الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا ... تفكيك دولة المخابرات ؟

داود البصري

2004 / 6 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بعد هزيمة الخامس من حزيران/يونيو 1967 والتي زلزلت العالم العربي وأفاقته من حمى الهوس الشعاراتي وتمجيد الدكتاتوريات الفاشية والزعامات الفردية ، وهي الهزيمة المخجلة الموجعة الثقيلة التي لازالت الأمة العربية تدفع فواتير فوائدها حتى اليوم ، حدث في مصر الناصرية وقتذاك إرتجاج سياسي وأخلاقي وقيمي عميق هشم الصورة الزاهية التي كان الإعلام التبشيري الناصري يحاول نشرها وتعميمها حول ( القائد الملهم ) و( نبي العروبة الأسمر الجديد الذي سيجدد الدنيا) حسب قول أحد الشعراء! وهو نفس الشاعر الذي قال للفأر صدام فيما بعد : ( لقد أعدت اللون الأخضر لعيوني)!!! ، فقد كان ذلك الإعلام الزاعق الذي أنتج بواكير أساطين الكذب الإعلامي والمبالغة المرضية كما في مدرسة أحمد سعيد والتي أختتمت إنجازاتها الجليلة بمدرسة البعث الإعلامية الفاشية المضحكة ممثلة بوزير العلوج السابق الذي يعيش في أبي ظبي سعيدا اليوم محمد سعيد الصحاف! ، أقول كان ذلك الإعلام المريض يلعلع بالشعارات الوحدوية والإشتراكية ، ويتوعد الأنظمة العربية المحافظة بالموت والفناء والدمار! ، ويملأ الإذاعات الموجهة ضجيجا وعويلا وصراخا وهتافات حول قومية المعركة ، و( الوحدة اللي مايغلبها غلاب)! و ( جماهير الشعب تدق الكعب تقول كلنا جاهزين ... ويا أهلا بالمعارك)! وهي المعارك الوهمية التي توالت مع ( أم المعارك ) الصدامية!! ، وكان ذلك النظام وتحت غطاء تلك الجعجعة والطحن الكبير يغطي على مواقع وثقوب ضعف خطيرة وهشاشة بنيوية وتنظيمية وعسكرية كبيرة ويرسم سيناريوهات خيالية لأوهام قوة وإقتدار غير موجودة أصلا ، ويلعب لعبة كبيرة وخادعة هدفها تضليل الجماهير التي أسكرتها الشعارات الإشتراكية التجويعية ، وقصت ألسنتها وأجهزت على مواطن تفكيرها دولة المخابرات والمباحث والسجن الحربي وسجن الواحات والعديد من فنادق السعادة القومية المخصصة لسلخ الشعوب ، فلما وقعت الواقعة وجاءت لحظة الحقيقة ليثبت النظام الإذاعي السياسي قوته أمام أعداء الوطن من صهاينة وإسرائيليين إنهار الحلم بلمح البصر ، وضاع ربع البلد في ست ساعات ، وفقدت مصر عشرات الآلاف من شبابها في رحلة تيه عصرية وجديدة وعربية على رمال سيناء ، فتهشمت أركان وأسس دولة القمع الشامل ولكن بقي النظام يجرجر أذيال هزاءمه ويبتكر المبررات لما حصل ويؤكد أن ماحدث لم يكن هزيمة ... بل كان نكسة!! وأن الهزيمة لم تحدث لأن الإرادة بقيت صامدة!! وفي حالة النظام السوري وقتذاك فأن ضياع هضبة الجولان ليس مهما بالمعيار الإستراتيجي طالما أن النظام التقدمي البعثي القطري اليساري الطفولي بقي صامدا في الحكم!! ومن هذه الخزعبلات والضحك على الذقون والسخرية بالشعوب وبالدماء والتضحيات إنبثق النظام السياسي العربي وقتذاك ، فالنظام الناصري ألقى بمسؤولية الهزيمة الثقيلة على عاتق أجهزة المخابرات!! وحيث أعلن عبد الناصر وقتها عن : ( سقوط دولة المخابرات)!! وإعتقال رئيسها الشهير صلاح نصر ، وتقديمه للمحاكمة ككبش فداء وضمن إطار الصراع السلطوي بين الريس ونائبه ( المشير)! والذي إنتهى نهاية تراجيدية إغريقية بالنحر أو الإنتحار ( لافرق) ولينتهي النظام بأسره بعد ثلاثة أعوام من تلك الهزيمة المرعبة ، أما في الحالة السورية فقد إستمر مسلسل القمع والتنكيل والتقتيل بين رفاق العقيدة البعثية الخالدة ذاتهم فأعدم أو إنتحر من إنتحر ومن بقي سليما ظل متكوما في زنازين الرفاق حتى أخذ الباري أمانته كما حصل مع صلاح جديد ؟ وبين الأطراف المتصارعة على قمة السلطة سحق الآلاف من الأبرياء في المعتقلات الإستخبارية الرهيبة وفي السجون السرية العسكرية والمدنية ، وغيبت آثار الآلاف من الأبرياء والذين بقيت ملفاتهم مفتوحة ولكن دون جواب واضح عن المصير ، كما هي قصة الضابط السوري المغيب منذ أكثر من ثلاثة عقود المدعو فرحان يوسف الزعبي وغيره العديد من المحرومين والتائهين والمنقطعة أخبارهم ، وقد كشف النقاب مؤخرا ونتيجة للتطورات في المنطقة عن مجزرة بشرية مروعة ذهب ضحيتها 400 مواطن عراقي كانوا مقيمين في الشام تم تصفيتهم عن طريق الفرع العراقي للبعث السوري في منتصف الثمانينيات وتم دفنهم في مقبرة جماعية كبرى في الصحراء السورية ! وتمت التغطية على تلك الفضيحة الإنسانية المؤلمة ضمن ملفات سوداء عديدة تم تغطيتها ، وسنواصل البحث في هذا الموضوع وتقديمه للرأي العام العربي والدولي ، فنحن شهود شخصيين على أحداث قريبة من هذا النوع ! ، واليوم وفي إطار العهد الإقليمي الجديد يكون لزاما على النظام السوري إذا أراد إصلاح أوضاعه والبدء بعملية المراجعة الشاملة لسياسات العقود الماضية البدء بفتح تحقيق فوري في كل الإتهامات المثارة وملاحقة مرتكبيها مهما كانوا و الطريق إلى ذلك يبدأ بتفكيك دولة المخابرات ، وبفتح الملفات ، وفتح المعتقلات السرية الرهيبة والمتعددة الفروع والأسماء والأرقام والإفراج عن المعتقلين بدون محاكمة ولاتهمة واضحة فورا كما في حالة الضابط فرحان الزعبي وتعويضهم عن سنوات الحرمان والإعتقال الكيفي ، وكما حصل في النموذج المغربي في قضية المختفين في الإعتقالات القسرية والإختطافات السياسية من قبل الدولة ، وفتح صفحة جديدة في التعامل مع الشعب وعلى أساس الإحترام والمكاشفة والمصارحة وليس على أساس الشعارات العقائدية الجامدة الميتة ، فتفكيك دولة المخابرات هي الوصفة الأولى في علاج طويل ينتهي بتفكيك دولة الحزب الواحد القمعية وإستباق الأحداث قبل أن يلوت وقت مندم ، فتبرم الشعب قد وصل حدوده القصوى والإنفجار الهائل على الأبواب ، وإطلاق سراح المعتقلين لم يعد مسألة مزاج بل واقع متجسد ، ورفع يد الهيمنة عن الشعوب الصغيرة مثل الشعب اللبناني بات مطلبا حيويا يعزز المصلحة القومية ولايضعفها ، فدولة القمع هي أم المصائب ، وتفكيك تلك الدولة وإنتقاد المسيرة الماضية ، وبناء برنامج وطني شامل للإصلاح الحقيقي وليس الشكلي هو الحل الناجح لأزمة الأنظمة الوراثية المستبدة ، فإفتحوا السجون , وكفو يد الأجهزة القمعية عن أعناق العباد ، ولكم في مصير صدام وإستخباراته وسجونه عبرة ياأولي الألباب !. فلم نعد بحاجة لحفر قومية جديدة لن يتحمل وطأتها البعض بكل تأكيد ؟ فإحفظوا كراماتكم ، وإحترموا شعوبكم !.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد