الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة الخامسة

نبيل ياسين

2009 / 10 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث
محاولة للعدالة والتسامح

حتى الان يتكلم الجلادون.لم يتكلم احد من الضحايا. فالضحايا لايملكون القوة والوسائل للتعبير غير الصراخ بالم. انهم كمايقول المثل البابلي (الفقراء هم الصامتون وحدهم في سومر). واغلبية العراق اليوم هم الفقراء.اي الصامتون. واذا تكلم احد من الضحايا اسكتته وسائل الاعلام التي ماتزال تمارس غسيل الدماغ الذي تربت عليه واعتادته حتى اصبح مصدر الخبز الوحيد لها ولعوائلها . لاتريد ان تسمع منهم. ابطال القصة هم الجلادون دائما، الذين يصنعون (التاريخ) المحرم .التاريخ الدامي. التاريخ الذي تملؤه القبور والسجون واقبية التعذيب وطرق المنفى وابواب الزنازين. وهؤلاء كلهم طاهرون. طاهرون لانهم انجزوا عمليات التطهير. ادوا مهمتهم المقدسة.لم يندم منهم احد بعد. لم يعتذر احد بعد. يتبادلون الاتهامات فيما بينهم حول ادوار البطولة والمجد وعبقرية التآمر والتدليس وتبادل المفردات الوقحة التي تليق بنفر امتهن اجتراح بطولة الموت والقتل والتعذيب وغمس الفكر الثوري بدم الضحايا لكي تتعمد ثوريته ولكي يتقدس ذنبه.
ذكريات. مذكرات. كلهم يفتحون افواههم بدون شاهد وبدون محكمة. هم المحكمة وهم الشاهد. وملايين البشر من العراقيين هم المتهمون الذين كان على هؤلاء الجلادين ادانتهم وتخييط افواههم حتى لاتصدر عنهم آهة او تند عنهم حسرة. ووسائل اعلام ايديولوجية مشتركة في الجريمة تتيح للجلاد وحده ان يتكلم ولاتتيح للضحايا ذلك .
من هم الضحايا؟ بسطاء لم يشتركوا في الجريمة ولم يخوضوا في الوحل. ولذلك فلا شئ لديهم يقولونه.القتلى منهم ذهبوا بهم احياء او اموات الى المقابر الجماعية ، والاحياء منهم يحيطون بهم بمقابر الصمت التي يجترح ابتكارها صحفيون واعلاميون وكتاب وسياسيون عرب ليس لهم من مهمة سوى مهمة الحاجب.لكنهم مشتركون بالجريمة بوسائل شتى،آخرها التستر على الجريمة ومنع الضحايا من التعبير عن آلامهم وذكرياتهم.لاذاكرة ولاذكريات للضحية.انها من حق الجلاد وحده.
لاشئ غير اداعاءات واكاذيب ودماء لايرونها فينكرون وجودها . اما افواههم فمازالت تمجد القتل والتعذيب والاعدامات الفورية باعتبارها مباغتة بطولية.
سقط صدام حسين ولم تسقط معه بعد وسائل اعلامه التي تجلد العراقيين بمئات الذكريات والمذكرات التي صنعت(التاريخ).اما الضحايا من اهل البلد فينوب عنهم في الكتابة صحفيون غير عراقيين يعرفون كل شئ عن العراق ولايعرف العراقي شيئا عن بلده. هكذا تصرفوا، وهكذا كتبوا وكذبوا عن الالمنا وجروحنا. اخذوا منا حتى حقنا في القول.نقلوا عن كتب ، وسرقوا افكارنا ليكتبوا عنا. جعلوا من دمائنا حبرا لكتاباتهم ليقبضوا ثمنها مرتبات شهرية ومكافئات اضافية واسماء وهمية ومزورة تقبض الدماء نقدا.اما اؤلئك الذين قبضوا نفطا ودولارات ليزوروا الجريمة ويجعلوا منها مكرمة ومنّة فمايزالون يواصلون ادوارهم واغلبهم غيّر مواقعه فتراهم الان في وسائل الاعلام العراقية ذاتها وليس خارجها فحسب.
لماذا؟
لأخفاء الجريمة اولا ومواصلتها سرا.. وللمتاجرة بها ثانيا.
انها تدر ارباحا وسمعة صحفية... هذا هو الشأن العراقي حقيقة.
اما اؤلئك الذين يتذكرون ويتذاكرون بقصص جلد العراقيين فهم يتبادلون هذه الذكريات وكأن البشر حصى ناعم تجرفه معاول الجلادين لردم هوة في غرفة التعذيب تجعل من عدم استواء الارض عامل قلق لكرسي المحقق الذي يوجه اسئلة الموت والقتل والابادة.
يشتركون في الجريمة ثم ينفضون ايديهم عنها.يحولونها الى قدر ومصير ومجد ولايرف لهم جفن. ونتبادل ذكرياتهم فيما بينيا دون ان تصدر عن الامنا بادرة انتقام او ادانة. يجبروننا على ان نقرأهم ايضا. لا لكي نتعرف على جريمتهم، وانما لنواصل التذكر بانهم مازالوا يجلدوننا وان لاخلاص منهم. فكلهم ابرياء يعودون متى شاءوا لعراق متسامح متعال على جراحه، وهو الموصوف بالدم والقسوة والانتقام والتنكيل. هذا يؤكد ان المنكّلين هم دائما نفس الصنف الذين يخرج من كرسي الجلاد ليمر في زنزانة الضحية ليتطهر امامنا كضحية ليعود جلادا من جديد.
هو القاتل الذي ينظّر عن العدالة. وهو الجلاد الذي ينظّر عن حقوق الانسان، وهو السجان الذي ينظّر عن الحرية، وهو اللص الذي ينظّر عن احترام المال العام. هو الحاكم الذي ينظّر عن حقوق المحكومين بالديمقراطية بعد ان كان ينظّر عن واجباتهم وكيف عليهم ان ينخرطوا في حشود العبودية التي تردد بالروح بالدم.
انها دورة التاريخ الذي يعيد صناعته جلادون يحترفون مهنة الكذب والتزوير والطاعة للقوة واستخدامها. يجلسون في غرف التنظيم السرية ، او في معكسرات الجيش ويلغون الدولة عبر انقلاباتهم ،ويشرعون في اصطياد البشر ليلقوا بهم في السجون والمعتقلات التي تفيض،فيحولون ملاعب الكرة الى سجون ،ومدارس الاطفال الى اوكار تعذيب، والصحف الى اجهزة مخابرات، والثقافة الى عصا، والدولة الى خردة ، والمجتمع الى عبد، والقصر الجمهوري الى ساحة مؤمرات ،والمجلس الوطني الى وكر لتخطيط الاغتيالات، ثم يقدمون شهادة زور عن ادوراهم في خدمة البلاد.
يطلبهم الصحفيون ليتحدثوا عن حاضرنا.لايكتفون بالتحدث عن ماضينا الذي صنعوه بالدم والرصاص والسجون والمطاردات والرعب والعراك على الدولة والمجتمع فيما بينهم دون ان يدري الشعب عمايدور. ثم يمضي وقت تختمر فيه الكذبة وتنضج فيه الخديعة ويخضرُّ فيه التزوير.
هكذا ندور، نحن العراقيين في حلقة مفرغة. خمسون او اقل يملكون حق كل شئ. حق الحكم والقتل والتلاعب بمصائر البشر وصناعة(التاريخ) ثم حق الكلام. وملايين العراقيين لايستمع احد ما الى شهاداتهم. وسائل اعلام ومثقفون وكتاب (تنويريون ، ديمقراطيون، عادلون، مبشرون بالحرية) يساعدون الخديعة على ان تتحول الى حقيقة فكيف لايشتركون في تزوير التاريخ والمشاعر والوقائع والالام. انهم يحولونها الى ذهب، الى مال ، الى مجد صحفي يحتكرونه، الى يد مغموسة بالدم ايضا بصورة حبر.
جريمة ضد العراق وضد العراقيين.علينا ان نبحث طويلا لكي نمسك بالخيوط المشتركة بين هؤلاء الجلادين وبين من يعيد تسويقهم ويخفي حقائقهم حتى نتعرف حقيقةً على الموقف من عراق شهد تاريخه كرها من قبل الاخرين له ولاهله.ذلك مايفسر فرح الاخرين باستمرار صدام حسين في عملية اضطهاد العراقيين وذبحهم وتشييد عهد المقابر الجماعية واحكام الاعدام بالجملة ، وحزنهم المريع على سقوطه الذي يسابقون الزمن لكي لايكون حقيقة وواقعا جديدا يعيشه العراقيون ، فراحوا يخترعون للعراقيين شتى التمنيات: حرب اهلية ، فتنة طائفية، تقسيم حتمي، مقاومة تواصل سياسة صدام حسين في قتله الجماعي للعراقيين، وهذه المرة ليس مقابر جماعية وانما اشلاء جماعية.ويكون الاختلاف على شرف هذه المقاومة فهل هي شريفة اما في حين ان الشريفة لاتقتل سوى خمسين عراقيا في انفجار السيارة المفخخة بينما غير الشريفة تقتل سبعين عراقيا .
نهاية التاريخ، تصح اكثر ماتصح، على التاريخ العراقي المعاصر. لقد انتهى التاريخ العراقي لان هذا التاريخ لايتجاوز بعض جلاوزة وجلادي العراق في نصف القرن الماضي، مضافا اليهم ، من الجانب الاخر، بضعة اسماء في الثقافة والفن والادب والفكر والتاريخ وصناعة الاثاث وترقيع الاحذية وتلميعها ثم تقبيلها.
هذه هي نهاية التاريخ العراقي. وانا اقول ان العراقيين الجدد، من اجيال العراق الجديد ، يجب ان يصنعوا تاريخا جديدا.خاصة وان الذين انهوا تاريخنا كانوا منذ خمسين سنة في العشرينات من عمرهم واستمروا حتى الان ، وبعضهم تجاوز السبعين او الثمانين، ومايزالون يسعون للتحكم بهذا التاريخ .
مع هذا ، فان مايذكرونه من تاريخ ، نعرف، نحن اكثر منه. لقد اصبح شائعا وفاحت رائحته النتنة في عموم العراق، ويتردد على كل لسان، فضلا عن ان اكثره ادعاءات واكاذيب ومحاولات تبرئة الذات ، واظهارها بمظهر البراءة والبطولة ونكران الذات والترفع عن طلب المناصب، في حين انهم يؤكدون عمليات اراقة الدماء بايديهم، على السنتهم دون ان يرف لهم جفن او يعتبرونها جريمة ، فيما هم يتذابحون على المناصب والكراسي. انهم مازالوا يريدون ان يقنعونا انها تصفيات ثورية لدماء فاسدة. مايزالون يتهمون خصومهم السياسيين الذين صفّوهم بطرق بشعة بانهم خونة. خونة يستحقون التمثيل بجثثهم بعد قتلهم.
لناخذ امثلة من تاريخ الانقلابات العسكرية في العراق: الفريق ابراهيم الداوود(وزير دفاع سابق) يرد على الفريق عارف عبد الرزاق(رئيس وزراء سابق) وكلا منهما يتهم الاخر بانه (اغبر) اي مغفل، و(جبان) و(غدار ) وهما يتخاصمان اثناء اجتماع فيقرر كل منهما الانقلاب على الاخر صباح اليوم التالي. لاشعب، لادولة ، لامؤسسات، لا خزينة دولة، لاعلاقات دولية ، لاشئ سوى عنجهيتهم التي خربت العراق ودمرته.
مفردات مجانية خاصة بجمعية سرية تكرس ، على ايدي مثقفين، واقع احتقار المواطنين وسحق ارادتهم ورغباتهم وتاليه القوة المسلحة والحمق (الثوري) .
لقد وجد البعث من يصفح عن خرقه للقانون وانتهاك حقوق الانسان . ففي 1965( اي بعد سنتين على مقتل قادة الشيوعيين تحت التعذيب, حاول الشيوعيون الدخول في الاتحاد الاشتراكي العربي وتكرس خط عام 1965 كخط يسعى للتحالف مع الحكومات , تنفيذا لسياسة بونوماريوف حول الجبهات الوطنية ,ثم تحقق ذلك عام 1973 في التحالف بين البعثيين والشيوعيين, ثم في احتضان كل بعثي طامح لان يسوق نفسه في الخارج في التسعينات في اعلامه وصحافته ونشاطاته ودعمه ليصبح بطلا وضحية لصدام ,بحيث شعر البعثيون انهم وطنيون وانهم لم يفعلوا شيئا يقتضي الاعتذار والتواري, خجلا على الاقل, عن الانظار. وتطور شعورهم الى ادانتنا نحن واخذوا يصورون انفسهم لنا باعتبارهم ضحايا(نا).انها ليست مفارقة بقدر ماهي مواصلة لثقافة الابتزاز وتشريع العنف وادانة الضحية ومحاولة اشعارها بالذنب وتحميلها مسؤولية اختيارها لموقفها بطريقة مقلوبة حيث يصبح التضامن مع الناس خيانة وقتل الناس وطنية مقدسة.

حازم جواد زعيم البعث في انقلاب شباط عام 1963 الذي صبغ العراق بالدم ، وذاك كاظم جواد وزير سابق، وذاك الفريق عبد الغني الراوي(انقلابي سابق)،وهاني الفكيكي بعثي قيادي عام 1963 ومحسن الشيخ راضي،احد اعضاء هيئات التحقيق والتعذيب في شباط 1963، وحسن العلوي كاتب مدائح صدام ، وسعدون شاكر مدير المخابرات وفاضل البراك مدير الامن العام ، وطالب شبيب وعلي صالح السعدي وغيرهم صاروا مؤرخين لتاريخ العراق فيما تكبر المآساة حين يعتمد المثقفون والسياسيون على اكاذيبهم وتبريراتهم وقصصهم البطولية التي تكشف عمق الكارثة مرتين: مرة كارثة سياسية واخرى كارثة ثقافية- اخلاقية . كلهم يتحدثون عن ماضي العراق الاسود الذي صنعوه وكأنه عقار خاص بمغامراتهم العسكرية.اما الضحايا فهم عبيد لاحساب لهم حتى اقتصاديا. الوطن مقهى يجلسون فيه وقد حجزوا كراسيه لمعاركهم فيما بينهم.لاذكر لقوى سياسية ولامؤسسات دولة، ولا تخطيط، ولا برنامج سياسي او اقتصادي او اجتماعي . كل ماهنالك هو شجار بين مغامرين ينتهى بانقلاب وتصفيات جسدية لايطالها قانون حتى اليوم.
تاريخ من انتهاك وخرق القانون يقوم عليه الف دليل من افواه الذين خرقوا هذا القانون وليست هناك محكمة ولا قاض ولاشهود ولاضحايا.هم وحدهم يختارون ادوراهم. فهم الجلادون بامتياز، وهم الضحايا بامتياز.كأن صدام حسين ونهجه هبطا من كوكب آخر وليس من كوكب الحركة السياسية العراقية التي قامت على التصفيات والانقلابات والغدر والشك والخيانة والايقاع والتجسس والوشاية والاغتيال. كل مافي الامر، ان صدام حسين وصل ذروة التفكير النمطي لهؤلاء قبل ان يصلوا هم اليه.انهم هم الذين اوصلوا صدام حسين الى هذه الذروة. قادوه اليها بعد ان ارسوا التطهير الثوري والتصفيات الجسدية وشرعية السجون والاعتقالات والانقلابات ووصم الخصم بالخيانة والدكتاتورية لتبرير الانقلاب عليه وقتله.
انه تاريخ واضح وعلني وغير ملتبس.ناصع في دمويته واستبداده وقمعه وتمزيق القانون واقامة القانون الثوري الفوري الذي يعدم مباشرة.فباسم الشرعية الثورية توقف القانون والحق والعدالة.
خذوا هذه الحادثة التي يرويها حازم جواد دون ان يرف له جفن بانتهاك القانون، دعك عن العرف المتفق عليه. فحين واجهت دبابات الانقلابيين البعثيين تجمهرا شعبيا قرب معسكر الرشيد طلب العسكري المقدم انور الحديثي (الذي اصبح وزيرا بعد الانقلاب) شخصا يمثل هذا التجمهر لمفاوضته، فاختاروا واحدا منهم ، ما ان صعد الى الدبابة حتى اخرج الحديثي مسدسه وقتله امامهم صائحا بهم (هذا ممثلكم وهو خائن وحكمنا عليه بالاعدام ) وامر باطلاق الرصاص على التجمهر.
هكذا هي طبيعة حكم الطغمة. خرق للعرف والقانون. محمكة فورية دون حيثيات ودن مرافعة. قرار تخوين وحكم بالاعدام في دقيقة.
اليكم الحادثة كما رواها حازم جواد في ذكرياته (مع خضوع اللواء الـ 19 لسيطرتنا ، التحق بمعسكر الرشيد الذي يبعد نحو 400 متر عدد من الضباط والجنود قيل ان عددهم نحو الف بينهم عدد من المتقاعدين. ومع وصول دباباتنا بقيادة طاهر يحيي وانور الحديثي كان هؤلاء يهتفون لعبد الكريم قاسم.تقدم الحديثي وطلب منهم انتداب احدهم للتفاوض، فتقدم رئيس عرفاء وصعد الى برج الدبابة للتفاهم، فما كان من الحديثي الا ان قال:هذا ممثلكم وهو خائن وحكمنا عليه بالاعدام واطلق النار عليه امامهم، ثم امر باطلاق النار فوق رؤوس المجتمعين فتفرق الحشد هاربا) (الحياة. العدد14928 - 10 شباط/فبراير 2004. ص 15)
لايسأله احد كيف يحق له ان يطلق النار على مفاوض،وهو عسكري التحق بوحدته في حالة انقلاب، وهو مفاوض حسب فكرة-خديعة البعثي الحديثي، وكيف نصدق ان الذي يعدم مفاوضه ويطلق النار فوق رؤوس المجتمعين ،لايطلقها على الناس في السجون، والتاريخ يؤكد ان ضحايا ذلك الانقلاب كانوا بالالاف.
كما ان هذا الذي يعتبر نفسه على لسانه ,القائد وبطل الامة , حازم جواد لايستنكر الحادثة حتى بعد مرور واحد واربعين عاما وهو يعيش في لندن بلد القانون والنظام واحترام المواثيق والعهود في حين انها جريمة قتل مع سبق الاصرار والترصد.
هذه الحادثة وحدها كافية لتفسير صعود صدام حسين وصعود نهجه. والبعثيون هم الذين ارسوه وكرسوه كنظام للعراق بدون دستور او قانون او زمن. فالزمن لحظة قرار وتنفيذ دفع العراق اكثر من اربعين سنة من تاريخه ثمنا لها.ودفع العراقيون اكثر من اربعة ملايين قتيل وشهيد ومعوّق ومعدوم ومغتال ثمنا خلالها فضلا عن تدمير حياة ملايين البشر من خمسة اجيال عاشت هذه الحقبة المروعة.
ندعو الى التسامح ، والترفع والتحلي بروح العفو والتعالي عن الانتقام. لكن من يلغي هذه الثقافة التي تسعى دول وانظمة واحزاب وقوى لاستمرارها في العراق عبر تسويق شخصياتها بشكل دراماتيكي يبدون فيه ابطالا وضحايا ومخلّصين ساقهم القدر الاعمى لبلد عانى على مر تاريخه من حقد قوى شريرة ولغت بدماء اهله لتلعن العراقيين.
الا ترون ان كل هذا الدم الذي سال عبر الانقلابات واحكام الموت الفورية والاغتيالات والتصفيات والمقابر الجماعية والسجون وميادين الرمي. سال باسم غير العراقيين. سال باسم الوحدة مع الاخرين . هذه الوحدة التي لم تتحقق لان الذين قاموا بقتل الاخرين باسمها كانوا يتآمرون عليها هم انفسهم وليس خصومهم الذين قتلوهم.
كنت صغيرا وانا امشي في التظاهرات التي تعم بغداد في كل مناسبة: ذكرى ثورة 14 تموز، عيد العمال العالمي، زيارة رونتري، زيارة مكويان، زيارة سوكارنو، عيد الربيع، عيد المرأة، عيد الجيش، الى آخره من اعياد.وكنت ارى المعارك بين الشيوعيين وانصارهم وبين البعثيين والقوميين وانصارهم. كانت الحرب الباردة بين موسكو وواشنطون تتحقق، اكثر منها في اي مكان آخر، في شوارع بغداد. الشيوعيون يهتفون بالموت لعملاء واشنطون، ويرد عليهم البعثيون بالموت لعملاء موسكو.
كان الرصاص ينطلق باتجاه المتظاهرين العائدين حين يمرون في شوارع الاحياء الغريمة فكريا وايديولوجيا. واذا لم يكن ثمة رصاص ، فثمة حجارة تنطلق وعصي وسكاكين.
انها دورة العنف التي تتوجت بانتاج صدام حسين. ليس صحيحا ان صدام انتج نظاما مغايرا، فالنظام هذا هو الذي انتج صدام حسين. وكل مافعله صدام انه امسك هذا النظام هذه المرة بصورة اقوى من غيره خوف ان يسقط برصاصة اغتيال او قذيفة دبابة انقلاب.
لقد شرعن الخوف من الخيانة والاغتيال والانقلاب والمؤامرة كشريعة للنظام. وهذه الشريعة لم تبتكر شيئا جديدا.راجعوا ماقلته قبل قليل عن العقيد انور الحديثي حين امسك مفاوضه ورماه فورا بعد ان وصفه بالخيانة واصدر حكم الاعدام.هذا النمط هو الذي صنع صدام حسين الذي كان جاهزا كنموذج قوي له.
لقد دستر الرعب كرادع وليس القانون او الدستور. وقنن الاغتيال والقتل الجماعي كوقاية من تغيير النظام وليس الانتخابات او التعددية او تداول السلطة ولا حتى اختيار قيادة البعثيين لرئيس منها.
النظام ، وفكره، وممارساته ، وليس صدام وحده، هو الذي الغى الدستور والقانون والعرف والعلاقات الاجتماعية والشرف والتضحية والوطن والمواطنة والسلام الاجتماعي ليفسح المجال لصدام حسين ان يتقمص كل ذلك. فهو القانون وهو الدولة، وهو الوطن وهو الشرف، وهو السلام الاجتماعي، وهو هبة الله في ارضه فهو اكثر من ظل الله على تلك الارض المخضبة بدماء الشهداء والاولياء والائمة والبسطاء.
من صنع صدام حسين؟ انه نظام من التصفيات والمؤامرات والوشايات والاغتيالات ،والغاء القانون العام ،واحتقار الدستور، والغاء الشعب والوطن ،ليتحول كل ذلك الى حزب، الى ايديولوجيا،الى عقيدة عمياء خاصة او عامة. الى جماهير وحشود تنخرط بوهم غيبي في عبادة الفكرة التي تفضي الى عبادة الفرد.
هاكم حازم جواد مرة اخرى. امين سر القيادة القطرية لحزب البعث في العراق، منفذ وقائد انقلاب 8 شباط 1963، بطل الامة. صفات لم اطلقها عليه انا، هو يطلق بعضها على نفسه، والصحيفة التي نشرت ذكرياته تطلق بعضها عليه،وميشيل عفلق يطلق لقب بطل الامة عليه.ماذا يقول في مذكراته لكي تتأكد فكرتي من ان صدام حسين لم يصنع نظاما خاصا، وانما النظام هو الذي صنع صدام حسين الذي انقلب على هذا النظام بوسائل وادوات النظام نفسه.وحين يخرج احدهم من هذا هذا النظام المافيوي الذي شارك في عملياته يصبح بطلا ويبءا بقبض الثمن ويتحول من جلاد الى مثقف او مفكر. ليس هناك شعب في العالم يقبل ذلك فلماذا يريدون من العراقيين ان يقبلوا ذلك. لقد ارتكبت المعارضة العراقية السابقة مئات الذنوب ولكن اكبر ذنوبها كان تمجيد من يخرج من غرفة عمليات البعث وفتح ذراعيها لاحتضانه ،تحويله الى بطل.
قبل ان يذكر جواد هذا حادثة المفاوض القتيل يذكر حادثة اخرى تدل على الاخلاقية الهابطة للبعثي حتى في سلك عسكري يفترض ان تكون له قواعده. ولكن هذا التراكم هو الذي صنع صدام حسين. يقول حازم ( انتظر عبد الكريم قاسم نصف ساعة اخرى، وعاود الاتصال باللواء الـ 19 فاجابه هذه المرة على الهاتف شخص آخر لا امر اللواء ولا المقدم عزيز الصندوق.سأله عبد الكريم من انت؟ فاجاب :انا الرائد الاول الركن طه الشكرجي(وهو ضابط من الموصل وعضو في حزب البعث) فقال قاسم:انا الزعيم عبد الكريم قاسم، رد الشكرجي بالقول:(نحن لانعترف بك. وقتك انتهى وانت مجرم وخائن وسنأتي لاعتقالك او قتلك) فقد قاسم صوابه وعلمنا فيما بعد انه خرج من وزارة الدفاع وهو يشتم راكضا باتجاه سيارته يريد الذهاب الى مقر اللواء لتأديب الشكرجي فلحق به رئيس اركان الجيش ومرافقوه وصديقه عبد الكريم الجدة وهدأوا من غضبه واعادوه الى مكتبه)(الحياة نفس العدد).
تكشف هذه الحادثة عدة عناصر لتكوّن النظام البعثي الفاشي الذي سيأتي بصدام حسين. فالشكرجي(وقد اعدمه صدام لاحقا عام 1979 بتهمة انه خائن ومجرم ايضا دون ان يتجرأ كما تجرأ على قاسم ، لان قاسم كان خارج هذا النظام وصدام داخله، والشكرجي يعرف طبيعة النظام الذي ساهم بصنعه لذلك كان يتجرأ على من هو خارجه ويخنع لمن هو داخله) يخرق الاعراف والقيم والتقاليد العسكرية حين يتحدث مع قائده العسكري بهذه اللهجة. نعم هناك انقلاب على هذا القائد ويمكن ان يقتل او يؤسر، ولكن القيم العسكرية واجبة التنفيذ والتقيد بها , فضلا عن اتهام قاسم بانه مجرم وخائن ، والمفردة الاولى جنائية اخلاقية والثانية جنائية سياسية دون ان يكون لاي من هاتين المفردتين قواعد وضوابط وسياق.كما تكشف ان قاسم فضل ترك الدفاع عن نفسه والذهاب اكثر من خمسة عشر كيلومترا في ظرف الانقلاب الحطير ليعيد ضابطا متهورا خارجا عن الانضباط العسكري الى انضباطه.
يصف حازم جواد الزعيم عبد الكريم قاسم بانه مراوغ وغدار. لست ادافع عن قاسم ، فالتاريخ انصفه رغم تشويهات اعدائه. لكن وصف قاسم بانه مراوغ غدار لايمكن الثقة به , لانه يجب ان يأتي من شخص نزيه لايتصف بالغدر هو ايضا , ولايبرر القتل ولم يشترك في اباحة دم المواطنين .
لهذه الاسباب التي كان يعتقد بها حازم كان يتم رفض شروط قاسم للاستسلام. ثم يضيف (قال له عبد السلام عارف ان شرط الجماعة(يعني البعثيين) ان تخرج وحدك وخلفك جماعتك وتنزعون رتبكم العسكرية. فقال عبد الكريم: هذه اهانة. لماذا هذا الشرط؟ فقال له:اولا لان الجماعة يعرفون بانك غدار ولايثقون بك، وثانيا حتى لايحدث اطلاق نار عليك. فكرّ ثم كلمنا ثانية.
وضعنا هذا الشرط لانني كنت اخشى بانه عندما يخرج بهيئته العسكرية الكاملة مع مرافقيه فان شكله قد يؤثر في بعض الجنود والضباط الذين تربوا لخمس سنوات على ان هذا هو الزعيم الاوحد وربما اخذتهم الحمية وانقلب الموقف)(الحياة نفس العدد)
هذه هي اخلاقية الانقلابيين اهانة لقائد عسكري وخوف منه ،ليس لانه الزعيم الاوحد ولكن حتى لايتصرف الضباط والجنود الذي سيرونه تصرفا عسكريا منضبطا باعتباره قائدهم الاعلى.ان اقرار حازم بالخوف اعتراف مفضوح بلاشرعية انقلابه وبلا اخلاقيته ، سواء كان يدري ام لايدري.
كذلك يعترف حازم بان طاهر يحي التكريتي(الذي اصبح لاحقا رئيس الوزراء) اهان عبد الكريم قاسم عبر الهاتف ووصفه بانه جرذ محاصر اذا لم يستسلم سيفتح عليه الماء ويغرقه )(الحياة نفس العدد)
هذه العينة هي التي ستهيئ المناخ والعناصر اللازمة للنظام الذي سينجب صدام حسين. وبدوره سيعامل صدام هذه العينة بنفس الطريقة التي تعاملوا بها مع خصومهم. فطاهر يحي سجن وعذب في قصر النهاية تعذيبا وحشيا، واجبر على التقاط فردة حذاء ناظم كزار مدير الامن العام (الذي قتله صدام بعد ذلك في سلسلة التصفيات الدموية داخل البعث نفسه) وعلى النباح مثل الكلب حسب رواية شاهد عيان من طاقم مصوري التلفزيون(وستستمر فكرة تصوير الرعب والتعذيب والقتل بالفيديو ، وهي طريقة صار من الواضح ان صدام حسين ابتكرها لاسباب عديدة سنأتي على تفسيرها لاحقا) ثم اطلق سراحه بعد ان اشرف على الجنون لعدم تحمله التعذيب الرهيب. واتضح انه لم يكن حراميا بعد ان اطلق البعثيون عليه لقب حرامي بغداد كما اراد صدام وجلاوزته ان يثبتوا انتقاما منه على احتقاره للبعث ولزمرة صدام اثناء مشاركته عبد السلام عارف طغمته العسكرية.ولم يستغرب اي من البعثيين ، حتى من اقارب طاهر يحي نفسه،من هذه التهمة بعد ان اكتشفوا مدى النهب اللامحدود الذي مارسه صدام وعائلته لثروات واموال العراق وتبديدها من خلال رغباته وفيما يموت العراق حوعا وحصارا وحربا وجفافا وبطالة.
ذروة هذا القائد حازم ، بطل الامة ، وقائد انقلاب شباط 1963 تصل الى تحول هذا القائد البطل الى شرطي، حين يطلب زعيم الحزب الشيوعي العراقي سلام عادل المعتقل( والذي سيموت تحت تعذيب رهيب وممنهج وسادي وصل الى تقطيع اوصاله بالمنشار حسب روايات شهود عيان. وكان ، ومايزال، بعض معذبيه ، ممن بقي على قيد الحياة اصدقاء حميمين لقادة الحزب الشيوعي) لقاءّ فيقول نصا(سألته لماذا طلبتني، فقال انه يريد الاحتجاج على التعذيب والمعاملة السيئة للمعتقلين، فقلت له:ادلوا بما لديكم من معلومات وينتهي التعذيب) ( الحياة العدد14930 -13 شباط/فبراير 2004)
انتهت السياسة لهذا القائد والبطل الى جملة بوليسية واحدة: انا سجان.
وانتهت البطولة والقيادة الى فضيحة سياسية عراقية تكشف المستوى الضحل والوشل لوعي وفكر ومعرفة رعيل من المتعطشين للتعذيب وجمع المعلومات وتصفية الخصوم السياسيين.يضيف حازم جواد هذا قائلا لسلام عادل الخصم السياسي السجين وقائد الحزب الشيوعي العراقي (اعطونا، خصوصا انت ، المعلومات وتفاصيل الخط العسكري للحزب فينتهي الامر. المسألة بيدك.هذا قرارنا ، والا فلكل حادث حديث.اقترح (سلام عادل) ان نصدر بيانا سياسيا مشتركا يؤكد الحفاظ على سيادة الدولة والاستقلال الوطني والعمل الوطني المشترك ونسيان الماضي.فقلت له ان هذا لايمكن ان يحصل لان بيننا وبينكم بحرا من الدم .لاحظت انه يحاول ان يكسب الوقت، فقلت له:انت سجين وانا سجان وانصحك باعطاء مالديك من معلومات )(الحياة نفس العدد)
لايمكن ان تحترم سياسيا ، حتى لو اتفقت كليا مع فكره السياسي وهو يمارس بـ(اصالة) دور الشرطي والسجان ويفخر بانه (سجان) ويتلذذ بان سياسيا آخر يقبع امامه بدور السجين.هذا هو جوهر الفكر السياسي العراقي الذي قاد الى المأساة والكارثة ومهد لصدام حسين ان يكون اللاعب الوحيد لان مهارات السجان لديه اكبر من مهارات السجانين الاخرين امثال حاز م ورهطه.
يتحدث السجين السياسي سلام عادل عن بيان سياسي مشترك فيه مفردات مثل الدولة والاستقلال والعمل الوطني المشترك، فيجيبه السجان حازم جواد قائد الثورة والدولة والحزب والمجتمع والاقتصاد والعلاقات الخارجية والصناعة والزراعة والخزينة والجيش والعلوم والجامعات وصناعة النفط وخطط الري والاقتصاد والتجارة والعمل والضمان الاجتماعي والعدل وحتى الوحدة، بانه ليس اكثر من( سجان ) يبحث عن معلومات امنية ويمارس التحقيق البوليسي في اقبية التعذيب التي يزورها ويقر التعذيب ويعتبره (حتى الان وبعد مرور واحد واربعين عاما) امرا مشروعا ، بل الامر الوحيد المشروع والباقي (ترهات) يرطن بها سجينه السياسي. يجيبه باعتبار خصمه شيوعيا(حتى الاتحاد السوفيتي يمارس التعذيب).انه يجعل من التعذيب (العدل الوحيد) والنموذج الامثل الذي يقود به (الدولة) بكل وزاراتها.

يسأل الصحفي هذا (القائد بطل الامة) (السجان) :
- هل كان مجلس قيادة الثورة يصدق على احكام الاعدام؟فيجيب:
= تعتبر مصادقا عليها بمجرد اذاعتها واعلانها في الصحف.
اين توجد مثل هذه(العدالة) التي منَّ البعثيون بها على العراق وخصوه بها من جميع بلاد الله الواسعة؟ومايزال كثير من البعثيين يدافعون عن غياب العدالة ويسعون لاستعادة الوضع الذي يسمح لهم بخرق القانون.
سؤال :-هل كان وزير الداخلية يقول بان فلانا سيعدم؟
= لا اتذكر. يجوز
لايتذكر حازم مصائر البشر ، لان الاعدام، بكل بساطة كان فوريا وارتجاليا يتم في اقبية التعذيب ثم ينشر بعد ذلك ، فيصبح الاعلان عنه في الصحف قانونا.
هذا مافعله صدام حسين بالضبط. حرفيا ومائة بالمائة. فلماذا لايقول حازم انهم عبدوا الطريق الواضح لصدام حسين لكي يفعل كل الجرائم المروعة بحق الشعب العراقي؟
هذا السياسي يقول(اعتبرت ان الاوان آن لقطاف رأس صالح مهدي عماش)(الحياة نفس العدد) قضية عماش تتلخص فيما يلي : زار عماش قصر النهاية فوجد عشرات الشيوعيين الذي انتهى تعذيبهم فأمر بأعدامهم جميعا واعدموا وفيما بعد عرف السعدي وطالب وحازم بالامر فوجدوها فرصة للانتقام من عماش الذي كاوا لايحبونه ويشك السعدي به كثيرا في قضية فضح تاريخ الانقلاب عند عبد الكريم قاسم .
ان صالح مهدي عماش رفيقه ووزيره . ولكنه لايحبه وهذه مسألة اخرى. غير ان التعبير عن قطف رأس عماش استعارة جنائية واجرامية وهو يتشبه بالحجاج .فالرؤوس ثمار او احراش يجب ان تقطف، اي تتدحرج. قطف الرؤوس هي عبارة حازم جواد فكيف اصبحت عبارة صدام حسين المفضلة ؟
يمكن بكل بساطة تتبع المصب الذي وصلت اليه عبارة قطاف الرأس في خطب صدام وتفكيره.انه المنبع المشترك لفكر دموي وممارسات ارهابية ،شملت عهد الارهاب البعثي منذ عام 1963 وحتى عام 2003 .ان تحليل الوعي السياسي للنخبة البعثية امر لامفر منه للوصول الى مصدر تلك المفردات والمفاهيم التي قادت السلطة الى الصعود وهي تردد(قطف الرآس) و( السيف)و(اطروا اربع طرات) وغيرها من مفردات القتل المريع.
اذكر ان الزميل محمد علي فرحات ، محرر جريدة الحياة اتصل بي من بيروت في اليوم الثاني للحرب في 20 آذار 2003 يسألني ما اذا كانت القصيدة التي قرأها صدام في خطابه المتلفز هي ابيات للجواهري، فاجبت بالنفي الحازم. واخبرته ان الجواهري لايستعمل كلمة سيف رغم كونه شاعر الكلاسيكية الاكبر في عصرنا. انما يستخدم كلمات واقعية من الحدث نفسه، مثل :تقحم لعنت ازيز الرصاص، وغيرها من القصائد التي يستخدم فيها الواقع وليس رمز الذبح. واتضح فيما بعد، ان القصيدة لشاعر بعثي مصغر.
ان مفردات البعث تقوم على الجماجم والدماء والسيوف. الدم كان في لغة صدام مكررا كنبيذ مقدس ،وهذا يتأكد في جواب حازم لسلام عادل(ان بيننا وبينكم بحرا من الدم).
لم يفضل البعثيون المؤسسون خاصة لهذا الحزب كلمة اكثر من كلمة(الدم).لقد كانت طقسهم الاساسي والوحيد. لذلك لم يناقشوا التعذيب في مجلس قيادة الثورة(لا لم نناقش الامر لانه كان هناك حقد كبير على الشيوعيين)(نفس المصدر)
لماذا يناقش مجلس يقود الدولة التعذيب وهو سلاحه وفكرته وطقسه وثقافته؟ لقد قام الانقلاب من اجل تصفية الخصوم السياسيين عبر التعذيب والاعدام فلماذا يناقشونه. انه ناتج طبيعي للانقلاب.
-كيف سارت الحملة على الشيوعيين؟
= تمت بنجاح.
انا لا ادافع عن الشيوعيين ايديولوجيا، انما ادافع عن حقوقهم كسياسيين وحملة راي .فهنا خصم سياسي يحمل فكرا آخر. فكيف يحل التعذيب والقتل محل القانون والدستور وحقوق الانسان واحترام الرأي واحترام الحياة البشرية الفردية والجماعية في مناقشة هذا الفكر الاخر؟
نحن شهود عيان ولايستطيع حازم ان يكذب علينا. في يوم 9 شباط دخل الحرس القومي بيتنا مع رشاشاتهم. كانت حملة التصفيات مقررة سلفا. وقد ارتكب الشيوعيون العراقيون ذنبا حين تحالفوا مع جلاديهم البعثيين دون ان يناقشوا هذه الجرائم ، بل صمتوا هم انفسهم عنها في سنوات التحالف ولم يذكروا حتى تعذيب سلام عادل الذي مات تحت التعذيب ونسوا ذكراه وذكرى الألاف ممن اعدموا او ماتوا تحت تعذيب البعثيين ..
حين تقرأ (ذكريات ومذكرات) القادة البعثيين المسؤولين عن جرائم عهد الارهاب تجدهم يلقون اللوم ومسؤولية الجريمة على رفاقهم الاخرين، وهكذا لم تجد احدا منهم مذنبا رغم اقراره بانه قائد وموجه وحاكم.
-هل يمكن تسميتها مجزرة عماش؟
= بالتاكيد.وحمّل الحزب مسؤليتها.لكنني بعد اربعين سنة اؤكد انها مجزرة خسيسة ودنيئة دبرها صالح مهدي عماش)(الحياة نفس العدد)
دبرها عماش في حين ان حازم نفسه يقول لسلام عادل(اعترف وينتهي التعذيب) اي ان هذا القول نفسه ليس اقرارا بالمجزرة فحسب، بل مشاركة بها وتخطيط لها فكيف يتحمل عماش وحده وزرها.
اكثر من ذلك اعترف حازم ان مجلس قيادة الثورة (الذي شكله هو حسب قوله واصبح رئيسه) لم يناقش التعذيب لانه اعتبره امرا مشروعا بسبب الحقد على الشيوعيين. يضاف الى ذلك ان حازم يقر بان المصادقة على المجزرة كانت تلقائية تتم بمجرد نشرها في الصحف ويؤكد(كلنا كنا معبئين ضد الشيوعيين)(الحياة نفس العدد) فلماذا يلقي بوزر المجزرة على عماش وحده.؟ ولماذا يسكت حازم على المجازر والتصفيات التي ارتكبها الحرس القومي الحزبي الذي كان ينفذ الاعدامات في الشوارع والبيوت وهو امين سره ومفكره.؟
هل يريد حازم ان يضحك على نفسه؟ هذا شأنه . ولكن الضحايا احياء وشهود العيان يقولون غير مايقول، والوثائق تثبت كذبه وتواطأه وبهتانه وتزييفه لحقائق الامس القريب.
انه بعد اربعين عاما يفخر بالجريمة ويعطيها (شرعيتها الثورية) التي تنتهك القانون وحق الحياة وحق الرأي وحق التعبير وحق العقيدة. يريد ان يبقى بريئا وهو يرسم انهار الدم التي سالت تحت قيادته وتشريعه للتعذيب فعلا لاقولا بزيارته لاقبية التعذيب ولقاء السجين باعتباره سجانا، فكيف يكون هذا السجان بريئا؟
يقول حازم (وزع المعتقلون الشيوعيون على معتقلات عدة ، ومع ارتفاع عددهم اقترح علي صالح السعدي الاستيلاء على قصر الرحاب وتحويله الى معتقل. كان القصر مهجورا منذ مقتل العائلة المالكة في 14 تموز عام 1958.... طلب علي صالح السعدي من مجلس قيادة الثورة السماح بتحويل(قصر النهاية) (اي قصر الرحاب.ن.ي) الى معتقل كبير للشيوعيين لان عددهم كان كبيرا جدا وكانوا جميعا من قيادات الصفين الاول والثاني وينبغي ان يخضعوا لتحقيق مركزي يتطلب مواجهة بعضهم بعضا ) (الحياة نفس العدد)
هذا اذن اسم آخر يعد للمجزرة فهل يتحملها عماش وحده؟
غدا الحلقة السادسة( البعث الغيبي يقود الى تاليه القائد)
*المصادر في نهاية الحلقات










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعرية وتشريح للنازية البعثية
اسماعيل الجبوري ( 2009 / 10 / 24 - 22:41 )
هذا الجلاد وقاتل الشعب العراقي ومدير مدرسة مجرمي البعث حازم جواد، وبعد حوالي خمسة عقود من مجزرت 8 شباط الاسود لازال هذا الدموي يعتز ويتفاخر بهذه الجريمة البشعة بحق شرفاء العراق ، هذه الجريمة التي جرت تداعياتها على العراق وما اوصلته الى ما هو فيه نحن الان. المقبور صدام هو خريج هذه المدرسة وتربى على ايدي هذا المجرم العجوز, هذه المدرسة تخرج منها لاحقا مجرمين محترفين امثال ناظم كزار وعلي كيمياوي والجزراوي ووطبان وبرزان وعدي وقصى والقائمة تطول وتطول بهؤلاء الذين احترفوا الاجرام والقتل, فعلا البعث مدرسة القتل والاجرام. فكيف يريد الكثير من البعثين ان يعترفوا بجرائمهم ويعتذروا للشعب العراقي وها هو مؤسس مدرستهم لازال يتفاخر بجرائمه.
المناضل سلام عادل كان اسطورة بطولية قد ارعب جلادية من امثال هذا المجرم القذر وعندما طلبوا منه ان يعترف لهم عن الحزب فقال لهم انا الحزب فكيف لكم ان تريدوني ان اعترف لكم وهنا بدا التحدي مع جلاديه البعثين وقطعوه الى قطع وهو يتحداهم. وانا اقترح اليوم ان تقوم السيدةوالمناضلة ثمينة عادل سلام والمقيمة في موسكوا ان تقيم دعوى في المحاكم العراقية ضد هذا المجرم البعثي حازم جواد لمحاكمته في العراق بناءا على اعترافاته بجرائمه لللصحافة العربية وهي ادلة دامغة لا ادانته .


2 - ألعمق وألشفافية
Hakim amin ( 2009 / 10 / 25 - 01:44 )
كتابات نبيل تمتاز بالعمق--كعمق الجرح العراقى
والشفافية --بحين نرى الالوان دون الحاجة الى نظارات
أن المرحلة الاولى لعلاج المرض --هو التشخيص--تشخيص العلة --ومن ثم الدوأء
نبيل كمفكر وسياسي شخص وبروح علمية أمرض ألنخبة ألسياسية فى العراق--هاهى دوائر السياسة والكتل السياسية التى كانت معارضة والان فى سدة الحكم تمارس الاسلوب داتة الدى مورس أبان حكم أبن صبحة--ألمعارضة السابقة ألحاكمة حاليا عادت بالدائرة نفسسها ومن نقطةالصفر--لتمارس ما أدانتهةسابقا فى عهد صدام
أنها ألدائرة--دائرة الخراب الروحى وألثقافىللانسان العراقى
أعتقد أننا بمواجهة خطر المسخ مسخ الانسان العراقى وغربتة عن أنسانيتة--أنة ناقوس الخطر --


3 - وماذا عن الاحتلال
مهيار ( 2009 / 10 / 25 - 02:19 )
كنا سنصدقك وندين البعث لو أنك تناولت جرائم الاحتلال وعملائه بنفس المستوى الذي تحاكم فيه البعث وقياداته لكنك تتحدث بطلاقة ناسيا او متناسيا او متورطا في الترويج لجريمة احتلال العراق حتى انك تعتبر هذا الاحتلال تحريرا دون ان تنظر الى ملايين الضحايا بين قتيل ومشرد ومهجر ولا تنبس بحرف ضد الارهاب الشيعي وعرابوه , كنا سنتبنى طرحك لو انك تناولت ببعض الموضوعية جريمة أبادة الفلوجة وقتل الناس على الهوية التي مارسها الارهاب الشيعي ضد الوطنيين من ابناء العراق لكنك للاسف متورط في الترويج للطائفية ومتبنيا اطروحة السستاني عما يسمى المضلومية الشيعية التي سمحت له تحريم مقاومة المحتل بوعد القضاء على الدولة الوطنية وتسليم مقاليد الامور الى العمائم التي تعمل الان على اعادة العراق الى القرون الوسطى


4 - أصل البلاء
طه عبد الغني ( 2009 / 10 / 25 - 04:19 )
قاسم هو أصل البلاء. أذكر السيد يسن بخطاب قاسم في 1 أيار 59 كيف كان ينز حقداُ على الشيوعيين . في الأعوام التالية بدأ قاسم يعيد كبار الضباط القوميين أعداء الثورة إلى الجيش ويسلمهم مراكز تنفيذية هامة من أجل الحد من نفوذ الشيوعيين. هؤلاء هم الذين قاموا بالإنقلاب عليه . وأذكر الكاتب المحترم برفض قاسم فتح مخازن الأسلحة في وزارة الدفاع أمام الشيوعيين المتجمعين حول وزارة الدفاع للدفاع عن الثورة وفضل الذهاب على قدمية إلى حتفه مؤملا المصالحة مع أولئك الإنقلابيين البعثيين المتعاونيين مع المخابرات الاستعمارية . بدأ البلاء العراقي من عداء قاس للشيوعيين وهو ما أتي بالقتلة وعلى رأسهم صدام


5 - هذا هو اسلوب البعثيين
فلروقنوار ( 2009 / 10 / 25 - 08:29 )
الخ العزيز نبيل باسين
في اب 2008 التقيت احد صحفيي نظام صدام حسين المدعو سلام الشماع في جلسة ضمتنا في مطعم الكوخ الخشبي في دمشق مع مجموعة من العراقيين الهاربين ال سوريا... كانوا يدافعون عن النظام الصدامي.. طلبت منهم ان يقدموا اعتذارا للشعب العراقي عما فعله صدام ونظامه بالشعب العراقي ..فكان جوابه وبكل وقاحه--احنه اشسوينه للشعب العراقي حتى نعتذرله-- هذا نموذج واحد من نماذج البعثيين العراقيين ..واحد اخر منهم قال وبالحرف الواحد- والله بس نرجع للعراق لا كلهم نذبحهم-- فقلت له لم ولن ترجعوا ابدا...
ايها العزيز تتكلم عن سلوكيت البعثيين وحزب البعث ..بعد انقلاب17 تموز 1968 مباشره قام صدام حسين بالتعاون مع ناظم كزار بتشكيل منظمه اسمها الحركه الشعبيه للوحده الوطنيه-- وكان مقرها في فندق وجنة النهر عند جسر الاحرار -مقابل شريف حداد في جانب الرصافه كانت مهمتها الايقاع بالمواطنيين البسطاء من خلال الحديث معهم عن الضع الجديد والايقاع بهم وكان يديرها كل من حميد بلاسم وعباس قدوري ونورالدين عبد الله وهذا الاخير كردي وله اخ كان يعمل في مقر اللجنه المركزيه للحزب الشيوعي العراقي ..والتي كانت مقابل فندق برج ال


6 - بلا اسماء مستعاره رجاء
فاروق نوار ( 2009 / 10 / 25 - 08:37 )
السيد مهيار..ياحبذا لو كتبت اسمك احقيقي بدلا من الاختفاء تحت هذا الاسم المستعار اولا..
وثانيا يامهيار الحاضر زرع الماضي والمستقبل زرع الحاضر


7 - ايدلوجيات العنف
ابو عبد الله_البحرين ( 2009 / 10 / 25 - 10:48 )
لماذا هذا الانحياز ..بعدم نشر أي تعليق يرد على أفتراء الكاتب..؟ وأسلوبه الطائفي ..


8 - لا مصالحة مع القتلة .. قبل اعترافهم بجرائمهم وطلب العفو من ا
شولبان علي ( 2009 / 10 / 25 - 12:45 )
شکرآ لک ايها النبيل...اليوم قرأت الحلقات الخمس لهذا الموضوع الشيق والهام و وجدت فيها تشريحا مختبريا لتلک الجثة النتنة التي تطلق عليها ايدولوجية البعث.. ايدلوجية الانبهار امام القوة الغاشمة و محاولة التماثل معها درءآ لمخاطرها... ‌‌هذه الجثة قادرة علی الانبعاث من جديد طالما وجد مثقفون يريدون التبرير لجرائمها بالتذکير بجرائم الاحتلال..قافزين بذلک علی الحقيقة المتمثلة بان الاحتلال و جرائمه ،و المسوخ التي تحکم الآن الشعب العراقي ان هي الا نتائج منطقية لحکم ثلة من الشلايتية الغوا الوطن و المواطن لدوام مجد القائد الصنم.. من الضروري جدا التذکير دائما بان لا مصالحة مع البعث ما لم يعترفوا بجرائمهم و يطلبوا الصفح من الشعب العراقي.. ان الايغال في انکار الجرائم و محاولات السلطة الجديدة باقناع الضحايا بنسيان عذاباتهم ارضاء لضغوطات الامريکيين و دول الجوار الراعية لهمجية البعث سوف لن ينتج سوی يأس يدفع بالضحايا بأخذ القانون بأيديهم و القصاص من کل تلطخت اياديه بدماء العراقيين

اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف