الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهد من قانون دراكون وتطبيقاته …على ارض الحضارات ! المشهد الثاني

كوردة أمين

2002 / 6 / 25
الادب والفن


 

مشاهد من قانون دراكون وتطبيقاته  على ارض الحضارات !

 

            المشهد الثاني

 

                                   اعتقال 

 

 

الزمان :آب 1980

المكان : احدى الوزارات في بغداد

 

انتظر الموظفون بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي يباشر فيه المدير الجديد مهام وظيفته في احدى الأقسام التي تم استحداثها مؤخرا في الوزارة.                                               

 

ومما زاد في فضولهم كون المدير الجديد جاء منقولا من وزارة أخرى  أولا ولكونه في سن الشباب ثانيا خلافا للمدراء الآخرين الذين تجاوز اغلبهم سن الخمسين .

 

وقد كان هذا سببا كافيا لانتشار   الشائعات والأقاويل حوله واصبح من المعتاد سماع الموظفين  وهم يتحدثون فيما بينهم :

-يقال أن نقله ال وزارتنا  جاء كترقية له لذلك تم استحداث درجة خاصة به

-يقال انه حزبي كبير

-يقال انه قريب السيد الوزير

       و وو

 

و أخيرا جاء اليوم الموعودووصل الأستاذ حيدر مدير القسم الجديد.

 

شاب في نهاية الثلاثينيات من العمر طويل القامة بشكل ملفت للانتباه هادئ القسمات تبدو عليه ملامح الجد والصرامة , هذه الصفات زائدا التقولات التي سبقته كانت كافية لتشعر الموظفين بالرهبة والخوف منه.

 

بمرور الأيام  تبين لهم خطأ  حدسهم هذا فخلف هذه الشخصية الصارمة الجادة تكمن شخصية أخرىإنسان  بسيط متواضع خجولمحب ومتعاون مع الموظفين   , اضافة الى كفاءته  العالية في مجال عمله التي جعلته اهلا للمنصب الذي يشغله  .

 

استطاع السيد المدير خلال فترة قصيرة أن يكسب احترام وصداقة الموظفين ومدراء الأقسام الآخرين.

 

ولكون مبنى الوزارة قد بني حديثا كان يضم مطعما خاصا بالموظفين  , واثناء الوقت المخصص لارتياده  اعتاد السيد المدير مشاركة بقية الموظفين الطعام وتبادل الأحاديث المتنوعة غالبا ما كان حديثه وكما هو حال معظم الناس  في تلك الأيام الخوالي يدور حول شؤون الحياة اليومية العامة ,  وعن أسرته الصغيرة المتكونة من زوجته وابنه وابنته الصغيرين إضافة لوالدته العجوز التي تعيش معهم.

 

أحيانا وإذا سمح له الوقت أو إذا وجد له أذنا صاغية كان يحلو له التطرق إلى بعض القصص والأمور الدينية كقصة أحد الأنبياء أو حادثة تم ذكرها في القران الكريم أو  الاستشهاد بأحد  الأحاديث النبوية الشريفة او غيرها من المواضيع التي يمكن لأي شخص عادي أن يتناولها .

 

في أحد الأيام حدثت حركة غريبة غير معتادة  في أروقة الوزارة .

 

وقفت سيارة كبيرة أمام مبنى الوزارة ترجلت منها شلة من الرجال  .  كانوا  يرتدون ملابس مدنية ومدججين باسلحة متنوعة اندفعوا مهرولين إلى داخل الوزارة .

 توجهوا أولا إلى موظف الاستعلامات :

 

-                     أين مكتب السيد حيدر مدير قسم ال  ؟

-                     في الطابق الثالث

لم ينتظروا المصعد توجهوا نحو السلم وصعدوا درجاته  مسرعين إلى الطابق الثالث وجدوا المكتب بسهولة دفعوا الباب بقوة ودخلوا .

 

كان جالسا خلف مكتبه غارقا بين أوراقه انتفض واقفا وهو ينظر بذهول إلى هذا الجمع  الغريب الذي اقتحم عليه خلوتهتقدم نحوه أحدهم :

-                     أنت حيدر ؟

-                     نعم

-         إذا كنت تريد أن تحافظ على كرامتك وهيبتك أمام الموظفين فتفضل معنا بكل هدوء وإلا ستلقى منا ما تستحقه من الإهانة أمامهم .

حاول أن يعترض عاجله أحدهم بصفعة قوية  على وجهههجموا عليه , قيدوا يديه للخلف ودفعوا به خارج الغرفة.

 

اقتادوه أمامهم في  ممرات الوزارة أمام أنظار الموظفين الذين خرجوا من غرفهم مذهولين ...غير مصدقين لما  يجري امامهم  !

 

كان يحاول أن يخلص نفسه من  قيده ومن قبضتهم ولكنهم كانوا يحيطون به من كل جانب ويمسكون به باحكام .

 

وصلوا إلى المصعد دفعوا به إلى داخله و أغلقوا الباب . عندما انفتح بابه في الطابق  الأرضي وخرجوا منه كانت هيئة المدير  وملابسه في حالة يرثى لها ... مما اعطى للذين تصادف وجودهم هناك  تصورا واضحا  لنوع المعاملة التي تلقاها داخل المصعد !

 

سحبوه خارج المبنى فتحوا باب السيارة التي كانت في انتظارهم القوا به على وجهه إلى أرضية السيارة ثم ركبوا جميعا وضعوا أرجلهم فوق ظهره ووجهوا فوهات أسلحتهم نحوه .

 

انطلقت السيارة تسابق الريح وكانت هذه أخر مرة يشاهد فيها الرجل !

 

انتشرت  الشائعات والأقاويل في الوزارة مرة أخرى.واخذ الناس يتحدثون بصوت خافت :

-يقال انه كان ينتمي إلى حزب الدعوة...

–يقال انه كان على اتصال بإحدى دول الجوار

-يقال انهم عثروا في سيارته على منشورات ضد الحكومة

     و و و

 

حاولت زوجته بمساعدة بعض الأهل والأصدقاء معرفة سبب اعتقاله او التوصل إلى اي خيط يدل على مكانه ولكن ذهبت جهود الجميع  أدراج الرياح .

 

مرت عدة شهور وعندما لم يظهر له اثر  أرسل مدير الشؤون الإدارية كتابا إلى مديرية الأمن يستفسر فيه عنه  لكي يتسنى للوزارة تسوية الأمور المتعلقة بوضعه الوظيفي ,  بعد أيام وصل منهم الجواب .

تضمن ردهم وكما هو معتاد  في مثل هذه الحالات : انهم حققوا معه ثم أطلقوا سراحه بعد ثلاثة   ايام , وعليه فهم ليست لديهم أية معلومة عنه يمكن أن تفيد الوزارة   !

 

بدأت الشائعات و الأقاويل في الوزارة من جديد واخذ الموظفون يتهامسون فيما بينهم  :

-يقال انهم قتلوه في السيارة وقبل أن يصل إلى مديرية الأمن

-يقال انهم قتلوه تحت التعذيب اثناء التحقيق 

-يقال انهم أذابوه في أحواض الاسيد

 

يقالويقالويقال ولا يعرف له لحد الان مكان !

 

-----------------------------------------------

·                   دراكون هو ملك يوناني متجبر وصف بطاغية الطغاة عاش في العهد الإغريقي حوالي 621 فبل الميلاد تميز بالقسوة المفرطة و أمر بكتابة حروف سطور قانونه من دم الأبرياء للدلالة على الوحشية حتى أن ( أر سطو  ) قال عن هذا القانون ( لا ليس فيه شئ خاص ولا خالد إلا القسوة المتناهية وتغليظ العقوبات )

 

كوردة أمين

[email protected]

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي


.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء




.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان


.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي




.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء