الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذَهَبَ الاحد ايتها الاربعاء(*)

رياض سبتي

2009 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


من المعيب جداً أن نقارن الدولة العراقية الآن بغيرها من الدول المتحضرة أو حتى الأقل تحضراً، كلما سمعنا أو قرأنا أو شاهدنا خبراً عن تخبّطِها السياسي والإقتصادي و الإجتماعي وما آل اليها مصيرها بعد الغزو والإحتلال لأننا إذا فعلنا، فإننا بلا أدنى شك سنكون قد أجحفنا بحق تلك الدولة وبحق العراق ايضاً ، فالأولى ستحتج لأننا قارنّاها بدولة فاشلة وأما الدولة العراقية أو القائمون عليها سيعتقدون إن دولتهم في مصافِّ دولٍ ذات قيمة وإنهم يسيرون بالدولة الى الإتجاه الصحيح، وهذا طبعاً ما لا تقوله الوقائع ولا حتى تفاصيل الامور اليومية التي يمر بها العراق ، وعودة العنف المتمثل بالمفخخات الدامية في بغداد وفي أكثر من مدينة عراقية اخرى يسند كلامنا هذا، إضافة الى ان هذه الدولة لاتملك المقومات التي تجعلها دولة فعليّة ، فلا سيادة حقيقية و لا جيش حقيقي فيها ، اللهم إلا إذا جاز لنا تسمية مئات الآلاف من قوات الشرطة التي تركت حماية الحدود واتجهت لحماية المدن، بالجيش ،رغم إن نصف هؤلاء هم أفراد حمايات لمسؤولي الدولة إبتداءً من الرئيس وإنتهاءً بضابط شرطة بدرجة ملازم أو حتى أقل من ذلك .ولا إقتصاد حقيقي يكون المواطن العراقي هو المستفيد الاول منه على إعتبار إن الدولة هي في خدمة هذا المواطن ومصالحه ، ولا نظام قضائي رصين شجاع يبتعد عن المحسوبية ليحارب فساد مسؤولي الدولة الذين اغترفوا من أموالها ما لا يحصى ، وأخيراً الهجرة التي كان سببها الأول والأخير، الدولة نفسها ، فبلد بلا سيادة، وحدود مخترقة صباح مساء ،وحياة أدنى من مستوى حياة الاخرين ، يشلّها ضياع الأمن وتضارب مصالح الأحزاب الحاكمة، وابتعاد المسؤول الحكومي او النائب البرلماني عن مصالح الوطن والمواطن ،هو بلد لا يمكن العيش فيه حتى لو صرخت فضائياته بالكذب المفضوح حول إستقرار الأمن وإرتفاع مستوى دخل الفرد فيه .
لكن ليس عيباً أن نتمنى لبلادنا أن تكون مثل الأمم المتحضرة في كل ميادين الحياة وأن تكون متطورة لتبني حياة للمواطن العراقي تختلف عن تلك الحياة (إذا اعتبرنا إنها حياة ) التي عاشها في خضم الحروب وديكتاتورية الرئيس الأوحد ، لكن ما تشهده الساحة السياسية العراقية من صراع دموي بين مكوناتها الاساسية قد انعكس سلباً على الأداء الإداري للدولة العراقية ( المؤسسات والدوائر الرسمية وغير الرسمية التي يتكون منها الهيكل العام للدولة وبالتحديد المؤسسات الامنية التي تحمي المواطن وتدافع عن سيادة البلد) .
ولا يمكن وصف او تعريف هذا الصراع على إنه صراع مؤقت بين تلك المكونات سينتهي بفوز احدها في الانتخابات او تحالفها مع البعض الاخر ، إنما هو صراع مستمر على السلطة ، له نزعة انفصالية شوفينية كما هو عند الحزبين الكرديين والمجلس الاعلى ونزعة طائفية تحددها اتجاهات اسلامية متناقضة مثلما هو عند أحزاب الاسلام السياسي بشقّيه السني والشيعي .
نتائج هذا الصراع إنسحبت سلباً كما هو واقع ،على الإداء الوظيفي العام للدولة ، من خلال سيطرة المحاصصة السياسية على مفاصل تلك الدولة وإستئثارها بالسلطة، وغياب أي ولاء للوظيفة بإعتبارها الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تتطور الدولة من خلالها كالجهاز التعليمي والقطاع الصحي وأيضاً ( الجهاز الأمني الذي تؤول مسؤوليته المباشرة الى أعلى سلطة في سلَّم الدولة) .
الحكومة هنا لاتملك أية رؤية سياسية استراتيجية لحكم العراق وليس عندها قناعة راسخة ان (مصلحة) العراق كشعب وكدولة هي أهم وأعمق من مصالح الحكومة المتمثلة بمصالح أحزابها التي تقود دفّة البلاد .
بعد الأربعاء والأحد الداميين وما بينهما تخبطت الحكومة في إدارة ملف الانفجارات وتحولَ هذا الملف الى أزمة حقيقية ، إتضحت معالمها بعد الأربعاء الدامي مباشرة عندما نفذّت إحدى الجماعات الإرهابية في يوم السابع عشر من تشرين الأول ، تفجير جسرٍ بالقرب من منطقة الـ 160 في الأنبار والذي يربط بغداد بعمان وتدميره تدميراً كاملاً ، هذا التفجير أظهر إن لا إستراتجية أمنية في المؤسسات الحكومية المعنية قد وضِعتْ، و لا خطة عمل أمنية أُنجزتْ لمواجهة العنف المتصاعد في البلاد ، وكأن الإنفجار الذي حدث اليوم قد لا يحدث غداً ، وهكذا إكتفت الحكومة بسجن ما يقارب الـ 160 عنصراً من العناصر الأمنية بعد الأربعاء الدامي .
هذا بالضبط ما يبرر التراخي الذي حصل عند أعلى مستوى في الدولة ، مما جعل البعض منهم يترك موقعه ليقوم بدعاية إنتخابية مبكرة لكيانه السياسي ، فالسيد وزير الأمن الوطني يزور الناصرية في يوم الخميس الثامن من تشرين الأول ، وفي يوم السبت العاشر من الشهر نفسه ينتخبه نادي ذي قار الرياضي رئيساً فخرياً له ، أما السيد نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي يزور نفس المدينة في الثاني عشر من الشهر أعلاه للترويج لقائمة حزبه الإنتخابية، و بعد ذلك تتوالى الإنفجارات متتابعة الواحدة تلو الاخرى ، ففي كربلاء وقعت ثلاثة إنفجارات في يوم الأربعاء الرابع عشر من تشرين الأول ، وبعد الأحد الدامي مباشرة أي في يوم الإثنين يقع إنفجار آخر وفي كربلاء أيضاً (مفرق كربلاء – الحسينية ) ثم إنفجار في منطقة الرمادي ،أما في الأحد الماضي لوحده، المصادف الأول من تشرين الثاني فقد حدثت سلسلة من الإنفجارات نوجزها كما يلي :-
1- إنفجار عبوة ناسفة في منطقة النقيب في كربلاء .
2- إنفجار قنبلة في سوق شعبي في المسيب في محافظة بابل.
3- إنفجار عبوة ناسفة في مدينة الحلة ذاتها.
4- إنفجار سيارة مفخخة في مدينة الرمادي قرب مديرية المرور العامة .
5- إنفجار سيارة مفخخة في شرق الرمادي .
6- إنفجار عبوة لاصقة بسيارة أحد عناصر شرطة الفلوجة في مدينة الفلوجة .
القاسم المشترك لكل هذه الإنفجارات هو سيل الإتهامات التي توجهها الحكومة أو الجهات الأمنية المعنية ضد عناصر القاعدة أو البعثيين حتى قبل أن يبدأ أي تحقيق فعلي في أي منها ، وهنا لا ابريء أي جهة فالكل متهم على الساحة العراقية ، من الأحزاب السياسية المتنافسة في الإنتخابات الى الأكراد ومصلحتهم في عراق ضعيف حتى يستولوا على كيكة كركوك الى دول الجوار العراقي بلا إستثناء ، الكل له مصلحةٍ ما في الدم العراقي المراق ،الى أمريكا نفسها التي تحاول أن لا تخرج من العراق حسب تصريح قائد قواتها الجنرال اوديرنو وقوله ، إن ما يجري في العراق هو حملة دامية ضد تعهد الرئيس أوباما، بسحب القوات وإنهاء العمليات القتالية بأيلول من السنة المقبلة ، لأنّ مستويات العنف تتزايد بشكل ملحوظ .
الفعل الإرهابي كان عنيفاً بحيث راح ضحيته الآلاف من الأبرياء بين شهيد وجريح منذ الأربعاء الأسود وحتى الآن ، بينما رد فعل الحكومة جاء ضعيف كعادته ، ففي كل كارثة تحاول الحكومة أن تشغل الرأي العام العراقي بأمر أقل أهمية من الكارثة نفسها لتحول أنظاره بعيداً عن أسباب حدوثها او معرفة منفذيها أو حتى المدى الذي وصلت اليه اللجان التحقيقية ، وهذا ما حدث في قضية مصرف الزوية التي صار ضحيتها فيما بعد الشاعر احمد عبد الحسين ثم الأربعاء الدامي لتحوّل انظارنا الى قضية المحكمة الدولية ضد سوريا ، اما هذه المرة فيحاولون ان يحولوا انظارنا الى اجهزة الكشف عن المتفجرات العاطلة او الفاسدة ايضا لان اغلبها لا يكشف عن اية متفجرات حتى لو اشتغل دهراً .
في كل هذه الإنفجارات والكوارث كانت دائماً هناك إتهامات لجهة معينة وهي إتهامات لا نقول عنها إنها جاهزة بقدر ما أصبحت مكررة وغير مقنعة البتة ، الناطقون الرسميون للحكومة والوزارات والاحزاب السياسية والكيانات الامنية كلهم يظهرون على الفضائيات ليكيلون الإتهامات بشكل بطولي على الجهة او الجهات المنفذة ،لكن ليس هناك شجاع واحد منهم يعلن مسؤوليته عن أي إنفجار بسبب تقصير حكومته أو وزارته أو قواته الأمنية ، فالإرهابي لم يقم بإنزال جوي فوق منطقة الصالحية ولا الرصافة ولا الرمادي ولا كربلاء ولا الفلوجة .
إذن بدل أن نسمع مرة اخرى إتهامات ساذجة في الجمعة الدامية القادمة ( لاسمح الله ) علينا أن نسمع خبراً عن إستقالة مسؤول كبير لتقصيره بحماية حياة الأبرياء ومعاقبته وسجنه، وليس سجن أو طرد ثلاثة عشر ضابطاً لا حول لهم ولا قوة لأنهم لا يملكون المعدات الكافية لحماية مناطقهم او لانهم فاسدون صغار وليسوا مثل قائدهم الاعلى .

( * ) جملة مكتوبة بقلم الرصاص على احد الكتب التي كنت استعيرها ايام كنت في الصحراء ولا أتذكر من قائلها او كاتبها, ولم احسب انني ساستخدمها لولا انني رأيتها مناسبة لما يعيشه العراق الان .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار