الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقعية بلا ضفاف وخنادق بلا ثبات .. مقاربة ما بين الضفة والخندق

دانا جلال

2009 / 11 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يَستمدُ الإبداعُ الفردي فضاءه من حركة الجموعِ في صيرورة تاريخية لا تنتهي وان ادعى فوكياما بنهايته ، موت التاريخ أكذوبة ، لان هناك تاريخاً لم يُولد بعد و مازلنا بصدد كتابته .
في ملحمة الحضارة و المعرفة الإنسانية يُمثلُ الإبداع الفردي ساحةً مُغلقةً بحدود ألذاتِ ، و موآخاة لذاتي يستمد جذره من الموضوعي الذي ينتظرُ اللمسات الأخيرةِ للذات المُنطلقةِ من خلال الفكرة ، والفكرة إن اكتملت ماتت ، لان الأفكار التي لا تَخلقُ نَفيها هي أفكار عقيمة .
بعض النظريات لا تقلُ أهمية عن الثورات الاجتماعية الكبرى ، لأنها تمهد الطريق لإعادة ترتيب فضاء وعينا وفهمنا ونظرتنا للعلاقات بشكلها الأفقي بين البشر و العمودي مع المطلق أو المفترض على حد رأي الآخرين ، ويمثل (واقعية بلا ضفاف ) روجيه غارودي الذي اكتشف ضفاف أخرى للفن الواقعي بعيداً عن أحادية الضفةِ المتمثلةِ بالواقعية الاشتراكية مُداخلة تاريخية لتحاشي تَهدمُ جدار الثقافة والفن الواقعيين.
الواقعية الاشتراكية وان كانت مُنطلقةً من النبع الإنساني فإنها اكتشفت ضفاف أخرى ، وهذا هو سر بقاءها على خلاف نظيراتها في السياسية والنظام الذي أشيع بأنه اشتراكي .
لقد تغيرت المفاهيم والتعريفات في جميع مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية بفعل الثورة العلمية والتكنولوجية وعولمة اقتبست ملامح الأمركة ، تحول العالم إلى قرية خضراء رغم مقاومتها لتلوث بيئي واجتماعي ناتج عن أداء بشع لراس المال المالي الذي أصبح بلا هوية قومية ، الزمن وأبعاده يمكن استحضاره بالزر الالكتروني .
حتى الماركسية ورغم وضع المؤسسة الرسمية لفلسفتها العلمية في صندوق بروكسيتي تمكنت من الاقتراب من حدود التابو ، بل تجاوزتها من خلال تعريف اوسكار لانكة للطبقة العاملة ، تعريفا ً يحرره من اسر مفهوم الطبقة العاملة في عصر المانيفاكتورة. تغير مفهومنا عن الطبقة ، عن الأمة ، عن ألهوية ، فهل واكب تلك التغيرات هيكلة جديدة على صعيد الخطاب والأداء السياسي لتلك المفردات ، ناهيك عن نظرتنا للانتماء ؟ والى متى يبقى المنتمي على الصعيد السياسي مُنطلقاً من نبع الايدولوجيا ومنتهياً في ضفة مُحددة له مُسبقا ، وكأن رحلته قد حُدِدَت خُطاها ورسمت ضِفافها ، بضفة ثابتة لا تتغير رغم المتغيرات .
المشهد السياسي على الصعيد العالمي لم يشمله تغيرات متوازية مع تلك المتغيرات الهيكلية الآنفة الذكر وبالأخص المفهوم الشائع عن الانتماء السياسي الذي يحتاج إلى صياغة جديدة ليلعب دوره وبقوة وحرية ، لأننا نعيش عصراً نحتاج فيه لضفاف أخرى ، وبشكك أدق إننا بحاجة إلى إلغاء أحادية الضفة ، إن كانت ضفة إيديولوجية لحزب سياسي أو طبقة اجتماعية أو شعور ونضال قومي ، إننا نعيش عصراً مهيئا بظروفه الموضوعية لنفي فكرة ورحلة المركب الواحد ، فهناك مراكب متعددة ، ولا يشترط أن يكون مركب الانتماء الحزبي أفضل المراكب أو المركب الوحيد في الرحلة ، إننا بحاجة إلى بوصلة إنسانية مشتركة تؤشر دوماً صوب الإنسان الذي سيولد حتما من رحم شبيهه.
مشتركات الشعوب كثيرة ولكن أكثرها اشتراكا هي علاقة الكورد بالعرب والترك والفرس والشعوب الحاضرة في تاريخها من كلدو آشور وسريان ، لقد تداخل تاريخ شعوب منطقتنا فأصبح الحديث عن التاريخ النقي والمُنجز الفكري أشبه بأكذوبة الدماء النقية ، الجغرافية متداخلة و أصبح الحديث عن هوية المدن إشكالية جديدة ، في ظل هكذا ظروف نحتاج إلى مفهوم الأمة الديموقراطية لمواجهة سوق العولمة والعولمة المشوهة ، نحتاج إلى فضاء مشترك بعيداً عن حدود تَنحرنا جَمعاً ، شعوب منطقتنا مهيأة لاستقبال رياح الديموقراطية وتشذيب العولمة وبالأخص الكورد لأنهم على مسافة واحدة مع الدمقرطة ، لان الديموقراطية ستعتبرهم بشراً على خلاف نظرة الشوفينيين في أجزاء كوردستان الأربعة .
الكورد يريدونها عولمة إنسانية ، لان مشكلة حدود دولة الأقوام التي رُسمت بدماء الكورد وبقية الشعوب المظلومة بحاجة إلى إعادة رسم جديدة ، ولا يفترض أن تكون قومية ، الكورد يريدونها حدودا خضراء وليست حمراء لأنهم وعبر التاريخ كانوا ضحايا الحدود الحمراء بين الدول ، للكورد أكثر من سبب يدعوهم لمواكبة التطور في مجال تغيير معادلة (الإيديولوجية -الحزب ) مع ( الأهداف والوسائل ) وبشكل أدق بين ( الموانىء والمراكب والضفاف الأخرى ) لان الخصوصية الكوردية و الكوردستانية متمثلة بــــ:
1- كانت كوردستان ساحة لصراع وحوار وتداخل حضاري عبر التاريخ وستبقى بوابة الجدل والحوار ، بوابة الصراع والحلول في هذا الشرق الذي مازال يتوسط الألم .
2- الكورد والكوردستانيين يمثلون الخلية الأولى للهوية المستقبلية لشعوب الشرق، هم نواة الأمة الديموقراطية ، لان الشخصية الكوردية متعددة الفضاءات والإشكالات والأحلام ، يمتزجون ويتجاورون ويتحاورون مع بقية الشعوب في منطقنا ويضطرون للدفاع عن أنفسهم ومواجهة مضطهديهم ومضطهدينا، كل تلك الشروط جعل من الكورد آصرة التوحد بين شعوب منطقتنا و معادلةً لكيمياء سياسية جديدة لا تنطلق من الجغرافية لان الجغرافية التي نحرتهم إشكالية والديموقراطية حل لجميع الإشكاليات.
3- نتيجة لعدم ممارسة الكورد حقهم الطبيعي بإنشاء دولتهم القومية فان علاقة الكورد بالحدود الحمراء محكومة بنزف تاريخي مازال في مده ، الكورد ليسوا بضحايا الجغرافيا كما أشيع بقدر كونهم ضحايا فرجال راس المال المالي الذي رَسم خرائط المنطقةِ ضمن صراع تلك الرأسماليات المالية، لذا فان هذا الشعب سيكون الأكثر إصرارا على إلغاء الحدود القومية والدخول في عولمة إنسانية في نموذج يمكن تسميته ( بالتحول اللاقومي نحو العولمة )، أي مشاركة الآخرين بإلغاء الحدود القومية دون امتلاكها وهذا يفسر الانطلاقة الكوردية صوب العولمة وان كانوا يتمنوها إنسانية كي لا يتكرر المشهد المأساوي الذي خلفه معاهدة لوزان وسياكس بيكو.
4- الهامش والمركز على صعيد الجغرافيا بالنسبة للكورد متحركة وتتبادل فيها المواقع ، فاربيل و امد و مهاباد و قامشلو مراكز قومية ولكنها تمثل هوامشاً وطنية للمراكز ( بغداد وأنقرة وطهران ودمشق) .
5- الهامش والمركز على صعيد الهوية القومية للكورد يأخذ بعداً مختلفا ، الموجودين في المراكز الوطنية ( بغداد ، أنقرة، طهران، دمشق ) هم كورد الأطراف من الناحية القومية، كورد الأطراف من الموجودين في المراكز الوطنية بحاجة إلى خطاب سياسي مختلف، خطاب وطني وديموقراطي يجعل من مطلبهم القومي كقومية ثانية في مناطق خارج كوردستان جزء من الرحلة الكوردية ضمن مفهوم تعدد المراكب والضفاف.
6- بحكم ظروف التجزئة للشعب الكوردي وتداخل وتكامل المهام الوطنية والقومية يجد الكوردي نفسه في صراع الاختيارات وتقديم الأولويات بل وحتى الهوية وان كانت مفتعلة ومدفوعة الأجر كما هو الحال بتعامل الإسلام السياسي والقومي الالغائي مع الكورد الفيليين والشبك والايزديين ، إشكاليات الهوية والخطاب السياسي الكوردي والكوردستاني يمكن أن نوجزها بإجابة عدد من الطلاب الكورد في المهجر عن الوطن ، فقال احدهم أنا من العراق وآخر من كوردستان العراق وآخر من جنوب كوردستان والأخير من كوردستان ، عدة إجابات لسؤال واحد ، هل يمكن أن نكتشف جوابا يجمع كل تلك الخصوصيات في خطاب سياسي موحد.؟ وان تعذر فهل هناك آليات جديدة يحتاجها الكورد لمواجهة متطلبات المرحلة؟ إننا بحاجة لمراكب متعددة لان رحلاتنا وان كانت تكمل أحداهما الأخرى فهي لا تحمل ذات المسار.
كورد المهجر وجدوا بعض الحلول باكتشاف تعدد المراكب والضفاف، إنهم يعيشون في غربتهم و اغتراباتهم قضية وطن جديد ووطن تاريخي قيد التشكل، يعيشون قضية وطن وشعب مجزأ، فكان انتمائهم السياسي لأحزاب الدول التي يعيشون فيها والأحزاب الكوردية التي لها امتداداتها في كوردستان، الأمر ليس بتناقض أو انتهازية ، إنه جزء من مفهوم خنادق بلا ثبات الذي بحاجة إلى تأسيس وتكريس الجهود النظرية فيه على أن تشمل حلولا نظرية للمهام وهي
1- المهام على صعيد الجزء أو الإقليم
1- المهام القومية على صعيد الأجزاء الأربعة والأطراف
2- المهام الوطنية ضمن الدول القائمة حاليا
3- المهام الإنسانية المستقبلية
إن تحديد أولويات الخطاب السياسي ضمن تلك المهام تُعتبر عملية بالغة الصعوبة ومحفوفة بالمخاطر لان تقديم إحداها على الأخرى وجعلها مركزية أو الضفة المبتغاة الوصول إليها ، أدى إلى احتراب بين الأحزاب الكوردية وبالأخص بين أحزاب الأجزاء ، ناهيك عن اشكالية العلاقة بين كورد كوردستان و الكورد خارج كوردستان و الذي اُستغل بشكل كبير من قبل الإسلام السياسي في عدد من المراكز الوطنية التي تقمع الكورد أو تريد إعادتهم لما كانوا عليه زمن قبرهم جماعيا في حملات الأنفال أو تحويل هوائهم النقي إلى مخلفات الغاز ومنتجات الكيمياء .
هل كان للكورد رحلات تعددت في المراكب واختلفت فيها الضفاف؟
نعم كان ومازال لهم تلك الرحلات ، كان لهم رحلاتهم بتعدد المراكب صوب ضفاف وخنادق مختلفة ، ويمكننا القول إن البارزاني الأب مارس نضاله دون أن يحدد ضفة أو ينفرد بمركب واحد ، وهذا ما لم يفهمه الكثيرين ، فسر أعداء الكورد تعدد مراكبه بأنه كان بعيدا عن فكرة الحزب السياسي ، إن قراءة دقيقة لنضال الخالد البارزاني يؤكد وبما لا يقبل الشك انه كان يعتبر كل خنادق الثورة خندقه وانه لا يملك مركبا واحد أو ضفة محددة مسبقا بخطاب الحزب السياسي لذا كان بطولاته ومعه رفقته في مهاباد جزء من مفهوم حركية الخندق وعدم ثباته. لقد أوضح الراحل ناجي عقراوي رحلات الخالد البارزاني في فضاءه القومي والوطني حيث كتب (غادرنا من نحب و في يديه حفنتين من التراب، تراب العراق و تراب كوردستان) وكتب الراحل ناجي عقراوي ( كان البارزاني يعرف بأن بين الحق و الباطل مسافات مزروعة بالألغام، و لكنه استطاع الانتفاضة فيها بعزيمة الأبطال، وعلم شعبه كيف يكسر القيود الثقيلة )
أية قيود حطم البارزاني وكيف فهمه الراحل ناجي عقراوي؟
هل كان تحطيمه لقيد الضفة الواحدة والمركب الواحد؟ سؤال نجد بعض إجاباته في ملحمة قتاله في مهاباد ونضاله من اجل الديموقراطية في العراق.
الكورد بحاجة إلى ضفاف متعددة بحكم تعدد فضائهم وعمقهم الاستراتيجي ، فضائهم مشترك وعمقهم الاستراتيجي يمتد صوب كورد الشمال والقوى الديموقراطية في تركيا ، صوب الجنوب والقوى الديموقراطية في العراق ، صوب الشرق و القوى الديموقراطية في إيران ، صوب الغرب والقوى الديمقراطية في سوريا. إن تعدد مهام الكورد وأحزابهم يفرض عليهم تعدد المركب واختلاف الضفاف وبالأخص في وضع نعيشه حيث غياب الحزب الواحد الذي يجمع كل الكورد في كل الأجزاء وهذا حلم لن يتحقق وان تحقق سينتهي بكابوس لان الحزب الواحد والأوحد ينتهي بحفرة تاريخية.
هل كانت هناك ضفة ومركب لم نتوجه صوبها في رحلة من ألف رحلة كوردية صوب الحرية ؟
كانت هناك ملامح رحلة وضفاف في طريقها للاكتشاف بعد عام 1991 حينما سحب النظام الدكتاتوري جهازه الإداري من كوردستان وأعلن الكورد لاحقا فيدرالية كوردستان ، في تلك اللحظة التاريخية تغيرت المفاهيم وملامح الجغرافية وبقي الخطاب ثابتا وخسر الكورد في المركز الوطني فرصة المطالبة بحقوقهم القومية كقومية ثانية خارج الإقليم الفيدرالي ... مازلت هناك ضفة أخرى والرحلة ممكنة ، فهل من مركب جديد أو رحلة يجمع المراكب في رحلة ألف رحلة لإنقاذ الكورد من شوفينية تفرض عليهم هوية جديدة أو تخيرهم مابين القومية و المذهب.
**** ***** *****
نص محاضرة القيت في الكونفرانس التكريمي للراحل ناجي عقراوي الذي عقد في اربيل في 28تشرين الأول 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت