الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرف العشائري فوق القانون

محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث

2009 / 10 / 27
دراسات وابحاث قانونية


عند تشكيل الدولة العراقية الحديثة لجأت لضعفها الى الاعتماد على العشائر في فض المنازعات التي تجري بين هذه العشيرة أو تلك ،لأن قوة العشائر كانت تفوق قوة الدولة الحديثة ولتتخلص الدولة من دعاوى كثيرة أوكلت أمرها لشيوخ القبائل وهذا الأمر أعطى لشيخ القبيلة أجازة قانونية لممارسة الحكم بالطرق المتعارف عليها في الريف العراقي ،وكان للأعراف العشائرية مساوئها الكثيرة وكثيرا ما أدت الى حصول مظالم للعراقيين ليس هذا مجال الخوض فيها أو تعدادها لأنها أكثر من أن تحصى،و بعد ثورة 14 تموز 1958 حجمت الدولة دور العشائر بعد انتشار الأفكار التحررية بين الجماهير وتضعضعت مكانة الشيخ وأصبح فردا من أفراد العشيرة لا يميزه شيئا عنها بعد أن أصبح هو وفلاحه مالكين للأرض وبذلك أنحسر أو تضائل الدور العشائري وأخذت القوانين المدنية طريقها للتنفيذ.
وبعد حرب الخليج الثانية والهزيمة المرة للنظام العراقي ،والانهيار الكامل للقيادات البعثية بعد أن تركت مقراتها أمام هجمة الشعب ولاذت بالفرار تبحث عمن يؤمن لها الملاذ وفشل الانتفاضة للأسباب المعروفة للجميع انتبهت القيادة البعثية الى تأثير العشائر بعد أن كان لزعمائها الدور الكبير في حماية البعثيين الهاربين وتأمين سلامتهم على أسس عشائرية أو علاقات مصلحيه بينهم وبين مسئولي البعث،فقام صدام حسين بتقريب هؤلاء ومنحهم بعض الامتيازات والأموال والمعروف أن شيوخ القبائل ليسوا من أصحاب المبادئ وإنما يرعون مصالحهم الخاصة بعيدا عن مبدأ المواطنة لذلك سارعوا لتأييد السلطة والسير في ركابها وأصبحوا العيون الساهرة لحمايتها والدفاع عنها فكانوا عيونا وأرصاد لأبناء عشائرهم وحدثت داخل العشائر ذاتها خلافات حول المشيخة فكانت السلطة تقدم الموالي لها وتبعد من يقف ضد مصالحها ولإضاعة هيبة العشائر وامتهانها قامت بتقديم الكثيرين ممن لم يكونوا رؤساء للقبائل أو من الأسر التي تتولى المشيخة حتى أصبح الشيوخ مهزلة وموضع للسخرية والتندر فيقال الشيخ الفلاني (نخلة وفسفورة)أشارة للعملة الورقية التي ظهرت بعد الحصار ووضعت فيها نخلة وفسفورة مخفية حتى يصعب تزويرها.
وقد أغدق صدام حسين الملايين على الشيوخ الجدد ومنحهم امتيازات وصلاحيات فكان الشيوخ يرقصون ويهزجون للقائد المفدى وللمزيد من إذلالهم كان يحضرهم لمقابلته فيعاملون معاملة تفوق معاملة الكلاب الأمريكية للساسة العراقيين وكانوا يعرضون للفحص الطبي والوقوف لساعات دون أن يتبلغوا بلقمة ورغم ذلك كانوا يتهافتون طمعا في جاه أو مكسب وحتى اللحظات الأخيرة قبل السقوط عام 2003 كانت القيادة البعثية قد منحتهم ملايين الدنانير والقوات الأمريكية في المدن العراقية،وبعد سقوط النظام عادت حليمة لعادتها القديمة وشمر الشيوخ عن سواعدهم للاستفادة من الغنائم فكانوا في مقدمة الراقصين في الاحتفاليات التي يقيمها القادة العراقيين وأنتعش سوق المهاويل في ترديد الأهازيج لهذا أو ذاك وكانت تجارة رابحة لن تبور والغريب أن شيوخ العراق المكرمين كانوا يؤيدون من هو في السلطة وخصوصا أذا كان رئيسا للوزراء فرقصوا على أنغام أياد علاوي وطبلوا على إيقاع الجعفري وردحوا لحركات المالكي وعيونهم تنظر الى يديه بانتظار منحهم مبلغا أو هدية لذلك راجت بضاعتهم من جديد في ظل الفوضى الأمنية وحاولوا بناء مجدهم الضائع منتهزين الفرصة فظهر من جديد قانون العشائر ،وأدى هذا القانون الى تعطيل القانون الرسمي وإهماله وعدم جدية قوى الأمن في إلقاء القبض على المجرمين خشية الفصل العشائري ،وعاد الشيوخ من جديد لبسط نفوذهم بعد أن وجدوا التشجيع من القيادات السياسية العارفة لطبيعة هؤلاء وأخلاقهم السياسية والوطنية،ولكي أكون واقعيا مستندا لمصادر رسمية خشية مطالبتي ((بالفصل العشائري)) لأني تجاوزات على المقامات السامية للشيوخ أنقل إليكم الخبر التالي ،فقد أعلنت(قيادة الشرطة في محافظة ميسان أن عصابات السرقة في المحافظة كانت ناشطة خارج البلاد، فيما دعت اللجنة الأمنية العليا المواطنين إلى التوقف عن اللجوء إلى الأعراف العشائرية لاسترداد السرقات بدلاً من القانون المدني.
وقال مدير التحقيقات الجنائية في ميسان الرائد علي قدوري أن «التحقيقات الأولية مع العصابات التي ألقي القبض عليها حتى الآن، تؤكد أنها كانت ناشطة خارج البلاد في وقت سابق، وانتقلت إلى العراق لزعزعة الأمن الذي بدأ بالتحسن منذ أكثر من عام». وأوضح أن «بعض السرقات كانت تستهدف أموالاً عامة كرواتب الموظفين أو موازنات الدوائر ومن السرقات التي وقعت في المحافظة هي سرقة 33 مليون دينار من رواتب موظفي إحدى الدوائر بالإضافة إلى 30 مليون دينار من مديرية الزراعة، فضلاً عن سلب بعض موظفي المحاكم».
ودعت اللجنة الأمنية العليا الأهالي إلى ترك العرف العشائري الذي بدأ بالانتشار في الآونة الأخيرة مع تنامي عمليات السرقة. وجاءت هذه الدعوة «ليأخذ القانون مجراه وتقوم الحكومة بدورها في تنظيم الشكاوى ورد الحقوق».
ولوحظ أخيرا ازدياد دور العشائر بدلاً من المحاكم والقانون للبت في القضايا التي تتعلق بالحقوق الشخصية. وقال بعض الأهالي لـ «الحياة» إنهم لجئوا إلى العشيرة لحل قضاياهم بعد أن تعرفوا إلى هوية اللصوص لضمان عودة حقوقهم.
أكد حيدر الساعدي الذي سرق منزله ونجح بنفسه في القبض على أحد اللصوص:»تأخر أحدهم عن مجموعته التي لاذت بالفرار فتمكنت وأخوتي من إلقاء القبض عليه». وأضاف «تعرفت إلى عشيرته وقررت اللجوء إلى القضاء العشائري بسبب سرعة البت بالقضايا»، وأوضح «اتفقنا مع عشيرته على موعد لعقد جلسة الصلح التي سنطالب خلالها برد حقنا». وزاد أن «لا علاقة لي حتى بأفراد العصابة الباقين فكل ما يهمني هو استرداد أموالي وممتلكاتي».
وأشار زكي صالح (56 سنة) الى انه تنازل عن الدعوى على أحد المتورطين في سرقة منزله قبل شهر بعد تدخل شيخ عشيرته. وقال «حصلت على ما سرق مني مع بعض النقص الذي ينتج من المساومة خلال جلسة الصلح».
أما أبو غالب التميمي فقال: «حتى في القضاء العشائري تتأخر بعض القضايا أحيانًا كقضيتي، إذ وجدت أن العشيرة التي أطالبها بإرجاع المفقودات مطالبة من عشائر أخرى بالقضية ذاتها كون أكثر أفرادها يعيشون على مهنة السرقة بعد أن كانوا يعتمدون على مهنة القتل مع بعض الميليشيات سابقاً).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مكاتب دلالية العشائر
مارسيل فيليب / ابو فادي ( 2009 / 10 / 27 - 21:54 )
أسمح لي أستاذي العزيز أن أضيف ، ... عندما شجع النظام المقبور حالة بروز جيل جديد من المشايخ ، اطلق الشارع العراقي عليهم تسمية ( شيوخ التسعينات )، خاصة ، من لم يرثوا المشيخة من خلال المراتبية المتبعة في نظام العشيرة .
حتى إن لم تخني الذاكرة ، نشرت رسالة العراق في حينه موضوعاً عن من قام بتأسيس عشيرة ، سماها ( العشيرة الحرة ) .. تقبل الأنتساب لها طالما تم دفع ( الودي ) ، أو أشتراك شهري ، وكانت هكذا تجمعات قد بدأت في مدينة صدام لاحقاً / والصدر حالياً ، أي مدينة الكادحين - الثورة - الأصيلة ، بل أوعز النظام أنذاك لأجهزته الأمنية بأختيار بعض العناصر الموالية لتأسيس مكتب ( دلالية العشائر ) ، كان يقع في مدينة الشعلة ، كان المكتب يرتبط بعلاقات واسعة مع أجهزة الأمن التابعة للسلطة ، أما وظيفته ، فقد كانت مساندة أي شخص يرتكب عملاً لا يحضى بقبول أو مساندة عشيرته، أو جريمة من الجرائم المخلة بالشرف ، حيث كانت لديهم عناصر تتمتع بأشكال وقورة ويجيدون حديث ( الديوان ) ... يتفق مرتكب الحادثة مع المكتب على مبلغ معين ، ليرسل المكتب بدوره أثنين أو ثلاثة وجوه ، أضافة الى 20 - 30 شخص مع أسلحتهم لأرهاب الخصم .
أستدرك هنا أن ما أذكره نقلاً ، ليس بهدف الأساءة للعشائر وأبنائها كشريحة من شرائح مجتمعنا


2 - اهانة
عبد الكريم البدري ( 2009 / 10 / 28 - 18:13 )
عزيزي محمد علي!
في تلك الأيام أسرني احد هؤلاء الشيوخ, ان صدام عندما كان يستدعيهم لأغراض الدعاية ويطلب منهم الرقص على الطريقة الغجرية. كان يجلس فوق منصة ويحط رجلا على رجل بحيث يكون مستوى حذائه بمستوى عقلهم. فقلت له ولماذا لم تجد لك حيلة في الأعتذارفقال تريد تهجم بيتي .فتصورهؤلاء هم جماعة موافج. لكن للحقيقة اقول ان مشايخ الغربية هم غيرمشايخ الشرقية حيث الصنف ألأول كان يعتبرابناء عشيرته كما لو كان كبش بين الأكباش. واما الصنف الثاني فكان يعتبرنفسه كبش بين الخرفان ...مع الأعتذارعن التسميات التي لربما لاتليق بأدبنا. مع خالص التحية لك.


3 - ردود
محمد علي محيي الدين ( 2009 / 10 / 28 - 19:42 )
العزيز أبا فادي
في جامع تعليقاتك الكريمة لك إضافاتك النافعة التي تغني الموضوع وتسلط الضوء على جوانب مثيرة تستحق البيان .
تحياتي لك وتمنياتي أن يعود العراق كما كان وطن الجميع ينعم به أبنائه
الأخ عبد الكريم البدري
ما ذكرته صور واقعية لهؤلاء ولا زال الكثيرون منهم بذات الأخلاقية القديمة في التزلف والرياء فقد فتحت السماء عليهم أبوابها في المواسم الانتخابية كما يقول أحدهم العشاء لدى فلان والغداء لدى فلان وأي يدفع نصفق له ونقسم له على الوفاء ولكنهم في الحقيقة لا يفون بوعودهم وديدنهم اللعب على الحبال ،اما شيوخ المناطق الغربية فهم كما ذكرت لديهم اعتداد بأنفسهم لذلك تراهم يترفعون عن سفاسف الأشياء ولكنهم يحصلون على الأدسم من مصادر أخرى مع الاحترام والتبجيل لهم ولكل عراقي شريف يمتلك شيئا من الخلق المبدئي.

اخر الافلام

.. اعتقال ضابط إسرائيلي بإطار قضية التسريبات الأمنية.. ما التفا


.. هاريس وترامب يحاولان استقطاب الأقليات في ولاية ويسكونسن




.. كلمة الأمين العام للأمم المتحدة خلال فعاليات المنتدى الحضري


.. كلمة المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البش




.. تغطية خاصة | طرابلس تحتضن النازحين إليها من جنوب لبنان والبق