الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي 7,8,9

غريب عسقلاني

2009 / 10 / 27
الادب والفن



- 7 –
قال البدوي:
- الليلة يعودون من بيارة الباشا.
- ودورية الدوليين؟
- سيكون العبور وقت تغيير الدورية, واستلام الهنود الموقع, الضابط الهندي مسلم ووعد بالمساعدة.
كان أبو خليل قلقاً, ينقر بأصابعه على ركبته, حتى احمرّت وانتصبت شعيرات الساق على الجلد, سرى في ساقه الخدر فاضجع على كوعه:
- والدليل؟
- من عشائر الهزيل
- الغدر!
– أعوذ بالله..
ملأ البدوي غليون البوص بالتبغ البلدي الأخضر, وأشعله بالقداحة البترولية, حتى فاحت رائحة البترول مع سحابات الدخان, سعل عدة سعلات ولوح بيده:
- الاتكال على الله.
- من الرعاة من لا يؤتمن جانيه, أخشى أن يبيعهم.
كور البدوي قبضته وأقسم" لو حدث سأدفنه حياً" ولكنه سرعان ما اطمأن فالرجلان العابران لا يسلس قيادهما, ويستشعران الخطر عن بعد..
أما أبو خليل فلم يكن لديه الرغبة في مراقبة البحر, ولن ينتظر الصغار الذي يطاردون رزقهم بين شعاب الصخور, ومضى إلى المخيم يلقي بهواجسه على النواتي الذي يعرف البدوي وطباعه أكثر منه, ويثق بفراسته وحكمه على الرجال, وعلاقاته مع بدو بئر السبع وروبين وعشائر الهيب شمالاً, واستحضر حكايات وأحداث يافا, ودوريات الثوار بين غزة وبئر السبع حتى العقبة..

- 8 –
قالت أم خليل لزوجها:
- زوار الصيف هلّوا وتعالت الزغاريد في الحواري.
- رافقي أم حسن وقومي بالواجب.
خبطت على صدرها تتذكر شيئاً
- اليوم جاءت سناء, ولم تفارق الراديو حتى سمعت رقمها في النتائج ,وكان معدلها عالياً.. فرحت كثيراً ومجموعها كبير.
- البنت تستأهل
- لو رأيت أم حسن وهي ترقص وتزغرد وتبارك لها بالوظيفة سلفاً, وكانها هيي الناجحة..
وفي اليوم الثاني دست أم حسن يدها في زناره ترجوه. قال:
- وصلت يا أم حسن, ما الأمر؟
- البنت سناء لخميس يا جار..
وأخبرته أن عريساً من زوار الصيف سيخطبها الليلة طمعاً في توظيفها في الخارج, وأنه أجل طلبها من أخيها إلى ما بعد ظهور النتائج. قال أبو خليل:
- هذا الأمر يعود لأهل البنت.
- أخطبها لخميس الليلة, وكل شيء قسمة ونصيب.
- لم يطلب مني الشاب ذلك؟
- قلة حيلة وفراغ جيب, وأنتَ أدرى بظروفه, رتب بيته, وعالج أمه.
وبعد صلاة العشاء كان أبو خليل والنواتي والعيماوي وخميس يشربون الشاي تحت عريشة الدالية في بيت سناء, وقبل أن يهم النواتي بالحديث, سمعت نحنحة المختار أبو صبري يدق الباب يعكازة:
- يا ساتر
أكثر من صوت وفي آن واحد:
- مستورة تفضل.
تقدم المختار يتبعه أبو محمد البدرساوي وابنه الأستاذ خالد العائد من السعودية,.. جلسوا وحيوا وحياهم الحضور.. ودار الحديث في أمور الين والدنيا, والابن الذي يصبح جاراً, والبنات الضيفات في بيوت أهليهن, ولما أخذ الحديث وقته, ودار الشاي دورته, ومرت القهوة بفناجينها, أمسك النواتي طرف الخيط:
- الله يمسيكم بالخير, يا صاحب البيت نحن وفي معية الأجاويد والمختار طالبين يد أختكم لابننا جميس.
سرب المختار حبات مسبحته, وتحاشى النظر إلى صاحبيه, رد صاحب البيت:
- أهلاً وسهلاً, نتشرف يا ريس, وخميس أخ وجار طيب, ولكن الشرع يرد الأمر لرأي البنت.
- هذا حق والبنت بالغة وراجحة عقل.
وقبل أن يصل أخو سناء إلى مجلس النساء, أطلقت أم حسن زغرودة, تبعتها أم خميس, ولم تكبح سناء فرحتها.. ضحكت حتى آخر شدقيها, وأومأت موافقة..
عانق أبو محمود البدرساوي خميس, وشده إلى صدره, وأعاد المختار مسبحته إلى جيب صدره ولهج:
- القسمة والنصيب الفاتحة.
***
وعلى المقهى كان خميس وخالد البدرساوي يشربان الشاي, وعندما افترقا,تصافحا ودس خالد في كف خميس شيئا:
- هذا نقوطي لا يرد, والدنيا سداد ودين..

-9 –

في الليل داهموا المنزل, فتشوا المصنع, لم يذبل له جفن, فلم تكن المرة الأولى, اقتادوه وعند حجرة الأولاد تلكأ وعض على شفتيه, ابتسم ابتسامة حزينة لزوجته الهلعة..وانطلقت به سيارة البوكس.. أخذوه.. ووقفت ترنو إلى البحر من نافذة المصنع, لم تلف صدرها في وجه نسيم البحر البارد آخر الليل.. صاحت الديكة في بيوت المخيم, وسرعان ما دبت الحركة على الشاطئ, وتناهت إليها ترديدات البحارة..
هيلا ليصا.. هيلا هوب
مرق حسام العجرمي يطوي عب الشبك تحت إبطه.. نادت عليه:
- بلغ الريس النواتي أن يحضر إليَّ دون أن يسمعكَ أحد.
قال النواتي وقد احتضن قمر في عبه, فيما وقف خليل بجانبه واجماً يرهق السمع:
- الحملة واسعة فقد أخذوا الشاعر ورجالاً كثيرين.
- ما الحكاية؟
- لا يوجد سبب واضح هذه المرة, لكن الشاعر في الأيام الماضية تحدث عن اعتقالات واسعة تحدث في مصر.
وعند الضحى أصبح الاعتقال حديث المدينة والضواحي والحواري والمخيمات, ودار الهمس الواجف عن رجال تخلفوا عن أعمالهم, ومعلمين لم يظهروا بين تلاميذهم, ورجال لم يناموا في بيوتهم ساعة الحملة.
وعند الظهر أُسقط في يد النواتي, بعد أن تأكد من ترحيلهم إلى مصر, مما يعني أن الاعتقال ليس احترازياً, وأن المدى قد يطول..
وبعد أسابيع وصلت رسالة من الشاعر لزوجته حملها صحفي زار القطاع, وعندما سألها النواتي قالت:
- هي رسالة شخصية يا ريس.
ودارت ارتباكها أمامه, تمتم الريس "هذا أوان العشق" فقد كان يعرف مدى تعلق الشاعر بزوجته, وقد توزعت قصة حبهما على مساحات المدينة, وأخذ يحدث نفسه.." أي عاشق أنت , وأي وليفة هي".. واشتاق لوليفة ضيعتها الدروب, وتاهت حكاياتها, قصفت صبابة شبابه, هوت به كالشهاب..وتعذب " لو أدري بأي أرض تسكنين يا زهرة؟ وحبس زفرته, وغامت أمامه الدنيا واشتاق لجديلة ترقد خلف برواز الصورة, تتخللها ثلاث شعرات بيضاء.. هاجسه الموت ونادى عليها.. "بأي ترض تسكنين"
قال النواتي لأم خليل وقد أسقط في يده:
- رسالة الشاعر شخصية جداً
رف قلب أم خليل, وناحت أم حسن, أما سناء فانطلقت إلى بيت الشاعر وقد حدست شيئاً.
استقبلتها المرآة التي توزعت حكايتها على كل البيوت, فارهة الطول, حنطية, يضيء وجهها عينان لوزيتان..هالات السهد تحاصر الحدقتين, وتضفي عليهما سحراً أسطورياً..
على جدار ليلكِ الرهيبْ
رسمتُ صوتكِ الحبيبْ
واسمكِ الحبيب زنبقةْ
من سط بحرنا وموجةَ مؤرقةْ
على رمال سهدها الطويل تنتظرْ
من الغيوم فارسَ القمرْ
رسمت صوتكِ الحبيبْ
بُرعماً من النسيم
منوراً في جحيم
صحراء عزلتي وليلي الرهيبْ
لهثت سناء:
- خميس يكتب قصائد مماثلة وهو على بعد أمتار مني! ما الأمر؟ أهو الأستاذ والتلميذ؟ أم هي الحالة؟ أم أنا هي أنت؟
- الغربة تحاصرنا بين سجن المخيم وسجن الواحات..
تحاضنتا, ودق القلب على القلب, وهدأ الصدر على الصدر, قالت الكبرى:
- يصبح بينكما أولاد, ويزيد وجع القصيدة.
بكت أم خليل, وبكت أم حسن,وناحت صفية, أما حمدان فقد حاصرته جنيات البحر, فيما استوعب النواتي الحالة تماماً, وعندما رسم خميس القصيدة على السبورة, تساءل التلاميذ عن الزنابق والصحراء, ولم يتحدثوا عن القهر والسهد والأرق.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان