرباً من جحيم الحرب الأهلية اللبنانية . ويعيشون في باريس الأنوار، الاغتراب والاستلاب . وبعد مضي ربع قرن من الزمن يعودون إلى بيروت الوطن . ويصاب من بقي منهم حياً بالإحباط والاكتئاب والهزيمة الجوانية والخارجية .
والإنسان في الرواية يصبح قاتلاً أو مقتولاً ، وناهباً أو منهوباً .
ويتحول القتل إلى غاية ، والإنسان إلى وحش مفترس ، والتخييل إلى واقع معاش ، مما جعل أبطال الرواية يقيمون حوارات مونولوجية ، وروائيه يساهم فيها الموتى والأرواح والأشباح .
واستخدمت غادة في روايتها مفردات نخبوية في جغرافية لبنانية يمتزج فيها التخييل الروائي بالواقع اللبناني المرئي والمعاش ، من كتاب وأدباء وسياسيين ومسؤولين ، وشوارع وفنادق ومقاهي معروفة ومشهورة في بيروت .
وتخلصت غادة من التراتبيه لبعدي الزمان والمكان ، ومن التقليد الروائي (التبويب والفصول) باعتمادها تقنية روائية تظهر صوت الذات الروائية المتنقلة بحرية تامة ، وانتقال الحدث السريع من زمن حاضر إلى ماضٍ وقادمِ ، ومن جغرافية مكان محدد إلى جغرافية مكان آخر، أقرب أو أبعد ، مما جعل الأسلوب السردي يتنامى على حساب الحوار الدرامي للشخصيات. ويحرر الروائية من تراتب الجغرافيات بأماكنها وأزمنتها. ويسـاعد على اكتشاف العمق الدلالي للحدث ، وسبر الأغوار العميقة للشخصيات .
وأبطال غادة الروائيين ، قلقون متأزمون مأساويون ، منهـم السوي والميكافيلّي ، والحالم والواقعي . ترفض غادة في أدبياتها وحياتها النضال المؤدلج القائم على نقل القهر المنظم من دولة القهرستان إلى دولة مجاورة .
وتبقى بطلة الرواية الأساسية / ماريا / الأقدر من غيرها على فعل الانتماء للهوية ببعديها التاريخي والإنساني ، والعمل بكل طاقاتها الأسلبية والثقافية لإعمار لبنان من جديـد ، رغـم أنها فقدت في الحرب الأهلية اللبنانية أسـمى ما لديها، حبيبها ، وبيتها ، والأماكن المحببة إلى ذاكراتها.
باختصار شــديد : في الروايـة توجــد كوابيس القهر في الحلم والواقع ، والعشق والقلق .
يختلـط فيهـا السـرد الروائي ، بالأسـلوب الحواري ، والرمزية بالواقعية ، والنثر بملامح الشعر، والصدام الحياتي بالصدام الروائي ، في عالم مثير للدهشة وللغرابة في الواقع والرواية معاً .
وانتقال الحدث السريع من زمن حاضرٍ إلى ماضٍ وقادم ، ومن جغرافيةٍ محددة ، إلى جغرافيةٍ أخرى أقرب أو أبعد ، أدى إلى تغليب السرد الروائي على الحوار الدرامي للشخصيات ، وإلى تحرر الروائية من تراتب الجغرافيات بأماكنها وأزمنتها ، واكتشاف المعمق الدلالي للحدث ، وسبر الأغوار العميقة للشخصيات .
أبطالها الأموات : نهايتهم مأساوية / سوداوية / هزائمية ، وقد دمّروا بيروت وذواتهم والوطن .
أبطالها الأحياء : جعلوا من بيروت تخييلياً مدينة الحرية .
ماريـا البطلة الوحيـدة في الرواية التي حافظت على بنائها الداخلي / الدرامي/ الحياتي.
استطاعت من خلال إبداعاتها الأدبية الواعية والمتميزة ، أن تتخذ موقفاً مستهجناً ومستنكراً لدولة القهرستان .
وتستخف بـ " نضال " أحد المناضلين القاهرين للبنان . وتعمل بكل إمكانياتها الأسلبية لإعمار لبنان من جديد ، رغم أنها فقدت في الحرب الأهلية أسمى ممتلكاتها المادية والفكرية . وماريا في كل يومٍ ، تحزم حقائبها الفكرية للسفر والعودة إلى دمشق ، ثم تعلّق سفرها في آخر لحظة !
لأنّ العالم الغادوي لم يستطع أن يضع قدميه على أرضٍ صلبة ، بل وضع قدماً في باريس ، وآخر في دمشق !











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في