الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الخارجية والوضع الداخلي

محمد سيد رصاص

2009 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


بانت ارهاصات تحول الولايات المتحدة إلى زعيمة للعالم الغربي مع حلول واشنطن محل لندن في مركز عاصمة الاقتصاد العالمي بتأثير أزمة" الكساد العظيم"(1929-1932)،ثم لتظهر الترجمة العملية لذلك في عالم مابعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بعام1945،وقد كان السعي الحثيث لوينستون تشرشل من أجل ادخال واشنطن في الحرب ضد ألمانية واليابان،بعد احتلال هتلر لفرنسة في حزيران1940،يعبر عن ادراك بريطاني مبكر لتلك الحقائق الجديدة في توازنات العلاقات الدولية.
عملياً،كانت الحرب الباردة(1947-1989)بين العملاقين الأميركي والسوفياتي مثالاً كبيراً على أنه إن لم تتوازى أوضاع الداخل مع حجم دور السياسة الخارجية فإن مصير الدور الدولي للدولة المعنية سينتهي إلى الفشل عبر قانون محتوم:كان الاقتصاد السوفياتي،البادىء في عام1970 بالدخول في الضعف والتأزم،يشكل نقطة ضعف كبرى في سياسة بريجنيف(1964-1982)التي تجاوزت سياسة"الوفاق"(المكرَسة مع نيكسون وكيسنجر منذ قمة موسكو في أيار1972)،لتكون السياسة الهجومية السوفياتية،المبنية على الإنكفاء الأميركي إثر فضيحة ووترغيت(حزيران73-آب74)والهزيمة الفيتنامية(أيار75)،غير مستندة إلى ظهير سوفياتي داخلي قوي،وبحيث كانت هناك انتصارات سوفياتية في أنغولا(76)وإثيوبيا(77)وانقلاب شيوعي أفغاني(78)إلاأنه وفي الوقت الذي كان بريجنيف يسدد رواتب الجنود الكوبيين في أنغولا وإثيوبيا(وأيضاً يسند الإقتصاد الكوبي)ويرعى اقتصاد أفغانستان قبل أن يضطر للتدخل العسكري المباشر في أواخر عام1979 فإن المواطن السوفياتي،الذي كان يقف في الطقس المثلج بموسكو لساعات في الطوابير من أجل الحصول على المواد الغذائية الضرورية،لم يكن على نفس النغم مع الأمين العام للحزب ليونيد بريجنيف وباقي أعضاء المكتب السياسي.وإذا أردنا الدقة الشديدة،فإن الإنهيار السوفياتي(1991)،وقبله بسنتين ذاك الذي حصل في "الكتلة السوفياتية"،لم يأت نتيجة هزيمة عسكرية أوسياسية كبرى،بل نتيجة عدم قدرة الاقتصاد السوفياتي على الدخول في سباق"حرب النجوم"الذي أدت إليه "مبادرة الدفاع الإستراتيجية"(آذار83)التي أطلقها الرئيس الأميركي ريغان،والتي عنت انتهاء التعادل النووي الذي انبنت عليه توازنات الحرب الباردة،الشيء الذي قاد إلى بيريسترويكا غورباتشوف التي كانت قبولاً بانتهاء وظيفة الدولة العظمى عند السوفيات،وهو ماآل بالنهاية إلى تفكك بنية الداخل وليس فقط انتهاء الدور الدولي.
نجد حالة مشابهة للمثال السوفياتي مع ايران الشاه:أخذ محمد رضا بهلوي غطاءً أميركياً كبيراً،منذ عام1970،من أجل أن يصبح"شرطي منطقة الخليج" لحساب واشنطن في مرحلة مابعد اكتمال الإنسحاب البريطاني من منطقة شرق السويس.كانت أصابعه ممتدة من منطقة ظفار(ضد اليساريين هناك)إلى أقصى شمال العراق حيث دعم تمرد الملا مصطفى البرزاني،ومابينهما،وقد أغمضت إدارة نيكسون عيونها لمااحتل الجزر الإماراتية الثلاث،وكانت متلاقية معه كثيراً لماحاول اللعب بالداخل العراقي،كماأنه لعب دوراً فعالاً لصالح واشنطن في حرب القرن الإفريقي الإثيوبية-الصومالية بربيع 1977:عندما زار شاه ايران وزوجته واشنطن في أواسط شهر تشرين الثاني1977(بعد شهر من بدء الإضطرابات الطلابية في الجامعات الايرانية)وجابهته حشود ايرانية جاءت من مختلف المدن الأميركية بالشعارات المضادة لنظامه داخل حديقة البيت الأبيض ممااضطر الشرطة الأميركية للتدخل باستخدام الغاز المسيل للدموع الذي أصاب عيون الشاه والشاهبانو أمام عدسات الكاميرات والتلفزة- فإن إدارة كارتر لم تقدر بأن ذلك نذيراً بماسيحصل خلال عام1978،وهي لم تكن على اطلاع حتى بالحد الأدنى على الوضع الايراني الداخلي خارج أطر تعامل السفارة الأميركية وأجهزتها مع الأجهزة والأطر الايرانية الرسمية،وقد أبرزت الصحف الأميركية آن وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية لم تكن لديها سوى معلومات تقارب حدود الصفر عن شخصيات الحاكمين الجدد في طهران عقب استلام الخميني للسلطة يوم11شباط1979.
إذا أردنا رؤية حالة معاكسة،عندما تُستخدم العلاقات الدولية من أجل دعم وتطوير الاقتصاد والتقنية للبلد المعني،فإن سياسة الصين هي هكذا منذ عام1978،وكذلك الهند في مرحلة مابعد انتهاء الحرب الباردة،ولوأن نيودلهي أيضاً استخدمت علاقاتها الدولية،القوية مع واشنطن وتل أبيب خلال العقدين الماضيين،ضد"الداخل الهندي"في كشمير عبر التلويح بوحدة مصير هندية مع الأميركان والاسرائيليين ضد مايسمى ب"الإرهاب الاسلامي"،وهو شيء مارسه الرئيس الروسي بوتين لماأخذ غطاء أميركياً وغربياً ضد الشيشانيين مقابل قبوله بالغزو الأميركي لأفغانستان بعد أسابيع قليلة من(11أيلول).
السؤال الآن:هل تؤشر أحداث ايران في مرحلة مابعد انتخابات 12حزيران2009،التي أعطت صورة واضحة عن وجود انقسام اجتماعي ايراني كبير (في ظل اقتصاد مأزوم)ليس فقط حول السياسات الداخلية وإنماأيضاً وأساساً حول طبيعة ومحتوى وأثمان السياسات والأدوارالتي تلعبها طهران في الإقليم المحيط وحيال واشنطن وكذلك حول الرؤية ل"العالم الخارجي"،إلى بداية فقدان السياسة الخارجية الايرانية للدينامو الداخلي ،أوإلى اضطرابه على الأقل،ممايمكن أن يؤثر ويقلقل تلك الأدوار الكبرى التي تلعبها طهران منذ سقوط بغداد يوم 9نيسان2003في المنطقة الممتدة بين كابول والشاطىء الشرقي للبحر المتوسط؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر