الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم السينما الفسيح

احمد ثامر جهاد

2004 / 6 / 6
الادب والفن


[ مع السينما فإن العالم هو الذي يغدو صورته الخاصة ، وليس صورة تغدو هي العالم ]*

منذ طفولتنا و " الصورة " تُثير فينا ما تُثير من إرتعاشات دفينة وأحاسيس . فنتساءل مندهشين : كيف يمكن للأشياء الموصوفة أن تغدوَ صورا وكلمات أو كيف يمكن للكلمات أن تغدوَ أشياءً موصوفة ؟
لنرى بعد حين إن ما بين ( ألبومِنا الشخصي ) و ( اللقطة السينمائية ) يمتدُ فضاء التداعيات في الصورة ، إلى درجة يُصبح فيها كل ما هو مؤهل لأثارة حواسنا – بشكل من الأشكال – مركزا لاهتمامنا الخاص . لكن الفيلم السينمائي تخطى ذلك الاهتمام لخصوصية في تأثيره وسعة في انتشاره ، جعلته إلى يومنا هذا ، غير متخل عن جماهيريته لقرن من الزمان واكثر ، محتفظا ببهائه وسيادته الاستثنائية على آخرِ ما نفكر به في ليل تُوشك ( عقولنا / صحوتنا ) فيه مغادرة " الشاشة السحرية " نحو سحر الأحلام .. أحلام الشاشة .
وللعجب الشديد ما عادَ الفيلم مَثلَهُ سابقا ، بل كاد حاضره أن يكون حقلا عنيفا، يُفزعنا ويصيب حواسنا البريئة بتشويشه المتعمد ، فيوقعنا في فخاخه مبددا بهاءه ذاك .
ومن مشهد إلى آخر هيمنت على سينما اليوم مختلف صور القتل والعنف والبشاعة ، حتى نَدُر " الجمال " فيها . لكنها " الحقيقة " آخر من انزاح عن الصورة الفيلمية وأول من تأثر بها . فصعب علينا بعدها استمرار البقاء في نزاهة أدبيتنا تلك ، لأن الأشياء الظاهرة غير الزاهية ما عـادت بحاجـة إلـى
1
اكتشاف ، ولأن إيقاع الحياة أيضا لا يأبه لعالم فسيح تمنينا الحفاظ عليه والاتصال الحميم به .وبأدوات مرئية هي الأخرى ، فقدنا ما يشبه السعادة نحو مشقة في التأويل وحذر من الخطاب .
وهكذا دائما00يتردد حديث العصر بين حرارة " الآيديولوجيا "وجليد" العولمة " !
إنما بحاجتنا الموضوعية فقط ، نحاول تجاوز ذلك التردي الحاصل الذي ينطوي عليه زمننا . وبما يجعل الفيلم يمتاز بسحره المعتاد ، سنختار له افضل التعابير، دون أن نُفقدهُ حقه في استخدام لغة شفيفة ، ينأى عنها كل ما يقع خارجها .
على أية حال ، ليس ذنبنا أن لا نستطيع تصور السينما إلا بوصفها عمل الواقع والخيال معاً ، ممزوجاً بقابلية الشعور الإنساني على الإبداع . فقد [ تُمثل السينما ، في الحقيقة ، المولود الأخير لهذه السلالة من أوهام الحركة … ]* التي تطور حاجتها الدائمة للتفسير ، من دون أن تعلــن " الصورة " غالباً عن مصادر رؤيتها مثلما يُعلن الكتاب الساكن عن مصادره . حيث لا يُفسر فيلم كـ ( ولِدوا قتلة ) بعيداً عن معرفة بنية الأسرة الهامشية في المجتمع الرأسمالي ، كما أن استشراف التكنولوجيا بعمل الخيال أو فلسفته هو ما يُضيء لنا أبعاد فيلم مركـب كـ (ماتريكس ) .
من زاوية تلك التغييرات الهامة التي طرأت على الصورة الفيلمية ومستوياتها الفنية، أصبحت حاجتنا مُلحّة لتعريض الفيلم السينمائي إلى حوارٍ ممكن ، يكشف عن حقائقه ويُعبر عنها بوضوحٍ يدرأ التغامض المحايث له . علماً أن لا خيار إمامنا ( كمتلقين ) سوى التحدث بلغةٍ رديفة للفيلم تعتمد تسلسلاً منظماً من الكلمات وتستوعب ما أمكن من الأفعال وردود الأفعال .
2
وقد لا يعني الاحتراز الفكري للمُشاهد أو الناقد إن أفلام اليوم خَلَت من الجمال أو القيمة المضمونية ، إنما يؤشر فقط إلى حالة شاملة يُعبّر خلالها بصيغ مختلفة عن مستوىٍ متقارب من الخلل الوجودي والتاريخي لحضارةٍ إنسانية واحدة .
وكما في كل إشكال الفن ، تفرض جدارة " المعنى السينمائي " لبعض الأفلام على مُتَلقيها ضرورة إقامة حوار معها ، يتنوّع دائماً بتنوّع أسلوبها ومحتواها . بحيث لا يَسعنا – بحال من الأحوال – اعتماد أسلوب متشابه لتحليلها أو الحكم عليها . وأستعيد هنا ما قاله (بابلو بيكاسو) : " لا يمكن لنا فرض أسلوب واحد لِتلقي لوحتين."
وعلى مستوى الفيلم الواحد تتعدد أحيانا طرائق القراءة . فبينما يشغلنا المعطى الجمالي في فيلم ما ، يُقنعنا آخر بقوة معالجته وبراعة أسلوبه ، أو يذهب بنا – مرةَ أخرى – للبحث في تداخل أنماطه السردية مع الرواية ( نصه المكتوب ) . فليست قراءاتنا السينمائية مجتمعة سوى مسرات المُشاهدة منظوراً إليها بوعيٍ ممكن .
الأمر الذي لا يجعلنا نُوّفق على الدوام في إنجاز تغطية وافية لعناصر الفيلم كافة عند تحليلها . مع إن الحديث المُفصّل عن البناء أو الأسلوب أو الصورة ، يُدخلنا – لاريب – في دائرة التخصص السينمائي .
وإذا كان الكثير من الجمهور لا يَعي السينما إلا بوصفها متعةً عابرة ، فهل يمكن لتلك القراءات إن تتوجه لإظهار حقيقة أن السينما رافدٌ مهم من روافد الثقافة المعاصرة ؟
من هنا ستكون مهمة النقد السينمائي شاقة وإبداعية ، تحاول أن تتخطى حدود المُشاهَدة الحيادية نحو إغناءٍ للذائقة وتثقيف للحواس وإشباع للرؤية، يُبعدهـا
3
عن التعليقات السريعة أو الجاهزة ، وعن التَحكّم بتذوّق الجمهور للسينما ، ويُبقيها في الوقت نفسه في حقل التأكيد على اكتشاف ما فاتَه ، بُغية تحقيق إدراك كافٍ لعمل الفيلم .
كذلك لا يُخفي تناول مجموعة من الأفلام للحديث عنها ، قصدية ما، تحاول استباق العرض السينمائي باسقاطاتها الشخصية ، بل قد يتَحَددَ اختيارها أحيانا بما يتهيأ للمتلقي من فرصة للتمعن فيها ، مع فارق الانسجام بين سياقاتها .
ولعدم الاتفاق مع فكرة مهيمنة للكتابة في السينما ، لاسيما بتلك المجانية التي تعاملت بها بعض الكتابات مع الفيلم السينمائي – واسع الدلالة – نجدُ من الأنسب أن تتصف القراءة النقدية بما هو أوسع من فكرتها الخاصة ، طموحاً في أن يكون لمحاولتها تلك ، حَقها في فتحِ نافذة أخرى لِتلقي الفيلم السينمائي على غناه المضموني وتنوعه الجمالي .
وقد يكون من غير المناسب هنا القول : إن على الصورة السينمائية التحدث بنفسها عن نفسها . لأننا نتساءل أساساً :
من قال إننا سنتحدث نيابة عنها ؟ أو أن كلامنا الوسيط سيُغني عن الاتصال بها.
فالسينما في نهاية الأمر ( عالمنا الفسيح ) .





* جيل دولوز : فلسفة الصورة . ت : حسن عودة . دمشق - 1997
4








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح