الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد المجيد الشاوي وهذه الأشياء الغريبة العجيبة !!

رباح آل جعفر

2009 / 10 / 22
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


يقال أن وفداً من عرب الجزيرة قدم يوماً إلى مكة لإداء العمرة ، فوصفهم ابن جبير ، بقوله : ( هؤلاء عرب فصحاء صرحاء أصحّاء ) ، ولو أن الأديب والكاتب والباحث التراثي الكبير عبد المجيد الشاوي ، كان بين الذين عاشوا في ذلك الزمان ، لقلت ومن دون تردد : أنه كان على رأسهم !.
عرفت الأستاذ الشاوي في الأزمنة الخوالي ، وكان مني غير بعيد ، إنساناً مثالاً في الضبط والدقة والالتزام ، كأنه أحد الماريشالات التي تعلّمك الجندية والانضباط العسكري ، جنرال في ثوب أديب ، تخطّى عمره الخامسة والسبعين فأصبح واحداً من ( العواجيز ) .. ولا أذكر يوماً أنه أخلف موعداً حتى في ظروف طبيعية قاهرة ، وقعت على غير انتظار ، بل وفي أيام تلبّدت سماء بغداد بالرعود والمطر حتى فاضت شوارعها ، كنت أجده محتمياً تحت مظلّة الباص في انتظاري ، وفي أيام صيف وخم قائظ كان العرق يغمر جسمه الذي التصق به القميص ، أجده مسنداً ظهره إلى شجرة اليوكالبتوز مستظلاً تحت أفيائها .. وكنت أضبط عقارب ساعتي على موعدنا المعتاد في الساعة السادسة عصراً ، أمام مبنى وزارة الإعلام في الصالحية ، ما أن يعدو عقرب الدقائق وراء عقرب الساعات ، ليشكّلا خطاً مستقيماً واحداً ، حتى أبصره من بعيد ، خارجاً من بيته الملقى على كتف الطريق في كرادة مريم ، كما تخرج اللؤلؤة من محارتها .
وعبد المجيد الشاوي بشر من لحم ودم وآمال كبرى وآلام عظيمة ، يتكلّم بلغة العاطفة ، ويتذوّق النكتة ويصنعها ويصدّرها ، مهذّب في حديثه ، شاعريٌّ في كلامه ، أمّا حياته فكانت نوعاً غريباً من الزهد والخشونة ، وهو لا يشرب ولا يدخّن ولا يحبّ السهر ، بل هو من التراب الذي ينبت الصلوات ، وروى لي ذات مرّة : أن والدته ( علية بنت السيد خلف ) كانت عظيمة الشارة ، حتى أن المرأة من أهل الجوار إذا تعسّرت ولادتها ، ألبسوها ثوب ( علية ) فلا تلبث أن تلد ، وكان جدّه من أمّه فقيهاً في الدين تؤخذ عنه الفتيا وصاحب كرامات ، منها أنه كان راكباً بغلته فعثرت به ، فقال لها : العمى ، فعميت !، ومن كراماته التي يذكرها مشايخ كرادة مريم جيلاً بعد جيل ، أنه كان عائداً إلى منزله ليدرك صلاة المغرب ، فتعب ، فجلس على حائط ليستريح ، فإذا الحائط يتحرّك به ، وإذا هو في داره !.
ولم يرث عبد المجيد الشاوي الذهب والفضة والقناطير المقنطرة ، إنما كشف لي يوماً ، أنه ورث عن والدته وجدّه لأمه كرامة لم تزل تتكرر معه مرة بعد مرة حتى وفاته ، فما يناله أحد بسوء ، فيقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، إلا أصاب ذلك الإنسان مكروه !.
وإذا كانت ( عقول الرجال تحت أسنّة أقلامها ) ، وألسنة الخلق أقلام الحق ، فان قلم الشاوي كان طوال حياته فرس رهان ، وسلاحاً لا يشق له غبار ، استطاع أن يخلع به نوري السعيد في أول مقال كتبه سنة 1952 بعنوان ( يعيش الباشا ) حتى تطايرت شهرته ، وظل هذا القلم بعد خمسين سنة ، أصبى من الصبا نفسه، وأحلى من دفقة العافية ، برغم أنه واجه خلال رحلته في الصحافة خرائب ومتاهات ونفايات وصناديق قمامة !.
وللشاوي ذاكرة من حديد ، تحفظ ألوف النصوص في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والسيرة والأدب والتراث وتراجم الرجال ، ذاكرة لم تفقد شيئاً من حيويتها ، ولم تضعف أمام الأيام وأمام الأهواء ، عكس ذاكرة آخرين أصيبت بنوع من النسيان المبكر في شبابها ، جعلت الدم لا يتجدد كثيراً عند الرأس ، وكنت أستعين بالشاوي كلّما دعت الحاجة إلى إعلان النفير العام لذاكرته ، فأجده سريع البديهة والاستحضار من دون تلكؤ ، أو إبطاء .. ومن المدهش أن أبا طريف كان إذا استعصت عليه الفكرة وتبلد الذهن ، ضغط رأسه بين يديه ، ووضع قلمه الـ ( باندان ) على أذنه ، فلا يلبث أن يصحو ، وأذكر أني سألته مرة ، مستغرباً عن سرّ ما يصنع ؟، فكان ردّه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى زيد بن ثابت ، وهو يكتب بين يديه ، فقال له : ضع القلم على أذنك ، فانه أذكر لك .
ومن الصعب أن تحظى بصداقة عبد المجيد الشاوي ، إذا عرفت أنه لا يمد جسوراً للتواصل ، مع الذين لا يقدر على محبتهم أو الاحتفاظ بصداقتهم ، وهو من النوع الذي لا يغضب ولا يرد على جاهل ، وما أكثر ما اعتذر للجهلاء والحمقى بقول العرب : ( من سكت عن جاهل فقد أوسعه جواباً ) ، ولم يكره الشاوي في حياته كلّها ، مثلما كره إبطال الصدقة بالمنّ والأذى ، وحاجة الكريم إلى اللئيم ، ولم ينفخ في دكاكين السياسة وسماسرتها والمعتاشين على أبوابها ، ووجدته ملتزماً بقول الإمام إبن تيميّة : ( أنا رجل ملة لا رجل دولة ) ، حتى غدت بينه وبين السياسة أرض حرام ، وطالما انتقده أهل بيته على عدم تعاطيه المعانقة والتقبيل ، ولو في العيد ، مع الأهل والأقارب والأصدقاء ، ويكتفي بمصافحتهم، من باب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحسن المصافحة ولا يرخص في التقبيل .
وكانت لنا مع الشاوي مجالس في الأدب ممتعة ، وأيام بديعة ، وليال من الصفاء بيض ، نلتقي من شتّى النخب ونتحدث ونتبادل الرأي فيما يعن لنا من أمور ، وكان الشاوي يشيع في الجلسات لمسة من المرح والألفة بروح الأديب الصافية في وجدانه ، فإذا الجو نغم والنسيم عطر ، ثمّ اتسعت المسافات ولا أقول تباعدت ، وانصرف كلّ واحد منّا إلى حال سبيله .. ومات عبد المجيد الشاوي وترجل بعيدا عن دجلة .. فاتبع أية نحلة عطشى وهي تدلّك على عناقيد تكاد حركة السكر في أغصانها تسمع .. تلك كانت مجالسنا !!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إزالة كلية خنزير من جسد امرأة بسبب انتكاسة صحية


.. المكسيك: توقع بفوز امرأة إلى سدة الحكم لأول مرة... الآلاف يت




.. زهرة إلهيان.. امرأة تقدمت بأوراقها للترشح لمنصب -رئيس الجمهو


.. فيديوهات لضحاياه.. تفاصيل جديدة بقضية سفاح النساء بمصر




.. نصائح للرجال للتعامل مع المرأة التوكسيك