الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طرائف ... ديوانيه 8 / 9

محسن صياح غزال

2004 / 6 / 5
الادب والفن


ضَحيّة .... شــَـخيرْ !

سخام " الوجاغ " الأسود يمتد صاعداً الحائط ليزحف بعيداً على ذلك النتوء الأجرد المسمى " مقهى صيّاح " , بقواريره

الأثرية المخاطة والمسلحة بخيوط وشباك معدنية لفرط ما تعرضت له من تشققٍ , ولأجبارها على الصمود زمناً أطول !

و " ســـماوَرْ " الماء الساخن المسوَّد الداكن والبائس هو أيظاً بفعل دخان ولضى " الخاكه " التي حولت ذلك النتوء الى

كهفٍ مظلمٍ كئيب لا تُجدي معه " لمبات " الضوء التي تسخّمت هي الأخرى وفقدت وضيفتها !

أرضية كونكريتية تشققت وتورمت وتنتأت بفعل الماء والطين والقاذورات ... والأهمال , حتى بدت وكأنها مصابة بالجُدَري!

جحر منزوٍ في نفق معتم ٍ من " قيصرّية " الحاج صلاّل , يتوسطه مجرى ماء آسن عفن , ممر لا يسع سوى " قَنَفَتَينْ "

على جانبيه مما يُجبر المارّة على القفز يمنة ويساراً لتفادي الوقوع في سيان المجرى ! .

تتسلل شمس القيظ الحارقة أمتاراً داخل الدهليز المعتم الذي تحول الى مُجّمع للزبالة و وكرٍ لقضاء الحاجة ! وكلما زحفت

أكثر كلما أبتعدت " القَنَفات " هرباً مع الظل والعتمة .

جلس " حسن دوحي " مقرفصاً فوق القنفة , كاشفاً عن ساقين نحيفتين وعظام ناتئة كساقيّ لقلقٍ , باعداً أياهما عن بقعة

الضوء الساخنة الزاحفة تحته . رجل يحمل في شخصه كل المتناقضات , مُبالِغٌ حد الخُرافة , محترف تلفيق الحكايات

وتوليف الأساطير . قبالته وعلى عتبة المقهى , وقف أبي عابساً متجهماً عكر المزاج بعد " كَسْرَةُ الظهيرة " التي قضاها

في البيت وحيث لا زال السوق شبه مهجور في ذلك النهار اللاّهب الا من بعض المارّة وزعيق " رِسَنْ عبد الله "المتواصل

( أحمر يا رقّي .. شَـــكَـرْ يا بطيخ ..... شــاي ومــاي ) ! كان يطلب – وان دون رغبة – الشاي والماء مع كل صيحةٍ ونداء

للزبائن ترويجاً لبضاعته, حتى أصبح الشاي والماء جزءاً متمماً للنداء على المارة وملازماً للبضاعة المعروضة , ولأقضي

تلك الضهاري القائضة اللاّهبة ذهاباً وأياباً حاملاً الشاي والماء ل " زبوني الوحيد " البالوعة التي لاترتوي ولا تملّ !

وقف أبي صامتاً متفحصاً في الفراغ ناقلاً نظراته بين رِسَنْ وزعيقه المزعج الممل في فراغ الشارع المهجور وبين كومة


العظام المتكورة فوق القنفة, وكان حسن دوحي مهموماً شارد الفكر متلفتاً كمن يبحث عن شيء في الفراغ أو من يريد

أن يُفرِغْ شُحنةً من الحسرة أو الكبْتِ من دواخله :


- هذا شلون قَــدَرْ .. شـلون زمـان يا صيّاح ... شـلون جيل فاسـدْ ونـذِلْ اللّي خَلّفناه ؟

رمقه أبي بنظرة أستغراب وتساؤل عما يقصده

- أجاني أبو طارق يبكي ويلطم وبحالة تكسر الخاطر وتفطر القلب !

- - خيرأنشاالله ... صار بيه شي لا سامح الله ؟ تسائل أبي بفضول شديد

- ما تصدق .. أبنه طرده من البيت ... لأن مَرْتْ أبنه منزعجه من شِخِيرَه .. شايف النذاله ؟ !!

مشغولاً بغسل " الأستكانات " وغارقاً في خطط ما بعد النهار ولقاءات الصحبة في مقهى عواد ولعبة الدومينو , فجأة وبدون

سابق انذار أمتدت كفّين غليظين لتنغرس أظافرهما بجلد رقبتي وخاصرتي , ترفعاني في الهواء عالياً , تفلتاني , أسقط مهشماً

فوق مجرى القاذورات الآسن وصوتاً عصبياً متذمراً يصرخ :

- نقضي عمرنا ضَيَمْ وقَهَرْ وتَعَبْ وحيَلْنا مهدود ... وتاليهه هاي آخرتنا ... يذبّونا بالشارع ... خَرَى على هيج بَــزْرَه !!

كتلة من الأوجاع والدم والخدوش, جثة محطمة تزحف فوق بُرْكة عفنة من البول والبصاق , أعقاب السكائر والفئران

المتفسخة, أكابر للوقوف على قدمي , ملطّخ بالعفن والجيفة , زحفت مبتعداً قليلاً , وبكره وحقدٍ شديدين حدّقت ب "حسن

دوحي " متوعداً الأنتقام منه لما حلّ بي بسببه وموجهاً كلامي لأبي :

- عمري 14 سنه .. لا عندي بيت أطردك منّه ... ولا عندي مَرَه تنزعج من شخيرك , وأشرت بأصبعي صوب حسن دوحي,

ولا هذا رَجْلْ الكَحْبَه عنده صديق طاردينه من بيته !!

ولّيت هارباً صوب الدار , حزمت أمري أن لا أعود الى المقهى ثانية ..... لكنني عدت !

محسن صياح غزال – السويد
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي