الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موجز الكلام- فتحي الشقاقي-

علي شكشك

2009 / 10 / 31
القضية الفلسطينية


كيف لي أن أبدأُ الكلام عن موجز الكلام, وهو الذي كان بصمته يلخصُ الكلام, ويحتضن شيئاً ما, ما كان واضحاً, ما كان غامضاً, ما كان بين بين, كان يحاول أن يحلّ لُغز الكون, وكان كأنّه يعرف أنه يستطيع, مذ كابد أوّل سؤالٍ ربما عن المعنى أو الجدوى, حين ذهبتْ ولم تعد تلك التي كانت تظلل البيت وتحفظ الأسرار في المخيم ذات نهار,
غيرَ مزهوٍّ بشيءٍ إلّا بقدرة الصمت على اختراق الكلام, وممتلئاً كأبناء جيله بامتلاك المستقبل, كأنّ مركز الكون هنا والغد لنا, والعالم الكبير كلُّه أضيقُ من حارةٍ في المخيم, هنا اللاجئون وهناك على بعد نظرة من وراء الغمام برج الحمام, وما يتصور العقل ما رسمته الحكايات عن وطنٍ يتدلل عذريةً بانتظار اكتمال الحكاية, ككل الحكايات التي تنتهي بسلام قبل أن تتداعى العيون لسلطان ربّ الأنام ثمّ تنام,
وحين تتسع الفكرة تضيق العبارة, وحين يضيق المخيم يتسع المجال, في مدى الرفاق وفي مدى السؤال حتّى ولو كان بلا جواب, وفي الحوارات وشبه المناظرات ومكابدة البحث عن ذات السؤال وجرأة الولوج في السبب, كأنّه اكتشف القانون الأول في الحياة أنني إنسان, وأملك القدرة على السؤال وأملك القدرة على البحث عن جواب,
متخفّفاً في أثقال الحياة بالسفر بين المخيم وعلوم الرياضيات في بيرزيت كان أيضاً يتجول بين السكرية وقصر الشوق وخان الخليلي مع نجيب محفوظ, ويحاور أحمد عبد الجواد والجبلاوي, وفي غمرة السؤال الكبير كان يرى الأمر كبيراً, فهذه المدينة هي مركز السؤال الكبير, وقد كان يتشكل على مزاجها وقد ترك لها أن تفعل به ما تشاء ولم تدعه إلّا وقد سلبته الإبهام ثم صاح ما بقي له من أيام: "وجدتها", وجدتها هناك, حيث لا الآن ولا هناك, وإنما هي هي, كما تشتهي هي, لب الصراع ومعنى الكلام, موجز الكلام,

لست أرثيك فليس بعد, وقد ذهبْت, فقط ذهبْتَ, في دائرة الكلام, وكنتَ قد مررت من هنا بما استطعت من أحلام, وقرأت السلام على شكسبير وهاملت وهمنجواي والأرض اليباب, وأحمد العربي وعبد الرحمن الأبنودي وصافيناز كاظم وكولن ولسون, مثقلاً بسحر الرواية في الحياة, وإيقاع الروح عند ناظم حكمت, ونشوة المعنى وبكارة الفكرة, متخففاً بأثقالك كأنّها سحر صخرة سيزيف وقدرية أسخيلوس, ومبتهجاً بلذّة الكشف وهذا الشبه بين الروح والمسار,
ومدركاً لحكمة الرواية كانت يداك تمنحان الورد لمن لم يفهموك وكنت ببحة صوتك تنحت أركيولوجيا العصور القادمة وتصلي من أجلِ مضطهديك من أبناءِ جلدتك, زاهداً إلا في المعنى وإيقاع خفيٍّ في القصيدة, حيث؛ الأسى والجوع في عينيكِ يا حبيبتي .. كحبتي ندى .. كقطرتي دموع .. الأسى والجوع والقمر .. لا خبز يابني لا حشيش لا قمر,
حاولتَ أن تكون السياسةُ فكرةً, والصراعُ مع رأسِ الحربة, فالهجمة أشمل من حدود أناملي, وتاريخ الأدب هو تاريخ "الحرب والسلام", و"الاستشراق" كما شرّحه إدوارد سعيد يُمهّدُ ويكملُ الهجمة, فكيف لا تكون فلسطين البوصلة والقضية المركزية, وكيف لا تكون القدسُ مركزَ الصراعِ الكونيِّ, وقد افتتنت بالبعد الخامس فيها, ووزعت قلبك بينها والأصدقاء, "لم يحبونا كما كنّا نشاء .. لم يحبونا ولكن عرفونا", والذين هالهم جِدَّةُ جديدِك بالأمس واستنكروه, عادوا وتبنَّوه, رغم أنّك لم تحلم يوماً بسريالية المشهد القادم, ولم تقصد أبداً ما استهدفوه,
وبما جئت من لُبِّ الحروف, لم تكن تحلم بالمستطاع وقد كنت تعرفُ حدود المستحيل, وتقنع من الزاد بدقّ جدران العصر, فالوقت قبل الوقت, والواجب قبل الإمكان, والذاهبون إليك منذ الفجر لم يصلوا, صمتك الذي طال سيدوّي بعد قليل, برصاصات باهتة, وسيختلفون فيك كما حدث مع عبدة وقاسم أمين والأفغاني, وسيكون هذا ذاته هو الدليل على أنهم عرفوك, وبذا يكمل موجز الكلام, .. وتبدأ الحكاية .......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمير الكويت يأمر بحل البرلمان وتعليق العمل بعدد من مواد الدس


.. كاميرا مراقبة توثق غارات للطيران الحربي الإسرائيلي على شمال




.. مراسلة الجزيرة: طلاب كامبريدج يضغطون على إدارة الجامعة لقطع


.. تشييع شهداء سقطوا في قصف إسرائيلي على رفح جنوبي قطاع غزة




.. مظاهرة حاشدة في مدينة نيويورك الأمريكية إحياء لذكرى النكبة