الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مملكة الكريستال .. سياحة في أقاليم المأساة

جبار وناس

2009 / 10 / 25
الادب والفن


1 -
تبدو مبادرة فرقة بابل المسرحية مدعاة للبهجة والسرور حينما أقدمت على مشاركة العراقيين حرارة آب 2009 وحطت رحالها قادمة من السويد في بغداد والناصرية لتقديم عرضها المسرحي ( مملكة الكريستال ) اعداد الفنان حيدر أبو حيدر وفكرة النص مستوحاة من نص شعري بعنوان ( عبديئيل ) للشاعر موفق محمد . وقد قام باخراج العرض الفنان سلام الصكر .
وفرقة بابل التي أسسها مجموعة من الفنانين العراقيين في الخارج يراد لها أن تكون رافدا من روافد المسرح العراقي الاصيل الذي لعب وما زال يلعب دورا وطنيا في ارساء الثقافة المستندة على قيم النبل والسلام بتناغمها مع ما هو مشرق في الفكر الانساني الذي ينتصر للحب والحياة وللانسان .
- 2 -
اختار المعد حيدر ابو حيدر مرحلة ما بعد سقوط الصنم في 9/4/2003 لتكون موضوعا حاضنا لاحداث نصه المسرحي ( مملكة الكريستال ) وتعد هذه المرحلة من أعقد المراحل التي يمر بها تاريخ العراق الحديث بما تميزت به من عنف دموي وخراب روحي وغياب لشروط المواطنة الصحيحة وقد حصل ذلك تحت مظلة الاحتلال الامريكي وتصاعد ظاهرة التطرف الديني التي اشعلها المتشددون الدينيون، وهي المضاهر التي اصبحت واضحة للعيان وقد نفذت هذه الظاهرة بأذرع أرادت حرق الاخضر واليابس لتنتج مأساة كبرى حاقت بالعراق . ولو تفحصنا هذه المأساة لوجدناها شعابا ملتوية وكثيرة ، فبدءا من صعود طبقة من الطفيليين وصناع الظلام ومرورا بالسطو السياسي المتخلف على الثقافة الوطنية وتحييدها استنادا الى مرجعيات شتى شكلت سياجا مانعا لكل ما هو حديث ويضاف الى ذلك انتشار ثقافة التجهيل وسيادة لغة الريف والبداوة على مفاهيم التمدن والتحضر وليس آخرها ممارسات الاحزاب والحركات والجماعات المتطرفة التي اتخذت من الدين لباسا سياسيا وراحت تمارس دورا يتنافى مع الاستقلال الفكري والسياسي والاجتماعي لافراد المجتمع فتصورت انها تحتكر الصواب لوحدها وبغية تحقيق مآربها نزعت الى العنف كوسيلة لاثبات وجودها ونصرها وبحسب قول غاندي فأن ( النصر الناتج عن العنف مساو للهزيمة ) . ومن جراء هذا السلوك الغريب أريد لحياة العراق أن تتعطل بهيمنة الافكار التي تريد العودة الى الماضي بمفاهيمه السالفة والتي أصابها الموت اذا ما قيست بمفاهيم حاضرنا ، فكيف يكون حكم الاموات للاحياء وقد كان ابن خلدون يحذر منها حيث يقول ( متى توقفت العبقرية وتعطل الطموح وتقلصت التطلعات توارى النور والامل وحكم الاموات الاحياء ) . معد المسرحية، جعل من دائرة الطب العدلي في بغداد مكانا لاحداث نصه المسرحي ومن يقرأ هذا النص سيتضح له ان هذه الدائرة تعد البرهان او خلاصة ما ترشح من تلك المأساة المتنوعة التي مر بها العراق كلا ً وليس جزءا ، فهذه الدائرة شكلت الفنتازيا العراقية التي نجد لها تجسيدا في اشعار موفق محمد اذ يقول ( عزرائيل على دراجته الهوائية / يتلفت مذعورا / رافعا رايته البيضاء / لملائكة الموت المفخخ ) .
ان المعد حاول ان يشتغل على مدونة الوجع العراقي من خلال اتكائه على هذه الاشعار التي تعج بالفنتازيا والسخرية التي تؤدي بالجمهور الى الاستهجان والاشمئزاز ، فهي أكثر تحققا من الضحك المبطن داخل النص وهي هنا قد تتجاوز النقد الذي يبدو أثره غير ملحوظ او في حكم الغائب ، وقد نجد الجمهور ومن خلال هذا العرض أصبح كجزء ضليع ومشارك في هذه السخرية التي تنوعت فمنها السياسية والاجتماعية والدينية ، فهذه السخرية التي لجأ اليها المعد والمخرج معا تمثل آلية دفاعية ضد قهر الانسان العراقي وضد من يصنع العوامل المساعدة في تكوين القهر .
لقد تم توظيف هذه السخرية التي تبطنت بها أشعار موفق محمد دراميا لتصبح ايقونة حكائية يرتكز خطابها على البوح الشعري ليتوازى مع الصور الدرامية في فضاء العرض المسرحي ، فما قام به المعد والمخرج هو تعرية الواقع العراقي المليء بالخوف والموت ونقله الى خشبة المسرح ؛ لأن المسرح وتلك مهمته العظمى هي ان يفجر التاريخ الراهن كوثيقة سرية وينقلها من متحفها السري الى الفضاء المعلن .
- 3 -
لا نكاد نرى فصلا واضحا بين خطاب الاعداد ونص الاخراج لأن المخرج كان قد انساق وبشكل تام الى ما جاء به المعد وشاهدنا المخرج يأخذ بمبدأ الاقتصاد والتقشف ، فلم نعد نرى في فضاء العرض سوى ادوات بصرية محدودة تمثلت بحاوية الاوساخ وكاميرا التصوير الفوتوغرافي والطابعة القديمة والمظلة السوداء واعتمد في خلفية المسرح على القماش الابيض المتدلي كبرادات لحفظ جثث الضحايا في دائرة الطب العدلي ، والمخرج يعول من خلال هذه الادوات على اللعب في انتاج الدلالات المتحولة باشتغال الممثلين مع هذه الادوات وكذلك بالاعتماد على الاضاءة البيضاء ( الفيضي ) في أكثر الاحيان في محاولة منه لتوسيع المجال امام الجمهور لتسليط الضوء على جسامة ما يجري من أفعال غير انسانية كانت بحاجة الى الكشف ايمانا من المخرج بأن المسرح هو الاكثر في الانحياز الى جانب الحياة ، وقد صاحب ذلك بعض اللوازم الموسيقية والاصوات التي تبعث على الرعب كنباح الكلاب ، وقد يحسب لصالح المخرج انه جعل من الجمهور يتوفر على قدر من الجمال اذ جعل من المشاعر والحالات الانفعالية والنفسية والوجدانية حاضرة يستشعرها الجمهور عن قرب لأن العرض أخذ من نص ( عبديئيل ) لموفق محمد ما يشحن لفهم ابعاد الطبيعة الانسانية بكل تجلياتها ، فالروح الدرامية المتوفرة في ذلك النص اختزلها العرض لتكون جزءا من التجربة المسرحية . وكنا نمني أنفسنا في ان يسعى المخرج الى عدم التركيز على الملفوظ الحواري فقط وانما يوغل في عالم الدهشة سيما وان المسرحية اعتمدت اساسا على أشعار تأخذ من مسحة الفنتازيا الشيء الكثير ويبدو ان هذه الفنتازيا لا تجد لها من صدقية مؤثرة في وجدان الجمهور العراقي لأن الواقع الراهن يكاد يعلو فوق ما هو متعارف عليه من مفاهيم الفنتازيا ، فيا لها من حيرة في تلك التي تعتري او تقف امام من يريد الولوج في تفاصيل هذا الراهن فأي السبل يسلكها كيما يفنتز الفنتازيا العراقية ؟ فكان على المخرج ان يراعي هذا الاشكال المثير وان يلجأ الى عوالم جديدة في طريقة العرض المسرحي وبما ان التلاصق ما بين الجسد والمأساة كان سيحقق اثرا فاعلا في هذا العرض لو كان التركيز على ما يتولد من صور يكون الجسد مفتاحا لألوان متعددة من الصور يغني عن تلك الثرثرة الحوارية المندلقة من أفواه الممثلين ( هو – هي ) كأن نجد لهذه الاجسام المتألمة من رقصة درامية مبدعة تؤطر لتلك المأساة بعيدا عن البوح الملفوظ لأن تلك الاجسام لها فاعليتها في الحضور اذا ما اخذنا ( بأن الجسم الراقص يكتب الكلام ويحطمه ويجعل الفضاء هندسة دقيقة متعددة الاصوات لأن الجسم هو زوبعة القوانين وانعكاس الضوء ومحو الاثر الذي بواسطته ينطق الاصل ( الجسد ) . حسب توصيف المفكر عبد الكبير الخطيبي، ان المشهد الختامي حينما تقول الممثلة ( هي ) للممثل ( هو ) الى أين نذهب ؟ فيرد عليها الى ذاكرة الناس . لو نفذ بشكل صامت معزز بمشهدية صورية تأخذ بمبدأ الصورة كأداة ربط وذات قدرة على الايصال المؤثر فأي ذاكرة هي بالاساس مترعة بالكثير الكثير كانت ستستجيب لهذا القول المباشر ؟ يبقى الدور الذي اضطلع بادائه الممثل حيدر أبو حيدر والفنانة نضال عبد الكريم يتطلب قدرة فائقة في الامساك بزمام الحوار والذي يقترب من المونولوج الطويل ولكنه قد قطع خوفا من الاملال ، فالممثلان حاولا التلون بالصوت والحركة مع مقتضيات التحول في الشخصية وان كان قد صاحب اداءهما الكثير من الاخطاء النحوية ولو كان هذا التحول له من الاهتمام لدى المخرج وخاصة اثناء التحول في مشهد القائد والملكة وكذلك في مشهد استحضار مسرحيات شكسبير هاملت وعطيل لكنا نرى تعزيزا مضافا ومغايرا لما سار عليه نص العرض ويكون الممثلان اكثر يقظة في مواجهة اطراف التحول الجديد ومع ذلك فأن هذين الممثلين قد حققا جزءا من الوفاء لهذه الشروط الهامة لنجاح الدور في سياق العرض المسرحي .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??