الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف في الوسط العربي

سامية ناصر

2009 / 10 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


طالما بقيت العائلية والطائفية همّنا الاساسي يبقى مجتمعنا منغلقا اجتماعيا وحضاريا، وطالما بقي التعليم خارج دائرة اهتماماتنا تكون النتيجة التراجع على كافة المستويات وانتشار العنف.

شهدت البلاد اكثر من عشرين جريمة قتل خلال شهر ايلول وحده، غالبيتها في الوسط العربي. ولا تزال احداث العنف والقتل مستمرة بلا هوادة في المجتمعين العربي واليهودي، بعضها تقشعر له الابدان بشكل خاص ومنها حادثة قتل شاب يهودي من رعنانا لأمه في اكتوبر الجاري. ولا شك لدي وانا اكتب هذه السطور، ان هناك "طوشة" قد "ولعت" في مكان ما، سواء في قرية او مدينة او مدرسة.

احدى الجرائم التي اثارت الوسط العربي كانت قتل شباب عرب من جلجولية لليوناردو كارب، وهو يبلغ من العمر 60 عاما. وكان ذنب كارب الوحيد انه لم يقبل ان يتحشر الشباب بزوجته وابنته اثناء نزهتهم على شاطئ تل باروخ في تل ابيب. وكان الرجل يريد تأدية دوره كأب وكزوج ويردع الشباب عنهما، ولكن مصيره كان الضرب حتى الموت. القتل هذه المرة كان بهدف التسلية. ادعاء الشباب انهم كانوا ثملين هو عذر اقبح من ذنب، فكيف في لحظة ما فقد هؤلاء الشباب انسانيتهم؟ وماذا عن احترام من هم اكبر منك سنا؟

لقد فقدنا امننا واماننا. ينزل اولادنا الى الشارع ولا نعرف هل يعودون. يقود الشاب سيارته بصورة جنونية احيانا كثيرة الى اللاعودة. نشارك في عرس ونخاف ان تصيبنا رصاصة طائشة من سلاح شخص لا يعرف طريقة اخرى للتعبير عن فرحته سوى ضرب النار. وصلنا الى وضع صار فيه قتل الاخ لاخيه وابن لأبيه ظاهرة منتشرة.

ولا ينحصر العنف في الجرائم التي تنتهي بقتلى وجرحى، بل يشمل المفرقعات التي تؤرق نومنا وراحتنا كل مساء، دون مراعاة لمشاعر احد. والسؤال كيف نربي جيلا متسامحا يعرف لغة غير لغة العنف، ومن اين نبدأ، وماذا نفعل حتى لا ينتهي خلاف على حق الاولوية في الشارع بجريمة قتل، وحتى لا يصل خلاف اطفال بنزاع بين الكبار، حتى نوقف تخريب الطلاب للممتلكات الخاصة، ولنوقف العنف بين المعلمين انفسهم وبينهم وبين الطلاب.

حتى الآن ردت القيادة العربية على هذا الوضع بعقد المؤتمرات وتشكيل اللجان الشعبية في البلدان المنكوبة بالعنف والجريمة، وكذلك بدعوة الشرطة الى عدم التقاعس عن معاقبة الفعلة. ولكن علينا ان نسأل كيف تحول شاب في بداية عمره الى مجرم، ولماذا تمتلئ حقائب الطلاب بمختلف انواع الاسلحة البيضاء؟ هل نحن بحاجة لتطعيم ضد العنف؟ هل نحن بحاجة الى الشرطة لتحرس حتى افراحنا منا؟ للاسف صرنا بحاجة لمن ينقذنا من انفسنا، فكيف وصلنا الى هذا الدرك؟

المدارس تغص بالعنف والاهانات

علينا ان نسأل انفسنا بأي اسلوب تعاملنا مع اولادنا وهم صغار؟ بالعنف ام بلغة الحوار والنقاش والتربية على المبادئ والاخلاق؟ في هذا مفتاح اساسي لفهم تصرف الطلاب في المدارس. كلنا يعرف ان جهاز التعليم العربي في وضع مزر. هناك من يلجأ للامر الاسهل وهو اتهام الحكومات المتعاقبة بالتمييز العنصري ضدنا، وهذا صحيح، ولكن ماذا عن مسؤوليتنا نحن؟

للاجابة عن هذا السؤال التقت الصبار ب "أ" التي فضلت عدم ذكر اسمها الكامل، وهي معلمة منذ 15 عاما في احدى المدارس الابتدائية بمدينة الناصرة. تقول أ: "هناك تقصير من كل الجهات: الاهالي، الادارة، المعلمون والمجالس المحلية. المدارس مرآة لمشاكل المجتمع، فالاولاد الذين يتعرضون للعنف في بيوتهم ينقلون العنف ضد من هم اضعف منهم داخل المدرسة. من جهة اخرى، اولويات الاهالي تغيرت في السنوات الاخيرة، ومعها مقاييس النجاح، التعليم اصبح في ادنى السلم، والنجاح لم يعد يقاس بالتحصيل العلمي او التربوي، بل بكم نجمع من المال واي بيت نبني واي سيارة نملك ومن هنا قلّ الاهتمام بالتربية على الاخلاق والمبادئ. حتى داخل غرفة المعلمين يدور الحوار حول الامور المادية".

وتضيف "أ": "الزواج المبكر خطر حقيقي على المجتمع. الامهات الصغيرات غير مؤهلات لتربية الاطفال، غير واثقات بأنفسهن، وغالبا ما يكبر اولادهن في الشوارع. هناك من الاهالي من يجهل حتى في أي صف يتعلم اولادهم، ومن هؤلاء الاولاد من لا يصل اصلا الى المدرسة، وإن وصل فيصل بلا وجبهة وبلا هندام ملائم. هناك امهات يردن الاستراحة من همّ الاولاد فيعتبرون المدرسة "مضبّة" او اطار يريحهم منهم وليس مؤسسة تربوية لانشاء الجيل الجديد.

"علاوة على ذلك، هناك عنف ملموس ويومي من جانب المعلمين ضد الطلاب، أغلبه عنف كلامي موجّه خاصة ضد الطالب ذي التحصيل العلمي الضعيف. ولا شك ان الطفل الذي يكبر على الاهانات سيتحول لانسان عنيف، خاصة ان الاجواء في المدرسة متوترة وغير داعمة، لدرجة انني عندما أُسأل كم معلم في مدرستي أجيب اربعة من اربعين".

المعالجة النفسية ريم ابو لبن، وهي مختصة بالتنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية قالت: "لا زلنا نتعامل بالاساليب القديمة التي تعتمد على التلقين وليس على محاورة الطالب ونقاشه. الاستهزاء بالطالب وبأفكاره ظاهرة منتشرة، ولا تقدير له كانسان له كيانه وليس فقط علاماته وتحصيله. الكبت والقمع هما لغة الحوار. الولد يأتي من بيت معنف، الام معنفة، الاب معنف ومستغل في مكان العمل. العنف هرمي كل كبير يعنّف الاصغر منه، وهذا اساس "البلطجة"".

وتشير ابو لبن الى ان الفراغ بين الشباب يولّد طاقات سلبية يتم افراغها في ممارسة العنف، خاصة ان هذه هي اللغة المألوفة في البيت او في المدرسة، وفي الصحافة المرئية والمسموعة، وحتى في الدعايات. زيادة على كل ذلك يعاني الشباب من انعدام المؤسسات التربوية والترفيهية، وان وجدت فهي محدودة جدا. حالات الانتحار التي وقعت في الآونة الاخيرة هي ايضا نوع من انواع العنف وهو نتيجة للضغط النفسي الذي يتولد عن الكبت والمنع".

العنف – ظاهرة عالمية

اذا زدنا للفقر التربوي الاوضاع الاقتصادية المزرية، البطالة، وعدم وجود اي مستقبل وافق للتغيير، تكتمل الصورة. المجتمع العربي لا يحترم العمال ولكن يؤلّه رجال الاعمال والمقاولين الذين جمعوا اموالهم على حساب استغلال من يشغلونهم. المجتمع يُشعر العمال بانهم فاشلين لان النجاح ليس حليف الانسان الشريف الذي يربح قوت يومه بعرق جبينه، انما حليف قلة من المتعلمين الذين يقاسون بموديل السيارة وحجم الفيلا. هذا التقييم المشوّه لقيمة الانسان المعتمد على الفوارق الطبقية، يخلق حالة من الاحباط بين الشبيبة التي يعاني الكثيرون منهم من البطالة او الاستغلال المفرط في مكان العمل.

الجرائم ترافق انتخابات السلطات المحلية، من حرق السيارات وحتى القتل المتعمد، وفي ذلك تتصدى عائلة او حمولة فلان ضد حمولة علان في الحرب على السلطة، ويستمر الامر كما لو كان جزءا من عاداتنا وتقاليدنا. طالما ان التعصب القبلي المتمثل بالعائلية والطائفية على اعلى سلم اولوياتنا سنبقى مجتمعا منغلقا اجتماعيا وحضاريا، وطالما بقي التعليم الذي هو المخرج للتغيير والارتباط بالعالم الخارجي، خارج دائرة اهتماماتنا، تكون النتيجة التراجع على كافة المستويات وانتشار العنف.

المصيبة ان الاحزاب تتغذى من الطائفية والحمائلية، وعقد الصفقات في انتخابات السلطات المحلية مقابل الحصول على الاصوات في انتخابات الكنيست، ولذلك يبقى حديثها عن محاربة ظواهر العنف دون رصيد لانها لا تعمل على تجفيف منابعه. ولعل هذا احد اسباب فقدان الانسان العربي ثقته بكل المؤسسات والشخصيات السياسية التي تتاجر بالمصلحة العامة لخدمة مصالحها الشخصية، وهو ما يجعل كل فرد يبحث عن مصلحته حتى لو تعارضت مع المصلحة العامة.

نحن نعيش في عالم انعدمت فيه القيم الاخلاقية وسيطرت قيم الاستهلاك والماديات التي تفرق بين قلة تملك واغلبية لا تملك احيانا قوت يومها. الازمة الاقتصادية التي تتعمق تنذر بالمزيد من التفتت الاجتماعي، خاصة في الهوامش وبين الشباب الذين تقل فرصهم للعمل والمستقبل امامهم مجهول. نحن بحاجة لبناء حركة اجتماعية سياسية تضع في سلم اولوياتها الحق بالعمل الكريم، المساواة بين بني البشر ووقف الاستغلال لتأخذ الطبقة العاملة مكانها في الطليعة من اجل بناء مجتمع محصن من الآفات الاجتماعية ومن بينها العنف.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بحاجةالى ثورة في ثقافة المجتمع
رحمن الناصري ( 2009 / 10 / 25 - 01:24 )
تقاليد وعادات تقدس العنف والقوة ولا تحترم الا الاقوياء والاثرياء والوجهاء بغض النظر عن مصادرالثراء والوجاهة ، ولاتميز بين الابطال والمجرمين ،، في وسط واقع معقد وحاجات واحتياجات لاتنتهي وحرمان على طريقة : العين بصيرة واليد قصيرة في كفة وبطر وغنى وتبذير في كفة اخرى ... فمن اين يأتي التوازن وروح السماحةالتي تستطيع وتكون قادرة على انتاج التربية السوية لانتاج الفرد الذي يحمل السمات نفسها؟ مجتمعاتنا بحاجة الى ثورات وثروات : ثورات ثقافية وثروات موزعة باستحقاق وبتكافل اجتماعي اكثر انسانية..1

اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط