الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الثالث من رواية ( عادت منحرفة)

رحاب حسين الصائغ

2009 / 10 / 31
الادب والفن


لفتت نظري الساعة على الجدار. دهشت؛ كم يمر الوقت سريعاً حينما يكون لدينا عمل يجب إنجازه. بيأس أسرعت إلى الملفات، وبدأت أتصفح منها الأكثر أهمية بالنسبة ليوم غد.

ملف "سهر"
"سهر".. أمٌ دفعت بفلذة كبدها للنار من أجل أن تجد سقفاً تعيش تحته مع أولادها العشرة. والدهم رجل عامل في أحد المصانع، براتب شهري لا يكفي لسد نفقات العيش. يسكنون غرفة في بيت والدهُ الذي مازال يسكن مع والديه واثنين من إخوته. أيضاً متزوجان. لدى كل واحد منهم أكثر من طفل. لا تنتهي المشاكل من الصباح حتى المساء في ذلك البيت، فكان ابنها البكر الضحية لتلك العائلة. أقنعوه أن التطوع في الجيش سيخلصهم من كل هذه المشاكل، خصوصاً وأن رواتب العسكريين في زيادة لوجود الحرب التي تأكل نارها الشباب بدون رحمة. حاجتها إلى المزيد منهم يدفع القيادة الحكيمة بترغيب الشباب للتطوع حتى من هو خارج السن القانوني للتطوع، ومن يتطوع، يستحق قطعة أرض. لكل حاجة دافع. "حمودي" ترك المدرسة منذ الصغر، ويعمل في كسب رزقه من بيع الخضراوات مع أحد أعمامهِ، لذا لم يجد مبرراً من عدم قبوله تلك الإغراءات. مع أول عام يمر على تطوعه، كان في عداد الأموات، فالحرب لا تعرف أحداً، لا ترحم من يدخل رحمها. بعد انتهاء مدة العزاء، أخذ والده يطالب بحقوق ابنه الذي أصبح شهيداً. استلم قطعة أرض، ومبلغاً يكفي لبنائها. عادةً يكون للشهيد راتب جيد، يستحقه والدا الشهيد، وإخوته القاصرون. تحسن وضعهم المادي بعض الشيء. أخذت والدته على عاتقها مع بقية إخوته بمتابعة أمور البناء. والده مازال في عمله مستمراً. لم يهتم بأمر بناء البيت. أمه لم يدخل في حسبانها أن والده سيتزوج بثمن دم ابنه. منهمكة في إكمال بناء البيت. يوم طالبته بباقي المبلغ لإكمال البناء، حاول التعذر بأسباب وجدتها واهية. عندما ألحت عليه أعلمها بالأمر. لم تصدق، لكنه أكد لها أمر زواجه. طلبت الانفصال، لأن البيت من حقها هي والأولاد. من يومها عرفت طريق القضاء والمحاكم لتحصل حقوقها هي والأولاد. لعنة الموت أصبحت مصدر عيش، ولعنة الحرب حركت شهوات الخبث، ولغة الغرور، كخنجر يستنزف النفوس من طيبتها، وتمد جسوراً إلى اللامبالاة، واستنهاض الوحشية القابعة في داخلهم.
تحمل هذه الملفات قصصاً وحكايات، تشبه لدغة الأفعى. لم تعد تحلق الفراشات في حديقة النفس البشرية، أو فرحة ترفرف على الوجوه، كما في السابق. فمي يجف من قراءة هذه الملفات، وأشعر بطوق يحيط كرة رأسي، إذ كيف يتحول الفرد، تحت ضغط القسوة، إلى كائن رث، أو كأنه مخدر، تقوده لحظات تعسة إلى تمزيق بعضه.

ملف "سرى"
بعد زواج لم يدم أكثر من أسبوع، وما أن انتهت إجازة الزواج، وسافر إلى وحدته، في أحد معسكرات الجيش في الجنوب، حتى جاءهم بعد أيام نبأ فقدانه في أحد المعارك الدائرة. بعد أقل من أسبوع سحب والد "سرى" ابنته من بيت زوجها، ولأنها لم تتجاوز السابعة عشرة من العمر. هي تعتبر الآن أرملة، لم يعد من بقائها في بيت زوجها المفقود من داعٍ، ولا بد من تزويجها مرة أخرى خوفاً عليها لأنها صغيرة، وبقاؤها أرملة يعرضهم لهموم ومشاكل هم في غنى عنها. فعلاً وافقوا على زواجها من أول طالب ليدها. لم يمض على فقدان زوجها أقل من سنة حتى تزوجت، أما والد زوجها المفقود فكان دائم البحث عن ابنه. بعد مرور ثمانية أشهر، عثر عليه، لأنه لم يكن مفقوداً، بل سهواً أعلن فقدانه. كان جريحاً، يعالج في أحد المستشفيات العسكرية. لم يتعرف إليه أحد حينها لأن كل الذين كانوا معه في وحدته قد ماتوا أو مزقت أشلاؤهم، لم يبق على قيد الحياة غيرهُ من الوحدة كلها، ونقل إلى المستشفى مع باقي الجثث وقد نسي أمره، وأعلن مع المفقودين، لكن إصرار والده على البحث عنه لإحساسه بأنه حي، أعانه في العثور علية. عندما عاد أخذ يسأل عن زوجته. علم أنها قد تزوجت من رجل آخر، ولم تعد من نصيبه، ووالدهُ بحكمته كان يريد إقناعه أن يكف عن التفكير فيها لأنها لا تملك الخيار. والدها مسوؤل عن ذلك، لكن قلبه يكاد ينفطر من الأسى والحزن. إنه يحبها. لا يريد غيرها. لا يستطيع الوصول إليها. تلاحقه مشاهد الصور الممزقة. الأحلام التي باتت متموجة لا تقف عند مستقر. حاول أن يتصل بها، لكن زوجها الجديد علم بالأمر فهدد بالقتل، خصوصاً وأنها حامل منه. لم يبق أمام زوجها القديم، غير المحاكم، والمطالبة بزوجته "سرى"، والتي يعلم جيداً إنها تحبه، ولا تستطيع فعل شيء، من أجلهم.
لَمْلَمتُ سطور البَرق التي تخفق برعدها على هذه الطاولة أمامي. تملكني الضجر مما يجري تحت سقف الحرب التي لا مبرر لها. تركت كل شيء، حتى الغرفة. خرجت لأجلس في حديقة المنزل، كي أستنشق نسمة فطرية لم تمسها زعانف الحرب الموحشة. فتحت الباب الخشبيّ لغرفة الاستقبال، الباب يؤدي إلى الحديقة. اتجهت منسحبة مع نفسي إلى دغل الحديقة التي هي أيضاً أصابها غضب الحرب، لشعور والدي بعدم حاجتها، بعد أن هجر الفرح بيتنا. ساعات الأنس التي كانت تجمعنا فيها لحظات المساء، مجتمعين بين خضرة أشجارها، وجمال أزهارها. رائحة الشاي المهيل تفوح من السماور، أطباق (الكليجة) الكعك. ضحكات إخوتي. ابتسامات والديّ. لتلك الأمسيات طعم فقدناه مع مرور أول عام على الحرب. بينما كنت أسير متجهة نحو السياج المحاذي لنهر الخوصر، رافعة أطراف ثوبي كي لا يعلق به شيء من العشب الجاف، مع نهاية شهر حزيران، يقل ماء نهر الخوصر، وقفت أنظر إلى البيوت الملاصقة لبيتنا، من بينهم بيت "بشرى" صديقتي. كم من الزمن مرّ ولم نلتقِ؟! أخذني الجواب بعيداً. الحياة تصنع الأشباح مثلما تصنع الأبطال، ولكن الطغاة من يصنعهم؟
بدأ المطر يهطل بشكل كثيف كأنه يعلن عن افتقار العدالة. أسرعت للعودة إلى غرفتي. نافذة الغرفة مفتوح. دخل المطر غرفتي وبلل الأرض. أسرعت لإغلاقه. كنت منفعلة بعض الشيء. صفقته بقوة فانكسر الزجاج. تناثر على الأرض. لازمني شعور بالجهد كأن الأمور كلها تمشي عكس ما أرغب، لدرجة أنني أصبحت كثيرة النسيان. علقت بذهني أشياء أخرى. لاحقتني الذكريات. "بشرى" صديقتي.. ماذا حلّ بها بعد هذه السنين؟ شرد فكري إلى أيام جدتي، تلك الصحبة الطيبة، حديثها الذي لا ينقطع عن الموصل، وسماتها الهادئة، بقايا أسوارها العتيقة، وأبوابها المهدمة، ولكل باب قصة وحديث، وبيوتها المبنية من "الجص" والحجر، عبق ذكرياتها المتخللة بين جدرانها التي تمتص هموم الناس وبصماتهم كومضات ضياء المصابيح على حيطان العمر. لا مناص من أكداس التجارب التي تغطي صدر أوقاتهم المرسومة بصفاء على وجوههم، وتستعير ملاحظاتها من أوقات مزملة بانسجام، من اختلاط الطباشير والفحم. يسكن في البيت الواحد، أكثر من عائلة في بعض المناطق من الموصل القديمة، ويعيشون في ثنايا قصصهم؛ أحداث لا حصر لها. يسودها التعاون، والحب، والعطاء ما يدعم مبانيها القديمة للتماسك ببركة القلوب الطيبة. كانت جدتي لا تحب بيتنا المبني من الإسمنت، والبلوك والحديد، تجده غير صحي، لهذا ترفض وجودها عندنا كلما طلب منها والدي أن تأتي للسكن معنا، فجدتي هي وحيدة والديها، تذكر لي كيف والدها علمها القراءة، والكتابة، لما وجده عندها من حب للتعلم، تجلس قربه عندما كان يطالع الكتب في مكتبته العامرة بالكتب النفيسة. جدتي ذاكرتها قوية، لن تنسى شيئاً مما تعلمت. بعد أن تزوجت، أنجبت أربع أولاد. تعبت كثيراً في تربيتهم بعد أن مات زوجها تاركاً لها الشقاء والفقر. أصبحت لهم الأم والأب والمربية إلى أن أصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم. سافر إلى خارج البلاد أعمامي الثلاثة، لم يبق غير والدي معها، ولم يسافر لأنه كان يحب بنت خاله (والدتي)، ويحب جدتي كثيراً، وهو أصغر أولادها، وكانت تحبني، وعلى قولها لوالدي: إنها تستأنس بوجودي، لأنني هادئة، وأسألها كثيراً، وتجد سلوتها في الجواب على أسئلتي، وكانت تصطحبني معها إلى الجامع للصلاة، وتقول لي كلما بَعُدَ الجامع، كلما كانت الحسنات أكثر، ولهذا كانت تصلي كل جمعة في جامع من جوامع الموصل الكثيرة، وفي الطريق تحدثني عن الأماكن التي نمرّ بها، وكأنها تريد الحفر بمغزل ليفها في طين ذاكرتي.
مرّت السنون، وتوفت جدتي، وحزنت جداً لفراقها، ولم أجد عند أمي من حنانها، فأمي منشغلة بإخوتي دائماً. مع نهاية السبعينيّات ظهر التلفاز، وتغيرت أشياء كثيرة من عادات وطبائع أهل الموصل، وشمل ذلك أيضاً معالمها، منها تجديد بناء جامع النبي شيت وتحويل منارته من مكانها في الجهة اليسرة للجامع إلى الجهة اليمنى، وتجديد بناء جامع النبي يونس بتغيير كثير من معالمه القديمة وتحديث في مساحات عمرانه، وأصبحت تحيطه الحدائق بشكل متدرج، وأُلغي البيت الذي سكنته الكاتبة (أجاثا كريستي مع زوجها المنقب عن الآثار)، وجامع الشيخ فتحي أيضاً أصابه التحديث وضاعت من معالمه التراثية الكثير بعد شق الطرق، وأصبح محاذياً له الجسر الخامس الذي ألغى منطقة الخاتوني بمجملها، والحرب لعبت دوراً كبيراً في قلع كل ما هو ثابت الجذور، فظهرت الفوارق الاجتماعية والطبقية بين كل فئات المجتمع، في كل شيء من العادات والتقاليد، والملابس والمأكل، وطرق التعامل بين الأهل والأقارب والأصدقاء. أصبح للحياة طعم متشابك، بين الشاحب والفاتر، والتلفاز يحمل المبررات، على التباين في التعامل مع قبول الجديد عند الجيل الناشئ، وتمسك الكبار بالعادات المعروفة لديهم، والتي تتّسم بطابع الاحترام للنفس، والاعتداد بالمكانة الاجتماعية. مع بداية نشوء الحرب أخذ التغيير باتجاه منحرف، مترجرج، فانكسر فرح الشباب. عمت التقرحات بثور تأثر بها المجتمع الموصلي. هذه الملفات تشهد، هي غيض من فيض.
تململت في سريري، أدفع عني غطاء الذكريات، عندما طرق أذني صوت المؤذن يعلن موعد السحور. بخطى متباطئة توجهت إلى المطبخ. شعرت أنه يبعد مسافة شاسعة عن غرفتي لما أحس به من ثقل في رأسي من التفكير المتعب. شربت نصف كوب شاي، مع قطعة صغيرة من الجبن، وضعتها داخل الخبز. شربت قليلاً من الماء، عدت إلى غرفتي، ما أن ألقيت ِبجسدي على السرير، حتى شدني النعاس إلى نوم عميق، كأنني سقطت في بئر يلفه الظلام. لم أستيقظ في اليوم التالي كعادتي باكراً ما أقلق والدتي، أتت لتوقظني. أعلمتني أنني قد تأخرت عن دوامي. بسرعة غسلت وجهي، وغيرت ملابسي، حملت حقيبتي المثقلة بالملفات والأوراق، واتجهت إلى المحكمة. في غرفة المحاميات بالمحكمة، وجدت أخت "بشرى" صديقتي، لم أصدق ما رأت عيني.. من؟! تعانقنا وتبادلنا القبلات، ولفتت نظري ابتسامتها المشبعة بالخجل والحزن. سألتها: ما الذي أتى بكِ إلى المحكمة؟ تحسّرت بهدوء. حبست الألم المتدحرج فوق الكلمات، كأنها لا تريد البوح بشيء، عدت، أسألها عن "بشرى"، ما هي أخبارها؟ أجابت: هل تتذكرين مهند؟ قلت لها: نعم. قالت: افترقا!
طلبت منها أن تحدثني عن كل شيء بالتفصيل. استأذنتها بأن تسمح لي ببعض الوقت، لأسلم ما لدي من أوراق متعلقة بعملي، لكي أفرغ لسماعها. سلمت الأوراق، أخذت إجازة لباقي اليوم، وعدت لاصطحابها معي إلى البيت كي نتحدث على راحتنا، وأفهم منها ما الحكاية.
ما أن وصلنا البيت، سلمت أخت "بشرى" على والدتي، بعدها دخلنا إلى غرفتي، أخذت تحكي لي كل ما حدث لبشرى قائلة: بعد أن دخلت "بشرى" كلية الطب، مهند قد سبقها بعام في الكلية نفسها، شاءت الأقدار أن تلفت انتباهه دون جميع الفتيات. أصبحت محط اهتمامه، وبشتى الطرق حاول الوصول إلى قلبها. لم يترك أي فرصة أثناء الدوام إلاّ وحاول التقرب إليها. استعمل كل حيلة عنده لأبعاد كل الزملاء من حولها سعياً للتودد والحصول على إعجابها. كان يعمل على مساندتها في أكثر الأمور المتعلقة بدراستها. "بشرى"، في بادئ الأمر، لم تكن تهتم لما يبدر منه. اعتبرت مبادراته عادية من زميل لها. لم يخطر في بالها أن "مهند" يخطط لشيءٍ ما، بما أنه ليست عليهِ أيّة شائبة، ولم يبدر منه ما يجعلها تتوجس من اهتمامه. لم تعترض على محاولات التقرب منها، كوننا بنات، ليس لدينا أخ، لنفهم من تصرفاته بعض أفكار الشباب. بعد أن توفى والدي كنا قد قطعنا على أنفسنا عهداً لأمي أن نكون مثالاً في التعاون بيننا، ونعمل على إكمال دراستنا، والتفوق فيها، فلم نختلط كثيراً بأحد، لم يكن لنا صديقات حميمات جداً، فقط في حدود المدرسة. في السنة الثالثة من الكلية، أخذ يحسسها بحبهِ، ويطرح عليها عبارات الغزل الرقيقة التي تنعش أذنها ولا تخدش حياءها. يحدثها عن طموحاته، مستقبلهِ، رغبته في الزواج. فعلاً طلب منها الزواج، فأحرجها الأمر. كانت تحدثنا عن "مهند" كثيراً قبل طلبه للزواج، دون إعطاء أهمية للأمر. في ذلك اليوم عادت إلى البيت على غير عادتها، طبيعة تصرفاتها بيننا ليس مثل كل يوم. لاحظت أمي شرودها. شعرتُ أنا وأختي "سعاد" كأنها في مشكلة. في المساء سألتها أمي ماذا بها، لم تجب بشيء. سأَلتها عن "مهند" ما هي أخباره؟ قالت: إنه طلبني للزواج. فرحنا كثيراً أنا وأختي "سعاد". سألناها بماذا أجابت؟ بدأت مرتبكة وخجلة. قالت: لا أعرف ماذا أقول، أتمنى لو أن والدي موجود على قيد الحياة لتصرف هو. تركتنا متجهة إلى الغرفة. تمددت على السرير. طلبت منا والدتي أن ندعها أنا وأختي "سعاد" لشأنها، كأنها تعرف أن "بشرى"، ترغب بـ"مهند"، لكن هناك ما يقلقها. لم تنم "بشرى" تلك الليلة. عند الفجر، قامت والدتي لتصلى الفجر، فوجدت "بشرى" مستيقظة تقلبها الأفكار، فسألتها ما الذي يحيرها؟ لم تجبها، لأنها لم تجد في رأسها المكتظ بالأفكار ما يجعلها تتخذ قراراً تجدهُ الحل الصحيح، لكن أمي عادت عليها السؤال مرّة أخرى: من أجلك يا أمي، أنت تتعبين بعملك في الخياطة، من أجلنا قد قطعنا عهداً على أنفسنا أن لا نتزوج إلاّ بعد إكمال الدراسة، والعمل، كي نعوضك التعب، ونردّ بَعضَ الجميل. مستقبلي الذي تجاوزت أكثر مشوارهِ، ماذا سيحدث لو تزوجت "مهند"؟!
تركتها أمها. ذهبت لتصلي الفجر. مرَّ يومان لم تذهب بهم "بشرى" إلى الكلية. أتعبها التفكير. ما زاد قلقها أنها تريد "مهند"، ومستقبلها يعتمد على إكمال دراستها، وأخذ الشهادة الجامعية، والعمل، حتى تكفَّ أمها عن العمل، خصوصاً وأن السهر قد أتعب صحتها. بقيت تريد مسك خيط يوصلها إلى حل أمثل. أخيراً لجأت لأمي، تطلب رأيها، فقالت لها: حياتنا مثل ملمس الحرير الناعم، لم نعرف الجانب الخشن منها، أو الأصح، لم ندرك كل أوجه البشر. إن هناك جانباً آخر من التعب، الجانب الشرير، فقلوبنا المتحابة لم يدخلها الحقد، أو الأنانية. ما لم يخطر في بالنا أن هناك بشراً قلوبهم مختلفة عن عقولهم، حتى لو وصلوا إلى أي درجة من العلم، فنفوسهم تعمل بغير ما في ظاهرهم. صحيح أن والدك من الريف، سكن المدينة عندما عين مديراً في أحد مدارسها، تزوج مني لما وجده في من خصال طيبة وشخصية قوية، أحسها تعينه على تكوين أسرة رائعة، أما الحياة وقسوتها فقد علمتني أن لا أستسلم. إذا كنت تحبينه، لا ترفضيه، وتجدينه جيداً مثلما تتحدثين، لا تترددي في قبوله.
ولم نلتق بأقارب والدي غير مرتين؛ يوم تزوجت بنت عمي ذهبنا كلنا إلى بادوش التي هي مسقط رأس والدي، ويوم توفى جدي. أما يوم وفاة والدي، زارنا أعمامي وبعض الأقارب بشكل رسمي، كانوا كالغرباء، لذا كانت في حيرة، في مَن تستشير ليقف إلى جانبها. تعلمين جيداً كيف أن كل شيء في هذا العالم قد تغير. أمي على قدر من الفهم والمعرفة بالحياة. أظن أن أمي تعلم ما يدور في رأس "بشرى"، فـ"مهند" شاب غني متفوق في دراسته، اهتم ببشرى من البداية، كل فتاة تطمح أن تكون زوجة له، لذا لم تبادر هي في مناقشة الموضوع إلاّ بعد أن طلبت منها "بشرى" ذلك. بعد أن عذبها التفكير والقلق، كان جواب أمي لها: عدم ذهابك إلى الجامعة لن يفيد شيئاً، أما إذا تشعرين بالخوف منه، حددي موقفكِ، كوني شجاعة، فهذا ما علمتني إياه الحياة. أنا لم أرَبّ بَناتي على الخوف، لو كان والدك الله يرحمه، موجوداً، لقال لك الكلام نفسه. أسعدها كلام والدتي. هدأت حيرتها بعض الشيء.
في اليوم التالي ذهبت إلى الكلية. ما أن شاهدها "مهند" حتى أقبل نحوها مسرعاً مضطرباً متلهفاً، سألها: هل فكرت جيداً؟ قالت: ماذا تنتظر مني، أمامي بعد الكثير لإكمال دراستي، أنت لم تعرف كل شيء عن حياتي الخاصة. أجابها قائلاً دون إرادة منه: بل أعرف الكثير. لن أمنعك عن الدراسة، إذا هذه رغبتك، لن أفعل أيّ شيء لا ترغبينه أبداً. لا أريدك أن تتعجلي. فكري على مهل، كلمي والدتكِ. أنا منتظر بفارغ الصبر جوابك الأخير.
داعبت خصلات شعرها الناعم، وابتسمت له ابتسامة خرجت من قلبها. في ذلك اليوم عادت إلى البيت ممتلئة بشعور جميل تصاحبها الثقة. تحدثت إلى والدتي ولنا عن ما قاله "مهند". امتلأ صدر أمي بالسرور. شجعناها أنا وأختي على الموافقة، بل وهنأناها من كل قلبنا. لم تمر أيام حتى حدد يوم الخطوبة الرسمي. أخذ "مهند" ينعش قلب "بشرى" بالهدايا والكلمات العذبة، يلفها بكل ما يحمل قلب العاشق من حب ومودة وفرح. مع الأيام التي مرت من مرحلة إعداد الزواج، لم يصدر من "مهند" ما يجعلنا نرتاب منه، وفي بداية العام الدراسي الجديد، كانا قد تزوجا. أمه "ناجية خاتون"، باركت سعادتهما، أهدته سيارة فاخرة يوم زفافهما، يذهبان بها إلى الجامعة. "بشرى" متأنقة بأجمل الثياب، تملؤها السعادة بما يغدقه عليها من اهتمام ورعاية.
ومع الأيام أخذت غيرته عليها تزداد، حبّه تحول إلى نوع من الجنون لكثرة حرصهِ وتشدده في الخوف عليها. ازداد الوضع سوءاً عندما علم أنها حامل. يحرص على أن لا تكلم أحد. لا يتركها لحظة واحدة بعيداً عنه. هي لم تشتكي من تصرفاته، لولا أنها أصبحت تبدو سخيفة بعض الأحيان، لكثرة إلحاحه، وبسبب الحمل أخذت صحتها تتعب ما اضطرها إلى تأجيل الدراسة. لازمت البيت. جعل "مهند" هذا الحدث في قمة السعادة، وولادة "ربيع" ابنها الأول، أنستها كل طموحاتها الدراسية، فقد أخذ عقلها وقلبها جماله ورقته، لأن "مهند" كان في بعض المواقف، من أيام الدراسة، بسبب غيرته عليها، يطلب منها البقاء في البيت. بعد الإنجاب يعلل طلبه ذلك بأنه يجب عليها رعاية ابنهم، لكنه في الحقيقة كان يخاف اهتمام أي أحد بها، خصوصاً ذلك الأستاذ الذي يبدو متهماً بـ"بشرى" لذكائها وتميزها. عندما لم تعد إلى دراستها بعد الإنجاب، كان يزعج "مهند" سؤال أستاذها عنها، لدرجة أن مهند هدّده بإثارة مشكلة له لو لم يكف السؤال عنها. جواب الأستاذ لـ"مهند": (ترك بشرى الدراسة خطأ كبير.. كيف توافق عليه؟).
أخذ الشك يساور "مهند" تجاههُ. ما أن يعود إلى البيت، يصب غضبه على "بشرى". هي لا تعلم السبب. "بشرى" لم تكن تعلم بما يحدث. تتعجب من تصرفات "مهند" حيالها، ما ينسيها همها كله هو وجود "ربيع" ابنها الصغير، هو يكبر أمامها، متفيء بظل عمره المديد وما تجده في "أم مهند" من حب وتعاون يعوضها ويطمئنها، حماتها دائماً تبرر لها تصرفات "مهند" المفاجئة. مع حملها الثاني، زادت غيرة "مهند" وخوفه عليها. قال لها أكثر من مرة إنه غير قادر على قتل هذا الإحساس الذي هو نفسه يجهل دوافعهً، سيفقده صوابه. كلما ازداد تعصباً، وغضباً، ينعكس ذلك على تعامله مع "بشرى"، وأخذ يتحول إلى قسوة؛ أكثر من مرة أحال لحظات سعادة إلى دموع وألم، مزهواً بقدرته على تعذيبها بشتى الوسائل. بدأ يحول تصرفه الخطأ، من الكلام إلى الضرب، بعد أن يضربها يأخذه الندم، يحاول إرضاءها، يعتذر منها. أصبحت حياتهما تأخذ منحنى آخر، لم تجد أي مبرر لتصرفاته، لم تعد قادرة على تحمله، لم تخرج عن طاعته، إذاً؛ ما الذي يدفعه لهذه القسوة؟! لم تتصرف أية كبيرة أو صغيرة إلاّ بعلمه. تأخذ برأيه. أمه في البيت على اطلاع بكل ما يحدث. تتعاطف معها في كثير من الأحيان، تساندها، هما سعيدتان بالولدين، يقومان برعايتهم سوية، لكن الحياة فعلاً مع "مهند" أصبحت جحيماً. قالت لي أكثر من مرة: ما يدعو "مهند" للشتم والضرب والشك؟! أصبحت لا تعرف ماذا تفعل، لدرجة أنها باتت تخاف من "مهند"، تحول الخوف منه إلى شعور بالإرباك أثناء وجوده، لولا عمله كطبيب يجعله يقضي معظم وقته خارج البيت، في العيادة، أو في المستشفى. وجوده خارج البيت يعطيها بعض التوازن النفسي. تحاول إبعاد شبح الحيرة والقلق بقضاء وقتها مع طفليها، ومراعاتهما، ما يخفف الضجر، وشعورها بالاضطهاد من زوج لا يعرف الحب والهدوء النفسي. كم سعت لإيجاد حل يوصلها إلى طريق يساعدها على تجنب المشاكل التي يخلقها "مهند"، ويقلب صفاء البيت إلى جحيم. تتحمل من أجل أطفالها فقط. يركبها اليأس لأنها لا تجد من يقف معها للتخلص من هموم "مهند". أمهُ تبرر تصرفاته من جانب، وأمي، أيضاً، تقول لها: انه زوجك، ووالد أطفالك. أخيراً لجأت إلى الكتب علّها تصل إلى حلّ جذري ينقذها.
"مهند" يزداد سوءاً؛ مرةً دعيا لمناسبة رسمية، كان أستاذها موجود، لاحظ اهتمامه بها، تقربه منها. نفد صبر "مهند"، قام بشتمه ساحباً "بشرى" من يدها، وخرجا معاً عائدَين إلى البيت. لم يكتفِ بذلك التصرف، وفي البيت أخذ يضربها، يشتمها، ينعتها بالقاصر والفاشلة، وأنها لا تصلح لشيء، حتى أن تكون زوجة، أو أمّ. بعدها قررت أن تنفصل عنه، تنسحب من حياته، ثم تعود إلى دراستها. تعلم أنه لن يتركها وشأنها. الذي يشل تفكيرها لاتخاذ أي قرار حاسم هو ابناها الصغيران. يأكلها الخوف، فتعود لشرب سم البقاء، مع كل لحظة من لحظات وجودها في البيت مع "مهند" وتصرفاتهِ. شاءت الأقدار أن يضطر "مهند" للسفر خارج البلاد لمدة عامين، بما أن همه الأول والأخير مركزه العلمي، لم يرفض السفر. أعطى لأمه كل الأوامر والصلاحيات في غيابه. بعد سفره لم تتوانَ "بشرى" في السعي والعمل على حصول موافقات لتكملة دراستها. ساعدها أستاذها الذي كان يأسف لعدم إكمالها الدراسة، وبقائها في البيت، معتبراً ذلك خسارة في حق العلم، لأنها كانت متفوقة قادرة على النجاح. لم يعلم شيئاً عن حياتها في البيت مع "مهند". ووقفت "أم مهند" إلى جانبها، ساعدتها. حصلت على الشهادة الجامعية بتقدير امتياز ما أهّلها لأن تكون معيدة في الكلية نفسها. ظنت أنها أمسكت خيط النجاة، الذي يوصلها إلى انتعاش العلاقة بينها وبين زوجها، أنه سيكون سعيداً، فخوراً بنجاحها. الذي حدث هو العكس، ما أن عاد، وعلم أنها تجاوزت أوامره؛ خرجت من البيت دون علمه، أكملت دراستها دون أن تأخذ رأيه، وضعها في ظنه أمام الأمر الواقع مستعملاً سلطته، وجبروته، طالباً منها إما أن تترك العمل وتبقى في البيت، وإما أن يطلقها، فكان قرارها الأخير. بعدها حاول جاهداً أن يثنيها عن ذاك القرار بوسائله التي لم تعد تنطلي عليها؛ منع عنها الأطفال، كان يؤنّب والدته لأنها تقف إلى جانبها، ويشتمها عندما تحاول الدفاع عنها. أصبح كالمجنون، لا يعرف كيف يتصرف، أو ماذا يفعل بعد أن فقد قدرته على التحكم بـ"بشرى". لم يجد صوتاً واحداً بجانبه، لأنها بقيت محافظة على نقائها، وصفاء روحها. لهذا السبب أتيت إلى المحكمة كي أجد لها محامية جيدة تساعدها في الحصول على حقها الشرعي باحتضان طفليها، لأنَّ "بشرى" منشغلة بدوامها صباحاً، طلبت مني أن آتي إليك لمساعدتها في هذا الأمر.
بعد أن انتهت أخت "بشرى" من كلامها، وأنا جالسة أسمعها، أن ما مرّت به من قسوة أحزنني، أكّدتُ لها أنني سوف أعمل المستحيل لمساعدتها. حددنا يوماً آخر للقاء جديد. رفضت "أمل" البقاء معي أكثر معتذرة بأنها لا تستطيع أن تتأخر. سلّمت علينا وخرجت عائدة إلى منزلها. طوال فترة ما قبل الفطور، لازمني شعور مثقل سرى في طيات جسمي كعاصفة رملية يتناثر ترابها بين الدم والضلوع، أما قلبي ففاتر من الإحساس. إنَّ الساعات تدور ليس حسب دوران الشمس والقمر في تلك اللحظات. وجدتُ داخلي الشارد يصرخ، يصرخ. هزَّ فضاء نفسي. دموعي المنسلخة من الخوف تُسْكَب من السماء على رؤوس النساء. هنَّ صابرات يتحملنَّ صواقع الحياة الرتيبة بخشوع ذليل. هي أعتادت قهر الرجال. شلَّ الصلب من فقرات خطواتي المتلاحقة في بحثها عن عشقي المدجن بتثاقل سيرهِ البطيئ، كأنَّي أصبت بفقدان توازنٍ كالذي تخلفه ليلة ثلجية باردة على رؤوس الأشجار، ودولاب عذابها عبث بستائر غرفتي القاتمة الألوان، أما همساتي المعلقة كأقنعة بداخلي، تصاحب حكايات جدتي العتيقة. أبداً لن ترحل من فوق مسامات عمري المحزون في طاحونة ألف ليلة وليلة، و"مهند"، الذي تزوج "بشرى"، يسكن في شارعنا نفسه. أعلم الكثير عنه وعن عائلته، هو وحيد والديهِ، ودائماً يدبّ الشقاق بينهم، يصل صوتهم الشارع، يعلم كل الجيران أنه لا يوجد تفاهم بينهم في جميع مجالات حياتهما، فأمه "ناجية خاتون" من عائلة غنية، لكنها غير جميلة، وقد فقدت إحدى ساقيها في الصغر بحادث سيارة. والده كان يعمل حداداً قبل أن يتزوجها، وبعد أن تزوجها، عمل في التجارة، رجل سوقي فظّ يتفاخر بعلاقاته الغرامية دون حياء أو خجل، لا يعجبه العجب في كل ما يتعلق بأم "مهند". كثير من الليالي يعود إلى البيت متأخراً، يضفي لعتمة الليل عتمة في قلب "مهند" وقلب أمه المسكينة. أصبح "مهند" دائم الخوف من والدهِ، لدرجة أنه يحرص على أن لا يواجهه، أو يتواجد معه في المكان نفسه، لأنه كلما صادفه، ينعته بالجبان، أما والدتهُ فتعطف عليهِ وتساندهُ، تشجعه على إكمال دراسته، ليستطيع التخلص من ظل أب قاسٍ غير مبالٍ، لا يهمه أمر "مهند" إن نجحَ، أم رسب. "مهند" كل وجودها، تنفذ كل طلباته، نشأ يفهم نقطة ضعف أمه، يستغلها من جانبه. أمّه تهدئ من ثورات غضبه تجاه والده، دائماً تدعو ربها أن لا يصبح مثل والدهِ، أو يأخذ شيئاً من طبعهِ أو عاداتهِ، أما عمه، الذي ما زال في السجن، كان متهوراً، وفي حالة غضب قتل زوجته نتيجة شك ساوره تجاهها. "مهند" معقد بعض الشيء، كثير الشكوى من الحياة مع والده. كثرة اهتمام أمهِ زاد عنده الإحساس بالتمرد والحيرة بين ما يعيشه وما يريد تحقيقهُ. لديهِ طموحات كبيرة في دراسته، صحيح متفوق، لكنهُ يحمل حقداً دفيناً لزملائه، لا يحب أحداً منهم، لإحساسه بالخجل من والده، هذا الشعور يلازمه أينما ذهب.
"مهند" وأخي "سامي"، في المدرسة نفسها منذ المرحلة الإعدادية، كثيراً ما حدثنا عنه لما لديهِ من تصرفات غريبة! كيف يتعامل مع بعض الزملاء حين يجد أحداً منهم يحظى باهتمام والدهُ. كيف يصاحبه الانزعاج، بل كثيراً من المرات حاول إيذاء بعض الطلبة، لإحساسه بأنهم أفضل منه، وأن آباءهم يحبونهم. من لم يعرفه جيداً، ينخدع بظاهر مختلف عن جوهرهِ. زمن الحرب يتناسب وطبع "مهند"، لأنه قادر على سلب الفرد حقه بطرقهِ الملتوية. الحرب عكست انحرافها على نفسيتهِ، لشعورهِ بالنقص كفرد في مجتمع، فقد شيئاً من إنسانيته، وزادت فرز عصاراتها السامة على الحياة، عند الذين يملكون دوافع الخلل.
تمر الأيام والسنون. الحرب تضرس معها أيامنا المطحونة بشقاء اللحظات. الكل مشغول بها. صار أوسع رزق لحفاري القبور، المداحين في المآتم، النادبات، في العزاء، وطغي اللون الأسود على مشاعات الحياة كلها، يُلبَسُ حزناً، تُعَلَّقُ اللافتات السوداء معلنة عن موت شاب آخر، امتلأت الشوارع بها، الطرقات، حتى أني شاهدت عروساً، لون فستان زفافها أسود، عندما استفسرت متعجبة، قيل لي لأنها أجبرت على الزواج، بعد أن استشهد زوجها، تمعناً في الحزن، والحقد الذي زاد إصرارها على الرجل الذي أرادها زوجة له، وهو يعلم، أنها تحب زوجها الشهيد. رفضتهُ أكثر من مرة. إنهُ ابن عمها، هارب من الخدمة العسكرية المفروضة على الجميع. هدد بقتل والدها إن لم تخضع وتوافق على الزواج منهُ. أصبحت زوجات الشهداء مشروعاً تجارياً جيداً، يعتبرن من ذوي الأملاك، لأنها تمنح قطعة أرض، وقرضاً من البنك لبنائها، تمنح سيارة، وراتباً شهرياً جيداً، تمنح من قبل الدولة الهدايا في كل المناسبات الرسمية، تمتاز بالأفضلية في الدوائر الحكومية في تقديم المعاملات، حصلت نساء الشهداء على امتياز كبير زمن الحرب ما جعلهن المفضلات لدى الرجال.
اليوم موعد لقائي مع "أمل" أخت "بشرى". حضرت "أمل" و"بشرى" إلى المحكمة في الوقت المحدد. كم طال عناقنا، تبادلنا القبلات بشوق يبعد وحشة السنين الميتة، فأنا لم أرها منذ زمن بعيد. كانت لنا قبل فراقنا أيام جميلة، ساعات حلوة، لحظات لا تنسى. طال الحديث في كثير من الأمور، لولا موعدها مع المحامية "سلوى" التي ستقابلها لتتفق معها على تولي قضيتها، لما انتهى الكلام بيننا. "بشرى" لا تفارق الابتسامة وجهها الصبوح، على ثغرها شيء من الحزن يعتلج كأنه خائف من الظهور. تقول لي: إن كل ما تطلبه في هذه القضية هو الأولاد، حصولها على حضانتهم. قلت لها: القانون بصفكِ بهذه المسالة، خصوصاً أن عمرهم يجعلهم قادرين على تمييز وضعهم. اطمئني.
عرَّفتُها إلى المحامية "سلوى". تركتهما يناقشان المشكلة بينهما. سبق وأن أعلمتني أنها لا تستطيع الحضور إلى المحكمة، بسبب وظيفتها. ذهبت إلى عملي بعد أن سلمت عليها، كنت بعد ذلك أتابع أخبارها من المحامية "سلوى". لم ألتق بها منذ ذلك اليوم لما لدينا أنا وهي من هموم تشغلنا. بعد مدة علمت أنها حصلت على حضانة ولديها وهما يعيشان معها الآن. جدتهم "أم مهند" لم تنقطع عن زيارتهم. لم تنس فضل "بشرى" أبداً، حيث كانت تقف إلى جانبها، تساندها بكل ما يصدر من تصرفات عن "مهند".
في مجتمع تنافرت نوافذهُ، بضيق الساتر لحدود غير مرئية، بصمت ميت من قاعدة مثلث مسانده، معلقة بين أضلاعه الثلاثة، بتنافض بين الموت والحياة، والمستقبل زواياهُ الحادة تسقي البراري بمطر الحرب، تنعش بدماء الأبرياء، أرض شعثاء لا تقبل الشبع، عوا مد الونسات المحفورة في عمق الفوضى سهواً، تنبعث منها البخور أيام الأعياد، يوقدها، موجوعين ثكلى أتوا بكدمات قلوبهم، في صباحات تحمل التهاليل والتكبير، إلى مقابر عمرتها القبور. تسبح أنفاسهم العميقة بألم أرجواني، فتمتزج بالبخور المنبعث من دخانها الأسود، لتثبت الدساتير المخترعة حديثاً من أجل أن تنام الوحوش، وتشقى جثث شباب سحقتهم عجلة الحرب.
الوطن باقٍ مكانه لا يفكر بالرحيل، أو الهجرة، أو الهروب. يتقبل الطعان المنغرسة في كبدهِ، أما الشباب فراحلون إلى شتى الاتجاهات، حاملين الموت، أو الدهشة، أو بقايا ذكريات عن ذبول القمر، الذي تغافل عن أحلامهم، أصبحوا كورق السولفان، تلفهم مشاكل السلطة.
صادف يوماً أن جرتني قدماي للسير في شارع الحي، مستطلعة أمور نفسي في سياق هذا الخضم من الناس، وجدتُ أنني مجرد ورقة على قارعة الطريق يعمل على زحزحتها ما يحدثه الهواء من سيارة عابرة، فأقفز داخل صدري كقنفذ صاحبه شعور متعب. لفني الخوف ودعاني للإسراع في العودة. أسرع من الخوف الذي يلازمني، أحكي لأمي بعض أفكاري، فتقول لي: اشربي الماء حين تحسين بالخوف. لم أبالِ بكلامها قائلة لنفسي: إنني أقوى من الظروف المحيطة بي، أو ربما أتعلم تعوّد مفاهيم الخوف، متذكرة جدتي، وكيف كانت تنمّي في داخلي الشعور بالقوة، لكنها لم تعلم أننا سنمر بأيام لا يكمن فيها منعنا من الإحساس بالخوف، دائماً علينا صدهِ بطرق مختلفة، لأننا نعيش غير ما عاشوا، نحن جيل هذا العصر، نفهم العمق الحضاري الذي انتهكتْ حرمته، وصودرت أماله، وضيق عليه الخناق حتى أصبح غير قادر على اختيار ما يريد، فاقد القدرة على التحكم بمصيره، يعيش في وطن تملؤه السجون والمعتقلات والمقابر، تحبس فيه صراخات الخوف، لا يوجد فيه بيت للأمل لنذهب إليه. مع فقدان الإحساس بطعم الحياة، مازالت الأحلام تحملني إلى صباح يرقد فوقه نجم، وما ينظم عملياتي الإدراكية، لا بد من تركيزي حول الاستجابة لرغبتي في الرجل الذي أشتهي، لأعيش معه عواطفي، ليثير في أفق جوانحي اللامرئية المد والجز من الانتظار. أتمنى أن لا أُترك غارقة بنحس التفاوت بين التفاؤل وخوالج النفس التي تكبر، فلا بد لحروفي أن تكتب لحظاتها الجميلة، فتشع كحبات اللؤلؤ، تهز مشاعري، فوق نواميس الفرح داخلي. الكلمات أحلام منجزة. أريد أن أضع قلبي على وجهه، أتلاشى فوق تفاهات الخجل، لأن من أغتصبَ دنيانا، لا يملك السلطة على حواسنا التي لا تكف عن التخاطر، والغوص في بحر الطفولة مغرمين برسم السنوات، حتى لو جردنا من الفرشاة، هذا البيت الذي أصبح بغرفهِ الفارغة، لا يسكنها غير الصمت المتوثبة جدرانه، لكن ما زلت آمل من جذوره الحية نبعاً ينبت من حولي. مشتاقة لعناق طويل مع الذكريات، يسقط صخب الوهم. شيء أشبه بالزيف، فقتل الشياطين لا يخلق الملائكة، كي لا أحرق جسدي المتأرجحة أغصانه حول مشاكل الظروف، العائدة بتلافيف جاءت عن طريق صعب الصعود فيهِ.
مرت سنوات، وحدثت مناسبة سعيدة جمعت الأهل والأصدقاء في بيتنا، حتى أنني نسيت كيف أتعامل مع الضيوف القادمين لتهنئة والدي ووالدتي، بعد عودتهم من تأدية فريضة الحج، وقدوم الجميع لمباركة حجهم المبرور. في اليوم الخامس بالضبط، زارنا بعض الجيران، كانوا قد انتقلوا للسكن قريباً من بيتنا. منذ مدة وجيزة، والدتي ذهبت لتهنئتهم بسكنهم الجديد، قبل ذهابها إلى مكة مع والدي، لم أكن معها، ولم يسبق لي التعرف إليهم، كانوا الجد والأم، مع ابنهم الوحيد، قدرتُ عمرهُ بالأربعين، شعرت بنظراته تلاحقني، أبدى اهتمامه بي، تابع كل كلمة صدرت مني ما أثار انتباهي تجاهه. بعد ذهابهم، ارتسمت ملامح جميلة في كل أركان البيت، كأنه ترك لهثةً ما تعلقت صورتها في ذهني، فأخذتُ أستعيد شكله؛ معتدل القامة، وسيم بعض الشيء، يظهر التعب في ثنايا وجهه المعبر عن الطيبة، صوته يحمل الحنان، مازال يهدر في أذني، يلاحقني في أرجاء البيت، أينما اتجهت، يهمهم كالهمس، في صفاء يدور حول جنون الرغبة في إمساك شروق جديد، أحسست به، وجهه سارَ في دروب وجداني وعقلي، يزاحم الأفق وزهرة قلبي اليائس، من ظهور شروق لصباح حياتي، حاملاً بذور الندى، دغدغ وريقات الأفكار، بينما أنا تركت عواطفي جاثية في بساتين لا تعرف كرومها ربيعاً، لم تُطِل عليها شمس. بعد أن انتهيت من ترتيب غرفة الجلوس والمطبخ، والأفكار تطاردني حول ذلك الرجل ابن الجيران، حضورهِ اليوم زرع ابتسامة لها أوتار باسقة، تطل بكل ما يحمل هذا الزمن من دخان المدن، أذاب قلبي في ضبابهِ، أنا لا أعرف عنه شيئاً غير أنه يسكن قرب بيتنا منذ شهرين.
دخلتُ غرفتي لأنام. وجدت نفسي أمام المرآة محدقة في وجهي، جسدي الذي بت أشعر أنني غريبة عنه، لم أهتم به جيداً منذ زمن، قائلة لنفسي: لماذا هذا التجني على نفسك يا "منال". أتمعن في قسمات وجهي، شعري الذي لم يعرف الانسدال على كتفي منذ سنين، لماذا لا أطلق سراحه ليتموج على ظهري كما يحلو له، ليشع كالقمر ويضئ ليلي، دون قيد ويمرح بغنج، لتصعد جميع تعابير عطره عبر شرايين جسدي، ولتمطر سماء قلبي المنتظر، من يعمر نار الحب؟ ماذا؟ الحب؟! أيعقل ما أصابني اليوم؟ هو...!؟
جلستُ أمام المرآة أمارس حريتي الوهمية المغلفة بشأني البيولوجي، أصغي لهسهسات شعوري، أستمد من الوهج أبعد موجات الحرج المغلفة بشرنقة الليل. براكين ارتيابي فجّرت صهيل التنازل. غمرت عرش خيالي. أعادتني إلى أعمق طقوس يشهدها التاريخ الإيجابي بعيداً عن الأسود والخاكي الذي أصبح مثل ثآليل صعبٌ علاجها. تجردتُ سابحة في بحرٍ سرى بجوانح مقلتي. صرتُ أشعر بطعم المساء معمماً بلمساتٍ رقيقة تمسد صدف صدري، تسري بسهول فؤادي. أجدني اليوم ولدت بما أحمل من أعاصير تسابق خواطري الذهبية. تمنيت لو أنني قادرة على رسم قسمات وجهه، وتثبيت صورته فوق كل شيء في غرفتي. الستائر، فقط، هي ما يجب تغييرها، ألوانها القاتمة تضجرني، تطرد قبس الفرح من منامي، تبعد تغريد العصافير قرب النافذة في الصباحِ، ألوانها تكسر شهقة أمنياتي، فيما أنا أجاهد نفسي وأفكاري على بقائي غير غارقة في دوامة الحلم. هل سيكون مصير حلمي العيش بين جدران غرفتي؟ أم يسري خارجها، يشابك خوالج هذا الرجل الذي زارنا اليوم، وبسرعة غلّف خواتيم عقلي وروحي، كشف سواد الليل الذي طالت حبال التفكيرِ به، حضوره كسر اغترابي. قد تحيك لجج الحرب من حزنها بقايا أخرى تعربد بإزميلها وتحفر شقوقاً في صفوف الأماني حاملة معها أوجاعاً لا يمكن مسحها بالقطن المعقّمِ.. أيكون أسيراً؟ إنَّ ما وجدته في ملامحه تدل على أنه عانى أمراً من قسوة الحياة، بينما تشدني مناخات مختلفة، وسط هذا الشلال من الأفكار، عرفت طريق مساره القسوة التي مررنا بها. ما يتلى من نغمات رائعة ترفرف أجنحتها في رأسي، معززة رغبتي لهذا الرجل الذي حلمت به منذ سنين، أخذ النوم يطاردني من جميع جوانب السرير، وأنا منصاعة لسلطانه.
في الصباح، عندما عندما نقر الفجر نوره على نافذة التحامي بالرجل الذي أشتهي، أول ما خطر في بالي: هل سأشاهد جارنا اليوم عند ذهابي إلى العمل؟ عندما أراه ماذا أفعل؟ كيف سأتصرف؟ هل أتجاهله؟
غيّرت ملابسي أكثر من مرة. وجدت أنَّ دولاب ملابسي لا يرضي ذوقي اليوم. لم يحدث أن دققتُ فيما ألبس من ثياب عند ذهابي إلى العمل. كل ما أفكر فيه هو أن تكون ملابسي محتشمة، لا تثير من حولي أي تعليق بين زملائي، لأنني أسمع بعض الانتقاد منهم حول ملابس بعض النساء اللواتي يكون مظهرهن الخارجي يحمل ما هو غير مألوف في مجتمعنا، كأن يكوننَّ متبرجات أوغير مبالين في الاحتشام، لكن في هذا اليوم أشعر وكأني أود أن ألفت انتباه الجميع إلى ما أحسست به في داخلي اليوم.
خرجت قبل الوقت بعشر دقائق. انتظرت سيارة الأجرة التي تقلني إلى عملي يومياً، فنحن أربع فتيات نعمل في المحكمة مشتركات في هذه السيارة، ندفع أجراً شهرياً، فهذا أرحم من زحمة المواصلات اليومية. خرج جارنا بسيارته من بيتهم، ورفع يده ليسلم علي، رددت له السلام أيضاً بيدي، جاءت في اللحظة نفسها سيارة الاشتراك، دخلتها، شعرت بي زميلتي الجالسة قربي، طفرت رغماً عني تنهدات، أردتها أن لا تظهر، لكنها لم تسألني شيئاً. أنا أنظر من نافذة السيارة، كأنني أشاهد كل شيء لأول مرة؛ بدت لي أسواق المدينة وشوارعها مختلفة، فلم يسبق أن ركزت بنظري على شيء من قبل، أما في عملي، كنت ليس كباقي الأيام، متابعتي لم تكن بالدقة نفسها، حتى أن البعض لاحظ ذلك، لم يعلق أحد على شرودي. في وقت الضحى من النهار جذبتني رغبة للعودة إلى البيت، قاومتها، أحسست كأنَّ الوقت لم يمرّ، وعقارب الساعة توقفت عن عملها في تتابع الثواني والدقائق. عند عودتي إلى البيت بعد انتهاء الدوام، حملت حقيبتي المليئة بالأوراق والملفات. طلبت من السائق أن يوصلني إلى السوق، ولم أفعلها في حياتي من قبل أبداً، لم يصدف أن ذهبت إلى السوق أثناء عودتي إلى البيت من العمل، أو أن أذهب إلى السوق بمفردي، دائماً تكون والدتي معي، أو الأصح، تصطحبني معها في بعض الأحيان من أجل التسلية فقط، لأنها تفهم أكثر مني في عملية التسوق. تعجّب من طلبي السائق، لأنه طوال سنوات، هو يوصلني إلى البيت، لم يحدث أن طلبت منه مثل هذا الطلب، مباشرةً سألني: أنتظرك؟ قلت له: لا.. لا أنا سأعود لوحدي، بعد أن أشتري ما أحتاجه.
أوصلني إلى السوق. نزلت. ذهبَ هو. تلفتُّ حولي لأنظر ماذا حدث لي. أنا في السوق! لكن لا أعرف ماذا أفعل؟ من أين أذهب؟ كيف أشتري قماش الستائر الذي أرغب في شرائه، أو كيف أختار ما أريد. للحظات نسيت من أجل ماذا جئت للسوق! بدأت أتفرج على المحال التجارية، قد حيرني كل التنوع الموجود من أقمشة، وملابس، وإكسسوارات، و.. و.. و..! تذكرت أنني أريد قماشاً يصلح للستائر. لم أتوصل إلى ما أريد. قررت العودة إلى البيت، وإخبار والدتي برغبتي في تغيير ستائر غرفتي. ما أن وصلت البيت، حتى وجدت أمي تنتظرني قرب الباب، وتبدو عليها إمارات القلق. بادرتني قائلة: لقد شعرت بوحشة لتأخركِ. لم تذكري أنك سوف تتأخرين. أنت تعلمين أنه لم يبق في البيت غيرك، قلقتُ عليكِ كثيراً. قلت: نعم ماما، أفهم هذا جيداً.
كانا والدي ووالدتي قد انتظراني على الغداء، لأن موعد عودتي يومياً، يكون في حدود الثانية عشرة، قد يتبعهُ ربع ساعة لا أكثر. اليوم زاد عن الساعة. لم يأكلا إلى أن أتيت. أثناء تناولنا الغداء سوية، أعلمت والدتي برغبتي في تغيير ألوان ستائر غرفتي، وسبب تأخري هو نزولي إلى السوق من أجل شراء الستائر، على أن تكون ألوانها زاهية ومبهجة. لم أشعر بالراحة لما بدا على تقاطيع وجه أمي من تغييرات جعلتني أشعر وكأنها لم تسمع ما قلته، وكأني أحدث نفسي، أو أنني أمزح. بعد الغداء بساعة تقريباً، راودتني رغبة في الاستحمام. بهدوء غريب سرى في أوصال جسدي حنين للماء. حين دخلت الحمام أخذت أتلمسه، لأنني منذ وعيت، أخجل من تكويني الأنثوي. أدخل الحمام. أستحم في أقل من ربع ساعة. أخرج على عجل. اليوم تعرّيت من كل الجدران المحيطة بسقف الخوف. واجهت برودة الماء المنساب على مسامات الشمس، حتى بدَ إشعاعها المحيط الأطلسي. ينزل الماء مطأطئاً على طرف التمثال من جسدي، نافراً إلى الأرض. البخار الساخن كالطبشور يتصاعدُ هارباً إلى فتحاتِ الشباك الصغير، يعود متنازلاً عن غطرسته عندما يجدهُ مغلقاً بإحكام، منساباً للالتفاف حولي، ليراقص فرحتي المجهولة. أصابع يدي تتخلل أطراف شعري الفاحم السواد، أداعبه، أدفع به إلى ظهري، يعود لمعاندتي، كأنه مستغرب لما يحدث في عالمي. ما أن انتهيت من مجاملة الماء، لففته بمنشفة وخرجت من الحمام مثل عصفور أطلق سراحه من القفص إلى عالم جديد. ارتديت ملابسي. خرجت إلى الحديقة. أملك من الفرح المخزون ما يسع العالم. أريده أن ينطلق ليفتت كل الغموض الملتف حول الفرح المحبوس في داخلي. وجدت أني أملك مشاعر غير مستهلكة، لذا وجب عليَّ استحداثها وبثها، لأن بداية كل تجربة تشبه الخدعة، إن لم تسرِ في أوصالنا على هواها تنتشي الفصول القاحلة في مشاعرنا. هذه المرة لن أهرب من أصداء شعوري. الحياة أكثر من صورة، أو تقليد نعيشه. منذ لحظات الأمس، أصارع رغبتي خوفاً من أن تكون مجرد وهم أعيشه بمفردي. قانون الجاذبية يجعل التفاوت بين الإحساس والشعور شنيعاً، مثل كفن فارغ، لقنوات مخارجها مهملة، جودها لا ينفع إلاّ مع هطول الأمطار الغريزة الساعات، والساعات تمر محتمية بانسلاخي الواضح الذي سيجعلني كمن خرج من عاصفة حلزونية، غازلته باختراع جديد، بالضبط مثل ما لديَّ من شعور اليوم. إذا لم يكن لديه مثل شعوري، كيف سأستقبل اللحظات الآتية؟ هل سيحمل فانوسه، ويأتي لهدهدت مواجعي؟
بينما أنا في تخبّطي الذي يسيل منه الشقاء والعذاب، الشمس تكفكف أشعتها القافلة إلى أحضان الليل. سمعت جرس الباب الخارجي يرن، كل جسدي أهتزَّ، كأن رنين الجرس في داخلي، ارتجفتْ ملابسي مع قشعريرة سرت في شرايين دمي. فتح سائق والدي الباب. سرقت نظري إلى القادمين. بكل ما أملك من خفة هرعت إلى الداخل. تبدل الهلع في داخلي إلى زغاريد فرح. اتجهت إلى غرفتي متمالكة نفسي. عندما طَرقتْ والدتي باب غرفتي لتعلمني أن لدينا زواراً مهمّين. ماذا تقصد بالمهمّين! أكيد أنها فهمت كل شيء عند حضورهم، ومن فكرتي في تغيير الستائر، لذا أشعرتني بأهمية الموقف، قلت لوالدتي: سأحضر حالاً. عندما شاهدته أثناء دخول المنزل، كان يرتدي بدلة لونها يميل إلى لون الأزرق الفاتح، لذا قفز إلى ذهني أن ألبس فستاني الذي لونه مشابه للون بدلته. لم أربط شعري، بل تركته يتموج على ظهري. وضعت على رأسي شالاً شفافاً، يمتزج بلونين؛ لون السماء الصافي، ولون الغيم الأبيض. بهدوء دافئ تهيأتُ. جزء من الشال ينسدل على كتفي. دخلت غرفة الاستقبال لأقدم القهوة، ونفسي غارقة بكل الوعود العريضة بما يحمل قدومهم عندنا اليوم. كان والدي قد سبقني، بعد أن قدمت القهوة، وحلاوة (مَنّ السَّما)، هي نوع من الحلويات اللذيذة في الموصل، طرحت والدتهُ الموضوع بلباقة وأدب. انسحبت من الغرفة. دخلت غرفتي. لم يعد عندي شيء من الصبر، ولم أجرؤ على التصنت، مع أن الفكرة راودتني، لهذا كنت أحاول أن أثبت نفسي على الكرسي المجاور للمنضدة التي في غرفتي قرب الشباك المطل على الحديقة. أتلهّى بالنظر لطير يحلق، ويعود لأرض الحديقة يلتقط بعض الأعشاب الصغيرة، دون كلل أو تعب. أحياناً تقع من فمه العشبَة لكبر حجمها. لا يبالي. يعود ويلتقطها مرة أخرى. لا يشغله شيء عن عمله المرهق. لا يهتم لوجود أحد يتابعه. سمعت صوت خطوات أعرفها جيداً، كانت لوالدي. نهضتُ أستقبل الخبر متظاهرة بأنني غير مهتمة، قال والدي:
- "منال".. أريد أن تعلمي أن جيراننا كان قدومهم عندنا من أجلك.
- لماذا؟
- إنهم قدمِوا لطلب يدكِ لابنهم "رضوان"، يريد الزواج منكِ.
لم أجب والدي بشيء، بقيت صامتة.
- "منال".. طلبت منه أن يمهلنا فترة يومين أو ثلاثة.
خرج من الغرفة. لولا الحياء الذي في طبعي، لقلت له في اللحظة نفسهاإنني موافقة، لكني التزمت الصمت.
أتت أمي، بعد أن ذهبَ الضيوف، لتفهمني سبب مجيئ الجيران عندنا:
- "منال".. بنتي.. الأمر بيدك. أنت ليست صغيرة، ومتعلمة، وتفهمين الحياة.
بقيتُ ملتزمة الصمت، وفهمتْ والدتي من تلك الابتسامة الخجولة، التي بدت على محياي، قبولي. قبل أن تخرج، توقفت والتفت ناحيتي قائلة: على بركة الله وخرجت من الغرفة فرحة.
علمت من أمي أنه مهندس مدني. لم يسبق له الزواج. إنه في التاسعة والثلاثين من العمر. كان في الأسر تسع سنوات. اسمه "رضوان". يوم أتوا لزيارتنا، ليباركوا قدوم أمي وأبي من بيت الله الحرام. كان يقصد رؤيتي، وقد تابعني أكثر من مرة وأنا عائدة إلى البيت من عملي، وسأل عني وعنا. أحس أنك أفضل من تناسبه، حسب قولهِ اليوم، ووالدكِ طلب مهلة لكي تقرري أنت الجواب الأخير.
كنت أسمع والدتي، وداخلي فجوات من السرور الذي طالما حلمت به. تسترسل أمي في حديثها عن رضوان: وجدت الرجل قلقاً لما شاهدهُ مِنْ حَزْمٍ وَجِديَّة عند والدك، وبيني وبينك، والدته امرأة طيبة تبدو حنونة جداً، قد ذكرتْ أنه سيسكن معهم في البيت نفسه، لأنه وحيدهم، لا يوجد في البيت غيرهم هي وجدهُ، والطابق الثاني من البيت سيكون لهُ، إنه مستقل له باب خارجي منعزل، يحتوي على غرفتين نوم، استقبال، مطبخ حمام، شرفة تطلّ على حديقة البيت الخلفية، سيجهزه بأثاث جديد.
مرت ثلاثة أيام. تكلمت "أم رضوان" بالهاتف مستفسرة عن رأينا الأخير. الرد من قبل والديّ كان بالموافقة. حدد موعد لزيارتهم، عصر يوم الجمعة.، حضر "رضوان" وأمه وجدّه في الوقت المحدد. كنت قد هيأت كل شيء؛ أكواب الشاي المذهبة، الشاي المعطر، السكر من نوع (شكر كلّة)، الكعك المطعم بالجوز، القهوة، نوعاً فاخراً من (الجكليت)، أنواعاً من الفاكهة مما متوفر منها في السوق، لأننا في زمن الحصار، أغلب أنواع الحلويات والفواكه ممنوع تداولها في الأسواق، لأنها تؤثر على اقتصاد البلد في الوقت الراهن، لكن هناك سوقاً سوداء. بعد تبادل السلام والتحيات، جلسوا في غرفة الاستقبال. التوادد واضح على الوجه من قبل الطرفين، خصوصاً بين والدي وجدّ "رضوان". قدّمت لهم أولاً عصير الزنجبيل الذي أعددته، ثم بعد ذلك بربع ساعة قدمت القهوة مع (الجكليت)، وكان الحديث ساخناً مع تقديم الشاي المعطر والكعك الذي وضعته في طبق الكرستال، والذي أمي لا تسمح باستعماله، فهو أحد التحف التي تعتزُ بها، إلاَّ في المناسبات الخاصة، لأنه من بقايا جهاز عرسها. طبق آخر من الزجاج الصيني حجمه كبير وعليه نقوش لصور تمثل مناظر طبيعية. فضاء الطبق مطعم بماء الذهب وزجاجه من اللون الأزرق الغامق، أيضاً من التحف الفنية الرائعة التي تعتز بها أمي، تسميهِ (الجيني)، وضعتُ فيه الحلويات، البقلاوة، الشكلمة، المعكرونيا، راحة الحلقوم، بطريقة أثارت إعجاب "أم رضوان". أطرت ذوقي في تنسيق الطبق، وصلت كل الاتفاقات نهايتها مع التلذذ بالفواكه المتنوعة، والتي رطبت الجو أثناء الجلسة، واتفاق الطرفين على كل الخطوات المطلوبة بشأن الزواج. مع موعد صلاة المغرب فضّل جدّ "رضوان" الذهاب كي يصلي المغرب في الجامع. لم ينفع إصرار والدي على بقائهم لتناول العشاء معنا. قبل أن يخرجوا طلب "رضوان" من والدي أن يسمح له بزيارتي يوم الأحد في البيت، فكان جواب والدي بالموافقة، لأنَّ عاداتنا لا تسمح بلقاء خارج البيت، إلاّ بعد العقد في المحكمة. ابتسم "رضوان" بحياء لوالدي، ثم سلّم عليه بعد أن شكره.
عاد وضع البيت طبيعياً بالنسبة لأمي وأبي. تداعت مراهقتي الناضجة بخفوت مسافر متردد من الإقبال على خطوات سفرهِ لأولِ مرةٍ. دخلت غرفتي بعد أن رتبت المطبخ وغرفة الاستقبال، وأعدت كل شيء إلى مكانه. وقفت أمام المرآة. مرّرت أحمر الشفاه على فمي بطراوة. أشعلت سراج ابتسامتي المتلاشي قبل وجود "رضوان". فتحت دولاب ملابسي. نظرت إليهِ متسائلة: ما الذي لا أريد أن أراه في زواياه. أغلقت دولاب الملابس. عدت إلى المرآة: هل يمكن أن أشاهد سيول الحيوية بين طيات فاحمة من أهداب الأيام الماضية؟ ولكن، لماذا أريد أن أسترد ما كان يتعبني؟
بصدري اللاهث إلى القادم من عفوية تنوء بدقائقها القاتلة. الأيام التي مرت بكامل ساعاتها، كانت تمر ولا أحسب لها حساباً، مثل الآني من الوقت. نخوت الوقت. استدرجت الساعة، لا بل توسلت إليها أن تعجّل حركتها، كأني مذعورة من تباطئ الزمن، بقدر ما أحس أنني قد أزيل عن كاهلي غضب سنين. أحسستها كجثة لا تعمل على تسرب الوقت ولا يريد مغادرة الأيام. جلست فوق سريري. خطفت علبة السجائر. أشعلت لي سيجارة بعصبية، لأًعلم الساعة، عليها أن تفهم سبب عجلتي أن يمرّ الوقت بخفة أكثر. إنني مثل فراشة في كل نواحي جسدي، لكن الثقل في مرور اللحظات يقتلني. أنظر إلى الساعة، كأنها لم تتحرك ثانية واحدة. العاشرة من الليل. لماذا أشعر وكأن الوقت لم يعد يتسابق؟! قابع مثل تنابلة السلطان. هل هو الشوق؟ هل الرغبة في إثبات حقيقة وجودي كإنسانة مدثرة بالحنان؟ أم هناك ما أجهل الوصول له بمفردي؟
نفدت السيجارة. أصبحت رماداً، ولم تتحرك عقارب الساعة إلاَّ ثلاث دقائق. أنا بين أصابع الوقت أحترق شوقاً. تحتكّ مشاعري بأمارات الانفعال المطعون بالانتظار. سيكون يوم الأحد القادم له ملايين من الدقائق المملة. لماذا كل هذه اللهفة في قرب يوم الأحد الذي حدده "رضوان" للقاءِ؟ أردت التخلي عن التفكير والإنشداد بهذا الشكل الذي لم يسبق لي أن أحسست به، بما أحسه الآن. تذكرت أمي وهي تقول: إن "رضوان" قضى في الأسر تسع سنوات، كيف قضى الوقت في الأسر؟! ماذا شغله كل تلك المدة، تسع سنوات؟ الانتظار شيء من طعم الموت، يومان أجدهما كومة هائلة من الوقت. إذاً كيف هي أيام الأسر لمدة تسع سنوات؟!
شعرت بعطف كبير تجاه "رضوان" خفف عني هماً كبيراً من لوعة هذين اليومين. استقام جسدي على السرير بين أغطية الحزن محاولة أمساك لحية النوم. انهمرت مرة أخرى أفكاري في أسر "رضوان"، وساعات الليل لتسع سنوات، بماذا كان ينتفها ويسحق وحشتها. بينما أنا منهمكة بفك أسرار الليل وطياته الكبيرة، سمعت حركة في البيت، نظرت إلى الساعة. الثانية عشرة. صوت أخي. أسرعت إلى باب غرفتي، فتحته، نعم بالفعل "ساجد" يتحدث لأمي، ولكن متى وصل؟ رحبت به وحمدت الله على وصوله بالسلامة في مثل هذا الوقت، وأمي تسأله:
- هل أنت جائع؟
- نعم وجداً.
قلت له: تبدو نحيفاً أكثر من قبل، ألا يوجد طعام في المعسكر؟
- يوجد، لكن يؤذي معدتي أكل المعسكر. في الطريق أردت أن آكل. كما تعلمين أكل المطاعم التي على الطريق أكلها هي أيضاً تشبه أكل المعسكر، غير نظيفة. أجلت الفكرة لحين وصولي، فأكل أمي لا يضاهيه أكل، في النظافة والطعم.
قفز يقبّل أمي، وهو يقول لها: الله يحفظك، أريد أن أستحم قبل الأكل.
دخل الحمام. طلبت مني والدتي تهيئة ملابس لأخي "سعيد"، بينما هي اتجهت إلى المطبخ تعد له لقمة يأكلها. فجأةً انقطع التيار الكهربائي؛ تعطل كل شيء. أمي أخذت تبحث عن الفانوس. أنا أبحث عن علبة الكبريت كي أضيء طريقي. أمي ربة منزل جيدة، فهي في مثل هذه الأمور أكثر دقة. وجدت علبة الكبريت. أوقدت الفانوس. أعطته لأخي "ساجد" في الحمام. أنا ما زلت في حيرة من أمر العتمة، مرتبكة. تذكرت ولاعتي في غرفة نومي. ذهبت لآخذها علّها تفيدني. صاحت والدتي من المطبخ: تعالي خذي هذه الشمعة. عدت إليها. أخذت الشمعة التي أوقدتها لي. ذهبت إلى غرفة "ساجد" أكمل إعداد ملابسه. أمي انتهت من تحضير العشاء. خرج "ساجد" من الحمام. جلسنا أمامه، نتابعه يأكل، وبين لقمة ولقمة يهدي والدتي كلمات الإعجاب بطعامها اللذيذ، وهي تدعوا له بالصحة والعافية. ما أن شبع، حمد الله على نعمه التي يجهلها الفرد ولا يحس بها إلا عندما يفقدها قائلاً: الكثير من الناس ينسى أن يشكر ربه.
جهزت الشاي. صببت لنا. ونحن نشرب الشاي و"ساجد" يتحدث عن بعض التفاصيل المتعبة التي يعاني منها الجندي في المعسكر، ترد والدتي بقولها: يا ابني، أهل الأول وتقصد الأجداد، كانوا يقولون العسكرية ثوب من نار.
مر الوقت ولم نشعر به. ساعة غرفة الاستقبال تعلن بدقاتها الثانية بعد منتصف الليل. طلبت من أمي وأخي "ساجد" أن يسمحا لي بالذهاب للنوم، لأنني يجب أن استيقظ مبكراً.
في الصباح، وبعد أن تناولت الإفطار مع ساجد وأمي، تهيأت للذهاب إلى عملي. خرجت أنتظر سيارة الاشتراك قرب الباب. شاهدت "رضوان" أيضاً يخرج سيارته من الكراج. ما أن شاهدني سلّمَ بيده، وأشارَ لي أن أنتظره. بعد أن أغلق باب الكراج، اتجه بسيارته نحوي وطلب مني الصعود معه ليوصلني. شكرته، وقلت له: إن سيارة الاشتراك وقتها تمر. لم يلح في طلبه، قال: يوم الأحد آتي عندكم الساعة الرابعة عصراً بمفردي.
سلّم وقاد سيارته إلى عمق الشارع. لم تمر لحظات حتى أتت سيارة الاشتراك. صعدت إليها. كل همي قضية "زهرة". اليوم الجلسة الأخيرة مع محامي الدفاع، الذي وكلته المحكمة عنها. "طه" محام ذكي ومخلص. كم أتمنى أن تأخذ حكماً مخففاً. وصلنا المحكمة، بين الباب الرئيس الخارجي والباب الرئيس الداخلي، في الساحة الخارجية للمحكمة حشد غفير من الناس، عدد كبير من رجال الشرطة، لم أشهد مثله في هذا الوقت من الصباح. عادةً تبدأ الحركة الحقيقية بعد الساعة التاسعة. بصعوبة دخلنا المحكمة أنا وزميلاتي. لم يعرف أحد سبب هذه الضجة في ساحة المحكمة. تبين لنا قرابة الساعة العاشرة أن بعض العشائر من أطراف الموصل في الجهة الجنوبية، قد غارت على عشيرة أخرى. غزتهم وقتلت منهم ثلاث رجال. أحرقت خيامهم. سُبي منهم نساء كرهائن. سبب المشكلة، أن تلك العشيرة التي أغارت، قد عشق ابنهم فتاة من العشيرة التي تعرضت للغزو، ولكن مثل هذه المشاكل دائماً تحل خارج المحكمة. تبقى القضايا مستمرة بين العشيرتين. اليوم القاتل يمثل أمام القاضي، تحسباً من حدوث اعتداءات بين العشيرتين، كان وجود الشرطة كثيفاً، لم تسمح لهم دخول قاعات المحكمة الداخلية. كنا نتعجب من وجود الغزو بين العشائر، في زمن الصواريخ والطائرات، وفي ظل دولة لها سيادة وقانون، أما قضية "زهرة"، فقد أُجّلت لإشعار آخر لعدم ثبوت الأدلة الكافية. أثناء عودتي إلى البيت، تذكرت "بشرى" صديقتي، وقلت لنفسي: لماذا لا أكلّمها هاتفياً، لأعلمها بأمر خطوبتي؟ بعد الغداء، أي حوالي الساعة الثانية والربع طلبتها على الهاتف، رد "ربيع" ابنها الكبير:
- ألو.
- نعم، من المتكلم؟
- ماما موجودة، أنا صديقتها "منال".
- لا. هي عند جدتي، لأنها جداً مريضة.
- متى تعود؟
- لا أعلم.
- إذاً، سلم لي عليها، قل لها "منال" تسلم عليكِ، مع السلامة.
- مع السلامة.
أقفلت خط الهاتف. أحزنني سماع خبر مرض والدة "بشرى". لو كنت أعلم بيتهم، لذهبت لزيارتها والاطمئنان عليها. عدت أسأل نفسي: لماذا لم أسأل "ربيع" عن عنوان بيت جدته؟ قلت لنفسي: بعد أن تكلمني "بشرى"، أعلم أحوال أمها منها، وأسألها عن بيت أمها.
دخلت غرفتي لأنام قليلاً، فإذا "ساجد" يطرق باب غرفتي ويهنئني بالخطوبة، متمنياً لي السعادة، ما دمت قد وافقت، ومقتنعة بالرجل الذي تقدم لطلب يدي، على حسب قول أمي. شكرته. تمنيت له التسريح من الجيش في أقرب وقت. لم يبق معي طويلاً لأنه متهيئ للخروج من البيت. يبدو أن والدتي قد حدّثت "ساجد" بكل التفاصيل. أخذ خيالي يسبح في زيارة "رضوان". لم أستطع النوم. انشغلت بالتفكير بمظهري؛ ماذا ألبس؟ كل ما لدي تنورات وبلوزات، ليس عندي فستان مناسب، غير ذلك الأزرق والمشجّر، الاثنان لبستهم في الزيارتين السابقتين. بينما أستعرض ما لدي في ذهني، وقعت عيني على حقيبة نوال الجلدية فوق الدولاب التي تركتها عندي في آخر زيارة لها. رفعتها من فوق الدولاب. فتحتها لعلي أعثر فيها على ما يناسبني. قلبت ما فيها؛ وجدتُ فستانها البيج. إنه رائع. وضعته على قامتي. وقفت أمام المرآة. إنه من الطراز الجميل. لبسته. قياسه مناسب. نظرته من جميع الجوانب. مطابق حجمه قامتي. نعم إنه مثير، كأنه خيط لي. فرحت به. ها مشكلة غد مع الملابس حلت. نزعته. كويته. علقته في دولابي. رجعت إلى حقيبة أوراقي وملفاتي، أتصفح مفكرتي، كي أتابع ما يحتوي برنامج عملي ليوم غد. وجدت ملف "بيارق".









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح