الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمازيغية و الدولة ج 4

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2009 / 10 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


كان للصراع حول السلطة بين الأروستقراطية القبلية و المدنية /بين سلطة الحكم الذاتي لقبائل الأمازيغ و السلطة المركزية أثر كبير في سقوط المغرب في نزاعات اجتماعية دائمة ، مما أدى إلى سقوط الدولة السعدية و قيام الدولة العلوية في القرن 17 و التي عاشت على أنقاض الثورات الأمازيعية الدائمة كان آخرها ثورة بوحمرة بالريف ، و استمرت مواجهة هذه الثورات من طرف السلطة المركزية بمكناس لأزيد من نصف قرن ، و عرفت البوادي استقلالا نسبيا عن السلطة المركزية في ظل الحكم الذاتي لأرستوقراطية شيوخ القبائل الأمازيغية في اتجاه إعادة بناء الدولة السعدية ، و على المستوى الثقافي نشأ صراع كبير بين علماء الأمازيغ بالجنوب المتشبثين بالدولة السعدية و علماء فاس الموالين للدولة المركزية بمكناس في ظل سيطرة أروستقراطية النبلاء بالمدينة في اتجاه بناء الدولة العلوية ، و تعتبر مناطق سوس الركيزة الأساسية للثورات على السلطة المركزية إلى ما قبل الإستعمار المباشر ، و لم تتم سيادة السلطة المركزية إلا بعد سيطرة الإمبريالية على الدولة بتحالف مع أروستوقراطية النبلاء بالمدن و أروستقراطية شيوخ القبائل الموالين لها ، و كانت القبيلة الركيزة الأساسية بالبوادي في مواجهة سيطرة الإستعمار و النبلاء بالمدن على السلطة المركزية بعد القضاء على مقاومة الفلاحين.
و قبل الإستعمار المباشر عرفت القبائل صراعات و حروبا فيما بينها حول الحدود و الأراضي الرعوية الجماعية و السيطرة على السلطة ، و عرفت تضامنا و تعاونا ضد العدو المشترك و تعتبر تجربة الريف أثناء التصدي للإمبريالية أروع مثال على تضامن القبائل الأمازيغية ، حيث استطاع محمد بن عبد الكريم الخطابي توحيد قبائل الريف ضد الإستعمار إلى حد بناء دولة حديثة ، و عرف الجنوب تطور التضامن بين القبائل إلى مستوى بناء تحالفات القبائل ذات أبعاد سياسية شكل فيها حلفي "تاحكات" و "تاكوزولت" نموذجا حيا لشبه حزبين سياسيين متصارعين ، و تتم السيطرة على سلطة الحكم الذاتي من طرف القبيلة القوية التي تخضع لها جميع القبائل المتصارعة ، و تكن الولاء لسلطة شيخ القبيلة الذي يملك القوة السياسية و الإقتصادية و العسكرية ، و تطور التحالف بين القبائل إلى حد إسقاط و بناء دول أمازيغية عظمى و امتداداتها.
و شكلت الزوايا في مرحلة متقدمة القوة الثانية بعد القبائل التي عملت على تأسيس هذه الزوايا و تمويلها بهدف نشر اللغة و الثقافة العربية الإسلامية و سن القوانين و التشريعات ، و كان شيوخ الزوايا خاضعين للسلطة السياسية لشيخ القبيلة المسيطرة على سلطة الخكم الذاتي و يسخرهم أيديولوجيا لبسط سيطرته على جميع القبائل و استغلالها ضد الأعداء ، و تقام المواسم السنوية على أضرحتهم خدمة للدعوات الدينية و المذهبية و السياسية و مناسبة لإقامة أسواق تجارية لتداول المنتوجات الزراعية و الحرفية و التبادل التجاري بين البوادي و المدن ، و خير دليل على سلطة القبيلة على الزاويا سيطرة الشيخ محند أعبد الله في نهاية القرن 19 على جزء كبير من أراضي زاوية تكركوست و فرض جزية بنسبة 20% من محاصيلها الزراعية لدعم سلطته لإخضاع قبائل سكتانة ، و طرد شيخ الزاوية و عين أحد أعوانه شيخا جديدا على رأسها و الذي بسط سيطرته على الفلاحين التابعين للزاوية ، و لم يتم القضاء على شيخ سكتانة إلا بعد تحالف الإستعمار و الإقطاعي الكلاوي و إخضاع سكتانة للسلطة المركزية بمراكش .
و شكلت المدارس العتيقة الموازية للزوايا مركزا هاما لنشر الثقافة العربية الإسلامية بعد تأسيس أول مدرسة بالجنوب في القرن الخامس الهجري مما ساهم في تهميش اللغة الأمازيغية ، و كان شيوخ القبائل يولونها اهتماما خاصا لما لها من دور أيديولوجي في دعم سلطتهم السياسية و الإقتصادية ، و يتم استغلال أئمة المساجد الذين بهذه المدارس و تعيينهم قضاة للسيطرة على أراضي الفلاحين و تحول هؤلاء القضاة و أعوانهم إلى أروستقراطية مثقفة ، و قد جمع محمد الروداني بسكتانة و هو قاضي الكلاوي ثروة هائلة في وقت وجيز لم يتجاوز 15 سنة من ممارسة القضاء هو و من معه من الأعوان ، و كان الكلاوي يعفي أئمة و طلبة المدارس من الجزية المفروضة على الفلاحين ، و لعبت هذه المدارس دورا هاما في التوثيق من خلال تحرير العقود و كتابة التاريخ و المعاهدات بين القبائل و رسوم الأراضي الجماعية ، و ساهمت مكتبات هذه المدارس المحتوية على جميع أصناف الكتب في شتى المجالات على نشر اللغة و الثقافة العربية.
و كانت الأراضي و الغابات و المراعي ملكية للقبائل و يتم استغلالها بشكل جماعي و عمل الفلاحون على تسميتها و تحديدها و إضفاء صفة الملكية الجماعية عليها بواسطة الوثائق المكتوبة ، و هذه العقود متوفرة إلى حد الساعة لدى ممثلي الجماعات السلالية و أحفادها و لدى الأرستوقراطية الإقطاعية بالقبائل و الزوايا ، وشكل العمل التضامني " تيويزي " الركيزة الأساسية في القبيلة و الذي يعتبر أسلوب الإستغلال الجماعي لهذه الأراضي ، سواء أثناء الحرث أو الحصاد و جمع المحاصيل الزراعية و تخزينها بمجمعات " إكودار" ، و تم تحويل ملكية بعض الأراضي الجماعية إلى ملكية خاصة للأروستقراطية القبلية بعد بناء الدولة و استغلال الفلاحين ، و تشكلت الملكية الإقطاعية و برز الرق و استعباد الفلاحين الذين يكدحون بالأراضي التي استولت عليها أروستقراطية شيوخ القبائل و الزوايا و القضاة و أعوانهم ، و برزت الملكية الفردية لبعض الأراضي المسقية و تربية المواشي و بناء المساكن و الورشات الحرفية ، و يتم فرض جزية على الفلاحين و الحرفيين من طرف السلطة المركزية لدعم بيت المال .
و تم استغلال المدارس العتيقة لكتابة العقود و رسوم الممتلكات الجماعية و الفردية و عقد المعاهدات بين القبائل و تدوين الأحداث ، و كانت الزوايا و المدارس العتيقة تحظى باهتمام القبائل التي تمنحها أراضي الوقف لتأمين مواردها الإقتصادية التي يسيطر عليها شيوخ الزوايا ، و التي تم تحويل ملكية بعضها إلى ملكية خاصة لهؤلاء الشيوخ و عائلاتهم و ملكية جلها إلى ملكية وزارة الأوقاف بعد الإستقلال الشكلي.
و شكل الحرفيون الذين يملكون ورشاتهم الخاصة طبقة هامة في القبيلة خاصة بعد استغلال المعادن و اكتشاف البارود ، ة تطورت صناعة الأسلحة و الحلي و الأواني الفضية و الذهبية التي ملأت قصور الأروستقراطية القبلية و النبلاء ، إلى جانب الأواني الخزفية التي يستعملها الفلاحون مما يجسد الفوارق الطبقية بين الفلاحين و الأروستقراطية ، بالإضافة إلى صناعة وسائل الإنتاج الزراعة و العمران و تصنيع الحبوب و الزيتون و تسويقها مما ساهم في بروز الأنوية الأولى للطبقة العاملة بعد استغلال المناجم و صناعة السكر ، و بعد سقوط الدولة السعدية دخلت القبائل في صراع دائم ضد السلطة المركزية بمكناس مما ساهم في تركيز مفهوم الحكم الذاتي للقبائل ، و ظهرت طبقة الجيوش الإقطاعية الدعامة الأساسية للدولة المركزية التي شكلت قبائل بنو هلال العربية و العبيد الأفارقة ركيزتها الأساسية ضد دول الحكم الذاتي لقبائل الأمازيغ ، الشيء الذي عرقل تطور الصناعة و بروز الطبقة العاملة و البورجوازية بالمدن نتيجة طغيان نمط الإنتاج ما قبل ـ الرأسمال على الدولة ، و شكلت تجارة فائض المنتوجات الزراعي و الحرفية نشاطا هاما مما ساهم في بروز طبقة الكومبرادور بعد توحيد العملة في عهد الموحدين ، و شيوع النقد كوسيلة للتبادل التجاري بعد استغلال المعادن الثمينة كالفضة و الذهب و سك العملة ، و اتخاذها وسيلة لفرض الجزية على سلطة الحكم الذاتي من طرف السلطة المركزية بتحالف بين الإقطاع و الكومبرادور و دعم الإمبريالية .


تارودانت في : 26 أكتوبر 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الكينية تطلق الغاز المسيل للدموع على مجموعات صغيرة من


.. شاهد: تجدد الاحتجاجات في نيروبي والشرطة تفرق المتظاهرين بالغ




.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: أي سياسة خارجية لفرنسا في حال


.. مخاوف من أعمال عنف في ضواحي باريس بين اليمين واليسار مع اقتر




.. فرنسا: تناقضات اليمين المتطرف حول مزدوجي الجنسية..وحق الأرض