الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهزلة الديمقراطية الأمريكية في العراق

صاحب الربيعي

2009 / 11 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


النظام الديمقراطي منتج غربي بامتياز، واثبت نجاعته في دول عديدة لكنه تعثر في معظم دول العالم النامي ‏ليس بسبب عدم صلاحيته لشعوبها أو تقاطعه مع تقاليدها وأعرافها وديانتها وإنما بسبب تطبيقاته الهزيلة التي ‏لم تسيء للديمقراطية وحسب، بل جلبت ( في كثير من الأحيان ) الويلات والبلاء على شعوبها ؟.‏
يتطلب تبني النظام الديمقراطي ممهدات حقيقية على أرض الواقع، أسس متينة لبناء هياكل النظام الديمقراطي ‏المؤسسي. منتجو النظام الديمقراطي ذاتهم وضعوا مستلزمات للشروع في بنائه أهمها : عدم وجود تناحرات ‏اجتماعية بين فئات المجتمع، وجود قوات مسلحة قوية وقادرة على حماية النظام والتصدي للعدوان الخارجي، ‏وجود طبقة سياسية وثقافية مؤهلة ومؤمنة بالنظام الديمقراطي، عدم وجود الأمية والجهل والفقر، وجود نظام ‏اقتصادي متين قادرة على تأمين متطلبات العيش الكريم للمواطن، إيمان القوى السياسية بالتداول السلمي ‏للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وجود منظمات مجتمع مدني قوية وفعالة ومستقطبة لفئات واسعة من المجتمع، ‏وجود أحزاب سياسية مؤسسية، وجود حرية لوسائل الأعلام، وضمانات كافية لحقوق الإنسان، وجود قضاء ‏مستقل.‏
السؤال الذي يطرح نفسه، هل من وجود لتلك المستلزمات على أرض الواقع في العراق للشروع بتبني النظام ‏الديمقراطي ؟. الكائنات السياسية وكياناتها الحزبية تعتقد أن تطبيق إحدى مستلزمات الديمقراطية ( الانتخابات ‏‏) دلالة وحجة على أن النظام ديمقراطي في العراق !. فالشكل الهزيل للنظام الديمقراطي الذي فرضته دولة ‏الاحتلال في العراق ( وتفرضه على بقية دول العالم ) ليس الديمقراطية الحقة، وليس مكرمة ( أخلاقية ) من ‏الإدارة الأمريكية لمساعدة شعوب دول العالم النامي ضد حكامها المستبدين، وإنما وصفة سحرية لإشباع ‏عواطف الجمهور الجاهل في تلك الدول الذي لا يعي المستلزمات الحقة للنظام الديمقراطي.‏
إن الوصفة الأمريكية السحرية للنظام الديمقراطي، تعني بالمعايير السياسية الدولية مسخاً للديمقراطية، فعبرها ‏يمكن تنصيب حكام موالين لها في العديد من دول العالم النامي المتعطشة للديمقراطية لتدور في فلكها وتحت ‏يافطتها تمرر كافة المشاريع المريبة. فالكائنات السياسية ( الوطنية ! ) التي ينتخبها الشعب عبر صناديق ‏الاقتراع، إذا لم تنال المباركة الأمريكية فمصيرها أما الحصار ( كما حدث عند فوز منظمة حماس في ‏الانتخابات في غزة فعوقب الشعب الفلسطيني على خياره ) وأما الإزاحة عبر عملائها ( كما حدث في إزاحة ‏الجعفري عن رئاسة الوزراء في العراق ) وأما التصفية الجسدية ( كما حدث مع بوتو في الباكستان ) إن ‏تجاوز الكائن السياسي قواعد اللعبة السياسية !.‏
يعبر (( نعوم تشومسكي )) عن ذلك قائلاً : " مسموح لك بالعمل إلى حد معين، لكنك إذا كسرت القواعد، ‏فستعاقب ".‏
تحديداً منطقة الشرق الأوسط، تعتبر محمية أمريكية، معايير حقوق الإنسان وتعبير الأنظمة المارقة يعد سلاحاً ‏جاهزاً لشهره في وجه أي نظام يخالف قواعد اللعبة السياسية. ولن تجد الإدارة الأمريكية غضاضة من دعم ‏أنظمة متخلفة واستبدادية ( دول الخليج ) في المنطقة طالما تحقق مصالحها، لكن حين يتجاوز حكام المنطقة ‏القواعد المعمول بها فإن التلويح بعصا حقوق الإنسان وإدراجها على لائحة الدول المارقة سيكون جاهزاً.‏
السياسة ليست منظومة قيم أخلاقية، وإنما منظومة مصالح، فتلك المنظومة الهائلة قادرة على سحق ملايين من ‏البشر تحت عجلاتها دون أي رادع أخلاقي لتحقيق مصلحة ما، وقد تعمل بمبدأ تحقيق المصالح مع المارقين ‏لتخفيض حجم التكاليف اللازمة لتحقيق المصالح المبتغاة وبغض النظر عن قيم ومبادئ ومواصفات المتعاملين ‏ببورصة السياسة الدولية. ليس المهم منًّ يكون في سدة الحكم ( أنظمة علمانية أو أنظمة دينية ) لكن من ‏الأهمية القصوى أن يكون متعاوناً ( مدركاً لقواعد اللعبة السياسية ) في تحقيق مصالح دولة الاحتلال أو ‏الدولة ذات النفوذ المهيمن على المنطقة.‏
إن حصاد أصوات الناخبين عبر صناديق الاقتراع بالرغم من أهميته في تسلق سلم السلطة التقليدي لكنه ليس ‏حجة لشرعية السلطة، فالمعيار الأساس هو حجم التعاون ( تنفيذ الأوامر ) الذي يبديه الحاكم لدولة الاحتلال ‏كضمان لاستمراره في السلطة وإلا فليذهب هو وأصوات ناخبيه إلى الجحيم !.‏
يعتقد (( جليير الأشقر )) " أن ما تريده وما تعنيه واشنطن بالديمقراطية، هو تثبيت حكومات تحت السيطرة ‏الأمريكية بواجهات ديمقراطية لا أكثر، وقد يكون هو مشروعها في العراق ".‏
بالرغم من أن الديمقراطية مطلباً ملحاً لشعوب دول المنطقة للتخلص من حكامها المستبدين، لكنه ليس السبيل ‏الأمثل، فلو طبقت المعايير الديمقراطية الحقة في المنطقة ( بغياب المستلزمات الأساس للنظام الديمقراطي ‏ووجود نسب عالية من الأمية والجهل والفقر.... ) لأنجبت أحزاباً دينية متطرفة والتي لا تقل شراً وتخلفاً عن ‏الأنظمة المستبدة القائمة، نتيجة تدني مستوى وعي الناخب بمصالحه وانحيازه لعواطفه دون عقله في منح ‏صوته للجهة المضادة للسلطة القائمة والتي لا تقل شراً وفساداً عن السلطة ذاتها ( التجربة العراقية ماثلة، ‏فالمرتشون والمفسدون والمتخلفون في غالبيتهم ينتمون لأحزاب السلطة ).‏
المعيار الآخر لقياس درجة وعي الناخب في التطبيل لمشاريع لا تمت بصلة لمصالحه الخاصة كبناء ( فنادق ‏الدرجة الأولى، أبراج عملاقة للسكن، فيلات سياحية، مطاعم فاخرة... ) حيث يتناغم خطابه مع خطاب ‏السياسي الجاهل ويعدها مشاريع للتطور المدني والعمراني، ودلالة على مدنية المجتمع وتطوره ويغفل ‏التصنيف الذي يعد ذلك مجتمعاً استهلاكياً وبذلك المعيار الزائف يجب تصنيف المجتمع في مدينة دبي من ‏أرقى مجتمعات في العالم. ‏
السياسي العراقي كائن جاهل رؤيته متخلفة، يبحث عن مصالحه الذاتية بشكل خسيس كسعي أعضاء البرلمان ‏لمرات متتالية لزيادة رواتبهم وامتيازاتهم مقابل تقهقر دخل المواطن، هذه العينات والكائنات السياسية هي ‏المطلوبة والمحتفى بها عند دولة الاحتلال لأنها ترغب في التعامل مع شريحة سياسية تبحث فقط عن ‏مصالحها ولا تهتم بمصالح الوطن والمجتمع. كما تسعى دولة الاحتلال لخلق كيانات حزبية قابلة للانقسام ‏والتشظي ( كالأمبيا ) للهيمنة على الواقع السياسي والتعامل مع كيانات حزبية ضعيفة وليست تكتلات حزبية ‏كبيرة تطالب بثمن أكبر عند المقايضة لتبادل المصالح، فالمبدأ كلما تعددت الأسواق وزاد عدد الزبائن كلما ‏يمكن التحكم بآليات السوق السياسية بشكل أكبر.‏
يرى (( جليير الأشقر )) " أن الديمقراطية في الشرق الأوسط، لا تزال ( إلى حد كبير ) مطلباً مطروحاً على ‏الأجندة يحتاج أن ينجز، وهو بعيد جداً عن أن يكون حقيقية ماثلة ".‏
إن مهزلة الديمقراطية الأمريكية في العراق، لم تعد أجندتها خافية والسياسيون المؤدون لها أصبحوا عراة ‏حتى من ورقة التوت، والانتخابات القادمة لن تستر عوراتهم، فتجربة الأربع سنوات الماضية كانت كافية ‏لكشف زيف الادعاء والتباكي على مصالح المجتمع. وسيبقى المجتمع العراقي يدفع ضريبة الدم عبر العمليات ‏الإرهابية لتصفية الحسابات السياسية وتحقيق المصالح المبتغاة وترسيخ قواعد اللعبة السياسية عبر إضعاف ‏الجميع لتبقى خيوطها بيد مهندسة المهزلة الديمقراطية حيث تسقط من تشاء وتدعم من تشاء من السياسيين ‏لقاء تقديم الطاعة والإذعان وإلا فأن نهر الدم سيفيض عن مجراه الأساس عبر روافد جديدة ليروي عطش ‏الكائنات السياسية الطامعة في السلطة. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن