الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة الجديدة، مشروع للضمير العراقي القادم

هادي الخزاعي

2004 / 6 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عند الحديث عن حكومتنا العراقية الجديدة, لابد أن نؤكد أبتداءا على أهمية دعمها, والتمني لها بالنجاح في مهمتها الوطنية في التصدي لمشكلات تبدأ من تحت الصفر ولا تنتهي، رغم أن هذه المهمة العويصة محكومة بزمن مشروط لايتجاوز السبعة أشهر، وهذا الزمن القياسي قصرا، لا يمكن أن تتحقق فيه المحعجزات، وعليه فلا يمكن أن ننتظر الكثير من أصحابها، بخلاف الذين كفنواها قبل أن تولد،لأنها، حسب زعمهم، لا يمكن أن تفعل أي شيء، وبذلك فقد كتبوا ـ ولا أقول تمنوا ـ لها الفشل ، وبداوا يبشرون بجنازتها.
دواعي أمنياتي بالنجاح لهذه الحكومة، آت من عراقيتي التي حرمت منها طيلة أكثر من ثلاثة عقود سوداء، أظلم فيها كل شيء، ألا رصيف ودروب المطبلين وأكشاك المداحين والقوالين في حضرة صاحب الجلالة وفرسانه القابضين على الزناد وحبل المشنقة.
أصرخ بكل الألم الذي أشعره وأنا أتطلع الى أطفالي الذين يجيدون لهجة غير لهجة ذويهم، ولا يعرفون عن عراقهم غير ما خلفه المنفى من حكايات حزينة عن وطن لم يروه، ومرابع طفولة لم تطأها أقدامهم.. لا شيء غير صوت الجدات المذبوح بالخوف يأتيهم عبر الهاتف ليسرهم بحكايات الدفاتر المدرسية الممزقه، والصور القديمة عنا...
أصرخ بألم كل تلك السنوات الذي أدوفه الأن بعسل الخلاص من ذلك النظام الذي أسقط مني جنسيتي، وحرمني من أن أحضر مراسم دفن أمي وأخي واختي، بل أني حرمت حتى من رؤية قبورهم التي ساوتها مجنزرات المجيد وكامل بالأرض أبان انتفاضة آذار، فقد أستحالت تلك القبورالى جزء من شارع يخترق مقبرة النجف المترامية، ذلك الشارع الممهد بحادلات وشفلات متصوفة صدام وحرس جمهوريته وفدائييه.
أقول أنني أصرخ بكل مرارة الصرخة.. أصرخ بأسم كل عذابات السنوات التي قضت وانا أجهد أن لا أنسى وأطفالي وطني.. أصرخ بوجه كل من يريد أن يكون فارسا وأستاذا على العراقيين وهو لم يقترب من ملفات المطاردين من العراقيين الذين أتخموا حتى شوارع العواصم الفقيرة، ناهيك عن أسماك بحار العالم ونهرانه... أصرخ بوجوه من ( لا أرحمك ، ولا أخلي رحمة الله تنزل عليك) أن يكفوا عن الهذيان، كي يترتب البيت العراقي على أيدي العراقيين الذين ربما تمتد اليهم تلك الأياد الخسيسة التي لا يرويها غير دم العراقيين، فتخسرهم عوائلهم قبل أن يخسرهم الوطن، لذا فأن أعضاء الحكومة العراقية الحالية الذين قبلوا تحدي أصحاب التفخيخ وتشظيهم الذي يزرع الموت، هم الذين يستحقون أن نصرخ لأجلهم، كي لا تطالهم تلك الأياد المجنونة، ولندعهم يقدموا ما يستطيعوا، فيكفيهم فخرا أنهم قبلوا التحدي، وهم من سيقودون دفة سفينة العراق الى شاطيء الضمير العراقي الذي سيغطي عنفوانه كل جسد العراق فلا يكون أخيلا، تتربص به سهام الغدارين فترديه من سموه...
أعرف كما يعرف غيري من العراقيين أن عراقنا بلد محتل من أشرس أمبراطورية عصرية، لا مصلحة في نظرها غير مصلحتها، ولا بشر غير بشرها، أنه اول دروس السياسة التي تعلمناها ونحن نقرأ كتابات الذين أعتلوا منصات المشانق وهم يتحدثون عن ذلك الوحش الأمبريالي. لا زال الدرس طازجا والوصايا حية والذاكرة طرية، ولن تتلف سنوات العذاب التي سامها للشعب العراقي ربيبهم الموبوء بلحن القسوة والموت، ذاكرة العراق، من أن هذا الوحش هو ذات الوحش الذي ملك علينا مليكا لا تجري في شرايينه دماء العراقيين، ثم مكن هذا الوحش الحثالات ليكونوا سادة على العراق في غفلة منه، لذلك فعيوننا مفتوحة لترى، وآذاننا صاغية لكل همس يتردد قرب الصيوان، لكي لا نعطي الفرصة لهذا الوحش أن يتربع علينا من جديد، فيولي أذنابه كيفما يشاء.
ومن ساقته أقدامه الى منعطف السياسة، يدرك أن هذه التشكيلة الحكومية التي تكلف كاول حكومة عراقية بعد نظام صدام المقبور بكل المقاييس، لايمكن أن تمثل الجميع أو تقنعهم جميعهم بها، لكنها في ذات الوقت أفضل من أفضل حكومة عينها صدام في زمنه البائد كله. لهذا السبب وغيره تستحق منا هذه الحكومة الدعم والتأييد، فهي التي ستضعنا أمام مرآة الضمير العراقي الذي غيبته زمنا مديدا، سعة مخزن أطلاقات المسدس الذي أمسك به من جف ضميره.
أزعم أن هذه الحكومة، التي لا ترضي الكل، هي حاضنة الحلم العراقي الذي ينتظره المخاض بعد عدة أشهر، فهي مشروعا للضمير العراقي الحر غيرالمقيد، الذي سيتمخضه صندوق الأنتخاب الزجاجي بعد تلك الأشهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل: مظاهرات عارمة في شوارع تل أبيب للمطالبة بالإفراج عن


.. شاهد فيديو جميل لـ-قمر الزَهْرة- يضيء سماء لاس فيغاس




.. القصف والغارات تطرد النحل من صناديقه في جنوبي لبنان


.. شاحنات مساعدات تبدأ دخول غزة عبر معبر كرم أبو سالم| #الظهيرة




.. ما أبرز التطورات الميدانية للقصف الإسرائيلي على قطاع غزة؟