الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى قيس ...

امنة محمد باقر

2009 / 10 / 27
الادب والفن


تعجبني كثيرا كلمة قيس ليلى ... هي المرة الاولى في تاريخ العرب التي ينسب فيها الرجل الى المرأة ....
ولم تحزنني قصة ، الا كما احزنني جنون قيس ...
لانك قلما تجد رجلا بهذه الرهافة من الاحساس وصدق المشاعر ، لتكون نهايتهه تلك المأساة التي بكاها والد قيس نفسه ، وقال بأنه لم يكن يدري ان الامر سينتهي تلك النهاية المأساوية ...
وحسن ليلى ليس الجمال الظاهري فحسب ... بل ان الاخلاق التي يصفها قيس نفسه ، قلما تجدها لدى النساء ، بل تتمنى كل امرأة عاقلة واعية ان تمتلكها ، لانها فعلا كانت مكملة لجمال ليلى الاخاذ ...
وفي رأيي فأن جنون قيس لم يكن متأخرا ، لقد جن مبكرا ... وذلك حين منعوه من لقاءها وبدأ يهذي في اشعاره عنها ، واود ان اعرض شيئا من تلك الاشعار ، لانك تبحث عن الصدق ، قلما تجد صدقا في زماننا هذا ... لكنك ستجده في كلمات قيس ... وان الرجل هو الكلمة نفسها ....وصدقت تلك المقولة في قيس !
فليلى اذن تستحق ماقاله فيها من اشعار ... لكنه لايستحق ما ناله من اذى ، وكيف ذهب عقله وشخصه النبيل وشخصيته كيف حطمها ذلك الحب ... كنت اتمنى لوكنت والدة ليلى ، لضربت رأي والدها عرض الحائط ... صحيح ان كلاما كهذا لايصح في ذلك الزمن ... ولكن لو ان ابا ليلى تم تبصيره مثلا بعاقبة الامور التي سينتهي اليها قيس ، اذن لربما اهتدى الى انقاذه ......
ان الحب يفضي الى الجنون ، ان لم يكن هو ضربا من الجنون ! هذا ان كان صادق حقيقيا ... وانني ادعو الى مناقشة الموضوع مع علماء النفس ... لمعرفة كيف يفضي الحب الى الجنون ، ماهي الاسباب ؟ هل هنالك مكان في المخ تطيش سهامه برؤية شخص ما ؟ او رؤية تطابق صفاته مع الصورة الرومانسية لما يسمى بفارس الاحلام ... لهذا اقول حذار !
انني هنا لا اريد ان اتهكم .. وكيف اتهكم بشهيد الحب العذري ، والانسان الذي احترم المرأة واحبها الى درجة العبادة ؟ وكيف اتهكم بذلك الانسان النبيل الضحية ؟ المسكين المستكين المستجير ؟ كان يستجير من حب ليلى !
انني آسى كثيرا لتلك القصة ، وكنت قد قرأت النص الانكليزي لقصة روميو وجوليت ، ولكنني لا استطيع ان اقارنها بما لدينا ... بالمصيبة والكارثة التي جاءت بها ثقافتنا العربية ، بالقضاء على انسان كل ذنبه انه اراد الزواج من امرأة اعجبته على اقل تقدير ، ولسنا نقول احبها واحبته !
وانني هنا لا اريد ان اروج لثقافة الحب .. ان الحب ذهب مع اهله .. مع قيس وليلى !
من اين تأتي بأنسان صادق بهذه الدرجة من الوعي ؟ واحترام الاخر ؟ احترام المرأة وتقديسها ، وتقدير قيمتها كذات عليا تستحق ان يحبها الرجل الى حد الموت !!
بل وحتى مابعد الموت .. قيس لازال هو قيس الهائم :
لو سيل أهل الهوى من بعد موتهم هل فرجت عنكم مذ متم الكرب
لقال صادِقُهُمْ أنْ قد بَلِي جَسَدي لكن نار الهوى في القلب تلتهب
جفت مدامع عين الجسم حين بكى وإن بالدمع عين الروح تنسكب

الرجل الذي قضى صبرا ، وصبر على عذاب تلك المشاعر ، بل وارادها :
أَحِنُّ إلى لَيْلَى وإنْ شَطَّتِ النَّوَى بليلى كما حن اليراع المنشب
يقولون ليلى عذبتك بحبها ألا حبذا ذاك الحبيب المعذب
بل ويعترف قيس المجنون بجنونه :
ما بال قلبك يا مجنون قد هلعا في حبِّ من لا تَرى في نَيْلِهِ طَمَعَا
الحبُّ والودُّ نِيطا بالفؤادِ لها فأصبحَا في فؤادِي ثابِتَيْنِ مَعا
طُوبَى لمن أنتِ في الدنيا قرينتُه لقد نفى الله عنه الهم والجزعا
بل ما قرأت كتاباً منك يبلغني إلاَّ ترقرقَ ماءُ العَيْن أو دمعَا
أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني حتى إذا قلت هذا صادق نزعا
لا أستطيع نزوعاً عن مودتها أو يصنع الحب بي فوق الذي صنعا

وابياته المشهورة بتقبيل الجدار ، تذكرني بقصة تقول انه ركض خلف غزالة لها عيون تشبه عيون ليلى !!
أمر على الديار ديار ليلي
أقبل ذا الجدار وذا الجدارِ
وما حب الديار شغفن قلبى
ولكن حب من سكن الديار

وقد صدق ظنه في موته على يدي هذا الحب :
خليلي ان ضنو بليلي فقربا ليا ..........النعش والاكفان واستغفرا ليا

ولا احسب احدا اراد ان يصف امرأة بما وصفه قيس من امكانية ان تحل ليلى محل البدر ، وحق لأبي ليلى هنا ان يغضب ، فقيس يصف ليلى ومحاسنها ، ونحن نطلب من والدها السكوت ، نطلب ذلك من رجل من الصحراء العربية ، ان لاينهار امام هذا الوصف لابنته :
أنِيري مَكانَ البَدْرِ إنْ أفَلَ البَدْرُ وَقومِي مَقَامَ الشَّمسِ ما اسْتَأخَرَ الفَجْرُ
ففيك من الشمس المنيرة ضوؤها وَلَيْس لهَا مِنْكِ التّبَسُّمُ وَالثَّغْرُ
بلى لَكِ نُورُ الشَّمْسِ والبَدْرُ كُلُّهُ ولا حملت عينيك شمس ولا بدر
لَك الشَّرْقَة ُ الَّلأْلاءُ والبَدْرُ طَالِع وليس لها مِنْكِ التَّرَائِب والنَّحْرُ
ومن أيْنَ لِلشَّمْسِ المُنِيرة ِ بالضُّحى بِمَكْحُولَة ِ الْعَيْنَينْ في طرْفِهَا فَتْرُ
وأنى لها من دل ليلى إذا انثنت بِعَيْنَي مَهاة ِ الرَّمْلِ قَدْ مَسَّهَا الذُّعرُ
تَبَسَّمُ لَيْلَى عَنْ ثَنَايا كأنَّها اقاح بجرعاء المراضين أو در
منعمة لو باشر الذر جلدها لأَثَّرَ مِنْهَا في مَدَارِجِها الذَّرُّ

وفي النهاية ، هو يتمنى ان يتحول هذا الحب الى بغض ، ولكن لا امل فأن حبه لها يزداد تماديا :
فَيا رَبَّ سَوِّ الحُبَّ بَيني وَبَينَها يَكونُ كِفافا لا عَلَيَّ وَلا لِيا
وَإِلّا فَبَغِّضها إِلَيَّ وَأَهلَها تَكُن نِعمَةً ذا العَرشِ أَهدَيتَها لِيا
أَرى الدَهرَ وَالأَيامَ تَفنى وَتَنقَضي وَحُبُّكِ لا يَزدادُ إِلّا تَمادِيا
فَيا رَبِّ إِن زادَت بَقيَّةُ ذَنبِها عَلى أَجرِها فَاِنقُص لَها مِن كِتابِيا

قيس الذي نسي حتى صلاته :
وَإِنّي إِذا صَلَّيتُ وَجَّهتُ نَحوَها بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها كَعودِ الشَجى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا

تبقى تلك القصة ............ هي مأساة تدعو للبكاء على تاريخنا وتراثنا الذي لم ينصف الاحرار ... حتى في ابسط امنياتهم ...
تبقى مسألة مهمة جدا اعجبتني في عشيرة ليلى ونساء قبيلة بني عامر : انهن نساء اشتهرن بالعفة والحياء ...
ليلى قيس لم تكن امرأة متبذلة ... فتاة حيية ، وما اجمل الحياء !









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيةو موده
نصير الخفي ( 2009 / 10 / 27 - 10:28 )
مقال جميل ودافىء..في مثل ايامنا السود هذه ...تحياتي للكاتبة


2 - نقد وتقييم
الحكيم البابلي ( 2009 / 10 / 29 - 02:53 )
السيدة امنة باقر ....... تحية
موضوع جميل ورقيق وسهل الهضم بالتعبير المجازي ، يقول لنا المعنى من القول الشهير : ومن الحب ما قتل
أعجبتني كثيراً فكرة ( هي المرة الأولى في تأريخ العرب التي ينسب فيها الرجل الى المرأة )رغم أنها ليست تحديداً المرة الأولى ولن تكون الأخيرة
ربما لم أفهم ، أو فهمتُ وأتعجب من قولك : ( وإنني لا أريد أن أروج لثقافة الحب .. أن الحب ذهب مع أهله .. مع قيس وليلى ) !!!؟ الواقع يفرض عليَ أن أقول لك سيدتي آمنة بأنك هنا كمَّن يقول : لا اؤمن بشيئ إسمه البحر !! ، وقد يكون كلامك هذا نتيجة تجربة مرة ومؤلمة وإحباطات وتداعيات داخلية وشخصية كما حدث لأغلبنا ، لكنها ليست بالأسباب الكافية والمقنعة لقولنا ( الحب ذهب مع أهلهِ )، إذ كيف يمكن للحب أن يموت بمجرد موت قيس وليلاه ؟ ، وكأن أنساناً يقول لي : البحر مات ، وحتى مجازياً لا نستطيع إماتة الحب
أما عن قولك ( وإنني هنا لا أريد ان أروج لثقافة الحب ) !!! ، فهذا يثير في رأسي علامات إستفهام وتعجب أكثر واكبر !!، ولماذا لا تريدين أن تروجي لثقافة الحب سيدتي ؟ ، وما هو الشيئ المعيب في الحب بحيث يمنعنا عن الترويج لهُ ؟ ، وإلى أي نوعٍ من الثقافات تريدين أن تروجي سيدتي ؟ ، علماً بأن كل الثقافات الأنسانية المكرسة لخدمة المجتمع الأ


3 - لا اعترض على سمو المفهوم
امنة محمد باقر ( 2009 / 10 / 29 - 21:50 )
ايها الحكيم البابلي ... ان الحب بات يستخدم كأداة للضحك على عقول النساء ، لذلك ارى تأثيرات سيئة لبعض تطبيقاته على ارض الواقع ، لا اعترض على سمو المفهوم وانسانيته ، بل على الاساءة لنوع المرأة !! قصص هذه الايام تفتقر الى الصدق .. والامر ليس له علاقة بخصوصياتي ، لكن من الناحية الموضوعية : مامدى المصداقية .. دراسة حالة او حالتين لن تفضي الى نتيجة ... ان كنت تريد الدقة الاحصائية ! .. اقترح ان نفرد له مقال منفرد .. ثم انه سيدخلني في جدلية المرأة وحقوقها ونظرية الجندر ، ومعنى ان يكون المرء امرأة ، ومعنى دوره في الحياة ... وهل هي مخلوق ثانوي ؟ وهل انها عرضة للخداع بسبب من طبيعتها الرقيقة ؟ اننا ندعو الى رعاية حقوق الاطفال بسبب من محدودية نضوجهم العقلي .. ولكن لم لانحمي المرأة !! بسبب من جموحها العاطفي ... ثم ماهذه الملكية وتلك التبعية ؟ ان النساء رياحين خلقن لنا !! ..... اما مصطلح : ثقافة الحب ... كان ينبغي ان اقول : ثقافة الحب المصطنع ... لربما ! وثقافة التعامل مع المرأة ! ........ وعلينا ان نتفق على التعريف اولا!! الحب كمفهوم ، كماهية ؟ ماهو ؟ قل لي انت !!! ... لكني لن اتنازل عن رأيي في مسألة مهمة : صار كل شئ يسمى حبا ! اي شئ ، قصة كاذبة يأتي بها احدهم الى طالبة جامعية ، ويقولون له باللهج

اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي