الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إختزال الفكرة على حساب البلاغة الصورية

كريم ناصر
(Karim Nasser)

2009 / 11 / 2
الادب والفن


ديوان "وبعد" للشاعر علي عيدان عبدالله *

إستقلال المحتوى:

لم يُعرِ الشاعر علي عيدان عبدالله اهتماماً كبيراً للبلاغة الصوريّة، مع أنّها جوهر الفن الشعري، ولكن يبقى أن نقول إنَّ وجودها من عدمها لا يُعدّ نقصا بنيوياً إذا جازت التسمية في اصطلاحنا هذا. لقد اعتمد شاعرنا في صياغته على فكرة مكثّفة لا تقبل توظيف السرد كطريقة لبناء الجملة الشعرية الطولانية، وهي سمة يُعرف بها الشاعر تحديداً في المجموعة، ويمكن أن تُميّزه عن غيره بهذا النمط، لكونه يجعل الفكرة تتقدّم دون أن ينساق وراء تهويمات لغوية (1) لأنَّ هدفه هو تحقيق الشعر انطلاقاً من وحدات أصغر، ولكنّها مزوّدة بصور دلالية..
إنَّ سعي الشاعر إلى صياغة مثل هذا النوع من الشعر لم يأتِ اعتباطياً، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار "استقلال المحتوى" وهو نزوع تجريدي غالباً ما يقوم على تركيب فكرة تأويلية تتجسّد تعبيرياً دون أن تضع اعتباراً للانزياح، وليس ضرورياً أن تكون اللغة إطاراً لها.
صحيح أنَّ القصائد لا تفصح عن آلياتها اللغوية الصارمة في أثناء صيرورة بنائها، بسبب اقترابها من الصيَغ التنظيرية (2) والبديهية والتجريدية التي يُعبّر عنها بلغة واضحة أحياناً، غير أنَّ دلالاتها تبقى عميقة، ومما له أهمية مع ذلك أنَّ كلّ نص شعري يحافظ على تسلسله في مستواه الدلالي مُتّخذاً من الرمز ملمحاً يؤدي وظيفة موازية للمحتوى، فالوضوح في الملامح لم يعد مع ذلك خاصيّة تقود إلى إضعاف البنية التركيبية الأساسية (3)
ـ "قلتُ: لو كان ذلك
علي بن حمزة الكساني
أبغداد يعني؟" ص32
(القارئ)
"قيل: الأرجاف أوّل الكون
حقاً ما قيل" ص37
(الإرث)

ما يسعى إليه الشاعر، إنّما يتمثّل في تطعيم الشعر بمدلولات تقوم على أساس تجانس المعنى في صيغة تبني نفسها خارج سياق اللغة الطبيعية، لتؤمن سلامة الجملة الشعرية:
"ليس كلّما ترفع رأسك
لتراه
هو فوق" ص50"
(منحوتات)
"حين منح القيصر الفتى نسراً
أخطأ في أسماء الريح فأزهق روحه بالحبس" ص76
(أسماء الريح)

مقاربات شعرية:

نحن إذاً أمام جدل من مستوى مختلف في خلق تضادٍّ شعري، كما في "حبّات الغار" و "الباز الأشهب" و "صاحب الحوت" و "السهم المضيء" وغيرها من النماذج، ولكي يُبرّر الشاعر استعماله هذا الأداء: يضع فكرة تحتفظ بأثر ما يستغني عن الإطار الشعري العام، ليتوفّر على عنوان تعبيري يجسّد جدلية الشعر على المساحة الكليّة التي نرى من الأنسب أن يكون العنوان جزءاً من تراكيبها على صعيد المعنى، وليس خارجها، وهذا لا يعني أن يكون مقتبساً من الملفوظ اللغوي، والأمر نفسه لا ينطبق كثيراً على القصيدتين: "منحوتات" و" إشكالية الظل" اللتين تؤديان إلى المعنى عبر مستويات مختلفة وعن طريق المحتوى اللفظي.
إنَّ قولنا التضادّ الشعري، إنّما يرمز إليه هنا بالتكنيك وبأداء مختلف عن الأول تماماً، وقد يقوم بتعرية القصائد من العوامل اللفظية في صورها الأكثر تجريداً لاجتراج سمة مغايرة، كغيرها من السمات، فالجمل المبتورة ليست إلاّ بدائل لغوية لم تنجزْ بعد، غير أنّها لا تناقض مادة المعنى: ولتقريب الأمر نُضمّن مقالتنا هذه الأبيات لتأكيد مبدأ البتر:
"وحدي فيميوس حين أنشد ص29
(فيميوس)
"أنحت فضاءً بكلمة أمحوها يمتدّ" ص74
(رواقم)
"ليس وطيداً
أجل ليس وطيداً، وكلمة أخرى على قبر ابن يقطين" ص79
(لا شيء يكفي عند الضرورة)

أمّا إذا كان تركيب الجملة يستعصي كليّاً على الفهم، فإنّه يفترض أن يكون مردّ ذلك عدم استقرار المعنى الذي تؤلف الكلمات وحداته السياقية (4)
رأيت ما كنت أظنّ دائماً إني أعرفه. لكني الآن حسب عرفته: إننا فقراء" ص21
(عقدة غورديوس)
مثل: "هل تزاحمتَ في قلبي إلاّ كذلك" ص8
(تقدّمات)
ومثلما يضع الأولوية للرموز المستوحاة من التاريخ والميثولوجيا والدين مثل: أخيلوس وغورديوس وإينيس وزرادشت وأرسطو وابن الرومي، يحرص على رسم جغرافية المدن لتنمو تدريجياً، فللمعاني البصرية التجريدية والمكانية دلالاتها التعبيرية أيضاً على مستوى المحتوى. إنه يهدف إلى إثارتها بإطار وجداني لا سيما في توظيف الأمكنة: ونأخذ البصرة أُنموذجاً لكونه يرتبط بها بصلة جوهريّة قبل بغداد وبيروت، والفستول ومتحف سرسق.

إنثيالات وجدانية:

فالتلميح للمعنى المضمر مثل ضياع الفرص على سبيل المثال، ليس في الواقع إلاّ حالة تكشف عن ظاهرة عامة تستشري على الصعيد الاجتماعي، لأنَّ الفرح في حالة إضمار، وإذا أردنا أن نستدل بالمعطيات المسلّمة بها، فيجب أن نرجع إلى الظواهر السوسيولوجية:
"فرص كثيرة وأسئلة كثيرة مضت وتمضي" ص7
(فرص)
أو إلى التمزّقات العاطفية التي تقف على النقيض من الواقع:
"ألفُّ ذراعيّ حولكِ بقوّة، أفضل طريقة للنسيان" ص75
(أفضل طريقة للنسيان)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفاصيل:
* (وبعد) عنوان المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر "علي عيدان عبد الله" وهي تأتي في المرتبة الثامنة: بعد (لائحة الشعر رقم 1) و (الخطى) و (حوار الفصول) و (المسرات لي) و (موجز النار) و (الأبيض القصي) و (الوضوء بالأزرق) ضمن مجموعة من الشعراء.
1. عدا بعض الحالات المذكورة ولفهم المقاربة نذكر هذه الأمثلة المفرطة الأداء:
"التفويض لزوم ما يلزم ص19
"الحركة مبدأ وكلّ مبدأ ثابت تقول صاحبة التقدمة إذن كل غاية صفة" ص9
"يكتبون بالحبر السري وبتفويض فلا تخشى سطوة الكرادلة" ص19
و"العالم بسيط الحقيقة
قالها عن فلاسفة المسلمين
هل يعني: العالم أوّل الشعر" ص 32
"ذلك الحيّز البسيط الإنسان حين يتقصّى"ص30
2. إشارة إلى المتن أعلاه:
"التشاؤم الفكري واجهتُهُ بتفاؤل الإرادة
يقول غرامشي" ص70
3. أضفنا هذه الجمل لتطابقها مع المعنى نفسه:
"لو كانت على صدر كل منا
لاختلف القول
زهرة إندروماك" ص11
"الشمس قريبة لكن النهار بعيد" ص13
"السيف أكان ذلك توقيعه" ص20
"الضوء البعيد مؤل الفقراء" ص27
"الدموع جليد الروح المذاب" ص31
4. هذه المستويات اخترناها من ضمن التراكيب الشعرية:
"الأنداد كائنات عابرة تتجابه على مرآى من أسلافها وتقدّم شكرها شتى" ص8
"الإسكندر لم يكسب الرهان فاقطع يا صفوة الحلول ص20
"إناء فاطمي مليء بالأزهار ـ شتّى ـ ص73
"الباز الذي هناك
منتشياً:
تحتيَ النبع" ص74









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل