الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازمة التمثيل تقلص هامش المناورة الفلسطينية

جهاد الرنتيسي

2009 / 10 / 25
القضية الفلسطينية


تكاد ان تكتمل العلامات الفارقة ، بين نهاية مرحلة وبداية اخرى ، مع الاعلان الخجول ،عن فشل الجهود المصرية ، لانجاز المصالحة بين حركتي فتح وحماس ، رغم عناء الوساطة .

و لم يات الفشل المصري بفعل تقصير الدبلوماسية التي اتبعتها القاهرة ، وهي تلقي بكامل ثقلها لانجاح المصالحة ، بقدر ما كان نتيجة تعارض الجهد المبذول مع اجندات عواصم عربية و اقليمية ودولية ، وحسابات فصائلية ضيقة .

فالترمومتر الفلسطيني الاكثر قدرة على قراءة تناقضات واصطفافات المنطقة رغم حروب تصفية الحسبات التي يشهدها العراق ولبنان واليمن .

وادوات قياس التأزيم والانفراج باتت متشابهة الى حد كبير ، وان بقيت الفوارق بين الاضرار التي تلحقها الانقسامات والحروب الداخلية ، على امتداد ساحات تصفية الحسابات .

كما تشكل المعادلات السياسية والمراحل مراياها من تراكمات الاحداث اليومية وتداعياتها ، وبذلك تأخذ العلامة الفلسطينية الفارقة ، وهي تضاف الى علامات اخرى ، ابعادها الاقليمية والدولية ، فهي نتاج تداخلات خارجية ، وتعقيدات داخلية، وتطوراتها مقدمات لاحداث مقبلة.

ولعل ابرز المقدمات التي يمكن البناء عليها لتحديد بعض ملامح المرحلة المقبلة ـ مع الوصول باحتمالات المصالحة الى حافة الهاوية ـ الخطوات التي تلجأ اليها اطراف المعادلة الفلسطينية وهي تضع احتمالات التوافق خلف ظهرها .

اول ما يتبادر للذهن لدى التفكير في هذا الجانب اضطرار قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية للاعلان عن اجراء الانتخابات النيابية في موعدها .

فهناك قوة دفع في داخل اطر وصفوف حركة فتح سعت لحسم الخلاف بالتوجه الى صناديق الاقتراع ما دام التوصل الى اتفاق مستبعدا بعد افشال حماس وحلفائها الاقليميين الوساطة المصرية .

وحد تعارض الشروط الحمساوية لاجراء المصالحة مع الحد الادنى من امكانيات التعايش بين سلاحين ، والتوجهات الدولية ، والمزاج العام العالمي ، ممثلا بشروط اللجنة الرباعية ، واساليب التهرب الحمساوي من التوقيع على الاتفاقات ، من قدرات التيار الفتحاوي الداعي للتريث ، في الضغط لتاجيل الانتخابات المقبلة .

فلم يعد بالامكان الدفاع عن استمرار التأجيل في الوقت الذي يوظف الجانب الاسرائيلي الانقسام الفلسطيني في التهرب من المفاوضات ، و الاستمرار في معزوفة غياب الشريك .

الا ان التوجه الى الصناديق دون اتفاق بين رام الله وغزة يعزز احتمالات تكريس الانقسام بدلا من معالجته ويقوي ـ بشكل او بآخر ـ ذريعة غياب الشريك ،الامر الذي من شانه ان يجبر السلطة الوطنية على اتخاذ خطوات اخرى تستعيد من خلالها قوة التمثيل ، التي تؤهلها للحصول على مكاسب سياسية في حال مواصلة المفاوضات .

وحين يجري الحديث حول هذه الخطوات تقفز الى الواجهة احتمالات اعلان غزة اقليما متمردا على السلطة الامر الذي يعني المزيد من العقوبات الدولية وتشديد الحصار على قطاع غزة .

كما يزيد من هذه الاحتمالات الغطاء الدولي الاخذ بالتشكل لفرض العقوبات على القطاع والذي ساهم في وضع ارضية له تقرير غولدستون الذي وظفته حماس في اضعاف الرئيس عباس .

وتترافق مؤشرات هذه المقدمات مع ضجر عربي من فشل الفلسطينيين في التوصل الى اتفاق يساعدهم على اعادة ترميم صورتهم التمثيلية والبناء عليها للافلات من التدخلات الاقليمية والضغوطات الدولية التي يدفع استمرارها في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية .

فالانقلاب الذي جرى في قطاع غزة قبل ما يزيد عن العامين ونصف العام سبقه اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس الذي القى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالثقل المعنوي السعودي لاقراره .

ولم تكن وثيقة الاتفاق التي اسفرت عنها التحركات المصرية ـ بعد مرور ما يزيد عن العامين على الانقلاب ـ وبقيت دون توقيع اوفر حظا من الاتفاق الذي رعته القيادة السعودية ، الامر الذي يعني ان النظام الرسمي العربي بثقليه المصري والسعودي لم يعد قادرا على انهاء حالة الانقسام الفلسطيني ، وان اي طرف عربي اخر سيفكر مليا قبل المغامرة بوساطة محفوفة بالفشل ، مهما كان ثقله السياسي او دوره الاقليمي .

لكن خطورة الاخفاقين السعودي والمصري في اعادة ترتيب البيت الفلسطيني تتجاوز بعض الانسحاب العربي من محاولات تجاوز الازمة الداخلية الفلسطينية .

فالفراغ الذي يتركه تراجع وساطة قوتين عقلانيتين عربيتين كالقاهرة والرياض يعني اتساع حضور الباحثين عن ادوار ومكاسب على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية والدم الفلسطيني اذا اقتضت الضرورة .

والفاتورة التي يدفعها الجانب الفلسطيني مع اتساع دائرة حركة الانظمة المغامرة واحدة من عدة فواتير يدفعها النظام الرسمي العربي من طبيعة علاقاته البينية وقدرته على التأثير في المسرح الدولي .

فالتحرك لمخاطبة العالم ، وجمع نقاط لصالح القضية الفلسطينية ، يحتاج بالدرجة الاولى الى حالة فلسطينية موحدة ، وموقف فلسطيني واحد ، على درجة من الوضوح والشفافية والاقناع .

والعواصم الكبرى صاحبة التأثير تتعامل مع سلطة واحدة وقرار واحد وسلاح واحد وليست معنية بالدخول في التفاصيل الصغيرة لدى معالجتها للقضايا المزمنة والمعقدة .

كما تضلل العناوين المتعددة المجتمع الدولي ، والخطاب الفاقد للتوازن لا يجد من يستمع اليه ، وحيازة الثقة تحتاج الى عمل تراكمي .

وبالتالي لم تعد تتوفر المعطيات الفلسطينية المطلوبة لتوسيع هامش التعاطف الدولي وترجمته الى واقع ، مع افشال جهود المصالحة الوطنية ، واستمرار حماس في رفض شروط اللجنة الرباعية ، ونزوعها نحو التجريب والتذاكي والفهلوة السياسية .

مثل هذه النتيجة توصل الى قناعة بان الحالة الراهنة تنطوي على وصفة سحرية لخسارة ما انجزته الحركة الوطنية الفلسطينية منذ انطلاقة الثورة المعاصرة وتبديد تراكمات التجربة التي بلورت جهة تمثيلية للشعب الفلسطيني ووفرت اعترافا دوليا بعدالة قضيته .

وحين يجري الحديث عن خسارات من هذا النوع تحضر عواصم الاتحاد الاوروبي التي تتخذ منذ سنوات مواقف مميزة عن الموقف الاميركي رغم اعتراف واشنطن المتأخر بحق الفلسطينيين في الدولة المستقلة .

فانحسار الوضوح الاوروبي تجاه القضية الفلسطينية يعني من بين ما يعنيه افساح المجال امام هامش الغموض الاميركي .

ومن غير المستبعد ان يأخذ اتساع هامش الغموض الاميركي شكل التمادي في السلبية التي يظهرها البيت الابيض في التعاطي مع دعوات الضغط على اسرائيل لوقف الاستيطان في الاراضي الفلسطينية والتجاوب مع متطلبات عملية السلام .

الا ان حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف تبقى المستفيد الاكبر من وصول الجهود المصرية الى طريق مسدود .

ففي الانقسام الذي يكرس حالة الضعف التمثيلي الفلسطيني ما يساعد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على خوض حرب مضادة ضد تقرير "غولدستون" الذي اسفرت جهود السلطة الوطنية الفلسطينية عن اقراره في مجلس حقوق الانسان .

كما يقلل الانقسام من هامش المناورة السياسية المحدود اصلا الذي تتحرك فيه السلطة الوطنية الفلسطينية لوقف الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية والاصرار على بقائه شرطا لاستئناف المفاوضات .

ومن شأن هذه الاجواء في حال استمرارها ، وتغذيها على موازين القوى الدولية والاقليمية الراهنة ، اعادة القضية الفلسطينية عقودا الى الوراء ، وربما وضعها على سكة التصفية .

فالمعارك المصيرية ، كالمعركة التي يخوضها المفاوض الفلسطيني ، لا تخاض بظهور مكشوفة ، والانتصارات لا تحققها قوى منقسمة ، والبوصلة التي يترنح مؤشرها بين العواصم لا تقود الى اتجاهات صحيحة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟