الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحولات الأحزاب:الأبواب المفتوحة بين الشيوعية والليبرالية

محمد سيد رصاص

2009 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في يوم4آب1914استدار حزب ألماني،كان يضم مليون عضواً واكثر من ربع مقاعد البرلمان،بشكل دراماتيكي مفاجىء من موقع اليسار نحو اليمين عبر تصويته بالموافقة على اعتمادات الحرب التي طلبتها هيئة الأركان من الحكومة الألمانية،بعد أن كان هذا الحزب،لربع قرن مضى،يتزَعم الأممية الثانية ،التي ضمَت عشرات الأحزاب اليسارية الماركسية،في معارضتها لنذر الحرب العالمية التي كانت تلوح في الأفق منذ تسعينيات القرن التاسع عشر،وفي مطالبتها بالسلم.
كان لينين يعتبر،حتى ذلك اليوم،أن حزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الألماني هو قدوة للحزب البلشفي،وكان ينظر إلى زعيمه كارل كاوتسكي كأستاذ له،وقد أصيب الزعيم البلشفي بصدمة نفسية كبرى جراء ماحدث ذلك اليوم ببرلين وصلت به إلى حدود التفكير بإعتزال السياسة،مادفعه للإعتكاف في مكتبة العاصمة السويسرية بين أيلول وكانون أول1914لقراءة هيجل،وإن كان المرحوم الياس مرقص يؤكد ،في مقدمة ترجمته لكتاب لينين"دفاتر عن الديالكتيك"،أن"الطريق الذي قاد إلى أوكتوبر الروسي مرَ ب(المنطق الكبير)لهيجل"،حيث كانت العودة للفلسفة طريقاً لإعادة تأسيس سياسي جديد عبر رؤية قطعت مع الماضي وصلت بلينين إلى تطليق استراتيجيته في كتاب"خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية"(1905)نحو استراتيجية جديدة ترى أفقاً ل"ثورة اشتراكية"في بلد واحد ومتخلف يمثِل"الحلقة الضعيفة في سلسلة الإمبرياليات"وصل إليها لينين من خلال كتابه"الإمبريالية"(1916)ونظريته حول(تفاوت النمو).
في كراس لينين"افلاس الأممية الثانية"(أيار-حزيران1915)نجد محاولة لتفسير تحول ذلك الحزب الألماني الكبير من موقع إلى آخر نقيض،ليضع خلفه كل ماكان يقوله أويمارسه من قبل:لايفسر لينين التحول بأسباب فكرية،مع أنه يقول"أن المحتوى الفكري والسياسي للتيارين واحد وحيد" في إشارة للنزعة القومية عند الفئات الوسطى الألمانية والنزعة اليمينية الجديدة للحركة العمالية الألمانية،وإنما يعزوه إلى أسباب اقتصادية- اجتماعية"فقد نضجت فئة اجتماعية كاملة من البرلمانيين والصحافيين،وموظفي الحركة العمالية،والمستخدمين المميزين وبعض الجماعات من البروليتاريا،فئة اندمجت في بورجوازيتها الوطنية وعرفت هذه البورجوازية كيف تقدرها وتكيفها على أكمل وجه"،حيث يرى لينين أن هذا الإتجاه كان"في طور الشباب قبل الحرب،ولكنه بلغ نهائياً سن الرشد مع نشوب الحرب"،وهو مايطبقه على كل البلدان الأوروبية التي لها مستعمرات حيث وجدت أوضاع اقتصادية أكثر رخاء بسبب نهب المستعمرات سمحت بنشوء"أرستقراطية نصف بورجوازية صغيرة منبثقة من صفوف الطبقة العاملة والمتمتعة بفتائت الإمتيازات التي تعود إلى وضع أمتها بوصفها أمة مستعمِرة". ثم يضيف لينين لذلك سبباً آخر هو الوضعية التنظيمية وأساليب العمل الحزبي التي تعتمد الشرعية- العلنية ولاتستطيع الإنتقال للعمل السري حيث كانت"المنظمات الشرعية الجماهيرية للطبقة العاملة أهم علامة تميز الأحزاب الاشتراكية في عهد الأممية الثانية،ففي الحزب الألماني كانت هذه المنظمات أقوى ممافي غيره".
يقدم تروتسكي تفسيراً آخر لذلك الحدث،الذي يقول عنه في كتاب"حياتي"(1930) أن "تصويت 4آب يظل واحداً من التجارب الدراماتيكية التي مرَت عليَ"،حيث يفسر تروتسكي تصويت أحزاب الأممية الثانية في بلدان رئيسية (ألمانية-فرنسة-النمسا-إيطالية)بتأييد جيوشها المتحاربة مع بعضها البعض من موقع قومي بأن "هؤلاء كانوا قوميين حقاً،ويتَغطون بقناع الثقافة الاشتراكية الذي ذاب في ظرف الحرب بسرعة كبيرة"(ليون تروتسكي:"حياتي")،ثم يضيف بأن ذلك"لم يكن مسألة تتعلق بخطأ عادي ارتكبه شخص عادي،أوأنه بيان مضطرب يصدر عن منبر برلماني......وإنما الموضوع يتعلق بانهيار حركة كاملة اسمها الأممية الثانية"(الفقرتان منقولتان عن يوميات تروتسكي بنفس الأسبوع من شهر آب1914 ،الموجودة مقتطفات منها ضمن كتابه المذكور).
كان هذا الإنهيار هو الذي سمح بخلق مناخ جديد أتاح المجال لتلاقي لينين مع تروتسكي،بعد قطيعة بدأت مع انشقاق البلاشفة والمناشفة عام1903،ليكونا قائدي ثورة أوكتوبر1917،كماأن هذا الإنهيار قد كان البذرة الأولى لأكبر انشقاق فكري- سياسي شهده القرن العشرون بين اتجاهين:الشيوعي عبر تأسيس الأممية الثالثة في آذار1919 ،والاشتراكي الديمقراطي الذي استمر في مؤسسة الأممية الثانية.
مع الإنهيار السوفياتي،بين عامي1989و1991،حصل زلزال سياسي هو في الحقيقة أكبر من الذي حصل في يوم 4آب1914 عند اليسار،ليصل إلى مرتبة تحوُل أساسي في اللوحة الدولية صاغَ كامل المشهد العالمي اللاحق،تماماً كماحدَد وقاد حدث أوكتوبر1917 إلى مشهد عالمي جديد طوال خمسة وسبعين عاماً لاحقة من الزمن:أدى الإنهيار السوفياتي أوأنشأ مناخاً قاد إلى تحول أحزاب كبرى،مثل الحزب الشيوعي الإيطالي في مؤتمر آذار1991 عبر انشقاق أخذ فيه (حزب اليسار الديمقراطي)ثلثي الحزب بالإتجاه الإشتراكي الديمقراطي فيماأخذ الباقي(حزب إعادة التأسيس الشيوعي).في العالم العربي تحوَلت أحزاب شيوعية نحو شكل وسطي بين الليبرالية والاشتراكية الديمقراطية كمافي تونس، فيماانزاح قسم من الشيوعيين العرب نحو ليبرالية"ما" مثل الذين ذهبوا مع الأستاذ رياض الترك من الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي عام2005ليؤسسوا (حزب الشعب الديمقراطي)،بينما نجد الحزب الشيوعي العراقي منذ عام2003 وهو منزاح يميناً من الناحية السياسية عبر موقفه من"العراق الجديد"من دون تغيير ايديولوجي أوفي الإسم. بالترافق مع هذا،هناك العشرات من المفكرين والمثقفين الشيوعيين العرب الذين اتجهوا نحو الليبرالية منذ عام1989 أونحو شكل"ما"من الاشتراكية الديمقراطية،مزيحين ستالين وسوسلوف لصالح جون ستيوارت ميل وإدوارد برنشتين،ووصل بعضهم إلى تأييد مشاريع"المحافظين الجدد" أثناء عهد بوش الإبن الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط.
يُعزى -عند الكثيرين- هذا التحول لدى الشيوعين العرب،أحزاباً وأفراداً،والذي وصل إلى تبديل الجلود وتغيير القمصان والألوان،إلى موت"الشيخ"الذي كان يَؤمهم حتى عام1991،والذين كانوا يعاملوه بمقره بالكرملين مثلما يعامل الكاثوليكي المؤمن بابا الفاتيكان،وهو مايشمل حتى العديد ممن كانوا مختلفين،لأسباب سياسية وتنظيمية فقط وليست فكرية،مع موسكو،كمايرى أصحاب هذا التفسير أن تحولات العديد من الشيوعيين نحو التطلع بإتجاه واشنطن لإحداث تغييرات محلية تثبت أن هؤلاء لايعيشون على التربة المحلية وإنما على أوكسجين خارجي،وأنهم لايصعدون بأرجلهم نحو الأعلى وإنما عبر أسانسول سياسي.أيضاً،هناك تفسير آخر يعزو هذا التحول إلى تبدلات اقتصادية- اجتماعية عند الشيوعيين العرب المعنيين ساعد موت "الشيخ"الموسكوفي على انطلاقها وحدوثها،فيمايقول رأي ثالث بأن هذا التحول يعود إلى أسباب فكرية ترتبط بعلاقة بنيوية بين تيارات هي"غرف في بيت واحد"،وأن هذه التيارات تعود إلى نبع واحد هو عصر الأنوار الفرنسي،وبالتالي فإن انتقالات الأفراد والأحزاب من تيار لآخر يظل تحت السقف الواحد تبعاً لصعود أوهبوط تيار معين من التيارات الثلاثة،وهي الشيوعي،والاشتراكي الديمقراطي،والليبرالي.
السؤال الآن:لماذا لم تحصل حتى الآن مقاربة لهذا الموضوع عربياً،رغم أنه أحدث تحولاً دراماتيكياً في المشهد السياسي- الثقافي- الفكري العربي خلال العقدين الماضيين،بعكس ماجرى من معالجات لتحولات تنظيمات (حركة القوميين العرب)من الإتجاه القومي نحو الماركسي خلال النصف الثاني من عقد الستينيات؟....
====================================================









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نفاق
سوري لا ينافق ( 2009 / 10 / 29 - 14:11 )
أشتم رائحة النفاق في تساؤل سيد رصاص حول عدم مقاربة تحول الشيوعيين إلى ليبراليين حيث أن هذا الموضوع تحديداً هو الموضوع الأثير الذي تتمحور حوله كتابات الستاليني فؤاد النمري ومنها ما جمعه في موقعه الألكتروني تحت عنوان - ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول -ولا يمكن أن السيد رصاص لم يقرأها حيث أن جزءاً منها يخص السيد رصاص نفسه


2 - قائدألإنسان وعيه
هندال سالم ( 2009 / 10 / 30 - 16:49 )
لا نغالي إذا قلنا أن الفرد حيوان إجتماعي بطبعه كما أعلنها إفلاطون ، وبدون إمتلاكه المعرفة ستقوده أنانيته في الحياة الى عدم إهتمامه بعذابات ألآخرين لكنه إذا نال المعرفة وسار في طريق تثقيف عقله من أجل توعيته سيزداد ضميره ألإنساني قوة وصلابة وسيرى ما لايراه غيره ؛ سيرى حياة الفقراء في بلده والعالم تلك الحياة التعيسة المؤلمة التي سببها أنانية الرأسمالية عندها لا يرتاح له بال إلا أن يناضل من أجل إزالة هذه التعاسة وبثقافته سيعرف أي الوسائل يستخدمها بنجاح ؛ هذه ديمومة الشيوعيون ومن يضعف وعيه تقوى انانيته ويسير خاطئا سواء كان فردا او حبا ؟؟؟؟؟ وهذا ما حدث مع تلك الآحزاب يا سيد رصاص وشكرا

اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر