الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقدة وادي عربة !!

جهاد الرنتيسي

2009 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ينقسم الخطاب العربي في احسن احواله بين " مأزوم " بفعل استخداماته وضيق افق اصحابه ومحدودية رؤاهم وادواتهم و " معبر عن ازمة " من ركام ازمات تتناسل بسرعة تفوق قدرة النخب على التمييز بين اصل الازمة وفروعها.

وفي معظم احوالها ، لم تخرج تشعبات وتنويعات الخطاب السياسي الاردني عن هذا السياق ، مع حلول الذكرى الـخامسة عشرة لمعاهدة السلام الاردنية ـ الاسرائيلية ، التي اختزلت في ذهنية معارضيها بمكان توقيعها " وادي عربة " رغم انها جاءت في غمرة تطورات اقليمية متلاحقة ، ساهم في املائها تحول كوني ، انعش رغبة اعادة النظر في مفهوم المحلية ، بفتحه بوابات فضاءات العولمة على مصاريعها .

فالسمات المشتركة بين مستويات التصعيد ، الذي عبرت عنه بيانات وتصريحات اوساط حزبية ونقابية واعلامية على مدى الايام الماضية ، تكشف عن ازمة معطيات الطرح ، وخلل المنهج الذي قاد لنتائج استشراقية في بعض اوجهها ، لا تخلو من انتقائية في محاكاتها للواقع.

ومع استسهال تجاهل الاحداث الكبرى التي تمر بها المنطقة والعالم ، واعادة قولبة المواقف ، واجترارها ، وعزل الحدث عن سياقاته السياسية ، لدى الحديث عن المعاهدة التي شكلت منعطفا ، مثيرا للجدل في التاريخ السياسي الاردني الحديث تخرج مناقشة الاطار الذي جاءت فيه التعليقات والمواقف من دائرة الترف السياسي والفكري لتأخذ طور الالحاح .

الافراط في الانفعالية ابرز سمات خطاب الهجوم على المعاهدة وبعض الخطاب المضاد .

ولا يخلو الامر من تشابه واختلاف بين الانفعاليتين ، حيث تنطلق الاولى من ارضية عجز الخيال السياسي عن استيعاب قيام سلام مع الجانب الاسرائيلي فيما تاتي الاخرى من زاوية ردة الفعل التي تحاول الحد من الضرر الذي يمكن ان يلحقه الانفعال بنتائج القراءات ، وفي نهاية المطاف تلتقي الانفعاليتين ، رغم تعارضهما ، عند محاولة كل منهما اقصاء الرؤية المخالفة .

قد تعود محاولة الاقصاء الى استحالة التوفيق بين وجهتي نظر ، تذهب احداها الى حد تحريم المعاهدة لاسباب معظمها نفسي وايديولوجي ، وان حاول اصحابها تغليفها بالواقعية وحسابات المصالح ، فيما تنسجم الاخرى مع براغماتيتها وهي تصر على تقليب الخيارات واستيعابها .

وبطبيعة الحال يضاف الى ذلك محاولة كل من وجهتي النظر توسيع جمهورها في الشارع الاردني الذي يبدو مشغولا اكثر من اي وقت مضى في البحث عن رغيف الخبز .

جلد الذات سمة اخرى من سمات الخطاب المهاجم للاتفاقية على اعتبار ان الخيارات الاردنية كانت عديدة قبل 15 عاما واغفلها صانع القرار ليتخذ قرارا غير شعبي كالتوقيع على معاهدة سلام مع اسرائيل .

وفي ردهم لم يتوان اصحاب وجهة النظر الاخرى عن جلد اصحاب النزعات الجلدوية على امل اخراجهم من دواماتهم التي لا تتوقف عن الدوران .

كما جنح خطاب الهجوم على المعاهدة الى قراءتها من زاوية الفوائد المنتظرة من التوقيع عليها كالمياه والحدود والانتعاش الاقتصادي الامر الذي لا يخلو من ابتعاد عن المنطق الذي يحكم معادلات الصراع في المنطقة .

فلم يكن الحصول على كميات من المياه او بعض الانتعاش الاقتصادي ملحا بقدر الخروج من تبعات حرب الخليج والافلات من احتمالات الشطب السياسي .

وتمكنت المعاهدة من اداء هذا الدور على مدى السنوات الـ 15 الماضية من خلال تكريسها الفصل بين الحل على المسارين الاردني والفلسطيني وازالة اللبس الذي انطوى عليه تشكيل الوفد المشترك الى مؤتمر مدريد .

هذه الحقيقة التي التقطها المدافعون عن المعاهدة لم تكن وحدها الغائبة لدى المهاجمين الذين طمسوا رؤوسهم في الرمل كالنعامة وهم يحملون خطوة التوقيع على المعاهدة مسؤولية فشل التنسيق بين المسارات التفاوضية العربية .

فالتفاصيل التي يجري تجاهلها بين معارضي الاتفاقية الذين يتكاثرون في موازاة تعاظم قوة اليمين الاسرائيلي المتطرف ، وكلما تعثرت عملية السلام ـ التي لم تزل رغم تشوهاتها الخيار الوحيد لدى العرب بمعتدليهم ومتطرفيهم ـ ويعرفها المطلون على اجواء المفاوضات التي سبقت توقيع الاتفاقية تفيد بان دعاة التنسيق كانوا الاكثر تفريطا به ، واستخدموا دعوتهم للتهويش على بقية الاطراف العربية المفاوضة ، وتحويلها الى اوراق تفاوضية ، تعزز مواقفهم .


كما يغيب عامل الزمن ، وما يمليه من متغيرات ، عن منهج مهاجمي المعاهدة ، وهم يسقطون من حساباتهم تحولات الشارع الاسرائيلي ، التي يعبر عنها بوضوح تذبذب الخط البياني للتوازنات الداخلية الاسرائيلية .

وفي صلب هذه التحولات ياتي تغييب رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين ـ الذي تم التعامل معه باعتباره شريك سلام استراتيجي ـ اغتيالا ، وانكفاء معسكر السلام ، وانحسار التضامن العربي ، والخسارات التي لحقت بالمسار التفاوضي الفلسطيني ، وبلغت ذروتها في النتائج المدمرة لعسكرة انتفاضة الاقصى ، التي تمثلت في اجتياح مناطق السلطة ، ومحاصرة الرئيس الشهيد ياسر عرفات في مقره بالمقاطعة .

مصطلحات التهويل الموغلة في ميثولوجيتها احتفظت بحضورها ايضا في خطاب الهجوم على المعاهدة .

وتأتي خطورة هذه المصطلحات حين يتم استخدامها في التشكيك بوطنية الموقعين على الاتفاقية والموافقين عليها واختزال البعد الوطني في خطاب المزايدة المفتوح على الهاوية .

عادت هذه المعزوفات الى الاجواء السياسية الاردنية مع تصورات البعض بعدم وجود قاعدة شعبية وسياسية للموقعين على الاتفاقية مما فتح الاقواس لعلامات استفهام كبيرة .

فالنبش في شرعية حكومة تحظى بثقة برلمان انتخبه الشعب الاردني يمس صلب المؤسسات والثوابت الوطنية .

ولا يوجد تفسير لمثل هذه الممارسة سوى ان البعد التهويلي لمفردات الخطاب الحزبي ضخم الذات الحزبية ، لتغفل الاحزاب عن انحسارات حضورها ، ومحدودية قدرتها على التأثير في الشارع ، و غياب الحياة الديموقراطية عن اطرها .

لذلك لم يجد المدافعون عن المعاهدة صعوبة في التقاط مفارقة تشكيك احزاب بهذه المواصفات في القاعدة الشعبية لحكومة حصلت على ثقة البرلمان .

كما تتيح سذاجة الخطاب المدوي الخلط بين الاستياء من المعاهدة واحتقان الشارع من ممارسات مثل مصادرة الاراضي وتهويد القدس واعاقة عملية السلام .

ويقود هذا الخلط الى محاولة اظهار الانزعاج الرسمي الاردني وكأنه دلالة ندم على توقيع المعاهدة وليس حرصا على تنفيذ ما جاء فيها .

فالسلام الذي جاءت المعاهدة لاحلاله خيار شعبي بامتياز بعد فشل خيارات العنف الرسمي والشعبي في وقف الصراع الا ان اليمين الاسرائيلي المتطرف لا يترك مجالا امام انجاحه .

وبناء على هذا الفهم عمل صانع السياسة الاردنية على تكريس السلام كخيار للشعوب في الوقت الذي اظهر الاسرائيليون منذ اغتيال رابين عجزا عن سلوك هذا الطريق .

فلم يتوان بعد توقيع المعاهدة عن تقديم الدعم لتوفير المناخات التي تتيح التقدم على المسارات المتعثرة .

وفي سياق دعم المسارات ـ ولا سيما المسار التفاوضي الفلسطيني ـ يقدم الاردن مساهمات مهمة في الضغط على اسرائيل الامر الذي يلقى اشادة من الجانب الفلسطيني ، سلطة ومعارضة ، وشخصيات مستقلة وفصائل وطنية .

بشكل تلقائي تقود المقدمات التي يطرحها مهاجمو المعاهدة الى المطالبة الفورية بالغائها وطرد السفير الاسرائيلي من عمان .

الا ان المطلب التهييجي للراغبين في الهياج لايخرج عن المنطق المترنح الذي يسهل على الخصوم تفنيده بمجرد امتلاكهم جرأة الرد على ديماغوجيا تزييف الوعي والاتهامات والتخوين .

ويلخص الاتجاه المضاد رده على هذا الجانب من الطرح الهجومي في علامة استفهام كبيرة تنطوي على دعوة للتفكير في اليوم التالي لالغاء المعاهدة .

فالالغاء يحتم توفر الخيار البديل ، لمواجهة اسرائيل ، ويتطلب حججا لاقناع المجتمع الدولي بالخطوة .

ولا يوجد بدائل لخيار السلام سوى الاستعداد لفرض وقائع جديدة بالقوة من خلال حرب لم يستعد لها الاردن والدول العربية بما في ذلك صاحبة الشعارات ، اوالعودة الى سياسة اللاحرب واللاسلم التي تحتاج الى قطب كوني اخر تتكئ عليه مثل هذه المغامرات غير محسوبة النتائج .

كما يسقط اصحاب الصوت العالي من حساباتهم الزخم الذي يمنحه الغاء المعاهدة لليمين الاسرائيلي المتطرف الذي يتحين فرصة عزل الاردن دوليا لتصدير ازماته الى المملكة .

والاغرب من ذلك كله ان دعوات الغاء معاهدة السلام الاردنية ـ الاسرائيلية تاتي في ذروة لهاث قلاع الشعارات العربية والاقليمية لتسوية ازماتها مع القطب الكوني الذي ما زال وحيدا ومشاريع الاقطاب المرشحة لمشاركته القرار الدولي .

الا ان كل هذه الثغرات لا تبدو مقنعة لمحترفي اطلاق الشعارات ودغدغة العواطف لان وضع حد لنمطية التفكير هذه يعني مواجهة الواقع بكل قساوته والتعامل مع حقائق على الارض .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قبل الطلب من الاردن
نادر عبدالله صابر ( 2009 / 11 / 2 - 09:36 )
رائع جدا تحليل الكاتب ,, انه لمن الظلم والتجني ان نطلب من الاردن الغاء هذه الاتفاقية ( وادي عربة 1994) قبل ان نطلب من الاخوة الفلسطينيين ( وهم اصحاب الشأن والقضية ) الغاء اتفاقية اوسلو الموقعة مع اسرائيل 1993 ( اي قبل وادي عربة ) ,, وكذلك قبل الغاء مصر ( اكبر دولة عربية)اتفاقية كامب ديفيد 1979,و أليس كذلك ؟؟؟ مع العلم ان الغء تلك الاتفاقية لا يقدم ولا يؤخر بل انه سيصير وسيصعب الامر على الفلسطينيين في الداخل كون طريق المساعدات الانسانية والحياتية هو عن طريق حدود الاردن مع اسرائيل ,, وشكرا

اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار